لذا .. فإن مصر الجديدة بحاجة إلى استراتيجية جديدة.. وفكر متجدد.. وروح وثابة تعكس ثورة 25 يناير.. كما تؤكد المرحلة الجديدة التى بدأت يوم 12 أغسطس، فهذا تاريخ محورى لمصر المعاصرة.. يشير إلى أن الدولة المدنية قد بدأت أولى خطواتها الحقيقية.. وأن الإدارة العسكرية قد انتهت بسلاسة فائقة ودون أية أضرار أو خسائر.. بفضل الله وبوعى كل الأطراف وتقديرها لخطورة المرحلة التى نعيشها. مصر الجديدة بحاجة إلى استلهام روح الثورة ومبادئها (عيش وحرية وعدالة اجتماعية). نريد تطبيق هذه المبادئ على أرض الواقع.. وأن يشعر الجميع بمناخ الحرية الحقيقية.. لا الحرية المزيفة أو المحددة بخطوط حمراء.. لا يتجاوزها كومبارس الديمقراطية.. كما كان يحدث مع النظام السابق، ونريد أن تتحقق العدالة الاجتماعية لكل المواطنين.. دون استثناء أو إقصاء. ولعلنا نتذكر أن البرلمان السابق.. قبل حله.. كان على وشك إصدار قانون بالحد الأعلى للأجور والدخول، ولكن تمت الإطاحة به فى ظروف مريبة ومعروفة.. للأسف الشديد.. مما أضاع على مصر إحدى السلطات الثلاث الرئيسية التى كان يمكن أن تعالج الفراغ السياسى والمؤسساتى الخطير، نعم كان يمكن لمجلس الشعب - لو استمر - أن يقوم بدور فعال فى غربلة القوانين وتصحيحها والإسراع بعجلة التشريع لمصلحة الشعب، وكان يمكن أن يكون خير سند للرئيس المنتخب.. حتى لا يتهمه أحد بالاستحواذ على كل السلطات.. ومن المؤكد أنه غير سعيد بهذا.. ولا نحن أيضاً. الاستراتيجية المصرية الجديدة يجب أن تعتبر التغيير أهم محاورها.. وأن تضع آليات واضحة ومحددة له.. بحيث يصبح التغيير مدروساً وشاملاً وعميقاً.. وغير متسرع، تغيير يحدد مواطن الخلل فى القيادات المختلفة.. ويستعين بقيادات جديدة تحظى بالنزاهة والأمانة.. وقادرة على العطاء. التغيير مطلوب فى الفكر ونمط التفكير.. وهذا هو الهدف الأصعب والأسمى أيضاً، فمازال الكثير من القيادات تعمل وفق العقلية الفاسدة القديمة.. وبذات الآليات المتهالكة، وصحيح أن هذا التغيير سوف يحتاج إلى وقت وحِكمة وتروٍ فى التنفيذ.. ولكنه مطلوب.. وبإلحاح. ومن أهم ملامح الاستراتيجية المصرية الجديدة: استقلالية الإرادة والقرار، فقد كان النظام السابق يزعم ذلك ويطنطن به زبانيته فى كل وسائل الإعلام.. على عكس الواقع.. وخلاف الحقيقة، فقد كان القرار المصرى.. غير مصرى.. بكل أسف، وكانت الإرادة المصرية غائبة أو مُغيّبة.. عمداً.. حتى ضاعت المكانة المصرية.. وتقدم الأقزام والبهلوانات ليحتلوا مكانة أرض الكنانة.. فى ساحات كثيرة.. ومحافل معروفة! نعم نريد أن تكون إرادتنا بأيدينا.. وقد بدأنا ذلك بفضل الله.. وبفضل قيادة منتخبة تدرك أن هناك قواعد جماهيرية تراقبها وتحاسبها، وهذا واجبنا جميعاً.. أن نبصَّر وننبه الرئيس.. وأن نحذره قبل الخطأ.. وأن نحاسبه إذا أخطأ، فلا أحد فوق الحساب.. بما فى ذلك الرئيس مرسى، ونحن على ثقة أنه يدرك نبض شعبه والبوصلة التى تحركه.. ويعمل على ضبط سياساته وتحركاته.. وفق الإرادة الشعبية، وعليه أن يترجم هذا إلى قرارات جريئة وعملية تلبى طموحات أبناء مصر جميعاً. أيضاً.. نحن نتطلع إلى عودة الهوية المصرية الأصيلة.. الهوية المصرية الجامعة.. التى تعبر عن روح مصر وتاريخها العريق الممتد عبر آلاف السنين، لذا فإن الدستور القادم سوف يعبر عن هذه الهوية وعن طموحات كل المصريين، ولا داعى للمخاوف التى يرددها البعض أو الشكوك التى يثيرها المشككون والمغرضون، فكل أطراف وأطياف المجتمع المصرى تشارك فى صياغة دستورها.. بكل حرية وشفافية.. بما فى ذلك الأزهر والكنيسة والقوات المسلحة والنقابات المهنية والشباب والنساء والشيوخ أيضاً. ونحن على ثقة بأن الدستور القادم سوف يحظى بثقة غالبية الشعب المصرى عندما يطرح للاستفتاء العام قريباً.. لسبب بسيط أن الجميع شارك فى صياغته.. دون استثناء أو إقصاء، كما أن الصياغة النهائية للدستور سوف تراعى كل الملاحظات والتحفظات حتى يستطيع الصمود والاستمرار لسنوات طويلة قائمة بمشيئة الله. والاستراتيجة المصرية الجديدة سوف تؤكد على مبدأ سيادة القانون.. فلا أحد فوق المساءلة.. ولا تستر على جريمة أو مجرم أو فاسد.. سابق أو لاحق! فالكل أمام القانون سواء.. بدءاً من رئيس الجمهورية.. وحتى رئيس الفراشين.. مع الاحترام الكامل للجميع، فنحن نبدأ بداية جديدة على أسس نظيفة وسليمة.. معلومة للجميع.. وبمشاركة كل الأطراف. أما هؤلاء المشككون والمغرضون.. من الساسة والإعلاميين وغيرهم.. فسوف يكتشفون حقيقتهم.. وحجمهم بين الجماهير.. وقد تأكد ذلك فى استفتاء مارس 2011.. وانتخابات مجلسى الشعب والشورى.. وسوف يتأكد ذلك فى الاستفتاء القادم على الدستور.. بمشيئة الله. نحن نريد من هؤلاء المشككين والمغرضين أن يدركوا أن هناك واقعاً جديداً تشهده مصر والعالم.. وأن يشاركوا فى صياغة هذا الواقع الجديد.. وفى بناء مصر الجديدة.. وألا يتخلفوا عن ركب التاريخ.. بل أن يطوروا ويغيروا أنفسهم.. فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. نقولها بصدق وإخلاص لهؤلاء: لقد دارت عجلة التاريخ.. وانطلق القطار فلا تفوتوا الفرصة على أنفسكم.. فأنتم جزء أصيل من نسيج هذا الوطن.. ونحن حريصون عليكم وعلى مشاركتكم فى بناء مستقبله وصُنع نهضته. وإذا كان الكثيرون قد تحدثوا عن ضرورة المصالحة بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة.. فإننا نطالب بما هو أبعد من ذلك.. وأهم منه: ضرورة بناء شراكة وطنية حقيقية.. تجمع كل أبناء الوطن الذين لم يشاركوا فى فساد أو استبداد أو نهب ثروات الوطن، ونحن على ثقة بأن الأحزاب الرئيسية الموجودة الآن تحظى بصدر رحب وقلب مفتوح لاستيعاب كل التيارات والأحزاب والأيديولوجيات التى تخدم مصالح مصر الوطنية والقومية. الشراكة التى ندعو إليها تقوم على أسس واضحة من النزاهة والإخلاص للوطن والعمل على إدراك مصالحه الاستراتيجية.. ومن هذا المنطلق.. فلا مجال لتصفية الحسابات أو الإقصاء.. فمصر تشمل الجميع.. وأكبر من أى حزب أو جماعة أو فصيل، والإخوان المسلمون وحزب الحرية والعدالة والأحزاب الإسلامية الأخرى تدرك ذلك جيداً.. وتقتنع به.. وتعمل على تحقيقه فعلاً، ولعلنا نتذكر التحالف الذى شمل نحو 40 حزباً وتياراً وائتلافاً قبل الانتخابات البرلمانية العام الماضى، هذا التحالف كان رسالة واضحة تؤكد أن حزب الأغلبية لا يريد الاستئثار بكل شىء.. بل إن أشقاء مسيحيين دخلوا البرلمان.. من خلال قوائم الحرية والعدالة.