في الفصل العاشر من إنجيل لوقا الآية الرّابعة، يوصي السّيّد تلاميذه بعد أن أرسلهم اثنين اثنين إلى كلّ مدينة وموضع حيث كان هو مزمعاً أن يأتي: " لا تحملوا كيساً ولا مزوداً ولا أحذية، ولا تسلًموا على أحد في الطريق." ( لا تسلّموا على أحد في الطّريق). بدون أدنى شكّ لا يدعونا الرّبّ هنا إلى الانغلاق على أنفسنا وعدم الانفتاح على الآخر والتّواصل معه. وقطعاً لا يطلب منّا أن نكون غير لطفاء أو منطوين على أنفسنا هاربين من اللّقاء مع الآخر. لعلّ يسوع المسيح أراد بهذه العبارة أن يقول لنا: " لا تضيّعوا الوقت". لو تأمّلنا يوماً واحداً من حياتنا وجدنا أنّه مزدحم بأمور شتّى لا تفيدنا ولا تساهم في نموّنا الفكري والنّفسي والرّوحي. وأبرز ما يشغلنا دون أيّة فائدة، تلك الجدالات والثّرثرات الّتي لا تقدّم ولا تؤخّر، فنمضي ساعات وساعات في أخذ وردّ ومناقشات غير مجدية، غايتها الوحيدة إثبات الذّات وفرض الآراء الشّخصيّة على أنّها الحقيقة. جدالات تأتي من فراغ وتصبّ في فراغ. ولا نتحدّث هنا عن النّقاشات العلميّة والاجتماعيّة والدّينيّة البنّاءة الّتي تسهم في بناء الإنسان، وإنّما الحديث عن ثرثرات فارغة وجدالات وحوارات تعزّز في الإنسان روح الكبرياء والاستعلاء، وتُخضعه لسلوكيّات لا تليق بكرامة أبناء الله. وكلّ هذه الجدالات هي مضيعة للوقت، ففي حين أنّنا مدعويّن لزرع كلمة الرّبّ نتلهّى بكلام أقلّ مستوى وأدنى قيمة. إنّ حياتنا الأرضيّة ومهما طالت تبقى قصيرة جدّاً لاستغلالها في محبّة الرّبّ وخدمته، فلا نضيّعنّ الوقت بالانشغالات التّافهة ولا نتلهّين بما يسيء لكرامتنا الإنسانيّة ولصورتنا الإنسانيّة الّتي أرادها لنا الرّبّ كاملة من قبل إنشاء العالم. أيّها المسيح الحبيب، أهّلنا نحن الضّعفاء أن نسلك مسيرة الصّوم الميلاديّ المبارك بمحبّتك وحكمتك، ناهين أنفسنا عن كلّ ما يمكن أن يبعدنا عن زرع كلمتك المقدّسة، مانعين أجسادنا من المضيّ في التّلهّي عن أهمّيّة حضورك فينا. ربّي امنحنا أيّاماً ننعم فيها بحبّك الفائق الإدراك حتّى نحيا معك حبّاً كاملاً في ملكوتك السّماوي. أنت الّذي يليق بك كلّ مجد وإكرام، الآن وكلّ أوان وإلى أبد الآبدين. أمين.