أول مصرى وعربى يقطع مسافة 100 كيلومتر بطرف صناعى من القاهرة للعين السخنة حلم الوصول إلى الهدف وتحدى الإعاقة كثيرًا ما راود الشاب العشرينى محمد أحمد الكيلانى و4 آخرين من ذوى إعاقات مختلفة ممن تحدوا عجزهم بالسير من القاهرة إلى العين السخنة مسافة 100 كيلومتر على مدار 3 أيام بمعدل 35 كيلومترًا يوميًا، ولم يكن يتوقع أن ينجح فى الوصول إلى خط النهاية بساق صناعية، ليثبت للجميع أن الإعاقة ليست فى الذراعين والقدمين، الإعاقة هى ألا تسعى وراء ما تريد تحقيقه. لم تمنعهم إصابتهم من الحلم أو توقفهم إعاقتهم عن حب الحياة بعد أن فقدوا أجزاء من أجسادهم وأصيبوا بأمراض مزمنة أقعدتهم عن الحركة، إلا أن كثيرا منهم لم يحبس نفسه أو يفقد الأمل وينتظر ساعة الموت، بل انطلقوا من جديد ونفضوا عنهم غبار العجز وتحولوا إلى قصص أمل تسير على الأأرض وتسكن بيننا تشجّع الأشخاص الأصحاء علي المضي قدمًا نحو أحلامهم وكسر المستحيل. كانت حياة الكيلانى تسير بشكل اعتيادى أشبه بالروتين، لا جديد يُذكر أو أهداف وإنجازات تُحقق أو حلم يعيش عليه طوال العشرين عامًا يمنحه الطاقة التى تصل به إلى ما يريد، ولم يكن متفوقًا فى أى شىء يتذكره فى أوقات الإخفاق، بل كان يعيش حياته مثل أى مواطن آخر لا يعرف ماذا يريد أو يخطط لمستقبله القريب حتى وقعت الحادثة الكبرى التى غيرت من حياته وأعادت إليه الأمل من جديد. نقطة التحول ذلك اليوم الفاصل فى حياته الذى يتذكره محمد أحمد الكيلانى جيدًا ولم تغب مشاهده عن ذاكرته يومًا ما فى اليوم الأول من شهر ديسمبر 2011 حين خرج من بيته الكائن فى أشمون بمحافظة المنوفية متوجهًا إلى كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر فى مدينة طنطا، عبر القطار المزدحم بالركاب والذى تعثرت قدماه عن الصعود إلى عربة القطار فانزلقت إحدى قدميه بين القطار والرصيف ومن شدة اهتزاز القطار سقط على القضبان وأغرقت الدماء ملابسه وفوجئ بنصف ساقه اليمنى مفصولة عن جسده وتهتكت قدمه بالكامل، ليتم نقله بالإسعاف إلى المستشفى حتى بترت قدمه اليمنى. يتذكر الكيلانى، صاحب ال25 عامًا والابن الوحيد على 6 بنات ذلك اليوم بكل تفاصيله وكل لحظة منذ بداية الحادث حتى منتصف الليل وخروجه من العمليات لم يفقد الوعى لحظة حتى أثناء عملية البتر رغم أن الذهول والصمت كان يخيم على وجوه الأقارب كلهم، فالوالد رفض فكرة "بتر القدم" بشكل نهائى. والوالدة كانت تواسى نجلها بعبارات: "ماتخافش يابنى هتركب شرائح وإن شاء الله ترجع تمشى تانى كويس"، رغم أن كل الطرق كانت تؤدى إلى البتر، وحين كررها طبيب الطوارئ بدأت الأم فى الصراخ وأغمى عليها من هول الصدمة. ويتذكر الوالد تلك اللحظة ويذكره بها حتى الآن ويقول له: "إحنا كنا بنموت من القلق عليك وانت كنت طالع من غرفة العمليات بتضحك" ودخل الوالد فى حالة اكتئاب شديدة بسبب حالته وما وصل إليه، موجها له نظرات اللوم والعتاب تارة ونظرات الشفقة والعطف تارة أخرى. تحولات فى حياته "لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها".. ما تزال تلك الآية القرآنية الكريمة بكل معانيها ترّن فى ذهن الشاب العشرينى الذى أخبروه بعد خروجه من غرفة العمليات بتعرض شاب آخر لنفس المصير الصعب الذى مرّ به ومات بعد لحظات وقال: "حمدت ربنا إن لسه فيّ الروح وكان عندى يقين وأمل إن ده خير من ربنا بس المهم إنى أتحمل وأصبر على هذا الابتلاء". يروى ذلك الشاب المثابر أنه بعد الحادثة تحولت حياته بنسبة 180 درجة كاملة، وقرر أن يثبت للجميع أن إعاقته لن تقتله أو تضعفه أو تطفئ حلمه، بل ستكون دافعًا قويًا له لتحقيق أحلامه وإثبات ذاته، وبدأ يفكر فى تركيب طرف صناعى فى قدمه بعد 6 أشهر من جراحة "بتر" قدمه اليمنى، وبمرور الوقت تأقلم مع ذلك الجهاز التعويضى وبدأ يمارس الرياضة والتحق بجيم "فيتولوجى" لإعادة تأهيل ذوى الاحتياجات الخاصة. كما ترك دراسته الجامعية القديمة التى لم يكن يحبها وانتقل إلى القاهرة للعيش فيها والتحق بكلية الحاسبات والمعلومات بإحدى الجامعات الخاصة، وبدأ يعتمد على ذاته كليًا واستأجر شقة مع مجموعة من زملائه لتساعده على إنهاء دراسته التى تفوق فيها بصورة كبيرة وحاز خلال السنوات الأربع من الجامعة على تقدير عام جيد جدًا. لم تكن الشهادة الجامعية هى نهاية الطريق بل كانت البداية لمشوار الألف ميل الذى بدأ، ونظرًا لإعاقته عانى كثيرًا فى البحث عن وظيفة ثابتة تتوافق مع شهادته الجامعية. وفى أثناء البحث عن عمل عرضوا عليه فى إحدى الشركات أن يعمل لديهم ضمن نسبة ال5% المخصصة لذوى الإعاقة على أن يجلس فى البيت ولا يعمل ويأخذ راتبه كاملًا ورفضها مرتين حتى جاءته الفرصة أخيرًا والتحق بالعمل فى مجال تخصصه فى ال"IT" - تكنولوجيا المعلومات-، واستقر فى وظيفة ثابتة، وفى زحمة العمل اليومى لم ينس دراسته فأكمل تعليمه وقدم على الدراسات العليا فى الأكاديمية البحرية للعلوم والتكنولوجيا للحصول على الماجستير فى نظم المعلومات. رحلتى مع الجري رحلة الكيلانى مع الرياضة بدأها بالصدفة البحتة، حين كان يشاهد أحد سباقات الجرى التى كان ينظمها فريق "كايرو رانرز" Cairo Runners كل أسبوع أو أسبوعين لمسافات قصيرة 4 أو 5 كيلومترات تقريبًا فى غضون ذلك بدأت الغيرة تتحرك فى داخله وشاركهم الجرى، بل تفوق على كثير من المتسابقين الأصحاء حتى شعر أنه يطير من السعادة. هنا عرض عليه المنظمون لسباق الجرى فكرة المشاركة فى ماراثون "الجونة الدولى" للجري مسافة 7 كيلومترات ولم يصدق أنه سيشارك فيه أو حتى يقطع 4 أو 5 كيلومترات، ولكنه شارك ووصل إلى نهاية السباق وحقق مركزًا متقدمًا 188 من بين 240 متسابقًا، وكان هذا إنجازًا كبيرًا بالنسبة لأنه كان المتسابق الوحيد من ذوى الاحتياجات الخاصة المشاركين بطرف صناعى. "مافيش شىء أصعب على ذوى الإعاقة من الجرى والحمد لله إحنا كسرنا المستحيل".. يقول الكيلانى الذي لم يتوقف شغفه أو يفقد حماسته لحظة نحو تحقيق حلمه. وقرر المشاركة فى ماراثون القاهرة فى فبراير الماضى لمسافات تتراوح ما بين 10 و22 و42 كيلومترا وهى المرة الأولى التى يتم مشاركة ذوى الإعاقة فى ماراثون "بارالمبى" لمسافة 3 كم وحصد خلالها المركز الأول وهى المرة الأولى التى يجرى فيها متسابق بطرف صناعية. تكررت التجربة بعد ذلك حين اقترح جيم "فيتولوجى" مركز لياقة بدنية لإعادة تأهيل ذوى الإعاقات مسابقة للسير مسافة طويلة 100 كيلومتر من القاهرة حتى العين السخنة وعرضوا عليه الفكرة منذ شهرين، ووافق عليها وانضم إلى فريق مكون من 5 أفراد أحدهم مصاب بشلل نصفى وأخرى كفيفة وثالث لديه نسبة إعاقة فى اليد والقدم ورابع لديه شلل أطفال وهو يجرى بطرف صناعى. رسالة أخيرة "نعم ربنا كتير على الواحد وكان المشى من أجل هدف معين هو تحدى الإعاقة حتى نثبت للعالم أن الاعاقة إعاقة فكر وليست إعاقة جسد وأن الإرادة تصنع المستحيل".. يقول الكيلانى إنه لم يكن يتوقع أن يصل للنهاية ولكن كان يراوده شعور داخلى بأن يخوض التجربة طالما أخذ القرار. المفاجأة التى لم يكن يتوقعها ذلك الشاب العشرينى كانت بعد نجاحه مع 4 متسابقين آخرين فى قطع مسافة 100 كيلومتر بساق صناعية بمعدل 35 كيلومترا يوميًا، أثناء مشاركته فى مهرجان المشى من القاهرة إلى العين السخنة، ليكون بذلك أول مصرى وعربى يقطع تلك المسافة الطويلة فى غضون 3 أيام على طرف صناعى.