رغم تصاعد وتيرة التهديدات بفرض عقوبات دولية وشن هجمات عسكرية، واصلت إيران تحديها للمجتمع الدولي واعلنت انها نجحت في تخصيب اليورانيوم بنسب 3.5% بواسطة سلسلة مترابطة من 164 جهاز طرد مركزي مؤكدة مجددا علي حقها في امتلاك طاقة نووية سلمية. واعلن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ان بلاده "باتت قوة عظمي وسنحاور العالم من موقع القوة هذا". وبلاشك كان هذا الاعلان خبرا مزعجا للولايات المتحدة ولدول محيطة بإيران وحتي لدول بعيدة عنها، فإيران مصممة علي مواصلة أنشطة تخصيب اليورانيوم بما يمهد لاحقا لامتلاكها السلاح النووي كما يؤكد الغرب ويشكك في أن إيران يمكن أن تكتفي بإمتلاك طاقة نووية سلمية. ويري خبراء ومحللون ان الحوافز والدوافع التي تقف وراء اندفاع إيران في طموحها النووي أيا تكن النتائج، وفي مسار مواجهة مع المجتمع الدولي فهي: أولاً: اتخاذ قيادة الجمهورية الاسلامية الايرانية قراراً استراتيجياً بضرورة امتلاك السلاح النووي، باعتبار أن ايران قوة اقليمية كبري ويجب ان تحصل الأسلحة اللازمة الكفيلة بدعم موقعها وردع أي هجوم خارجي عليها، والتي تؤكد زعامتها في الشرق الاوسط وقيادتها للأمة الاسلامية في مواجهة اسرائيل وأمريكا. ثانياً : عدم امتلاك الولاياتالمتحدة ودول اوروبا في المرحلة الراهنة وسائل وامكانات ردع كافية سياسية ودبلوماسية واقتصادية وعسكرية لمنع ايران فعلا من امتلاك القدرات اللازمة لانتاج السلاح النووي. ففي حسابات إيران أن القدرات العسكرية الامريكية مستنزفة في العراق وأفغانستان، واذا حدثت هجمات وضربات عسكرية اسرائيلية أو امريكية ضد ايران فإن ردها سيكون تفجير الوضع الاقليمي علي نطاق واسع عبر حلفائها في التنظيمات الشيعية الموالية لها والمتحالفة معها من العراق الي جنوب لبنان. ودفع آلاف الانتحاريين لضرب أهداف أمريكية وبريطانية في أنحاء مختلفة من العالم ولا تخيف العقوبات الاقتصادية ايران، خصوصاً لأن في وسعها الرد عليها بإجراءات انتقامية تبدأ بإغلاق مضيق هرمز ، حيث أجرت قبل أيام مناورات واسعة لسلاحها البحري، أمام الملاحة الدولية وناقلات النفط، ما يؤدي الي ارتفاع كبير في أسعار النفط يهدد بنشوب أزمة اقتصادية عالمية. ثالثاً : أفادت طهران من دروس تجربتي العراق وكوريا الشمالية وطريقة تعامل الدول الكبري معهما. فالهجوم الامريكي في العراق لم يكن ليحدث لو كان صدام حسين يمتلك فعلاً السلاح النووي، والتفاوض الامريكي مع كوريا الشمالية لم يكن ليحصل لو لم يكن في يدها السلاح النووي. وتتمتع طهران بعدة أوراق قوة تستطيع تحريكها في افغانستان والعراق وصولا الي لبنان وفلسطين، اضافة الي قدراتها العسكرية و النفطية، وحتي لو كانت محاصرة، فإنها تشعر بأنها تحاصر الامريكيين في العراق وعلي الحدود في افغانستان وتثير قلقهم في فلسطين بعدما توغلت في النسيج السياسي الاجتماعي عبر حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" ، وفي لبنان عبر احتضانها "حزب الله" ومده بالدعم السياسي والمالي والعسكري. وكل هذه العناصر تعزز الاعتقاد الدولي بأن القيادة الايرانية قررت اعتماد استراتيجية هجومية متشددة والعودة تدريجيا الي منطق تصدير الثورة وصولا الي تزعم مد اسلامي متشدد ومتفجر في أرجاء الشرق الاوسط. وأعلن خبراء غربيون متخصصون في المجال النووي أن إيران مازالت تفتقد المهارات والمعدات اللازمة للاستفادة من طموحاتها النووية وبلورتها علي أرض الواقع، وذلك رغم تأكيد المسئولين الإيرانيين مواصلة بلادهم تحدي الضغوط الدولية، والإسراع إلي تطوير قدراتها التقنية والعلمية لتخصيب المزيد من اليورانيوم وإنتاج الوقود النووي. وفي هذا السياق صرح محمد ساعدي، نائب مدير الوكالة الإيرانية للطاقة الذرية، بأن بلاده ستبذل قصاري جهدها في المقبل من الأيام لتشغيل 54 ألف جهاز طرد مركزي، وهو ما يشكل زيادة جوهرية عن العدد الحالي من الأجهزة المتمثل في 164 التي أعلن الإيرانيون مؤخرا اعتمدوا عليها لتخصيب اليورانيوم إلي مستويات كافية تمكنهم من إنتاج الوقود النووي. ومع ذلك وصف الخبراء في المجال النووي التصريحات الإيرانية بأنها مبالغ فيها، وبأنه لم يطرأ أي جديد يغير من التقديرات السابقة حول التوقيت الذي ستصبح فيه إيران قادرة علي تصنيع سلاحها النووي الأول، مع افتراضنا أن ذلك هو هدفها النهائي. فقد توقعت الحكومة الأمريكية أن إيران ستمتلك السلاح النووي في غضون خمس إلي عشر سنوات، كما أكد الخبراء أن إيران ستصل إلي قنبلتها الأولي في نهاية 2020 علي الأكثر. وبالطبع لم يتأخر الرد الدولي كثيراً فبينما انتقدت الحكومات الغربية التصريحات الإيرانية بشدة جاءت الانتقادات الروسية والصينية أقل حدة. فقد دعت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس إلي ضرورة اتخاذ "خطوات قوية" ضد طهران، حيث استغلت التصريحات الإيرانية المتحدية لمجلس الأمن كي تحاول إقناع الأطراف المترددة مثل الصين وروسيا لدعم قرار فرض عقوبات دولية علي إيران. غير أن روسيا أوضحت من جانبها أنها لم تغير من موقفها المعارض لسياسة فرض العقوبات. إلي ذلك يؤكد الخبراء أن تباهي إيران بتخصيبها لليورانيوم اعتماداً علي 164 جهازاً للطرد المركزي يعد خطوة صغيرة، لكنها أساسية تفوق ما كانت طهران مستعدة للقيام به قبل ثلاث سنوات تقريباً، عندما وافقت علي تعليق عملية التخصيب والدخول في مفاوضات مع الدول الأوروبية حول برنامجها النووي. ويقول الخبراء في المجال النووي إن عزم إيران علي تشغيل 54 ألف جهاز طرد مركزي لتخصيب كميات أكبر من اليورانيوم لا يعدو كونه ضرباً من التباهي يشبه ذلك الذي أطلقته قبل سنوات. وهو مازال بعيداً، حسب رأيهم، نظراً لافتقاد الجمهورية الإسلامية لقطع الغيار والمعدات الأساسية لتشغيل عدد كبير من أجهزة الطرد المركزي التي تعمل علي تدوير اليورانيوم بالسرعة الكافية لتخصيبه واستعماله إما في المفاعلات النووية، أو لتصنيع القنبلة النووية. فقد استغرقت طهران 21 سنة من التخطيط الدؤوب والمستمر وسبع سنوات من التجارب المتوالية، معظمها كان يجري بطريقة سرية، حتي تصل إلي قدرتها الحالية المتمثلة في ربط 164 جهاز طرد مركزياً. وحسب الخبراء يتعين علي طهران في هذه المرحلة ليس فقط الوصول إلي نتائج ثابتة علي مدار الساعة ولشهور وسنوات قادمة، بل يتعين عليها الوصول أيضاً إلي مزيد من الدقة والإنتاج بكميات كبيرة. والأمر يشبه إتقان إيران العزف علي آلة موسيقية صعبة، لكن المطلوب هو صناعة العديد منها وتنظيمها في أوركسترا تعزف بشكل متواصل ودون نشاز. وأكد محمد ساعدي لوكالة الطلبة الإيرانية أن بلاده ماضية قدماً نحو استكمال أهدافها النووية قائلاً: "سنعمل علي توسيع أنشطتنا الخاصة بتخصيب اليورانيوم في مفاعل ناتانز لنصل إلي مستوي التصنيع". وأضاف ساعدي أن إيران ستشرع في تشغيل الوحدة الأولي من أجهزة الطرد المركزي في موقع نتانز البالغ عددها 3000 جهاز، وذلك في أواخر 2006 كخطوة أولي لبلوغ العدد النهائي وهو 54 ألف جهاز، مؤكدا "أنه لا مشاكل تواجهنا الآن، إذ كل ما علينا فعله هو مضاعفة خطوط الإنتاج". وتدرس إدارة بوش عدداً من خيارات توجيه ضربة عسكرية إلي إيران, ضمن استراتيجية أوسع لدبلوماسية الإكراه, الرامية إلي إرغام طهران علي التخلي عن برامجها النووية المزعومة. ذلك ما قاله بعض المسئولين والمحللين الأمريكيين المستقلين. لكن وعلي أية حال, فإنه ليس من المرجح توجيه ضربات كهذه في المستقبل القريب المنظور. بل يشكك الكثير من الخبراء والمختصين الأمريكيين, في جدوي وفاعلية الاستجابة العسكرية للأزمة النووية الإيرانية. علي أن مسئولي الإدارة يمضون قدماً في دراسة هذه الاحتمالات, باعتبارها أحد البدائل الممكنة أولاً, ثم لاستخدامها أداة للضغط علي طهران, وتهديدها بمدي جدية الخيار العسكري. ووفقاً لإفادات عدد من المسئولين الحاليين والسابقين, فإن من الواضح أن مخططي "البنتاجون" ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية, ينشغلون بدراسة وتحديد الأهداف العسكرية المحتملة, مثل مرفق تخصيب اليورانيوم في مفاعل "ناتانز", وكذلك مرفق تحويل اليورانيوم في أصفهان. وعلي الرغم من احتمال اللجوء إلي أي عمل عسكري بري ضمن هذه الخطط, فإن الضباط والمسئولين العسكريين, يدرسون الآن عدة خيارات وبدائل أخري, تتراوح ما بين الضربات الجوية المحدودة, التي تستهدف المرافق والمنشآت النووية الإيرانية الرئيسية, وحملات القصف الجوي المكثف, الرامية إلي تدمير عدد من الأهداف العسكرية والسياسية الإيرانية. وتكشف كل هذه الاستعدادات الأمريكية لخوض مواجهة تظل محتملة مع إيران, عن صعود الانشغال أو الهم الأمريكي بطهران, إلي قمة أولويات إدارة بوش, علي رغم انغماسها حتي أذنيها في حربها مع العراق المجاور لإيران. وعلي حد تصريحات بعض مساعدي ومستشاري الرئيس بوش, فإن إيران، حسب رأيه، تمثل خطراً أمنياً علي الولاياتالمتحدة, وأنه لابد من التصدي له قبل انتهاء مدة رئاسته، فالاستراتيجية الأمنية الجديدة التي أعلنها البيت الأبيض مؤخراً, تصنف إيران باعتبارها أكبر تحد أمني للولايات المتحدة علي الإطلاق. لكن علي رغم ذلك كله, يحذر الكثير من الضباط العسكريين والمختصين, من مغبة الانزلاق في مواجهة عسكرية قريبة المدي مع طهران. ومن رأي هؤلاء أنه ربما تفلح الضربات العسكرية في تأجيل وإبطاء البرامج النووية الإيرانية - تحت أحسن الفروض- غير أنها لاشك ستثير مشاعر غضب المسلمين علي امتداد العالم كله, لاسيما داخل إيران نفسها, في ذات الوقت الذي تجعل فيه الضربات, الجنود الأمريكيين الموجودين حالياً في العراق, أهدافاً محتملة للرد والانتقام من أمريكا. وفي هذا المعني قال كوري شيك - الذي سبق له العمل ضمن طاقم الرئيس بوش بمجلس الأمن القومي, ويعمل حالياً أستاذاً بالأكاديمية العسكرية الأمريكية - إن مثل هذه التهديدات, لا تعدو كونها جزءاً من الضغوط المتصاعدة علي طهران,غير أن هناك من يري في هذه التهديدات والاستعدادات العسكرية الجارية في واشنطن, أكثر من مجرد تهديد وإظهار ل"العين الحمراء" الأمريكية. فمن رأي "كورت كامبل", وهو مسئول سابق عن السياسات بوزارة الدفاع الأمريكية, أن فريق بوش إنما يبحث بجدية مدي إمكانية توجيه ضربات جوية لطهران, بسبب كثرة من يعتقدون أن ضربات كهذه, هي الخيار الممكن والأكثر واقعية في التصدي للخطر النووي الإيراني. وتأتي هذه المناقشات المكثفة عن جدوي واحتمال سيناريوهات العمل العسكري ضد إيران, في إطار انشغال الولاياتالمتحدة بالعمل الدبلوماسي المشترك بينها وبين الأوروبيين, بغية إيجاد حل دبلوماسي سلمي للأزمة. ومن جهته دعا امين عام الاممالمتحدة كوفي انان الي تغليب منطق التفاوض علي الخيار عسكري في ازمة الملف النووي الايراني، في مقابلة معه نشرت في اسبانيا. وقال انان لصحيفة "آ بي ثي" معلقا علي مقالات في الصحافة الامريكية ذكرت امكانية شن الولاياتالمتحدة ضربات ضد منشآت نووية ايرانية "آمل ان يغلب منطق التفاوض وان يكون الخيار العسكري مجرد تكهنات". وقال انان "ما زلت مؤمنا بان الحل الافضل هو حل بالتفاوض ولا اري اي حل يمكن ان تاتي به عملية عسكرية"، معتبرا ان الحسم العسكري "قد يؤدي الي تفاقم الوضع" المتوتر اساسا. وقال معهد العلوم والامن الدولي الامريكي إن احدث صور التقطتها الاقمار الصناعية تشير الي ان ايران وسعت موقعا لتحويل اليورانيوم في اصفهان وعززت الدفاعات في محطة لتخصيب اليورانيوم تحت الارض في ناتانز للتصدي لاي هجوم عسكري محتمل. وقال المعهد في رسالة بعث بها لوسائل الاعلام عن طريق البريد الالكتروني ان ايران شيدت نفقا جديدا كمدخل لمحطة اصفهان حيث يتم معالجة اليورانيوم قبل تخصيبه. وصاحبت الرسالة صور فوتوغرافية التقطت عن طريق الاقمار الصناعية. وذكر انه كان هناك مدخلان فقط في فبراير . ومضي قائلا "هذا المدخل الجديد يشير لمنشأة جديدة تحت الارض او توسعة في المنشأة الموجودة". ويرأس المعهد ديفيد اولبرايت الخبير النووي ومفتش الاسلحة السابق في الاممالمتحدة. كما قدم المعهد اربع صور التقطت بين عام 2002 ويناير 2006 وقال انها تظهر قاعتين تحت الارض في محطة ناتانز مدفونة تحت طبقات من التربة وما يبدو انها قطع من الخرسانة وطبقات اخري من التربة ومواد اخري. وذكر المعهد ان الصور تبين حاليا ان القاعتين علي عمق ثمانية امتار تحت الارض. وذكر تحقيق نشر في مجلة نيويوركر هذا الشهر ان الولاياتالمتحدة تدرس امكانية ضرب مواقع نووية ايرانية تحت الارض بقنابل نووية تكتيكية. ووصف الرئيس جورج بوش التحقيق بانه "تكهنات بلا اساس" وقال انه ركز علي الدبلوماسية لنزع فتيل المواجهة مع طهران فيما تزايد عدد تقارير وسائل الاعلام الامريكية التي تتحدث عن تخطيط ادارة بوش لشن ضربة جوية. وأضافت اولبرايت تتخذ ايران اجراءات غير عادية لحماية منشاتهآ النووية. ولكن الحديث المتزايد عن القضاء علي البرنامج النووي لايران من الجو سطحي جدا." وقال "اجهزة الطرد المركزي صغيرة جدا ويمكن بناؤها من جديد بسرعة وبوسع ايران ان تخزن سادس فلوريد اليورانيوم في مرآب بمكان ما بحيث يستحيل العثور عليه." وقال مارك فيتزباتريك خبير الشئون النووية في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن " من الصعب جدا محو المعرفة التي وصولوا اليها." وفي الاسبوع الماضي اعلنت ايران ان محطة اصفهان بها 110 أطنان من غاز سادس فلوريد اليورانيوم بزيادة 25 طنا عما ابلغت به الوكالة الدولية للطاقة الذرية في شهر فبراير. وقال محللون ان هذه الكمية الاكبر يمكن ان تنتج 12 قنبلة ذرية في حال اتقان ايران تكنولوجيا التخصيب باستخدام الاف من اجهزة الطرد المركزي وهي خطوة يمكن ان تحتاج مابين 3 و10 اعوام لاجتيازها.