أحدثت الثورة المصرية تغيرا ونقلة ثقافية فاقت توقعات كل المثقفين، وأصبحت هناك ضرورة لإعادة صياغة وهيكلة لكل المؤسسات المعنية بالثقافة والفنون، وهو ما فتح الباب أمام الفنان عادل السيوي لإعادة تقديم اقتراح ب"تحرير المجلس الأعلي للثقافة وإعادة هيكلته كمجلس مستقل"، الذي كان قد تقدم به قبل الثورة بفترة طويلة، وتحديدا عام 1998 في مؤتمر "تحديث الخطاب الثقافي". وهو الاقتراح الذي لاقي قبول وزير الثقافة الدكتور أبو غازي، وقرر طرحه للمناقشة علي نطاق واسع، وهو ما يتم الإعداد له حاليا، من خلال جمع توقيعات من الجماعة الثقافية لمناقشة المقترح. حول هذا الاقتراح وتفاصيله، وغيره من الموضوعات المتعلقة بحال المؤسسات الثقافية في الدولة، كان ل"روزاليوسف" هذا الحوار مع الدكتور عادل السيوي. ما رأيك في الرأي القائل بأنه ليس هناك ضرورة لوجود وزارة للثقافة؟ - الثقافة سلاح للتغير، أنا مع وجود وزارة للثقافة، وإن كان وجود وزارة الثقافة ليس ضمانا علي وجود ثقافة شعب، بدليل أن مصر في النصف الأول من القرن العشرين انتجت ثقافات متميزة بدون وجود وزارة، حيث أفرز المناخ العام حالة ثقافية هي إنتاج روحي ووعي لحالة مجتمع بأكمله، وهو الأمر الضروري الذي يجب أن يسير بالتوازي مع وجود وزارة للثقافة. وما رأيك في وزارات الثقافة التي مرت علي مصر؟ - الدولة خصصت وزارة للثقافة بدءًا من الدكتور طه حسين، ثم تولاها ثروت عكاشة، إلي أن وصلت إلي فاروق حسني، هو وزير ثقافة مهم رغم أي شيء، لكنه لم يقدم مشروعا ثقافيا، بقدر ما قدم مشروعا سلبيا وهو ما عرف بدخول المثقفين "حظيرة الدولة"، حتي لايكون هناك تناقض بين افكار المثقفين ونظام الدولة، واهتم بإنشاء مجالات لطرح الثقافات، ولم يهتم بمن يدير هذا الطرح، وهنا تكمن الأزمة، وظهر عداء واضح واستبعاد لأصحاب المواهب والكوادر الحقيقية، وأنفقت الدولة مبالغ مالية هائلة للمباني لا للمعاني. ما الذي دفعك لتقديم اقتراح بإعادة هيكلة المجلس الأعلي للثقافة؟ - المجلس لم يقدم أي تقارير عن الواقع الثقافي أو الفني طوال عقود، ويعاني من أربع مشاكل جوهرية وجذرية، الأولي: "التبعية"، وهي أكبر عقبة تقف أمام تفعيل دور المجلس، الذي يتبع الوزير مباشرة، والثانية: "غياب الهدف الحقيقي"، نظرًا لتبعية المجلس للوزارة والوزير، وملء الفراغ بنشاطات ثقافية، تبعده عن دوره الأصلي، مثل النشر وإعداد المسابقات والمؤتمرات وحفلات التكريم، أما الثالثة: "ارتباك البنية" وعشوائية هيكلة اللجان، والرابعة: ضعف المردود نتجية إهدار جميع المواهب التي تؤثر في الأداء الثقافي. اشرح لنا ماذا تقصد بتحرير المجلس الأعلي للثقافة من سلطة وزير الثقافة؟ - الاقتراح يهدف إلي تحرير المجلس الأعلي عن سلطة وزارة الثقافة، نحن نحتاج لوجود المجلس الأعلي للثقافة أكثر من احتياجنا لوزارة الثقافة، لأن المجلس يكون الآليات الإيحابية لتكوين العقل الجماعي الجديد ويستقل ويتحرر من تبعيته الوزارة والوزير، يضم هذا العقل المبدعين الكتاب والمفكرين والفنانين في كل مجالات الفنون، والمقترح ينقسم إلي ثلاث نقاط وهي أولا: تحديد استراتيجيات لعمل المؤسسات الرسمية ومراقبة أداء وزارة الثقافة وتقيم الأداء الرسمي، بحيث يكون للمجلس حق التدخل والرفض والقبول والتعديل في أي شيء يعوق الحركة الثقافية، ثانيا: الضمانات، وهي الحق في طلب لقاءات عارضة لما يطرأ علي الساحة ومناقشتها أولا بأول، ثالثا: اللجان والشعب، ويقصد بها إعادة النظر في آليات اللجان والشعب وابتكار لجان جديدة في ضوء المتغيرات. ماذا عن قرار وزير الثقافة بتغيير القيادات والمديرين عن طريق مسابقات؟ - "التغيير هو الحل"، أوافق طبعا علي فكرة المسابقة لتعين قيادات جدد أصحاب مواهب، ولكن أمامنا ثلاث طرق للتغير في هذه الفترة أولا: التخلص من الفاسدين والذين أفسدوا الثقافة، هؤلاء لابد أن يفصلوا لأنهم كونوا علاقات كثيرة من مناصبهم مثل مستشاري الوزير، وأيضا فاروق عبد السلام، لماذا لازال من منصبة حتي الآن يجب أن نطيح به فوراً، ثانياً: الأشخاص ذوو الكفاءه والموهبة الذين يمكن الاستفادة منهم نبقي عليهم ونستفيد من خبراتهم، ثالثاُ: يتم تعيين وجوه جديدة لم تأخذ فرصتها، ومستبعدة بسبب النظام الفساد. ما رأيك في سحب الثقة من مجلس التشكيليين الحالي؟ - النقابة لم تنهار لأنها لم تقم أساساً حتي تسقط، ولم يقدم مصطفي حسين أو غيره للفنان المصري أي شيء، ولم تقف بجوار الفنان في ظروف مرضية أو تدافع عنه عند تعرضه للقضايا، وتحتاج النقابة لتعديل جذري، كما أن مصطفي حسين ليس له علاقة بالتشكيليين وغير محسوب علينا، هو محسوب علي الصحفيين، ولم أشاهده يحضر معرضا خاصا، أو حتي فعالية عامة، النقابة أصبحت قيد علي الفنان، لأن هناك فعاليات لا يسمح لغير النقابي بالاشتراك فيها، نحن اليوم نحتاج نقابات مستقلة. لماذا رفضت منصب رئيس قطاع الفنون التشكيلية بعد أزمة "الخشخاش"؟ - رفضت المنصب لأنني لا أملك صفات أن أكون شخصا إداريا، وهذا المنصب يبعدني عن مشواري الفني، ويستهلك طاقاتي في اتجاه آخر، وأن تكويني النفسي غير ملائم للقوالبة المنصب أفضل أن أدير الفن ولا أدير العمل الإداري بأوراقه القاتلة، خاصة أن القطاع به مشاكل كثيرة إلي الآن، ويحتاج الي إعادة ترتيب وهيكلة من جذوره بالإضافة إلي الصراعات والمؤامرات اليومية، وبعض العاملين في القطاع لا يحبون الفن وغير مؤهلين فنياً، مما يجعلنا دائما نسأل ما دور القطاع وما هدفه؟ ما رأيك في رئيس قطاع الفنون التشكيلية الحالي؟ - لا نرفض كل من تعامل مع النظام السابق، لأن النظام جذوره سوف تستمر طويلا، أنا لا أقيس أو أقيم الأشخاص بهذا المنطق، لأن هناك من تعاملوا مع النظام ولكن في حدود تييح لهم الاستمرار، بالإضافة إلي أنهم أصحاب كفاءات محترمة، ورئيس القطاع الحالي قرر فاروق حسني تعيينه قبل ترك مكتبه بساعات، وأعتبره غريبا عنا وليس له حضور في مجالنا التشكيلي، ما أعرفة عنه غير مشجع لأتقبل وجوده في هذا المنصب، فقد قابلته في معرض الكتاب في "تورينو" وعرفني علية الأستاذ محمد غنيم قائلا: هذا هو أشرف رضا "النجم الساطع" في لجنة السياسيات، ونحن لدينا الآن كراهية شديدة للجنة السياسيات وممارستها العنيفة والتي نهبت مصر ومنهم أحمد عز، وأري أن أمام رئيس القطاع مشكلتين، الأولي تاريخة السابق بلجنة السياسيات، والثانية أنه من خارج الحركة الفنية وخارج المجال، فكيف يقنعنا به. كيف تقرأ هذا الخبر: (الفنان محسن شعلان: "زهرة الخشخاش" في حوزة سوزان مبارك؟ - هناك توجه سائد بتوجيه الاتهامات لكل رموز الفساد، وبعض هذه التهم تبدو كأنها نوع من تصفية الحسابات، فإذا كان محسن شعلان لدية دليل فلماذا صمت كل هذه الفترة، ولماذا لم يعلن الدليل، وما الذي يمنعه الآن؟ هل قدمه إلي النائب العام ومنع النشر! زمن منع النشر انتهي وننعم بالحرية، ولكن لا ننسي أن حالة المتاحف والكاميرات المعطلة وإهمال العنصر البشري هي من أسباب سرقتها أو اختفائها. بصفتك أحد أفراد لجنة تقييم الأعمال المقدمة لبينالي "فينسيا"، ما رأيك في مطلب التشكيليين بأن يمثل مصر في هذه الدورة الشهيد الفنان احمد البسيوني؟ علي المستوي العاطفي والنفسي والفني انا موافق تماماً علي هذا المطلب، لأني أعلم أن نجاح مصر في جميع البيناليات القادمة ولمدة سنوات قادمة، سوف يكون محل أنظار الغرب وكل دول العالم، ونحن لدينا فنان استشهد وهو يشارك في ثورة التغير، وفي نفس الوقت يقوم بالتصوير الحي للأحداث الثورة، حتي وإن لم يكتمل عملة الفني فهو عمل يندر حدوثه، وهو أن يكون الفنان جزءا من العمل الفني الثوري. وقد قررت اللجنة بالفعل في اجتماعها أن تمثل أعمال الشهيد أحمد بسيوني مصر في البينالي. كيف تري حاله الفن التشكيلي والثقافة في ضوء متغيرات ما بعد الثورة؟ - الفن التشكيلي يمر، مثله مثل جميع مناحي الحياة حاليا، بفترة انتقالية سوف تتراجح فيها المدارس الفنية والتقنيات إلي أن تستقر مرة أخري، ولابد أن نستفيد من حالة الانتباه والوعي التي أصبح فيها الشعب المصري، وتفاعله مع الفنون الفنون التشكيلية في ميدان التحرير، فقد كسرت الثورة الحالة التي عشنا فيها عقود وهي حاله غياب الجمهور عن الفن وقاعات العرض، وبالتأكيد من الحرية والدايمقراطية سوف يظهر الجديد من المعالجات الفنية.