فى الوقت الذى تتأهب فيه المهرجانات العربية لتسجل نفسها فى سجل المهرجانات المهمة على خريطة السينما العالمية، تسجل مهرجاناتنا الفشل تلو الآخر.. فالإسكندرية السينمائى يعانى منذ سنوات وينزف.. والقاهرة السينمائى هو الآخر يفقد كل عام من أساساته حجرا يهدد بانهياره... وهو الشىء الذى يجعلنا نسأل: ألا تستطيع مصر بكل ما تملكه من مقومات وإمكانيات تنظيم مهرجان سينمائى واحد؟! الإجابة فى هذا التحقيق: الحافز المادى الذى تقدمه المهرجانات الجديدة خصوصا الغنية منها يؤثر على قدرة مهرجاناتنا على الجذب والمنافسة، هكذا بادرتنا الناقدة ماجدة خيرالله عندما سألناها عن الفشل المتكرر لمهرجاناتنا وأكملت قائلة: قيمة الجوائز فى هذه المهرجانات عنصر مهم لجذب الأفلام فتخيل أن الجائزة 100 ألف دولار وهو رقم كبير جدا، وهناك عامل آخر وهو أن صناع السينما المصريين أصبحوا أيضا يفتقدون الثقة فى سرية تقدير لجان المهرجان لأفلامهم بعد ما حدث مع فيلم «عزبة آدم» وتسريب تقرير اللجنة الذى يقول إنه دون المستوى وهو ما يعد ضربة قوية للفيلم ولعرضه التجارى فى سابقة لم تحدث فى أى مكان فى الدنيا إلا فى مهرجاناتنا... وهناك سبب آخر لفشل المهرجان هو عدم قدرته على جذب النجوم خصوصا أن المهرجانات الأخرى تحترم وتدلل الفنانين المصريين. الإعلامية ورئيسة الرقابة على المصنفات الفنية سابقا درية شرف الدين تحكى تجربتها مع آخر مهرجان سينمائى حضرته وهو مهرجان طوكيو الذى تقول عنه: كان له برنامج منسق تم تجهيزه قبل بدء المهرجان بفترة طويلة وتم إعداد كتيبات تتسم بالبساطة والوضوح وسهولة التعامل معها تجبر كل من شارك فى المهرجان على أن يحتفظ بها، وأضافت: تميز مهرجان طوكيو بعدة «تيمات» وطقوس ميزته عن غيره من المهرجانات كوجود السجادة الخضراء ذات المدلولات الخاصة، وكذلك مشاركة الدولة المضيفة للمهرجان بعدة أفلام على مستوى راق بعكس ما وجدناه فى المهرجانات المصرية التى لا تجد أفلاما تطمح فى مجرد أن تنال شرف تمثيل مصر كدولة مضيفة. الناقد مصطفى درويش يقول: المهرجان لا يتطور منذ فترات بعيدة لأنه تابع لوزارة الثقافة، وليس مستقلا بذاته، فكل مهرجانات العالم تتطور ولها دور عرض خاصة بها، إلا مهرجان القاهرة، فهو حتى لا يستطيع عمل سوق تجارية ناجحة لنفسه، كما أنه لا يستطيع تسويق الأفلام التى يعرضها، والمصيبة الأكبر أن الأفلام المصرية أصبحت تتهرب من المشاركة فيه، رغم أن ميزة المهرجان فى نظرى هى تسويق أفلام البلد المنظم له. فالأمريكان مثلا لا يقيمون المهرجانات إلا لترويج أفلامهم، رغم أنها لا تفتقد هذا الرواج، وهناك مشكلة أخرى لا تقل أهمية.. وتكمن فى قيادته التى ليس لها أى علاقة بالسينما، فالفنان عزت أبوعوف هو ممثل فقط، وليس نجما، فإذا اعتبرنا أن المهرجان يجب أن يرأسه ممثل سينمائى، فيجب أن يكون نجما كبيرا، فمهرجان نيويورك ترايبيكا يرأسه النجم «روبرت دينيرو»، وهو نجم نجوم هوليوود مثل النجم عادل إمام عندنا فى مصر، ولذلك أرى أنه من الطبيعى أن يكون حال المهرجان فى النازل.. وأشار درويش إلى أن من أسباب هبوط أسهم المهرجان رفضه للأفلام التى تحمل نوعا من الجرأة، ولقد سمعت مؤخرا من مسئولة برتغالية، أتت بفيلم لأفضل مخرج برتغالى، وفوجئت برفض المهرجان للفيلم لأن به مشاهد جنسية.. فبكل المعايير واختلافها أعتبر مهرجان القاهرة السينمائى ضل طريقه وبالتالى فلا مستقبل له!!. أما الناقدة خيرية البشلاوى فكانت أكثر تفاؤلا ورأفة بالمهرجان، حيث لامت كل من هاجم المهرجان، وتساءلت لماذا نريد تحطيم المهرجان بأيدينا ونلفق له الاتهامات والمصائب والمشكلات؟.. مؤكدة أن العام الماضى شهد مهرجان القاهرة السينمائى دورة رائعة ومتميزة جدا. وأكدت البشلاوى أن ما يتردد الآن سببه هو أن الناس أصبحت تجرى وراء المكاسب المادية فقط، وللأسف مهرجان القاهرة لا يملك 100 ألف دولار ليعطيها جائزة للفيلم الفائز، فالأزمة صناعة مصرية لأن المنتج المصرى هو الذى يجرى خلف أى سنارة بها طعم جيد فى أى مكان، ولا يرضى بقيمة جائزة مهرجان القاهرة. فالأسباب التى أدت إلى هز صورة المهرجان عند المصريين مرتبطة بالواقع الاقتصادى الذى نعيشه، فالمهرجان مثلا يعانى عدم حضور النجوم الهوليوديين بكثرة لعدم توافر الكثير من المال، ولأنه لا يعقل أن تطلب إدارة المهرجان من البلد «فلوس» لتدفعها لنجم سينمائى أيا كان حجمه، ونحن ليس معنا ما نجدد به مصلحة السكة الحديد مثلا، فهناك أولويات للبلد أهم من السينما كلها، ومع ذلك هناك نجوم كبار من هوليوود سيحضرون المهرجان أعلن عن أسمائهم مؤخرا. وتضيف: كما يعانى المهرجان من عدم اهتمام رجال الأعمال به وقلة دعمهم لهذا الحدث الثقافى المهم، ومنهم من يعتبر دعمه للمهرجان نوعا من التفضل، رغم أننى أرى أنه حق على رجال الأعمال أن يساندوا المهرجان، وأضافت البشلاوى أنه لولا رجل الأعمال محمد أبوالعينين الذى وافق على دعم المهرجان وإنقاذه، لتأثر كثيرا هذا الحدث القومى المهم. كما أن توقيت المهرجان يتسبب فى أزمة كبيرة، فهو يأتى فى ذيل هذه المهرجانات السينمائية المهمة من حيث التوقيت، فلأنه يأتى فى نهاية العام ومن شروط لائحته ألا تشارك فى مسابقته الرسمية إلا الأفلام التى تعرض لأول مرة فهذا يقلل من فرص وجود أفلام متميزة مثل المهرجانات الأخرى. وهناك مشكلة كبيرة نغفلها وهى فقر الإنتاج السينمائى المصرى فالأفلام المصرية لا تهرب من المهرجان ولكن لا توجد أفلام مصرية جيدة خلال الفترة الأخيرة كما أن الأفلام التى ترددت أسماؤها مؤكدة أنها بالفعل لم تنته. وتؤكد البشلاوى أنه رغم الظروف، يظل مهرجان القاهرة هو الأكبر فى الوطن العربى، وليس واردا أن يقال إن المهرجانات العربية التى تملك المال بوفرة غير طبيعية أنها أفضل من مهرجان القاهرة. ولكن البشلاوى نوهت إلى نقطة ضعف المهرجان وقالت إنها تكمن فى رئيسه الفنان عزت أبوعوف الذى تراه رئيسا شرفيا للمهرجان فقط، وأنه ليس له أى علاقة بالمهرجان ولا يعرف عن مطبخه شيئا إلا قبل إطلاقه بأسبوعين، وقالت إن الفنان عزت أبوعوف ليس مشغولا كثيرا بأمر مهرجان القاهرة السينمائى بقدر انشغاله بالمشاركة فى عدد كبير من الأفلام السينمائية طوال العام. وعن فقدان البريق قالت البشلاوى ضاحكة إننا لم يكن لنا أبدا هذا البريق الكبير لكى نفقده.. وأكدت أن البريق هذه الأيام ليس فى قيمة المهرجان ولكن فقط للدولار، وأشارت إلى أن المهرجانات العربية تملك أموالا ضخمة، ولا تستغلها أبدا استغلالا سيئا بل يؤجرون عقولا سينمائية كبيرة لتنظم مهرجاناتهم بهذه الفلوس، ورأيى أن الفلوس الآن هى من تتكلم وتفعل كل شىء، فنحن لم نفقد بريقنا ولكن يجب أن نعترف بأن هناك تنافسا قويا جدا بين المهرجانات، وهناك أفلام تنسحب بعد الاتفاق مع منتجيها لأن هناك مهرجانا آخر تدفع لهم «فلوس» ليشاركوا فيها. ولكن الذين يعملون فى مطبخ مهرجان القاهرة ليسوا أقل كفاءة من الذين يعملون فى مطبخ مهرجان دبى مثلا، فنحن أزمتنا فقط فى الفلوس.. وقبل أن تختتم الناقدة خيرية البشلاوى حديثها أكدت أن المهرجان سيستمر طالما أن هناك قوة وعزيمة وإرادة تخلص فى تقديم دورات جديدة لهذا الحدث الثقافى المهم. أما الناقد مجدى الطيب فبدأ حديثه مؤكدا أن المهرجانات تنجح بأفلامها ونجومها ولكننا فى مصر صنعنا ظاهرة مصرية خالصة هى أن المهرجانات تنجح بالنجوم فقط، وهى مقولة خاطئة فالمهرجان ينجح أكثر بنظامه وجداوله المعلنة والمنتظمة. ويؤكد مجدى الطيب من خلال تجربته فى مهرجان الإسكندرية أنهم تنبهوا لهذه الأخطاء وأن الصحفيين مثلا لا يأتون إلا لأنهم يريدون النجوم ولا يهتمون بتغطية الأفلام المعروضة صحفيا، ويبرر الطيب فشل المهرجانات المصرية بالأخطاء البشرية الإدارية خصوصا فى توجيه الدعوات وقصة الإقامة والاستضافة وهو ما يحدث فى افتتاح وختام مهرجان القاهرة بل وفى كل المهرجانات المصرية باستثناء الإسماعيلية، ومن هنا لابد من توفير عناصر إدارية محترفة ومنظمة لهذه المهرجانات. أما الناقدة إيريس نظمى الرئيس السابق لمهرجان الإسكندرية فتؤكد أن حدوث التداخل بين المهرجانات المصرية والمهرجانات العربية هو أحد عوامل عدم قوتها مجتمعة وأيضا قلة التغطية الإعلامية لها، وتقول: أما بالنسبة للمهرجانات الخليجية فهى مهرجانات فنية سياحية، والسينما ليست همها الأول فهم حتى لا ينتجون أفلاما يعرضونها فى مهرجاناتهم، ومنتجو الأفلام المصرية المشاركة فى هذه المهرجانات واثقون من ضعف الأفلام المنافسة وهناك جوائز وشهادات تقدير وهدايا ونقود وصور منشورة بوسائل الإعلام، فى حين أن مهرجاناتنا المصرية أصبحت بلا نجوم. وأعتقد أننا يجب أن نهتم بأفلامنا ومستواها والأفلام التى نختارها أكثر من هذا فقد أصبحنا لا نقدم أفلاما سيئة فقط بل نعطى صورة سلبية للسينما المصرية كلها، وهى السينما التى عاصرت بدايات السينما فى العالم وتمتلك عدة مخرجين مهمين وأصبحنا نجد مهرجانا مثل مهرجان دمشق يصبح مؤخرا أهم من مهرجان القاهرة، لماذا؟.. لأن مديره متفرغ له ويسافر لكل مهرجانات الدنيا بحثا عن الأفلام الجيدة ولتوثيق علاقات المهرجان مع صناع السينما فى العالم كله وهو ما نفتقده وبكل صراحة فى مهرجاناتنا التى تفتقد المسئول عن اختيار الأفلام بعين فاحصة وثاقبة ودون أن يترك هذه المسئولية لسفاراتنا التى بكل تأكيد لا تملك رؤية فنية قوية تختار بها الأفلام المشاركة فى مهرجاناتنا.