يري خبراء ومحللون أن روسيا التي تحرص علي أن تعامل كقوة كبيرة في العالم باتت تواجه معضلة تتمثل في العواقب التي يمكن أن تترتب علي خلافها الكبير مع الولاياتالمتحدة حول كيفية التعامل مع الأزمة النووية الإيرانية، في الوقت الذي أعربت فيه أطراف غربية عن تشاؤمها حول إمكانية نزع فتيل هذه الأزمة عن طريق المفاوضات. فقد رفعت الولاياتالمتحدة من التحديات الاسبوع الماضي حيث المحت الي ما يمكن ان تقوم به اذا ما اصرت روسيا علي رفضها الانضمام الي المساعي الدبلوماسية الأمريكية المتسارعة لاتخاذ خطوات دولية سريعة وحاسمة لعزل ايران. واجري الدبلوماسي الأمريكي البارز نيكولاس بيرنز محادثات في موسكو مع روسيا والدول الاخري الاعضاء في مجلس الامن رفضت خلالها روسيا التزحزح عن معارضتها الدعوات الاميركية لفرض عقوبات علي ايران. وبعد المحادثات طالب بيرنز موسكو بالتخلي عن العقود المربحة التي ابرمتها مع طهران في مجال الطاقة والاسلحة. وللتاكيد علي تلك النقطة، قال بيرنز كذلك ان الولاياتالمتحدة ترغب في بحث "المشاكل" في الجمهوريات السوفيتية السابقة في قمة مجموعة الثماني، وهي القضية التي تعتبر في غاية الحساسية بالنسبة لروسيا ويمكن ان تلقي بظلالها علي اول رئاسة لها لتلك المجموعة هذا العام. ورغم ان الولاياتالمتحدة تدعم انضمام جارات روسيا من الجمهوريات السوفيتية السابقة اضافة الي الصين، الي منظمة التجارة العالمية، لا تزال واشنطن تحجب مساندتها لانضمام روسيا الي تلك المنظمة، معيقة بذلك الهدف الذي يتطلع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الي تحقيقه منذ فترة. اعرب دبلوماسيون غربيون للمرة الاولي منذ بدء الازمة حول ملف ايران النووي قبل نحو ثلاث سنوات، عن تشاؤمهم حول امكان التوصل الي تسوية لهذا الخلاف عن طريق المفاوضات. ويعتقد الدبلوماسيون ان النظام المتشدد في الجمهورية الاسلامية قرر العمل بكل طاقته لامتلاك قوة ردع نووية سواء كانت قنبلة نووية او القدرة علي صنع واحدة مما سيسرع بدوره الجهود الغربية لاتخاذ خطوات ضد طهران مثل فرض عقوبات دولية علي المدي القصير. ويقول العديد من الدبلوماسيين كذلك انه اذا لم يحدث تغيير مفاجئ لدي اليمينيين المتشددين في طهران، فانه لا يمكن استبعاد نشوب نزاع بين الولاياتالمتحدةوايران في المدي المتوسط، . وقال دبلوماسي في طهران ان "الايرانيين مؤمنون بشدة بموقفهم وهم يعتمدون علي الروس والصينيين في منع مجلس الامن الدولي من فرض عقوبات شديدة عليهم". واضاف ان "النظام الايراني مقتنع بان الأمريكيين لا يمكن ان يهاجموه". ويتحدث المسئولون الايرانيون باستمرار عن "المستنقع" الأمريكي في العراق وحساسية الولاياتالمتحدة لاي ارتفاع اخر في اسعار النفط التي وصلت الي رقم قياسي هو 75 دولارا للبرميل لاسباب من بينها الازمة الايرانية. وقال دبلوماسي طلب عدم الكشف عن هويته "اعتقد ان هذا خطأ كبير في التقديرات". وقد امهل مجلس الامن الدولي ايران حتي 28 ابريل لتجميد انشطتها لتخصيب اليورانيوم التي تهدف الي انتاج الوقود النووية وربما الي صنع اسلحة نووية، وذلك في خطوة لبناء الثقة. ورفضت ايران القيام بذلك مؤكدة علي ان مساعيها النووي مشروعة لانها تهدف الي انتاج الطاقة الكهربائية. كما اعلنت نجاحها في تخصيب اليورانيوم. وصرح دبلوماسي اوروبي قريب من المسألة ان "الايرانيين حاولوا تقديم حقيقة واقعة. ففي الحقيقة هم لم يصلوا الي مراحل متقدمة، ولكن ما قاموا به هو نقطة تحول. ومن الان فصاعدا ستتصاعد الازمة بقدر ما يتقدم عملهم". واضافة الي ذلك فان الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد يطلق نيرانه علي كافة الاصعدة. فقد صعد هجومه الكلامي علي اسرائيل وتباهي بعلاقات بلاده الوثيقة مع الجماعات المسلحة الفلسطينية والعراقية. كما عرضت ايران قوتها العسكرية من خلال المناورات العسكرية في منطقة الخليج. وتدفع الولاياتالمتحدة الان الي القيام بتحرك صارم في الاممالمتحدة ضد ايران. لكن روسيا التي تملك حق النقض (الفيتو) في مجلس الامن، استبعدت الجمعة اي بحث في فرض عقوبات علي ايران الا بعد الحصول علي ادلة تدعم الادعاءات بان ايران تخفي شيئا. وقالت موسكو كذلك انها تعارض "بشكل مطلق" اي استخدام للقوة ضد طهران. ويتخوف العديد من الدول الاوروبية من ان غياب التوافق في مجلس الامن الدولي قد يدفع الولاياتالمتحدة الي التحرك بمفردها، وذلك بعد ان تحدثت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندلوليزا رايس الاسبوع الماضي عن حق واشنطن في "الدفاع عن النفس". كما تعتبر اسرائيل، الدول الوحيدة التي يعتقد انها تمتلك اسلحة نووية في الشرق الاوسط، ايران تهديدا علي كيانها. وقال دبلوماسي ان "هذا الوضع يمكن ان يتدهور بسرعة كبيرة (...) ومن غير المعقول ان يقف الأمريكيون مكتوفي الايدي بينما ايران تصنع قنبلة او حتي تمتلك تكنولوجيا لصناعة واحدة". واضاف "لن ينتظر (الأمريكيون) الحصول علي دليل". وكان دبلوماسيون من بريطانيا وفرنسا والمانيا استشعروا اثناء مفاوضاتهم مع الحكومة الايرانية المعتدلة السابقة، بان طهران ترغب في التوصل الي اتفاق. وذكر دبلوماسي اوروبي اخر "بدا الامر وكان النظام الايراني كان يعتبر البرنامج النووي ورقة تفاوض. ارادوا ان يكونوا في موقف قوي ويحضروا الأمريكيين الي طاولة التفاوض ويحصلوا علي ضمانات امنية وحوافز". واضاف "كان من الممكن ان ياخذ التوصل الي اتفاق وقتا، ولكنه كان ممكنا". الا ان فوز احمدي نجاد المفاجئ في الانتخابات في يونيو الماضي كان مؤشرا علي تغيير تام في طهران لصالح المتشددين الذين يعتبرون ان الولاياتالمتحدة ترغب في تغيير النظام الايراني. واثار التغيير الايراني مشاعر التشاؤم في الاوساط الدبلوماسية في طهران وحتي بعض التكهنات حول اين ومتي وكيف سيشن الأمريكيون هجومهم علي النظام الايراني. واتهم بوتين واشنطن بتغيير قوانين منظمة التجارة العالمية، ويقول العديد من المراقبين ان كل هذه المسائل ترتبط بطريقة او باخري بسياسة الكرملين ازاء ايران بشكل خاص وبسياستها الخارجية الحاسمة بشكل عام. وقال فلاديمير بريبالوفسكي المحلل في مؤسسة "بانوراما" في موسكو "ان الضغوط الأمريكية علي روسيا تتزايد". وفي العلن تفاخرت وتعهدت بمواصلة مساعدة ايران علي بناء منشأتها النووية للطاقة وعلي بيعها انظمة دفاع جوي كما هو مقرر، وقالت انها لن تناقش العقوبات دون الحصول علي ادلة علي الادعاءات الأمريكية بان ايران تسعي للحصول علي اسلحة نووية. الا انه خلف اسوار الكرملين، يواجه بوتين ومساعدوه معضلة حول المدي الذي يمكن ان تصل فيه معارضتهم التكتيكية للولايات المتحدة بشان ايران، مع معرفتهم بانعكاسات ذلك علي قمة مجموعة الثماني والانضمام الي منظمة التجارة العالمية وغيرها من المنتديات وما يمكن ان يتسبب به ذلك من عواقب سياسية سلبية علي موسكو. وستتعرض تكتيكاتهم كذلك الي اختبار مع تقديم مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريرا حول انشطة ايران النووية. ويتوقع ان يلي التقرير مساع أمريكية مكثفة لاتخاذ خطوات دولية حاسمة لعزل ايران. وتتهم واشنطنطهران باخفاء برنامج للاسلحة النووي خلف مساعيها للحصول علي الطاقة وهو ما تنفيه ايران بشدة وتقول عنه موسكو انه مثير للقلق ولكن غير مثبت. وقال بريبالوفسكي ان "روسيا تمتلك حق الفيتو في مجلس الامن الدولي وعليها ان تقرر ما اذا كانت مستعدة لاستخدامه لمنع اتخاذ اي تحرك قوي ضد ايران الان" في تناقض مع مساعي واشنطن. واضاف "اذا جري تصويت في الاممالمتحدة حول امر يمكن ان يفتح الطريق لعمل عسكري ضد ايران، فان روسيا ستستخدم الفيتو ضده بكل تأكيد. واذا جري تصويت حول فرض عقوبات علي ايران، فان روسيا ستستخدم الفيتو ضده كذلك". وابرزت مجلة "ايكونوميست" البريطانية الاسبوعية التحديات في التوتر الدبلوماسي بين واشنطنوموسكو حول كيفية التعامل مع ايران حيث قالت في عددها الاخير انه فيما يزداد الاهتمام الأمريكي بايران، تزداد كذلك انعكاسات المعارضة الروسية لواشنطن. الا ان الكرملين اعرب عن مواقف مختلفة تماما عن مواقف واشنطن حول مسائل مهمة اخري تتعلق بالشرق الاوسط من اهمها التحدث مع حركة المقاومة الاسلامية (حماس) التي فازت في الانتخابات الفلسطينية في وقت سابق من هذا العام والتي تعتبرها واشنطن منظمة ارهابية. ويتوقع بعض الخبراء ان موسكو ستصل الي نتيجة انها ستكسب اكثر من خلال سيرها علي هذا الطريق من كسبها من التوصل الي تسوية لخلافاتها التكتيكية مع واشنطن بشأن ايران. وقال رجب سافاروف مدير مركز الدراسات الايرانية الحديثة في موسكو الذي يدعم سياسات روسيا تجاه طهران "لقد ان الاوان لكي تعيد روسيا تأكيد وجودها كقوة عالمية كبيرة". واضاف "ان لها (موسكو) كل المصلحة في كسر احادية القطب التي تسود العالم حاليا (...) وايران طريقة مثالية وفريدة للقيام بذلك". الا ان بريبالوفسكي يخالفه الرأي ويقول ان المعارضة الروسية للولايات المتحدة هي كلامية محضة وانه في الحقيقة ليس لدي الكرملين السبل او الرغبة في اعاقة التحركات الأمريكية بشان ايران. واوضح أن "الكرملين لا يريد ان يتشاجر" مع الادارة الأمريكية، مضيفا ان الكرملين "سيتوصل الي تسوية. وسيقتصر الانتقاد الروسي لايران علي الكلام، كما سيقتصر الانتقاد الأمريكي للديموقراطية في روسيا علي الكلام، وفي الحقيقة لن يحدث شيء خطير".