مع احتدام عمليات الشد والجذب حول البرنامج النووي الايراني بين الولاياتالمتحدة وحلفائها الغربيين من جهة وطهران واصدقائها من جهة اخري تظهر لنا بضع حقائق تحوط اسلوب ادارة الصراعات العالمية فيما اصطلح علي تسميته منذ نحو خمس عشرة سنة بالنظام العالمي الجديد احادي القطبية فمع تصاعد تكهنات حول قرب افول هذا النظام مفسحا الطريق لنظام اخر متعدد القطبية، وهو الامر الذي كان اول من نبه لإرهاصاته علماء السياسة الامريكيين انفسهم ومنهم بول كيندي في كتابه الشهير "قيام وسقوط القوي العظمي" يبدو القطب الاوحد حريصا علي التمسك بكل خيوط اللعبة التي بدأ اخرون يشدون خيوطها خيطا اثر الاخر. تخصيب اليورانيوم فالولاياتالمتحدة وحلفاؤها الغربيون من ناحية يصرون علي وقف طموح ايران نووي وتعليق خططها لتخصيب اليورانيوم خشية ان تتوصل الي انتاج اسلحة النووية بينما تصر طهران علي حقها في امتلاك التكنولوجيا النووية لاغراض سلمية وفق ما تعلنه والمضي قدما في برنامجها حتي انها اعلنت مؤخرا عن تشغيل 164 جهاز طرد مركزيا لغرض تخصيب اليورانيوم ولتبسيط مصطلح تخصيب اليورانيوم الذي تردد كثيرا في الآونة الاخيرة نقول ان عنصر اليورانيوم عنصر فلزي شديد التعقيد ويحتوي الخام علي عنصرين هما اليورانيوم 235 واليورانيوم 238 ويوجد العنصر الاول وهو الذي يستخدم لتوليد الطاقة للاغراض السلمية والعسكرية معا بكميات ضئيلة داخل الخام لا تتجاوز ال0،7% من كمية الخام وحتي يمكن توليد الطاقة منه تجري له عملية التخصيب عبر تدويره في اجهزة الطرد المركزي بسرعة الضوء لتزيد نسبته الي ما يفوق احيانا ال 85%. ورغم تهديد الولاياتالمتحدة واوروبا بدفع مجلس الامن لاتخاذ موقف صارم والتهديدات الامريكية بضرورة اتخاذ موقف دولي صارم ازاء طهران فإن الاخيرة لم تعدم انصارا يمتلكون عرقلة محاولات فرض عقوبات عليها، فروسيا والصين اللتان تملكان حق النقض "الفيتو" داخل مجلس الامن حريصتان علي عدم توقيع عقوبات علي الجمهورية الاسلامية وقامت روسيا بالذات بجهود حثيثة لنزع فتيل الازمة انتهت بالتوصل الي مبادرة لاجراء انشطة التخصيب لحساب ايران علي الاراضي الروسية بيد ان هذه المبادرة تعثرت علي صخرة التصلب الايراني بخصوص تحديد مهلة لوقف انشطة التخصيب علي اراضيها. وكان دبلوماسيون اوروبيون قد عبروا من قبل عن اعجابهم بحيل ايران التفاوضية التي ابقتها بعيدا عن دائرة المشكلات لمدة ثلاث سنوات رغم الادلة المتزايدة علي اخفاء انشطتها النووية لمدة 18 عاما ،غير ان الاوضاع اختلفت الان بعدما نجحت الولاياتالمتحدة في اثارة مخاوف دولية من السياسات الايرانية. حوار الطرشان ولعل هذا ما يفسر عبارة دبلوماسي غربي قريب من المفاوضات الدائرة حول الازمة حاليا عندما قال في تصريح لوكالة رويترز للانباء مع فريق التفاوض الايراني الجديد: تحول الامر الي حوار الطرشان، اننا فقط نصرخ بتصريحات معدة سلفا في وجه بعضنا البعض ثم نغادر فتطورات الاحداث تؤكد حرص كل من الطرفين علي عدم ابداء اي قدر من المرونة عملا بقاعدة "كل ينتظر حتي يصرخ الاخر اولا" فرغم تهديدات امريكية متكررة بحشد المجتمع الدولي لفرض عقوبات علي الدولة التي تعتبرها مارقة وتضعها ضمن محور الشر وهي التهديدات التي وصلت في اكثر من مرة الي التلميح باحتمال اللجوء للقوة العسكرية مازالت طهران تصر علي حقها في امتلاك التكنولوجيا النووية وان كانت تعلن عبر مسئوليها انها لاغراض سلمية. ويعمد المسئولون الايرانيون بدورهم الي الاعلان عن قدرتهم علي "إلحاق الالم" بالولاياتالمتحدة ويتبادل قادة طهران التلميح الي تهديدات تبدأ من الانسحاب من وكالة الطاقة النووية والانطلاق بلا قيود في برنامج نووي ليس له حدود الي استخدام سلاح النفط سواء عبر التأثير علي امدادات النفط الي كل من اسيا واوروبا باغلاق مضيق هرمز او عبر قرار ايران فتح بورصة للنفط لكل منتجي النفط في المنطقة باليورو بدلا من الدولار الامر الذي يعني احتكار العملة الامريكية لسوق النفط العالمية ويهدد بزعزعة سوق النقد العالمية، لان البلدان المنتجة للنفط تصبح قادرة علي بيع انتاجها باليورو بدلا من الدولار بينما سيكون بامكان البلدان الاوروبية شراء النفط بعملتها اليورو مباشرة من دون وساطة الدولار وبالتالي تتراجع اهمية العملة الامريكية كاحتياط عالمي للعملة ولا تنتهي سلسلة تهديدات ايران بإلحاق الالم بالولاياتالمتحدة في العراق وافغانستان بل وفي اسرائيل نفسها التي دخلت بدورها ساحة المزايدات وصرح مسئولوها بأنهم لن يسمحوا باستكمال البرنامج النووي الايراني وان هناك خطة جاهزة لاستعمالها في الوقت المناسب لضرب المفاعلات النووية الايرانية.. ونقلت صحف الدولة العبرية انباء عن وجود طائرات بدون طيار يمكنها قصف المفاعلات النووية الايرانية وتثير المعالجة الامريكية والغربية لقضية الملف النووي الايراني اكثر من قضية تتعلق بانفراد القطب الاوحد في العالم بمهمة تحديد من يسمح له بامتلاك السلاح النووي ومن يتعين حرمانه من هذا السلاح، فقد صرح الرئيس الامريكي اكثر من مرة بضرورة الوقف بحزم ضد تطوير البرنامج النووي الامريكي كما اعلنت كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الامريكية خلال زيارتها الاخيرة لآسيا ان ايران "تمثل خطرا علي المصالح الامريكية وتهديدا لاسرائيل وللسلام في الشرق الاوسط والحرية في العراق وافغانستان" ومن هنا يتضح ما اوضحته الولاياتالمتحدة عن اولوياتها عبر مجمل سياساتها ويصبح من نافلة القول ترديد ما قيل في اكثر من مناسبة عن سياسة الكيل بمكيالين فرغم ما اصبح معلوما للكافة من امتلاك اسرائيل لرؤوس نووية ورغم ما كشفه موردخاي فعنونو عن خطورة مفاعل ديمونة النووي علي المنطقة باسرها مازالت واشنطن تغض الطرف عن البرنامج النووي الاسرائيلي ولا تلقي اذنا صاغية لدعوات اخضاع ربيبتها ورأس حربتها في المنطقة لاجراءات التفتيش علي برنامجها النووي ومازالت اسرائيل تضرب عرض الحائط باتفاقيات منع الانتشار النووي وترفض التوقيع عليها كما لم تلتفت لتوسلات محمد البرادعي من اجل السماح لوكالة الطاقة الذرية بتفتيش مفاعل ديمونة. وللحديث بقية... [email protected]