الاقتراح الذى تقدم به الفنان عادل السيوى بفصل المجلس الأعلى للثقافة عن الوزارة ليس جديدا، بل كان اقتراحه سنة 1998 ولم يلتفت إليه أحد، ثم أعاد الكرة فى مؤتمر عقده المجلس بداية الألفية الجديدة لتجديد الخطاب الثقافى، وسخر البعض من الفكرة، ورفضها آخرون تماما، بعدها استقال السيوى من المجلس الأعلى للثقافة، لشعوره بعدم جدوى هذا الكيان، ونشرت الاستقالة فى وسائل الإعلام الثقافى، وبدلا من قبول الاستقالة تم حل لجنة الفنون التشكيلية وإعادة تشكيلها دون وضع اسم المستقيل. مرت السنوات، وأعيد طرح المسألة مرة أخرى وسط قبول عدد كبير من المثقفين الذين ولد نجاح ثورة يناير آمالهم فى المستقبل، وجدوى مشاركتهم مرة أخرى. التصور الذى قدمه وصاغه الفنان الكبير يبدأ بمقدمة مهمة، يجب الوقوف عندها قبل الدخول إلى التفاصيل، يقول: «ربما تتوافر الآن إمكانية فعلية لنقلة ثقافية وفنية كبيرة، نقلة تتجاوز بها مصر ارتباك تجربتها الإحداثية، التى تشكلت تحت الاحتلال عقودا طويلة، وتحت أسقف نظم شمولية وفى ظل ضغوط مجتمعية ثقيلة، وربما نتمكن الآن لو تحركنا فى الاتجاه الصحيح، من الاستفادة بهذه الحالة غير المسبوقة من الانتباه الجماعى المتصاعد وبمساحة الحرية التى تم انتزاعها لإحداث تحول نحو معاصرة ثقافية وفنية من نوع جديد، نستلهم فيها تلك الطاقة التى أطلقتها الأجيال الجديدة وتجسدت فى ممارساتها الملهمة، يتطلب هذا التحول جهودا مخلصة لتكوين عقل جماعى كبير ومؤثر فى حركة المثقفين والفنانين والأدباء المصريين، وأعتقد أن المجلس الأعلى للثقافة يصلح لأن يكون أحد الآليات الفاعلة فى تكوين هذا العقل الجماعى، وهذا يظل مرهونا بقدرتنا على تحريره من التبعية، وتطويره ليرقى إلى مستوى طموحنا الراهن، وهو ما دفعنى لتقديم هذا المقترح». المشاكل الأربع الرئيسية التى يعانى منها المجلس، بحسب تصور السيوى، تتمثل فى تبعيته للوزارة، وهى أكبر عقبة تقف أمام تفعيله والاستفادة من إمكاناته الحقيقية، خاصة بعد صدور لائحته الداخلية والتى تم العمل بها فى 1980، حيث يتبع المجلس «الوزير المختص بشئون الثقافة على أن يرأس المجلس ويتولى إدارته وتوجيه سياسته». وهو قرار يتيح لوزير الثقافة إمكانية اختيار أمين عام المجلس ولجانه ومقررى اللجان ويحدد إطار عمله ويمكنه عمليا إقالة الأمين وحل اللجان وإعادة تشكيلها وإقالة وتغيير مقرريها، وبذلك يفقد المجلس أية إمكانية للعمل مستقلا، بل وأصبح وسيلة ناجحة لإلحاق المثقفين بخطاب النظام. المشكلة الثانية فى التصور، المطروح للمناقشة وسط الجماعة الثقافية، هى غياب الهدف الحقيقى للمجلس الذى يتلخص فى وضع الاستراتيجيات والخطط، ويحدد الأهداف التى يجب أن تحولها وزارة الثقافة إلى برامج عمل، وأن يقوم بمراقبة الوزارة ويتدخل لتصحيح المسارات، ولكن كل هذا لا يمكن تفعيله نظرا لتبعية المجلس للوزارة، فتم ملء الفراغ بنشاطات ثقافية، وأصبح المجلس معنيا بممارسة فعاليات تبعده عن دوره الأصلى، مثل النشر وإعداد المسابقات والمؤتمرات وحفلات التكريم. ثم يوضح المقترح المشكلة الثالثة وهى «ارتباك البنية»، وعشوائية هيكلة اللجان، فضلا عن إلحاق الكثير من القطاعات بالمجلس فى عهد منصور حسن، الذى كان يحبذ فكرة إلغاء الوزارة واستبدالها بمجموعة مؤسسات مستقلة، ولكن ظلت الوزارة كما هى وبات المجلس عاجزا عن التحرك. بينما تأتى المشكلة الرابعة فى «ضعف المردود»، وإهدار جميع الفرص المتاحة، فكانت الوزارة حريصة على نزع جميع إمكانات التأثير الجاد. ولكن من ضمن اقتراحات هذا التصور لتحقيق استقلال المجلس وتفعيله، عمل: «قراءة للمقترح من جميع المهتمين بحالة الثقافة المصرية من مثقفين وفنانين وأدباء وعاملين بوزارة الثقافة ومهتمين بالشأن العام، ومن أعضاء النقابات الفنية، وإدخال جميع التدقيقات والتعديلات الضرورية وتغطية مناطق تحتاج إلى مساهمات أوسع وصولا إلى أكثر أشكال المقترح عملية فى صياغة نهائية يتحول بها ما نطرحه إلى مطلب قابل للتنفيذ». هذه النقطة تسعى إلى توسيع نسبة المشاركة، ولكنها من الممكن أن تتسبب فى إحداث شكل من الفوضى و«رطرطة» الاقتراحات؟. يجيب السيوى بأن هذا لوحظ بالفعل فى المرتين اللتين اجتمعنا فيهما بأتيليه القاهرة لمناقشة الموضوع، وبدأ عدد من الأشخاص فى الحديث عن اهتمامات مختلفة، لأنك كما قلت تتعرض لعمومية الأفكار أثناء الاجتماعات المفتوحة، خاصة مع وجود وزير الثقافة د.عماد أبو غازى فى الجلسة، ما يجده البعض فرصة لطرح مشاكل الوزارة المختلفة، ولكنك لا تستطيع الحجر على آراء الناس، وعليك احترام الموجودين ومناقشاتهم، ورغم ذلك كانت الجلسة الأخيرة أهدأ كثيرا، واستطعنا التحدث فى لب الموضوع، ما يعنى أننا نسير فى الاتجاه الصحيح، كما خصصنا مكانا للاقتراحات المكتوبة فى أتيليه القاهرة، ومن هنا نضمن مشاركة عامة بعيدة عن الغرف المغلقة التى نشكو منها طوال الوقت. وفيما يخص قبول الفكرة لدى الجماعة الثقافية، يتم حاليا جمع توقيعات أكبر عدد ممكن من المثقفين والفنانين والأدباء على المقترح لتقديمه كمطلب جماعى، ترفعه قاعدة المثقفين والأدباء والفنانين إلى الأجهزة المعنية: مجلس الدولة، مجلس رئاسة الوزراء، مجلس الشعب، المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وزارة الثقافة، وبحسب صاحب المقترح، أن هناك عددا كبيرا وقع بالموافقة المبدئية على الفكرة، ولكن يرى أنها ما زالت قابلة للتعديل والمناقشات، التى يجب أن تأخذ وقتها دون عجلة. وجود د. عماد أبوغازى وزيرا للثقافة، وهو يوافق على فكرة فصل المجلس عن الوزارة، يراه السيوى فرصة ذهبية علينا استغلالها، لأنك فى النهاية تحتاج إلى مسئول يرفع الأمر إلى الجهات المعنية، ولكن ماذا لو تغيرت الأمور بمرور الأيام، وجاء وزير آخر لا يوافق على الفكرة؟ يقول السيوى إن الأمور ليست سهلة أو بسيطة، من ضمن النقاط المذكورة فى التصور «الضغط من أجل تحقيق هذا المطلب وفقا لخطة زمنية محددة، و قطع الطريق على محاولات الالتفاف على المقترح وتفريغه من مضمونه الأصلى بحجج قانونية ومعضلات اللوائح وخلافه، ومتابعة الضغوط إلى أن يصدر قانون جديد بخصوص المجلس الأعلى للثقافة، ينص على كونه مجلسا مستقلا يرأسه أمين منتخب، وأن توصياته ملزمة لوزارة الثقافة، وأنه مكلف بمهمة وضع السياسات الثقافية والخطط والبرامج التى يتعين على وزارة الثقافة العمل على ترجمتها إلى واقع ملموس، وأن تكون للمجلس سلطة التدخل والتعديل وتقويم أداء الوزارة وتقييم المردود وإطلاق المبادرات . يضيف السيوى أننا أمام تربية وثقافة جديدة، فمنذ أيام محمد على وإلى هذه الأيام، كان القرار يأتى دائما من أعلى إلى أسفل، اليوم نريد أن يأتى القرار من أسفل إلى أعلى، إذن فنحن أمام تحول تاريخى ويجب علينا المقاومة من أجل تحقيقه. ويقر السيوى أن التصور لم يقف تفصيلا عند الهياكل التنظيمية للمجلس مثل إدارات الأمن والادارة القانونية والمالية وشئون الأفراد، مع إدراكه جيدا لأن «هذا المقترح لا يكتمل إلا بتوصيف جديد لهذه الإدارات وتحديد دقيق لمهامها»، ولكنه والمجموعة التى تناقش التصور سوف تنتقل إلى تلك المهمة لاحقا، حتى لا تقع فى فخ التفاصيل المهلكة، لذا «رأينا اختصار الاقتراح فى نقاط محددة يجب حسمها أولا، على أن ننتقل بعد ذلك إلى تدقيق كل مقترح على حدة». ولكن هناك نقاطا من المهم التعرض لها فى الوقت الحالى، حتى لطمأنة العاملين بالمجلس، مثل كيفية التعامل معهم، حيث يرى المقترح أن العاملين بالمجلس أكثر بكثير مما يحتاجه، فأين سيذهب هؤلاء؟. يقول: هذه المشكلة تندرج تحت بند تخليص المجلس من القطاعات الملحقة به، وإعادتها لتبعية وزارة الثقافة، ذلك أن هذه القطاعات مع انفصالها عن المجلس سوف تستوعب عددا كبيرا من العاملين. تبقى بعض النقاط التى تلخص الاحتياجات الملحة التى يرى السيوى ضرورة مراعاتها عند صياغة إستراتيجية المجلس الجديد، ومنها: تخليص الخطاب الثقافى (بجانبيه الأهلى والرسمى معا) من رواسب التبعية للخطاب السياسى، وتوطين ثقافة التعددية والاختلاف، وتقويض أشكال الوصاية المختلفة على العقل وعلى الإبداع، بالإضافة إلى فتح المجال لمساهمات الأجيال الجديدة، بحيث يتحرك الوضع الثقافى نحو المستقبل ولا يتمترس خلف مكتسبات وثوابت وهمية، وتفعيل مشاركة المثقفين والفنانين والأدباء فى صنع القرارات المتعلقة بالشأن العام، ومد جسور للتواصل بين المؤسسات الثقافية الرسمية ومؤسسات المجتمع المدنى العاملة فى مجال الثقافة والفنون، والتخلص من ركام النشاطات المستهلكة التى بددت الطاقات بلا جدوى، والبحث عن مناطق جديدة ومبتكرة للتحرك سواء محليا أو إقليميا وللتفاعل مع المواقع الثقافية الفاعلة فى عالمنا المعاصر، وخاصة مع ما أهملناه لعقود مثل مراكز الحراك الثقافى فى أمريكا اللاتينية وآسيا وأفريقيا، فضلا عن إعادة الاعتبار للموهبة والنوعية والجدية، بعد أن عانينا كثيرا من سطوة أنصاف المواهب والمتطفلين والأدعياء.