في الوقت الذي أعربت فيه الولاياتالمتحدة عن شكوكها في الحوار مع إيران حول الموقف المتأزم في العراق، والذي يهدد بنشوب حرب أهلية في هذا البلد المنكوب، معتقدة أن إيران "تناور" للتهرب من الضغوط المتزايدة عليها بشأن ملفها النووي، يري خبراء ومحللون أن هذه المحادثات يمكن أن تشكل انفراجا دبلوماسيا، وتكون بداية مهمة لإنهاء العداوة المستمرة منذ عقود بين واشنطنوطهران. وتقول جوديث كيبر الخبيرة بمجلس العلاقات الخارجية الأمريكية ان فرص اجراء اول محادثات مباشرة بين طهرانوواشنطن منذ قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما في 1980 يعد "بداية ايجابية جدا". واضافت كيبر التي ترأس منتدي الشرق الاوسط في المجلس ومقره نيويورك "هذا بداية لصفحة جديدة ويمكن ان يثمر عن شيء. إذا حدث ذلك فانه قد يقود الي امور اخري". واثار اعلان الخميس عن استعدادها لمناقشة النزاع في العراق مع وفد أمريكي الامل في تحسن العلاقات بين البلدين التي شهدت مزيدا من التوتر وسط الخلاف بشان تطلعات طهران النووية. غير ان واشنطن التي خولت سفيرها في العراق زلماي خليل زاد العام الماضي السعي للحصول علي مساعدة إيران من اجل استقرار الوضع في العراق، قللت من التوقعات من هذه المحادثات. واكد المسئولون في واشنطن ان المحادثات مع إيران لا تعتبر مفاوضات بل هي للاعراب عن المخاوف الأمريكية من دعم إيران لميليشيات شيعية تقوم بعمليات قتل في العراق وتوفيرها مواد تستخدم في صنع قنابل تزرع علي الطرق لتفجيرها. والاهم من ذلك يريد المسئولون الأمريكيون ان يؤكدوا ان اي محادثات مع إيران ستكون منفصلة تماما عن الجهود لمنع إيران من امتلاك قنبلة نووية، وهي المسألة التي تبحث حاليا في مجلس الامن الدولي. وذكر مسئول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية طلب عدم الكشف عن هويته ان خليل زاد لديه تخويل محدود للغاية في التعامل مع البلد الذي ادرجه الرئيس الأمريكي جورج بوش ضمن دول "محور الشر". وقال ان "إيران تقوم بامور في العراق لا تروق لنا ونرغب في ان تمتنع عنها، ونعتقد ان التحدث معهم مباشرة قد يساعد في تحقيق ذلك الهدف"، مضيفا انه "من الخطأ تحميل تلك المحادثات اكثر مما تحتمل". وكثفت واشنطن خلال الاشهر الماضية هجومها الكلامي علي إيران ووصفتها بانها تشكل اكبر تهديد للعالم "والبنك الرئيسي" للارهاب العالمي وصانع المشاكل في المنطقة اضافة الي انها قوة نووية ناشئة. كما شككت في المبادرات الإيرانية. وقال ستيفن هادلي مستشار الامن القومي للبيت الابيض "نحن نطلق التصريحات وهم يطلقون التصريحات". الا ان المحللين يقولون ان الخطوة التي قامت بها إيران مؤخرا قد تكون مختلفة. واضافوا ان اعلان علي لاريجاني استعداد إيران للتحدث مع الأمريكيين امر مهم لانه رئيس المجلس الاعلي للثورة واحد ابرز الشخصيات الإيرانية. واضافوا ان ادلاء لاريجاني بذلك التصريح امام البرلمان الإيراني الذي يهيمن عليه المتشددون وبعد ذلك للصحف الأمريكي والاجنبية امر مهم للغاية. وقال والي نصر الخبير في الشئون الإيرانية والاستاذ في المدرسة البحرية للدراسات العليا في كاليفورنيا "للمرة الاولي ينال اجراء محادثات مع الولاياتالمتحدة موافقة مجموعة محافظة تتمتع بنفوذ كبير في إيران". ويؤكد المحللون ان إيران لديها اسباب تجعلها تخشي اندلاع حرب اهلية في العراق تماما كما تخشاها الولاياتالمتحدة. وتصاعد العنف بين الشيعة والسنة في اعقاب هجوم علي مرقد الامامين الهادي والعسكري في سامراء، بعد ثلاث سنوات من الغزو الأمريكي للعراق للاطاحة بنظام الرئيس المخلوع صدام حسين. ورأت كيبر ان الفوائد الاخري التي يمكن ان تعود علي الإيرانيين من اعلان استعدادهم اجراء محادثات مع واشنطن هي ان "يظهروا للعالم ان لهم دورا مهما وان الولاياتالمتحدة بحاجة اليهم، وان الولاياتالمتحدة غارقة في مستنقع في العراق ولا يمكنها الخروج منه بدونهم". ولم يتم الاعلان عن اي تقدم في ترتيب اجتماعات بين البلدين اللذين التقيا مرات قليلة من خلال الاممالمتحدة او المنتديات العالمية مثل المفاوضات حول مستقبل افغانستان. ولم يبد المسئولون الأمريكيون الكثير من التفاؤل في امكانية ان تؤدي المحادثات المباشرة الي تغيير كبير في الوضع علي الارض في العراق، ملمحين الي ان طهران تحاول تخفيف الضغوط عن خلافها النووي مع الغرب. الا ان احتمال وجود طريقة جديدة للتعامل مع طهران ولو كانت محدودة، يمكن ان يلقي ترحيبا من قبل واشنطن التي تواجه نظاما بقيادة الرئيس الإيراني محمد احمدي نجاد. فالمساعي الأمريكية بتهديد إيران بفرض عقوبات عليها بسبب نشاطاتها النووية تواجه صعوبات في مجلس الامن الدولي بينما لم تحقق واشنطن نجاحا كبيرا في حشد الدعم ضد إيران التي يري الأمريكيون انها تشكل خطرا علي السلام في الشرق الاوسط. ونظرا لانقطاع كل العلاقات بين إيرانوالولاياتالمتحدة منذ احتجاز الرهائن الأمريكيين في طهران في 1979، تقر الادارة الأمريكية بانها لا تملك ورقة ضغط اقتصادية كبيرة علي الإيرانيين، مما يبقي علي التكنهات بشأن احتمال شن هجوم عسكري علي إيران. واكد محللون مثل جون الترمان مدير برنامج الشرق الاوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ان اجراء محادثات أمريكية إيرانية حول العراق يمكن ان يفتح الباب امام مشاورات ثنائية اوسع". واكد ان تلك المحادثات مهمة "لانها تغير الاجواء وتخلق فرصا لبناء الثقة". وفي العراق تستمر التجاذبات بين الهيئات العراقية ازاء المطالبة بفتح حوار بين الولاياتالمتحدةوإيران حول الشأن العراقي في ظل اصطفاف سياسي بات واضحا مع تأييد احزاب شيعية لذلك ومعارضة جهات اخري بينها "جبهة مرام"، مما ينعكس سلبا علي جهود تشكيل الحكومة. واستنكرت "جبهة مرام" التي تضم قوي سياسية عراقية شيعية وسنية المطالبة بفتح الحوار بين إيرانوالولاياتالمتحدة حول العراق بدون مشاركة اطراف عراقية، معتبرة ذلك امرا "بعيدا عن المنطق". وعبرت الجبهة في بيان عن "استنكارها موضوع الحوار الأمريكي الإيراني"، مؤكدة انها "تصرفات غير مسئولة والقوي السياسية في البلاد تعتبر ذلك بعيدا عن المنطق وتترتب عليه املاءات تضر بمصلحة العراق والعملية السياسية". ورفضت الجبهة "التدخل في شئون العراق الداخلية رفضا قاطعا من كافة الجهات الاجنبية". وقالت ان "العراق ليس ساحة للمساومات السياسية لحل المشاكل الدولية"، مرحبة "باي مبادرة لصالح العراق ووقف نزيف الدم مع ضرورة اشراك القوي الوطنية العراقية بالحوار". وتضم "جبهة مرام" القائمة الوطنية العراقية بزعامة رئيس الوزراء السابق اياد علاوي (25 مقعدا في البرلمان) ولائحة "التوافق العراقية" التي تضم الحزب الاسلامي العراقي ومؤتمر اهل العراق و"مجلس الحوار الوطني" بزعامة خلف العليان (44 مقعدا) و"الجبهة العراقية للحوار الوطني" بزعامة صالح المطلك (11 مقعدا) وهيئات اخري فشلت في الانتخابات التشريعية. وفي المقابل، قال مسئول بارز في قائمة الائتلاف الموحد برئاسة الحكيم ان "الحوار بين إيرانوالولاياتالمتحدة مبادرة عراقية هدفها صالح العراق الذي يجب ان يكون بمنأي عن الدول الاخري". واضاف لقد "اجتمع السفير الأمريكي في بغداد مع العديد من مسئولي دول الجوار باستثناء إيران، لذا وجدنا من الضروري ان تكتمل هذه الدائرة عبر اللقاء بين الطرفين". واكد ان هدف المطالبة بالحوار هو "الحفاظ علي حدود العراق بمساهمة جميع دول الجوار لابعاد العراق عن النزاعات". كما اعرب حمودي عن استغرابه من تخوفات بعض القوي السياسية حيال المطالبة بالحوار قائلا "لا اجد تفسيرا لتخوفات البعض سوي انهم ينطلقون من وهم وليس من واقع ومن الاجدر بهم ان يفهموا هذه المبادرة ويقدروها لانها لصالح العراق". وبدوره، كان موقف الرئيس العراقي جلال طالباني حيال هذه المسالة حياديا بمعني انه لم يرفضها كما انه لم يؤيدها. وقال في ختام لقائه الكتل البرلمانية "قناعتي هي ان مشكلة العراق اصبحت مشكلة دولية، إذا كان هذا العمل يخدم العراق وسيادته واستقلاله بشرط ان لا يكون هناك تدخل في الشئون الداخلية ويخدم الامن والاستقرار ويمنع تسلل الارهاب".