يسألني عشرات القراء والأصدقاء الأعزاء عن سبب تفاؤلي في ما يتعلق بالشأن العام العربي والمصري ! يظن البعض أنني متفائل بطبعي ، ويغبطونني على ذلك ، وهذا عكس الحقيقة ، فأنا بطبعي شخص سوداوي متشائم ، بل شديد التشاؤم ، ومن يتأمل في أشعاري يسهل عليه اكتشاف ذلك بسهولة . إذن ... ماسبب التفاؤل ؟ الحق أقول ، إن تفاؤلي مبني على مجموعة عمليات حسابية عقلية بحتة ، ولا دخل للطبع الشخصي في الأمر ، بل إن دقة هذه العمليات الحسابية ونتائجها المبشرة ، هي التي جعلت التفاؤل يغمرني ، متغلبا بذلك على طبعي الشخصي المتشائم . بادئ ذي بدء لا بد من التنبيه على أنني أعاني من عيب "خِلْقِي" يجعلني أخلط الخاص بالعام ، فأصاب بالتشاؤم والتفاؤل ، والفرح والاكتئاب ، لأسباب لا علاقة لها بمجريات حياتي الشخصية ، وهذا أمر يعسر الحياة عسرا شديدا ، ولكن ، وبرغم ذلك ، أشعر اليوم بتفاؤل شديد فيما يتعلق بمستقبل الأمة العربية . المعادلة التفاؤلية الأولى : معادلة نسبة الشباب من عدد السكان . إنها أحكام الجغرافيا البشرية ! إن نسبة الشباب الذين لم يبلغوا الثلاثين في غالبية االدول العربية تزيد على خمسة وستين بالمائة من السكان ، وهذه النسبة تعتبر (في حد ذاتها) شرطا مهما لقيام مشروع نهضوي . ولو أضفت الشباب حتى سن الأربعين ، ستجد أن ما يقرب من ثمانين بالمائة من سكان الوطن العربي من الشباب . يضاف إلى ذلك أن غالبية الشباب لا يحظى بفرصه العادلة في كافة مناحي الحياة ، وهذا يعطي مشاريع النهضة القائمة على الرغبة في التغيير مخازن ضخمة من الذخيرة الحية التي يسهل توظيفها في المعركة نحو الحرية والتنمية . المعادلة التفاؤلية الثانية : تحرك الشباب نحو العمل العام . وهنا أحب أن أشير إلى أن هنالك ملايين الشباب والشابات العرب الذين ينخرطون في أنشطة العمل العام بشكل تطوعي ، وهذا أمر محمود ، وخصوصا بعد عقود من ابتعاد الشباب عن العمل العام . ليس مهما ما طبيعة العمل العام الذي ينخرط فيه الشباب ، وبالتالي أرى أن كل الشباب الذين يتطوعون في العمل الخيري ، أو في مشاريع رجل مثل الأخ الأستاذ عمرو خالد ، أو في جمعية أهلية ، أو في عمل سياسي ... كل هؤلاء قد قطعوا شوطا مهما في الوصول لمفهوم (استحالة الخلاص الفردي) ، وهذه خطوة مهمة من أجل التحرك الجماعي نحو المستقبل . المعادلة التفاؤلية الثالثة : الثقافة بين الشباب . صحيح أن البعض يبالغ في جلد جيل الشباب لضحالة وسطحية ثقافته ، ولكني أرى الأمر من زاوية مختلفة . إن هذا الجيل لم يقدم له أحد يد العون ، ولم تهتم الأجيال التي سبقته برعايته فكريا بقدر ما اهتمت برعايته ماديا ، لذلك كان من المفترض أن يكون هذا الجيل أسوأ مما هو عليه بكثير جدا ، وإن خروج هذا الجيل بهذا الشكل يعني أنه خير من الأجيال التي ربته ، أو الأجيال التي زعمت أنها ربته ! إن تجربتي الشخصية مع هذا الجيل العظيم أنه أرض خصبة ، تحفظ الماء ، وتنبت الثمر ، بأقل مجهود في البذر !شاهدت ذلك بنفسي خلال ندوات شعرية وفكرية وسياسية في شتى العواصم والمدن العربية .قاعات كبرى وقد غصت بجمهور ضخم معظمه من الشباب ، شباب قد تركوا اللهو والتوافه من أجل الاستمتاع بقصيدة ، أو من أجل الاستفادة من محاضرة . المعادلة التفاؤلية الرابعة : شيخوخة نظم الحكم . إذن ... نحن نرى الشباب وقد امتلأ بالرغبة في التغيير ، ونرى في نفس اللحظة أنظمة قد أكلتها الشيخوخة مهما تظاهرت بالشباب ، ونرى ضعفا وشيبة في الحكومات مهما حاولوا إظهار القوة أو صبغ الشعر ! يا سادتي : إنها سنن الله في الكون ، قولوا ما شئتم ، وافعلوا ما شئتم ، فلن تجد لسنة الله تبديلا ، ولن تجد لسنة الله تحويلا !سنشاهد بإم أعيننا ، وفي القريب العاجل ، تغييرات لم نكن نتخيلها أو نحلم بها ، ومع وجود هذا الوعي في شباب الأمة ، ستكون هذه التغييرات في صالح الغالبية ، وفي صالح مستقبل مشرق للأمة العربية كلها ...