بالمسيح الآتي إلى العالم انفتحت لنا خزائن الكنوز الرّبّانيّة. وبه أظهر لنا الله عطاءه الوارف والغزير النّعم إذ إنّه لم يبخل علينا بذاته. أحبّنا فأعطانا ذاته ويبقى عطاؤه مستمرّاً حتّى انقضاء الدّهر. والرّب وهبنا ذاته بدون استحقاق منّا، ( ولمّا كنّا ضعفاء، مات المسيح من أجل الخاطئين في الوقت الّذي حدده الله/ روما 6:5). وإذا اخترنا أن نتبع المسيح فنحن اخترنا أن نهب ذواتنا للآخر وبدون استحقاق منه. " مجاناً أخذتم، مجّاناً أعطوا" ( متى 8:10)، يقول الرّبّ يسوع، هو الّذي منحنا مجّاناً نعمة الخلاص والغفران، ومنحنا ذاته بالكامل على الصّليب. بالتّالي وجب علينا أن نمنح الإخوة من ذواتنا بمجانيّة المسيح. وكلّ عطاء لأخينا الإنسان مرتبط بعطائنا للرّبّ، لأنّ يسوع يقول: " كلّ ما تفعلونه لهؤلاء إخوتي الصّغار، لي أنا فعلتموه". ( متى 40:25). ونفهم من ذلك أنّ كلّ ما نقدّمه من وقت أو خدمة أو مشاركة أو حتّى مادّة، هو عطاء للرّبّ شخصيّاً. كلّ إنسان يمكنه أن يعطي فالعطاء لا يرتكز فقط على المادّة، ولا يحتاج الإنسان فقط إلى المادّة. بعضنا يحتاج إلى بسمة أو كلمة أو تفهّم، أو إصغاء، أو قليلاً من الوقت أو خدمة جسديّة أو نصيحة... وكلّ واحد منّا منحه الرّبّ موهبة وهي بمثابة وزنة عليه أن يتاجر بها حتّى تتضاعف وتكثر. كما أنّ العطاء عمل لا ينتظر مقابلاً، لأنّ العاطي هو الرّبّ والمعطى إليه هم إخوة يسوع. وفي كلّ مرّة نقدم على فعل العطاء، لا نحسن إلى الآخر وإنّما نمنحه حقّه. وهنا الفرق بين الإحسان والعطاء، فبالإحسان أنت تعطي ممّا عندك وأمّا بالعطاء فأنت تعطي كلّ ما عندك وبدون حساب. وفي كلّ مرّة نعطي بمجّانيّة المسيح نترجم عطاء الله للعالم. أعطنا أيّها المسيح الحبيب أن نقدّر عطاءاتك غير المحدودة ونتجرّد من ذواتنا ونتخطّى أنانيّتنا وتملّكنا وتعلّقنا بما هو فانٍ، فنكشف للعالم سرّ حبّك اللّامتناهي من خلال عطائنا بمجّانيّة. أنت الّذي يليق بك كلّ مجد وإكرام، الآن وكلّ أوان وإلى دهر الدّاهرين. أمين.