ميلاديّات ( 6) لسنا لأنفسنا، بل للمسيح. " ستفرح البرّيّة ويبتهج القفر ويزهر كالنّرجس يزهر إزهاراً، ويبتهج ويرنّم طرباً. مجد لبنان أعطيَ له، وبهاء الكرمل والشّارون، فيرى كلّ بشرٍ مجد الله وبهاء الرّبّ إلهنا." ( أشعيا 2،1: 35). لقد حمل النّبي أشعيا كلمة الله في زمن محفوف بالأخطار والتّوتّر، فالشّعب آنذاك كان يتخبّط بين انحطاط مصر وتعاظم قوة أشور. وطرح النّبي أشعيا تعليماً معاكساً للتّيّار وبشّر بالسّلام والخلاص. والبرّيّة والقفر صورة للقحط والوحدة والمعاناة، وهي نفسها يقول أشعيا ستزهر وستكون مركزاً للفرح والسّرور والمجد، إذا كان مجد الله فيها. ولقد أزهرت برّيّة هذا العالم في ملء الزّمان وحلّ فيها الفرح العظيم، لمّا شاء الله أن يرسل ابنه الوحيد، الكلمة، ليتصالح العالم مع الله ويعرف طريقه إليه. كما أنّ نفوسنا أزهرت واستنارت لمّا حلّ في بريّة قلوبنا، فانفتحت على قيمتها الإنسانيّة وعلى حبّ الله. وأصبحنا مدعوين لتحويل البرّيّة إلى حديقة مزهرة بكلمة يسوع المسيح الحيّ، فإذا ما مرّ بها أحدهم تنشّق عطر المسيح، ونفذ شذاه إلى أعماق نفسه فيولد من جديد. أن نحوّل البرّيّة إلى حديقة، فذاك يعني أن نسير عكس التّيّار، ونؤمن أنّنا بالمسيح نستطيع كلّ شيء، فنسلك في العالم ثابتين وواثقين بكلمة الرّبّ أيّاً كانت الضّغوطات والمشقّات. فالثّبات يؤكّد إيماننا ويترجم ثقتنا اللّامحدودة بالرّبّ ويعبّر عن تشبّثنا بكلمته المحيية. ما يمنعنا من الانجرار لمغريات العالم ولمجاراته بما يتناسب ومصالحنا الشّخصيّة، وما يحول بيننا وبين السّلوك بحسب رغباتنا وأهوائنا. فالمسيحيّ المولود من جديد لم يعد لنفسه بل للمسيح، وكلّ مصلحة أو ربح أو منفعة لا تستحق الخضوع للعالم ومسايرته من أجلها، لأنّ الحياة هي المسيح وغاية الوجود وهدفه وحقيقته هي المسيح. فما نفع أن نربح العالم ونخسر المسيح؟ والمسيحيّ إنسان جديد قادر على تبديل كلّ عتيق بجديد بنعمة يسوع المسيح. عالم اليوم غارق حدّ الاختناق بمصالحه الفانية، وإغراءاته كثيرة ماديّاً ومعنوياً. كما أنّه يتخبّط في قحطه ووحدته ومعاناته، فحريّ بنا أن نشقّ عباب مأساته، ونرمي شبكة المسيح في بحره وإن كان مضطرباً لنحصد غلالاً وفيرة. إنّه زمن نثر كلمة الرّبّ والمثابرة على نموّها حتّى تزهر نفوس كثيرة عطشى للمحبّة والسّلام، وتنعتق نفوس عديدة من قيود العبوديةّ والظّلم والقهر، فيرى كلّ بشرٍ مجد الله وبهاء الرّبّ إلهنا الّذي له وحده كلّ المحبّة والإكرام، الآن وكلّ أوان وإلى دهر الدّاهرين. أمين.