يجب أن نعترف بأن المرحلة الماضية خلفت آثاراً سلبية واضحة.. فى النفوس والعقول والقلوب.. فالمعركة كانت على أشدها.. وانقسمت مصر كلها.. حتى داخل الأسرة الواحدة التى تعددت انتماءاتها.. وتقلبت مواقفها.. بدءاً من الاستفتاء فى مارس 2011 وحتى الجولة النهائية للانتخابات الرئاسية.. وللأسف الشديد مازال البعض يعيش فى أوهام وهموم المعارك السياسية الطاحنة التى تسبب الإعلام المضلل فى جزء كبير منها. ولكن يجب أن نعترف بأن هذا الانقسام السياسى والانتخابى طارئ على الشخصية المصرية الأصيلة التى تحظى بسمات راسخة تستطيع استيعاب كل ما حدث وتتجاوزه إلى مرحلة أرحب.. مليئة بالأمل والثقة والتفاؤل بغد أفضل بمشيئة الله. وليس أدل على ذلك من احتفال البورصة المصرية بفوز الدكتور مرسى بالرئاسة على طريقتها الخاصة جداً التى لم تحدث على مدى تسع سنوات ونصف السنة!ونحن هنا ندعو إلى شراكة وليس إلى مصالحة فقط.. بين كافة أبناء الوطن.. وأولها حملات المنافسين.. نعم شراكة حقيقية وليس مصالحة شكلية صورية.. والمصالحة تستدعى رصد أخطاء كل الأطراف والاعتراف بها.. فكلنا خطّاءون.. وخير الخطّائين.. التوابون.. كما يقول رسولنا الأكرم.. عليه أطيب الصلوات وأذكى التسليمات. وبعد المصارحة والاعتراف بالأخطاء يجب أن نعتذر عنها.. والاعتذار من شيّم الكبار.. يعلى شأنهم.. ولا يقلل منه أبداً. والخطوة التالية هى قبول كل الأطراف اعتذارات بعضها البعض.. (فاصفح الصفح الجميل). ولكن هناك نقطة محورية تتمثل فى عدم التسامح أو التجاوز عن جرائم الفساد ونهب المال العام والاستبداد وقتل أو إصابة المتظاهرين.. فهذه الجرائم يحكمها القانون.. وتفصل فيها المحاكم.. بكل الدقة والجدية الواجبة. فقد انتهى زمن المماطلة والتباطؤ والتواطؤ وعدم تقديم الأدلة.. حتى تنتهى القضايا إلى أحكام هزيلة.. وهزلية.. أو حتى ببراءة القتلة والمجرمين. المطلوب جدية صارمة من كافة أجهزة الأمن والتحقيق لتوفير الأدلة القوية الدافعة المقنعة.. حتى تعود الحقوق لأصحابها.. ويرتاح الشهداء فى عليِّين. وعندما ندعو إلى المصالحة فإننا نعتقد أن الرئيس مرسى يجب أن يقود هذه المصالحة.. ويطورها إلى شراكة وطنية جامعة.. بين كافة القوى والشرائح والفئات. وكم سعدت بردود أفعال الإخوة المسيحيين.. بكافة كنائسهم ومستوياتهم.. وهم يهنئون الرئيس الجديد.. ويؤكدون ثقتهم فيه.. كما يقدمون إليه مطالبهم.. وهذا حقهم المشروع.. وواجب الرئيس أن يستمع إليهم ويستجيب لمطالبهم.. ويحنو عليهم. بل أن يكون نصيراً لهم.. مادام الحق معهم. فما قاله للإخوة المسيحيين لم يكن دعاية انتخابية ولا مناورة سياسية.. بل هو إيمان أصيل بوحدة هذا الوطن وحق كل أبنائه فى الحياة الكريمة والعادلة. فإخواننا المسيحيون كانوا ومازالوا وسوف يستمرون شركاء لنا.. ما حيينا. لذا فإن التحالف الوطنى الذى بدأه الرئيس مرسى بعد الانتخابات يجب أن يستمر ويتطور ليشمل كل القوى.. أغلبية ومعارضة.. فما يجمعنا أكثر كثيراً مما يفرقنا. بل إن مشتركاتنا أكثر رسوخاً وعمقاً.. من خلافاتنا العابرة والطارئة. هذا الاصطفاف الوطنى - كما يحب الرئيس مرسى أن يطلق عليه - هو نقطة الانطلاق نحو نهضة مصر.. فلا يمكن أن نبنى بلادنا ونحقق تقدمها.. دون توحد كل المصريين.. الصغير قبل الكبير.. الفقير مع الغنى.. المسلم مع المسيحى. وكما بدأ مرسى أول مهامه بلقاء رئيس الحكومة المستقيل ثم زيارة المجلس الأعلى للقوات المسلحة وأسر الشهداء وغيرهم من المؤسسات والقوى والفئات.. فلا يمكن بناء الوطن دون تعاون وثيق مع القوات المسلحة وأجهزة الأمن والشرطة. وعندما ننتقد المجلس الأعلى للقوات المسلحة فهذا حقنا.. ولا يعنى إطلاقاً الانتقاص من دور الجيش. فالمجلس الأعلى جهة إدارية تخطئ وتصيب.. ومن حقنا توجيهها وتصويب مسارها.. فلا أحد فوق القانون.. بما فيهم أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة. أيضاً فإن الإعلام «المخرب» يجب أن يتغير.. وأن يتقى الله فى وطنه ومستقبله.. لا نريده أن يكون معول هدم وتدمير.. بل أداة خير وبناء ونهضة.. نريده إعلاماً يعبر بصدق وبحق عن هموم الوطن وواقع الشعب. فمن الواضح أن الإعلام لديه شيزوفرينيا حادة.. فهو يعيش فى واد.. والشعب فى واد آخر.. وكل الوقائع تؤكد ذلك.. بدءاً من الاستفتاء الدستورى وللأسف الشديد.. حتى الآن!! وليس أدل على ذلك من أن كثيراً من الفضائيات والصحف والمجلات بدأت تنتقد الرئيس المنتخب وحتى قبل أن يتسلم مهامه رسمياً..! بينما هؤلاء أنفسهم كانوا يسبّحون بحمد المخلوع وأذنابه.. بل إنهم كانوا «يبوسون» الأيادى من أجل نظرة رضا.. مجرد نظرة من أحد زبانية مبارك!!.. وليس مبارك نفسه. نريد أن يلتزم الجميع بالدستور والقانون - أياً كان - لحين عودة البرلمان وصياغة دستور جديد. وهنا يجب أن أشيد بقاضى قضاة مصر.. المستشار الغريانى رئيس الجمعية التأسيسية لوضع الدستور.. هذا القاضى الجليل الذى يفرض هيبته واحترامه بعلمه ومكانته.. ونأمل أن يوفقه الله وباقى أعضاء الجمعية لوضع دستور يليق بمصر العريقة.. وبأجيالها القادمة. والتعجيل بصياغة الدستور لا يعنى العجلة أو التعجل.. بل يعنى انتهاء جزء كبير من مشاكلنا بسبب الإعلان الدستورى التكميلى أو التكميمى.. كما أننا نتوقع أن يعود مجلس الشعب.. وصوته الحقيقى بالقانون أيضاً.. وسوف يعود بإرادة الله.. وإرادة الشعب أيضاً. وحتى ننتقل من مرحلة المصالحة إلى مرحلة الشراكة الوطنية الجامعة.. يمكن طرح مشاريع كافة مرشحى الرئاسة (مرسى وحمدين وأبو الفتوح والعوا.. إلخ) فى إطار مؤتمر عام يشمل كل التيارات. ويجلس الجميع للتحاور والنقاش والخروج بمشروع موحد لنهضة مصر.. يضم أبرز ما لدى الجميع. ويلتزم المصريون جميعاً بتحقيقه. عندئذ لن يكون مشروع الإخوان أو الحرية والعدالة.. بل مشروعنا جميعاً الذى يجب أن نتكاتف لتنفيذه وإنجاحه. ومن هذا المنطلق يمكن إشراك حملات المرشحين فى تنفيذ برنامج د. مرسى خلال المائة يوم لحل مشكلات (المرور والأمن والنظافة والخبز والوقود). فلو جمعنا كل هذه الحملات سوف يكون لدينا جيش جرار يضم ملايين الشباب الذى يستطيع تغيير وجه مصر ويحقق نقلة كبرى تضعنا فى مصاف الدول المتقدمة خلال فترة وجيزة.. بمشيئة الله. نريد أن نرى فى هذه الحملات خلايا عمل تضم شباب الحرية والعدالة وأبو الفتوح وحمدين والعوا.. إلخ. نريد أن نضرب النموذج المشرّف والحضارى للعالم بأسره. نريد أن نعلّم العالم.. كما علمناه مع بزوغ فجر التاريخ.. نعم نحن قادرون على إبهار العالم وتقديم تجربة مصرية خالصة وبارعة وغير مسبوقة.. هيا نبدأ معاً.. من أجل أبنائنا ومن أجل مصر.