وسط هذا المخاض العسير.. وما يتخلله من مواجهات حادة.. إعلامية وسياسية ودموية أحيانا.. وسط هذه الدماء ومع رحيل الشهداء.. أشعر بأمل وتفاؤل كبيرين.. أكاد أرى نور الفجر قادماً ليشرق على مصر كلها.. بمشيئة الله. وخلال إحدى الحفلات الجامعية لتخريج فلذات الأكباد.. سمعت الزغاريد.. زغاريد الأمهات اللواتى فرحن بتفوق أبنائهن.. فقلت فى قرارة نسفسى:إنها بشرى خير لغد قريب.. وفى ذات الوقت رأيت أميرا عربيا كبيرا تذرف عيناه بالدموع ألما وخوفا على مصر. هذا الأمير الذى لم يتمالك نفسه وفاضت عيناه.. بالدموع الحارة.. والصادقة دعا الله أن يحفظ مصر.. وشعب مصر. وعندما استضافنى التليفزيون المصرى عشية الاستفتاء.. عبرت عن تفاؤلى بالمرحلة القادمة.. وكانت تلك مفاجأة للمذيع الذى رأى ذلك سباحة ضد التيار الإعلامى الفاسد الذى ينشر بذور الحقد والكراهية ويصنع الفتن ويروج الشائعات والأغرب أن يحدث ذلك لمن ينتسبون إلى إعلام الدولة؟.. لذا طالبت الإعلاميين- فى حديث إذاعى آخر- بأن يتقوا الله فى وطنهم وأن يدركوا أن الحساب يأتى فى الدنيا قبل الآخرة.. وسط هذا المناخ المشدود والمتوتر أشعر بتفاؤل كبير لأسباب كثيرة.. أولها: أن الغالبية العظمى من الشعب مع الاستقرار والحرص على مصلحة الوطن.. بل إن البسطاء يدركون أهمية الاستفتاء وتأثيره على مستقبلنا.. وهم أكثر وعيا من كثير من الإعلاميين المشاهير والنجوم التى ستتوارى. نعم الغالبية الساحقة تؤيد أن تبدأ مصر مرحلة جديدة فى تاريخها وأن يعمل الجميع من أجل نهضتها ورخائها.. أما المشاهير والنجوم الهاوية فقد انفصلوا عن الواقع ولا يعبرون عن هموم الشعب.. بل عن مصالحهم وأيديولوجياتهم.. وما يجيش فى صدورهم.. بل عمن يوجهونهم من وراء الكواليس. متفائل أيضا لهذا التلاحم الرائع بين الجيش والشعب وبين الجيش والقيادة.. وقد تجسد هذا من خلال الدعوة الطيبة التى وجهها وزير الدفاع والإنتاج الحربىالفريق أول عبدالفتاح السيسى فى لكافة القوى لحوار عائلى إنسانى يستعيد الروح المصرية التى غيبها البعض وشوهها آخرون، ورغم إرجاء الحوار.. إلا أن مجرد الدعوة تؤكد حرص قواتنا المسلحة على وحدة الوطن وتماسك جبهته الداخلية، ورغم النوايا الطيبة.. لم يستجب البعض لهذه الدعوة من الحوار، وكأن هؤلاء يعزلون أنفسهم أكثر وأكثر ويضيعون فرصة تاريخية لاستعادة جانب من الأرضية الشعبية التى فقدوها.. بل إنهم ضيعوا على مصر فرصة أهم لتأكيد وحدتها وتلاحمها. وقد تأكدت وحدة الجيش والقيادة فى الالتزام بالقرارات التى يصدرها الرئيس القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهذا يوضح بصورة قاطعة التزام الجيش بدوره الأساسى فى الحفاظ على الوطن وأمنه واستقراره، لذا جاء بيان الأخير رسالة قوية لكل الأطراف بأن أبناء قواتنا المسلحة هم الدرع الواقية خارجيا وصمام الأمان داخليا. متفائل أيضاً لأن هناك نوايا حسنة للكثيرين من المخلصين من أبناء الوطن الذين يريدون له الخلاص من دوامة الفشل والخروج من دائرة عدم الإستقرار. هؤلاء هم الغالبية وليست أقلية الصوت العالى التى تريد الإدعاء بأنها تمثل الشعب وتدافع عن مصالحه.. بينما هى تعمل ضده فى الخفاء.. وعلى أرض الواقع. متفائل أيضا لأن البورصة هى ترمومتر السياسة ومرآة الاقتصاد، ورغم سقوطها المدوى قبل أيام.. فقد عادت للصعود خلال الجلسات القليلة الماضية.. وأتوقع أن يكون صعودها قويا بعد المرحلة الأولى من الاستفتاء الذى ينطلق اليوم السبت، وأهل البورصة لديهم قرون استشعار قوية.. ورؤية ثاقبة.. بل وتحليل عميق لمستقبلنا.. فهم الأسرع تجاوبا مع السوق.. سلبا وإيجاباً.. صعوداً أو هبوطاً.. ونتوقع أن يشهد العام القادم طفرة كبرى للبورصة المصرية- تكون مقدمة لطفرة سياسية ونهضة اقتصادية شاملة.. بمشيئة الله.. أيضا يعزز تفاؤلى تقارير المؤسسات الدولية التى ترى أن مصر سوف تكون أكثر دول المنطقة استقراراً العام القادم. ورغم عدم ميلىللأفراط فى التفاؤل.. إلا فإننى أشارك واضعى هذه التقارير تفاؤلهم الذى يستند إلى رؤية سياسية واستراتيجية عميقة.. فهؤلاء يقومون بدراساتهم بناء على تحليلات ومعلومات دقيقة من مختلف المصادره ومنها مصادر استخباراتية واستطلاعات سرية ومعلومات سياسية، ولكن الثقة والتفاؤل بالمستقبل ينبعان أولا من الإيمان بالله ومن إرادة هذا الشعب القادر على أن يصنع المعجزات.. مثلما أطاح بنظام استمرا وبعد عقودا طويلة وأذاقنا أهوالا مريرة. *** بعد استعراض أسباب تفاؤلى الشخصى القائم على أسس موضوعية.. يجب أن نتساءل معا: ما هو المطلوب فى المرحلة القادمة؟. ماذا نريد من الرئيس؟.. وماذا نريد من الحكومة؟.. وماذا نريد من أنفسنا؟.. ماذا نريد من البسطاء وليس من النخبة المعزولة فى بروج عاجية؟ *أولا.. نريد من الرئيس تشكيل حكومة جديدة تحظى بكفاءات رفيعة ورؤية سياسية عميقة وقدرات سياسية متميزة، ومع احترامنا للأستاذ الدكتور هشام قنديل وما يقوم به من جهود مشكورة فإنه من الواضح أنه لم يؤد الأداء المطلوب.. ربما كانت الظروف أقوى منه.. والمعارضون يسنون له السكاكين على طول الخط.. مثلما يفعلون مع الرئيس.. ولكن هناك أخطاء كثيرة وقعت فيها هذه الحكومة.. أبرزها زيادة الأسعار والضرائب ثم التراجع عنها خلال ساعات، وهو خطأ بكل المقاييس وقرار يفتقر إلى الحسابات الدقيقة العميقة، فلا يمكن صب البنزين على النار فى هذه الأجواء المشتعلة أصلا! * ثانيا.. مطلوب من مؤسسة الرئاسة بعد الاستفتاء الإسراع بتطهير مؤسسات الدولة من بقايا الفساد وذيول الاستبداد.. فمازالت هذه الأذناب منتشرة وتعمل علنا وليس فى الخفاء وتحارب الدولة والمواطن البسيط.. بل إنها تقوم بتخريب متعمد وممنهج لكل خطط الإصلاح. * ثالثا.. الإسراع باستكمال بناء مؤسسات الدولة.. وحتى نكون واقعيين لا يمكن بناء المؤسسات الجديد على أسس هاوية وخربة ومتعفنة.. لذا طالبنا بالتطهير قبل التطوير فى مقال قديم منذ نحو شهرين. ولعل أولى هذه الخطوات هى إجراء الانتخابات البرلمانية بتهيئة المناخ الصالح والمواتى لكل الأطراف شفافية مطلقة.. وأتوقع شخصيا أن تشهد هذه الانتخابات مفاجآت وتحولات كثيرة قد تصدم البعض.. وتفيق آخرين! *رابعا.. بناء شراكة حقيقية بين كافة أبناء الوطن.. وكما يقول المفكر والعلامة د. أحمد عمرهاشم فى حديثه ل «أكتوبر» فإن الرئيس مسئول عن معارضيه قبل مؤيديه.. فهذه حقيقية ومبدأ أساسى نعتقد أن الرئيس يستوعبه تماما ويسعى لتطبيقه على أرض الواقع، فقد دعا كل معارضيه للحوار دون استثناء أو إقصاء.. بل إنه استقبل وتحاور وتشاور وسوف يستمر فى ذلك مع المختلفين معه فكريا وسياسيا. المطلوب من الرئيس- ومؤسسة الرئاسة بأسرها- أن تحتضن أبناء الوطن كلهم، وأن تفتح أبوابها بعد الاستفتاء لرأب الصدع والشروخ التى حدثت خلال الفترة الماضية، ويجب أن نعترف بأن هذه الشروخ أصابت قلب الوطن بعمق وأنها تحتاج إلى جهد كبير ودءوب ومخلص من كل الأطراف لعلاجها..وبعد العلاج نضع الأساس للشراكة الحقيقية التى تقوم على أساس الاحترام المتبادل وتقدير المصالح العليا للوطن وتقديمها على كل الاعتبارات الأخرى. *خامسا.. مطلوب أن تبدأ مؤسسة الرئاسة والحكومة الجديدة إعداد خطة إنقاذ عاجلة للخروج من الحالة الاقتصادية والسياسية والأمنية والمجتمعية المتردية. نعم نحن نواجه أزمة. بل أزمات طاحنة.. أقلها الغلاء.. رغم حيوية هذه القضية.. ويجب أن نعمل جميعاً.. شعباً وقيادة.. وأحزاباً ونقابات لإنقاذ الوطن.. فلا ننتظر قرض صندوق النقد والمعونات تأتى بشروط.. أو التعاون بضغوط ؟! أبناء الوطن البسطاء.. إنتم تصنعون اليوم مستقبلكم ومستقبل المنطقة.. بل والعالم بأسره.. دون مبالغة أو تهويل.. ونحن متفائلون أن اليوم سوف يكون هو الخطوة الأولى نحو انطلاقة كبرى.. بمشيئة الله.