الإعاقة الحقيقة فى الفكر وعدم القدرة على وضع هدف للحياة عندما أخبرنى الأطباء أنهم سيبترون ساقى تعاملت مع الأمر وكأنه "نزلة برد" أقول للشباب الأصحاء: استغلوا نعمة الله عليكم ولا تضيعوا لحظة واحدة فى العمر أحمد الله على حادث القطار وأرى أنه "نعمة كبيرة" إذا أردنا أن نصف المعنى الحقيقي لكلمة أسطورة فلنضع اسم الشاب المصري "محمد كيلانى" فى جملة مفيدة لكونه أيقونة إصرار وعزيمة، استطاع أن يثبت للجميع أن الإعاقة ليست فقدان قدم أو ذراع أو بصر إنما الإعاقة الحقيقية فى الفكر وعدم القدرة على تحقيق أحلامك والسعى وراء ما تريد، كيلانى الذى لم تعيقه إصابته عن حب الحياة والنجاح حتى أصبح أول مصري وعربي يقطع مشيا مسافة 100 كيلو متر بطرف صناعى وكرمته السفارة البريطانية ووضعت صورته بجانب سير مجدى يعقوب ومحمد صلاح رغم أنه لم يتجاوز عمره ال27.. كان لنا معه هذا الحوار . محمد.. هل لنا أن نتذكر معا حياتك قبل الحادث؟ كانت حياة روتينية جدا ليس بها أى جديد وكان يومى يشبه أمسى ولم تكن لدى أى أحلام لمستقبلي وكنت طالبا بالفرقة الأولى بكلية الشريعة والقانون جامعة طنطا والتي التحقت بها دون رغبتي ولأني من المنوفية فلم تكن هناك أى وسيلة مواصلات للجامعة سوى القطار ويوم 1-12 -2011 وأنا فى طريقى للكلية كان القطار مزدحما جدا فانزلقت قدماى ووقعت تحته ففوجئت بنصف ساقي اليمنى مفصولة عن جسدى بعد أن تهتكت بالكامل وأذكر أننى كل ما طلبته من الناس فقط إعادة ربطها فى جسمى حتى عندما يأتي أهلي لايصابون بصدمة خاصة أننى لم أفقد الوعى لحظة واحدة منذ وقوع الحادث إلى أن وصلت المستشفى، والتي قرر الأطباء بها بتر ساقى بالكامل والغريب وقتها أن كل من حولى وخاصة والدى لأنى ولد وحيد على 6 بنات أصيب بصدمة ورفض تقبل الفكرة ماعدا أنا لدرجة أنهم تصوروا أننى فى غيبوبة وغير مدرك لما يحدث حولى. وأنت فعلا كنت غير مدرك أم أنه استسلام لأمر الله؟ هو طبعا استسلام لأمر الله وقضائه ولكن صدقيني أنا كنت وقتها فى حالة غريبة جدا وكأن الأطباء يخبرونني بأنني مصاب بنزلة برد وحتى الآن مازلت مندهشا من كم الهدوء والرضا الذى أرسله الله لى وكان لدى يقين أنهم لو بتروا ساقى ووضعوا مكانها عصا خشب سأقوم وأكمل حياتي. وكيف مضى الأمر بعد العملية؟ أول 6 أشهر كانوا فى منتهى الصعوبة لأنه فى حالات البتر مستحيل أن يتم تركيب طرف صناعى إلا بعد مرور 6 أشهر حتى يلتئم الجرح تماما وطبعا فى تلك الفترة كانت حركتى صعبة جدا فضلا عن أن والدى دخل فى حالة اكتئاب حادة لدرجة أن مشاعره ناحيتى كانت تصل أحيانا إلى لوم وعتاب ثم عطف وشفقة ولكن ما أذكره أننى طوال ال 6 أشهر كانت تتردد فى أذنى الآية الكريمة فى قوله تعالى "لايكلف الله نفسا إلا وسعها" وكان لدى يقين أن ما حدث لى خير من الله شرط أن أصبر على هذا الابتلاء. ومتى بدأت تعود لحياتك بشكل طبيعى؟ بعد تركيب الطرف الصناعى ولكن دعينى أقول لك إنني اكتشفت أيضا فى تلك الفترة أن الأصدقاء المخلصين رزق كبير فأنا لم يعيني أى أحد بعد أسرتى على تجاوز تلك الأزمة سوى أصدقائي الذين كانوا بجانبي طوال الوقت مما أعطانى القوة والدعم وبعد ما بدأت التأقلم على فكرة الطرف الصناعى فكرت فى أن أعود لدراستى وقررت أن أتمرد على كل ما كنت أستسلم له قبل الحادث لذلك تركت الكلية التى دخلتها مضطرا وقدمت أوراقى فى كلية الحاسبات والمعلومات بإحدى الجامعات الخاصة بالقاهرة واستأجرت شقة بمدينة الشروق مع عدد من أصدقائي وبدأت أعتمد على نفسى بشكل تام حتى أنهيت 4 سنوات الدراسة بتقدير عام جيد جدا وبدأت أستعد للدراسات العليا ولكنى اصطدمت بإعاقة الفكر فى رحلة البحث عن عمل حيث إنني كل ما كنت أتقدم للعمل فى شركة يرفضونني بسبب إعاقتي ولا أنكر أننى مررت بفترات اكتئاب وقتها ولكنى لم أستسلم وصممت على الاستمرار فى البحث عن الوظيفة التى تتوافق مع دراستى وأثناء رحلة البحث عرضت على إحدى الشركات أن يتم تعيينى ضمن ال5% المخصصة لذوى الإعاقة على أن أبقى فى البيت وأحصل على راتبي ولكنى رفضت لأني لا أرى أنني لدى أى مشكلة تمنعنى من العمل الى أن وجدت فرصة فى إحدى الشركات التى تعمل فى نفس مجال دراستي فبدأت رحلتى العملية واستكمال دراساتي العليا معا. ومتى بدأت رحلتك مع الرياضة؟ بالصدفة أيضا فأنا كنت أتابع صفحات "cairo runners" وفى يوم علمت أنهم سيجرون سباق مسافات قصيرة فى مكان قريب من بيتى فنزلت أتفرج عليهم وبالصدفة أيضا قابلت منظم السباق فقلت له إننى أريد أن أشجعهم من بعيد فقال لى بالحرف "انت مش كويس وبتقدر تتحرك.. تعالى امشى معانا مش لازم تجرى" وكأن تلك الكلمات جاءت بمثابة شرارة بدء مرحلة جديدة فى حياتى لأنها شجعتنى أن أدوس على رجلى بقوة وبالفعل مشيت معهم مسافة 4.5 كيلو وكان الجميع لايصدق ثم طلبونى للمشاركة فى سباق الجونة مسافة 7 كيلو فشاركت به وأنهيت السباق فى 69 دقيقة وكنت الوحيد الذى يشارك فى السباق بطرف صناعى وحصلت على المركز 188 من 240 ومن وقتها غيرت نظام حياتى وأصبحت الرياضة أهم أهدافي ثم بحثت عن أى مكان لتدريب المعاقين الى أن وجدته فى التجمع الخامس ووضعت التفوق الرياضى كأهم أهدافي الى أن شاركت فى ماراثون القاهرة الدولى للإعاقات المختلفة وحصلت على المركز الأول ثم جاءت فرصة ماراثون ال100 كيلو مشى من القاهرة للعين السخنة والحقيقة أنى خفت منه فى البداية إلا أن دعم الناس شجعنى وخضت التجربة ومشيت 100 ك على 3 أيام لدرجة أن حصل لى جرحا فى آخر 10 ك ورفضت أن أكمل بالسيارة وتماسكت حتى أنهيت السباق وأصبحت أول مصرى عربى يسير هذه المسافة بساق واحدة. كيف تم تكريمك من السفير البريطانى؟ حصل سباق العين السخنة على شو إعلامى كبير خاصة خارج مصر وكانت بريطانيا من أكثر الدول اهتماما به فدعاني السفير البريطانى لحضور حفل عيد ميلاد الملكة إليزابيث بالسفارة البريطانية ووجدت صورتي معلقة هناك بجانب صورة دكتور مجدى يعقوب ومحمد صلاح على أننى أحد أهم رموز النجاح فى مصر ولا أستطيع أن أصف لك إحساسي بالفخر وقتها. بعد مرور 8 سنوات على الحادث.. كيف ترى الصورة؟ أحمد الله على هذا الحادث وأراه نعمة من الله ولولاه لما وصلت لما أنا فيه الآن فأنا قبل الحادثة كنت شابا انطوائيا جاهلا غير مثقف ليس لديه وعى بأى شىء أما الآن فيكفيني فخرا وشرفا أن اسمي أصبح مخلدا بجوار شخص عظيم مثل مجدى يعقوب والموهوب محمد صلاح. بماذا تنصح الشباب فى مثل عمرك؟ الأصحاء أقول لهم: استغلوا نعمة الله عليكم ولا تضيعوا لحظة واحدة فى العمر دون أن تستغلوها فى شيء مفيد، أما من تعرضوا لحادث أو إعاقة فأنصحهم آلا يستسلموا، فالإعاقة فى الفكر وليس الجسد وآيا كان ما تعرضوا له عليهم بالصبر والرضا والاستمرار والأمل وتحدى الظروف.