اليوم.. السيسي يشهد احتفالية عيد العمال    بحضور السيسي، تعرف على مكان احتفالية عيد العمال اليوم    عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الخميس 2-5-2024 بالصاغة    ماذا يستفيد جيبك ومستوى معيشتك من مبادرة «ابدأ»؟ توطين الصناعات وتخفيض فاتورة الاستيراد بالعملة الصعبة 50% وفرص عمل لملايين    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الخميس 2 مايو 2024    مظاهرات حاشدة داعمة لفلسطين في عدة جامعات أمريكية والشرطة تنتشر لتطويقها    قوات الجيش الإسرائيلي تقتحم مخيم عايدة في بيت لحم وقرية بدرس غربي رام الله ومخيم شعفاط في القدس    "الحرب النووية" سيناريو الدمار الشامل في 72 دقيقة    ملخص عمليات حزب الله ضد الجيش الإسرائيلي يوم الأربعاء    رامي ربيعة يهنئ أحمد حسن بمناسبة عيد ميلاده| شاهد    «الهلال الأحمر» يقدم نصائح مهمة للتعامل مع موجات الحر خلال فترات النهار    حملة علاج الادمان: 20 الف تقدموا للعلاج بعد الاعلان    نسخة واقعية من منزل فيلم الأنيميشن UP متاحًا للإيجار (صور)    فيلم شقو يتراجع إلى المرتبة الثانية ويحقق 531 ألف جنيه إيرادات    هل يستجيب الله دعاء العاصي؟ أمين الإفتاء يجيب    مشروع انتاج خبز أبيض صحي بتمويل حكومي بريطاني    أوستن وجالانت يناقشان صفقة تبادل الأسرى والرهائن وجهود المساعدات الإنسانية ورفح    تعرف على أحداث الحلقتين الرابعة والخامسة من «البيت بيتي 2»    الصحة: لم نرصد أي إصابة بجلطات من 14 مليون جرعة للقاح أسترازينيكا في مصر    الصحة: مصر أول دولة في العالم تقضي على فيروس سي.. ونفذنا 1024 مشروعا منذ 2014    ضبط عاطل وأخصائى تمريض تخصص في تقليد الأختام وتزوير التقرير الطبى بسوهاج    عقوبات أمريكية على روسيا وحلفاء لها بسبب برامج التصنيع العسكري    تشيلسي وتوتنهام اليوم فى مباراة من العيار الثقيل بالدوري الإنجليزي.. الموعد والتشكيل المتوقع    خبير تحكيمي يكشف مدى صحة ركلة جزاء الإسماعيلي أمام الأهلي    بتهمة التحريض على الفسق والفجور.. القبض على الإعلامية "حليمة بولند" في الكويت    تأهل الهلال والنصر يصنع حدثًا فريدًا في السوبر السعودي    الثاني خلال ساعات، زلزال جديد يضرب سعر الذهب بعد تثبيت المركزي الأمريكي للفائدة    متى تصبح العمليات العسكرية جرائم حرب؟.. خبير قانوني يجيب    بتهمة التحريض على الفسق والفجور.. القبض على حليمة بولند وترحيلها للسجن    حسن مصطفى: كولر يظلم بعض لاعبي الأهلي لحساب آخرين..والإسماعيلي يعاني من نقص الخبرات    أمطار تاريخية وسيول تضرب القصيم والأرصاد السعودية تحذر (فيديو)    كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي في الموارد البشرية؟    لاعب الزمالك السابق: إمام عاشور يشبه حازم إمام ويستطيع أن يصبح الأفضل في إفريقيا    وليد صلاح الدين يرشح لاعبًا مفاجأة ل الأهلي    هاجر الشرنوبي تُحيي ذكرى ميلاد والدها وتوجه له رسالة مؤثرة.. ماذا قالت؟    عميد أصول الدين: المؤمن لا يكون عاطلا عن العمل    عاطل ينهي حياته شنقًا لمروره بأزمة نفسية في المنيرة الغربية    البنتاجون: إنجاز 50% من الرصيف البحري في غزة    احذر الغرامة.. آخر موعد لسداد فاتورة أبريل 2024 للتليفون الأرضي    هذه وصفات طريقة عمل كيكة البراوني    أهمية ممارسة الرياضة في فصل الصيف وخلال الأجواء الحارة    حكم دفع الزكاة لشراء أدوية للمرضى الفقراء    ترابط بين اللغتين البلوشية والعربية.. ندوة حول «جسر الخطاب الحضاري والحوار الفكري»    مظهر شاهين: تقبيل حسام موافي يد "أبوالعنين" لا يتعارض مع الشرع    كوكولا مصر ترفع أسعار شويبس في الأسواق، قائمة بالأسعار الجديدة وموعد التطبيق    بسام الشماع: لا توجد لعنة للفراعنة ولا قوى خارقة تحمي المقابر الفرعونية    يوسف الحسيني : الرئيس السيسي وضع سيناء على خريطة التنمية    حيثيات الحكم بالسجن المشدد 5 سنوات على فرد أمن شرع فى قتل مديره: اعتقد أنه سبب فى فصله من العمل    أخبار التوك شو|"القبائل العربية" يختار السيسي رئيسًا فخريًا للاتحاد.. مصطفى بكري للرئيس السيسي: دمت لنا قائدا جسورا مدافعا عن الوطن والأمة    الأنبا باخوم يترأس صلاة ليلة خميس العهد من البصخة المقدسه بالعبور    برج الميزان .. حظك اليوم الخميس 2 مايو 2024 : تجاهل السلبيات    انخفاض جديد في عز.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الخميس 2 مايو بالمصانع والأسواق    بعد أيام قليلة.. موعد إجازة شم النسيم لعام 2024 وأصل الاحتفال به    مفاجأة للموظفين.. عدد أيام إجازة شم النسيم في مصر بعد قرار ترحيل موعد عيد العمال    بقرار جمهوري.. تعيين الدكتورة نجلاء الأشرف عميدا لكلية التربية النوعية    النيابة تستعجل تحريات واقعة إشعال شخص النيران بنفسه بسبب الميراث في الإسكندرية    أكاديمية الأزهر وكلية الدعوة بالقاهرة تخرجان دفعة جديدة من دورة "إعداد الداعية المعاصر"    بروسيا دورتموند يقتنص فوزا صعبا أمام باريس سان جيرمان في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأزمة النووية الإيرانية..إلي أين ؟(2/1)
نشر في نهضة مصر يوم 30 - 05 - 2010

بشير عبد الفتاح: في سياق مواز، سعت طهران لحشد التأييد الإسلامي لمشروعها النووي أو علي الأقل تحييد الدول الإسلامية إزائه، إذ عمدت طهران إلي مطالبة دول الجوار الإسلامي بعدم تقديم الدعم اللوجيستي للقوي الغربية
بإعلانه -يوم التاسع من شهر فبراير الماضي الشروع في عملية إنتاج اليورانيوم عالي التخصيب بنسبة20%، وتلويحه بقدرات بلاده علي رفع تلك النسبة إلي 80% قريبا، يكون النظام الإيراني قد وصل بالأزمة النووية لبلاده إلي مرحلة أكثر سخونة؛ ثم تجديده التأكيد علي مواصلة عمليات التخصيب هذه برغم توقيعه بالموافقة علي اتفاق تبادل اليورانيوم في تركيا خلال شهر مايو الماضي، ثم تهديده مؤخرا بالتراجع عن تنفيذ هذا الاتفاق ما لم تتراجع واشنطن عن مساعيها لحشد التأييد الدولي لتصعيد العقوبات ضده، يبدو النظام الإيراني كالمستعد لتفخيخ الجهود السياسية لتسوية الأزمة النووية الإيرانية.
أزمة ثقة
يمكن القول إن جانبا كبيرا من الأزمة بين إيران والغرب يعود إلي أجواء عدم الثقة التي تلقي بظلالها علي العلاقات بين البلدين فيما يخص الموقف من برنامج إيران النووي. ففي حين تدعي إيران أن مقاصد هذا البرنامج سلمية بحتة ترمي إلي تلبية طلب طهران المتزايد علي الطاقة من جانب، وتوفير النظائر المشعة للأغراض الطبية من جانب آخر، يسيطر علي الغرب قلق من نوايا إيران غير المعلنة لاستخدام هذا البرنامج لإنتاج السلاح النووي. ويري الغرب في غموض إيران وعدم شفافيتها في إدارة برنامجها النووي عامل تغذية لقلقه. وجاءت الخطوة الإيرانية الأخيرة بوضع العراقيل أمام تنفيذ مسودة فينا بشأن تبادل الوقود النووي، ثم رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلي 20% لتفاقم من أجواء عدم الثقة بين طهران والغرب.
فبداية، جاءت الخطوة الإيرانية المثيرة بعد أيام قلائل من إعلان نجاد - في حديث للتليفزيون الإيراني- أن بلاده مستعدة لتنفيذ مسودة فينا، التي أصرت طهران علي إبداء تمسكها بها برغم مضيها قدما في إنتاج اليورانيوم عالي التخصيب، الأمر الذي يبرز للغرب مدي التناقض والمراوغة في مواقف طهران. ولقد حركت تلك الخطوة مخاوف المجتمع الدولي من نوايا إيران ومساعيها لإنتاج السلاح النووي بعد أن زادت من أجواء الغموض والتعتيم التي تحيط ببرنامجها النووي. وفي هذا السياق، يري خبراء نوويون غربيون أن رفع درجة التخصيب إلي نسبة 20%، وإن كانت أقل كثيرا من النسبة المطلوبة لإنتاج قنبلة نووية، تبقي خطوة مهمة علي هذا الطريق إذ أنه يساعد إيران علي أن تنتج ما يتراوح بين_3_ و_5_ كيلو جرامات من اليورانيوم في الشهر_,_ بما يساوي ضعف ما تحتاجه للاستخدامات الطبية_، كما يعد خطوة أساسية نحو إنتاج مواد تدخل في صناعة الأسلحة النووية ويسرع من عملية إنتاج تلك الأسلحة، خاصة أن تخصيب اليورانيوم علي مستوي منخفض يعد من أكثر المراحل صعوبة واستهلاكا للوقت وما يتلوه من زيادة في نسب التخصيب يظل أيسر بكثير من حيث الكلفة والوقت.
ويذهب مراقبون إلي الادعاء بأن ربط إيران بين مطالباتها المتكررة بالاعتراف بها كقوة إقليمية من جانب، وبين حقها في تطوير برنامجها النووي السلمي من جانب آخر، عامل تأجيج للمخاوف الإقليمية والدولية من نوايا طهران بشأن حيازة السلاح النووي. فمنذ استئناف برنامجها لتخصيب اليورانيوم في أغسطس 2005، تحاول طهران فرض مكتسباتها الإقليمية الجديدة علي الولايات المتحدة من أجل انتزاع اعتراف واشنطن بها كقوة اقليمية عظمي وفقاً لتعبير الجنرال رحيم صفوي القائد السابق للحرس الثوري الإيراني في عام 2007.
مراوغة إيرانية
تدير إيران أزمتها النووية ببراعة مكنتها، حتي هذه اللحظة، من انتزاع بعض النجاحات في الجولات السابقة من لعبة "شد الحبال" أو "عض الأصابع" التي بدأت قبل سنوات بينها وبين الغرب وإسرائيل في هذا المضمار. فبرغم الظروف الصعبة المحيطة علي كل الصعد والاتجاهات، ما بين استمرار العقوبات، مرورا بتفاقم الضغوط الدولية وتفجر الاضطرابات والأزمات الداخلية، وصولا إلي تنامي التهديدات والمخططات من قبل واشنطن وتل أبيب لا يزال النظام الإيراني صامدا يأبي إلا أن يمضي قدما في سياسة كسب مزيد من الوقت والاستفادة من تباين المواقف والمصالح بين القوي الدولية الكبري علي النحو الذي يخوله مباشرة تطوير البرنامج النووي لبلاده من دون توقف _و بتكاليف وتبعات يمكن احتمالها، أو التعايش معها قدر الإمكان.
وقد تسني لطهران ذلك من خلال السير في مسارين: أولهما تقني يمضي لتطوير البرنامج النووي بالتوازي مع بناء منظومة الردع الكفيلة بحمايته من الصواريخ الباليستية والطائرات الهجومية المتطورة، علي غرار الاستراتيجية التي تتبعها الدول ذات المقاصد النووية كباكستان وكوريا الشمالية، بحيث تعكف علي الزعم بأن برنامجها سلمي بحت يعمل للأغراض الطبية وإنتاج الطاقة. وثانيهما، سياسي مراوغ، وتنتهج طهران خلاله استراتيجية تفاوضية أقرب لتلك الإسرائيلية، التي تخفي نواياها الحقيقية بينما تحرص علي طمأنة المجتمع الدولي وجيرانها عبر سياسة المراوغة، التي تستظل بمظلة توقيعها علي معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية والبروتوكول الإضافي الملحق بها وما استتبعه ذلك من حق لها في تطوير وامتلاك تقنيات نووية لأغراض سلمية.
فلا يتورع النظام الإيراني عن إبداء استعداده الدائم للحوار والتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بما يتيح لأصدقائها في موسكو وبكين هامشا أوسع للمناورة مع القوي الكبري لعرقلة وإرجاء أي إجراء عقابي تصعيدي ضدها. كما يحرص علي توجيه رسائل التطمين لدول الجوار العربي والإسلامي عبر تأكيد تخلي طهران كلية عن سياسة تصدير الثورة. وفي حرص منها علي الاحتفاظ بمساحة من المرونة مع المجتمع الدولي، وبعد أن بررت قرار رفع مستوي التخصيب برفض الغرب تسليمها الوقود النووي اللازم لإنتاج النظائر المشعة لعلاج قرابة مليون إيراني مصاب بالسرطان، تزامن أمر الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد هيئة الطاقة النووية الإيرانية برفع مستوي تخصيب اليورانيوم إلي 20% مع إعلان وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي ورئيس هيئة الطاقة الذرية علي أكبر صالحي أن المجال لا يزال متاحا للتفاوض بشأن مبادلة اليورانيوم المخصب، وفقا للشروط الإيرانية، وأن طهران ستوقف التخصيب إذا حصلت علي وقود نووي من الخارج يستخدم في تشغيل مفاعلها للبحوث الطبية.
وفي سياق مواز، سعت طهران لحشد التأييد الإسلامي لمشروعها النووي أو علي الأقل تحييد الدول الإسلامية إزائه، إذ عمدت طهران إلي مطالبة دول الجوار الإسلامي بعدم تقديم الدعم اللوجيستي للقوي الغربية أو إسرائيل لشن أي هجوم علي إيران، ومضت في تأكيد سلامة نيتها حيال جيرانها من الدول الإسلامية، والتشديد علي أن قدرات إيران العسكرية والتكنولوجية لا يمكن أن تستخدم ضد أي منها. كذلك، سعت لتوظيف الدين لحماية برنامج إيران النووي، وتبديد، أو علي الأقل تهدئة مخاوف العرب والمسلمين من تداعياته الخطيرة. أعلن وزير الدفاع الايراني الجنرال أحمد وحيدي أن جميع القدرات الدفاعية التي بحوزة إيران إلي جانب تلك التي تسعي جاهدة لتطويرها ستكون تحت تصرف دول المنطقة وستصبّ في مصلحة الأمة الإسلامية جمعاء.
مواقف القوي الكبري
إذا كانت الدول الست المعنية بالملف النووي الإيراني تتفق حول رفض امتلاك طهران للسلاح النووي، فإنها تختلف حول سبل تحقيق ذلك المقصد إن من خلال مستوي الضغوط التي يمكن ممارستها علي طهران، أو عبر حدود الأثمان الواجب دفعها لها، في ضوء مصالح كل منها مع الجمهورية الإسلامية .
براجماتية روسية
ما بين رفض لتشديد العقوبات المفروضة علي طهران، وعدم الترحيب بالإمعان في عزلها أو القيام بأي عمل عسكري ضد منشآتها النووية من جهة، ثم الإعلان مؤخرا عن استيائه من تحدي النظام الإيراني للمجتمع الدولي وإعلانه تخصيب اليورانيوم محليا بنسبة 20% وإبدائه استعدادا للسير في ركاب الإجماع الغربي الرامي إلي تضييق الخناق علي طهران، يبدو الموقف الروسي من الأزمة النووية الإيرانية ومن الجمهورية الإسلامية إجمالا مثيرا للتساؤل.
فتارة تتنكر موسكو لأية إتفاقات بشأن صفقة تزويد طهران بصواريخ إس 300 المضادة للطائرات، والتي انهالت الضغوط علي موسكو من جانب تل أبيب وواشنطن لتجميدها، كما يتفنن المسئولون الروس في تبرير تأخير محطة بوشهر النووية، ويتهربون من تحديد جدول زمني لتسليمها لإيران، وتارة أخري لا يتردد مسئولون عسكريون روس عن التلميح بأن الأمور تمضي قدما، وما يعطل إتمام هاتين الصفقتين هو فقط إجراءات فنية ما ان يتم الانتهاء منها حتي تتسلم طهران محطة بوشهر النووية، وكذا صفقة الصواريخ المثيرة للجدل .
ولئن نفت موسكو أن يكون لتراجع واشنطن مرحليا عن نصب محطات رادارية للدرع الصاروخية الأمريكية بمنطقة التموضع الثالثة للمشروع في وسط وشرق أوربا، دور في تغيير الموقف الروسي حيال إيران، يبدو أن الأمر يرتبط بحسابات روسيا الرامية إلي توظيف الورقة الإيرانية قدر المستطاع بغرض تقوية موقفها التفاوضي مع الولايات المتحدة وأوربا بشأن ملفات وقضايا خلافية شتي عالقة بينهما. وبكلمات أخري، يمكن القول إن تحول الموقف الروسي بشأن التعاطي مع إيران وأزمتها النووية إنما يطو بين ثناياه حرصا روسيا علي الإمساك بالعصا من المنتصف، بمعني بلوغ غايتين متوازيتين ومتزامنتين.
أولاهما، الإبقاء علي وشائج التقارب والتعاون بين موسكو وطهران، والتي تحقق موسكو من خلالها مكاسب إستراتيجية واقتصادية مهمة ليس أقلها الاحتفاظ بموطيء قدم روسية في المياه الدافئة بالخليج العربي. كما تجد موسكو نفسها بحاجة للإبقاء علي مبيعات السلاح الروسية لإيران، التي تعد منذ العام 1979 ثالث أكبر مشتر بعد الصين والهند، للسلاح السوفيتي ومن بعده الروسي. أما ثانيتهما، فتتجلي في الإبقاء علي الورقة الإيرانية كأداة مساومة في التفاوض مع واشنطن وحلفائها الغربيين، بما يتيح لموسكو إحراز نجاحات في مفاوضاتها مع تلك الأطراف حول ملفات وقضايا بالغة الأهمية بالنسبة لأمن روسيا ومصالحها الإستراتيجية كالناتو وأفغانستان وأمن الطاقة وتدخل واشنطن في الشأن الداخلي الروسي بذريعة حماية الديمقراطية وحقوق الإنسان، فضلا عن موازنة الضغوط الأمريكية علي موسكو في جورجيا وأوكرانيا._
بيد أن طغيان أجواء عدم الثقة علي العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة وحلفائها الأطلسيين خلال الآونة الأخيرة وما استتبعه من تنامي أهمية إيران بالنسبة لروسيا كورقة تفاوضية مهمة لمساومة الغرب والضغط عليه وابتزازه، إن تطلب الأمر ذلك، لم يكن ليزج بموسكو إلي غياهب صدام غير مرغوب فيه مع الغرب، إذ عمدت إلي الإبقاء علي سقف تطلعات الإيرانيين بشأن الدعم الروسي المتوقع لموقف بلادهم، التي لم تزل حليفا تكتيكيا ووظيفيا لروسيا في مواجهة الغرب، متواضعا إلي أدني مستوي ممكن بما لا يشكل عبئا إستراتيجيا أو سياسيا علي موسكو يؤثر بالسلب في مساعيها لمد جسور التفاهم مع الغرب، الذي سيبقي شريكا إستراتيجيا لروسيا لا تبدو مستعدة لخسرانه أو الاصطدام به - علي الأقل- في الأمد المنظور .
لذلك، ظلت موسكو حريصة علي إبقاء دعمها للبرنامج النووي الإيراني داخل النطاق الذي يحصره ضمن دائرة الاستخدامات السلمية، علي أن تترك مرحلة تحوله من الحيز السلمي إلي المجال العسكري لوسطاء دوليين آخرين أو بالاعتماد علي القدرات الذاتية الإيرانية لاحقا، وليس أدل علي ذلك من رفض موسكو تزويد إيران بأكثرمن500 وحدة من معالجات الطرد المركزي في الوقت الذي يتطلب تطوير أي مفاعل نووي إلي مستوي يسمح بإنتاج السلاح النووي 300 ألف وحدة، الأمر الذي يباعد بين طهران وتلك المرحلة عقدا أو أكثر من الزمن ما لم تتلق الدعم الكافي من الخارج. وفي الإطار ذاته، جاء تجديد موسكو، عقب زيارة نتنياهو الأخيرة لموسكو، رفضها تسليم صواريخ إس 300 لإيران بذريعة عوائق فنية نفت وجودها الشركة التي تنتج تلك الصواريخ.
من هنا، يمكن تفهم التأييد الروسي الراهن لمساعي واشنطن وحلفائها الغربيين لتشديد العقوبات علي إيران بجريرة قرارها تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% ، وهو موقف سبق لموسكو أن تبنت مثله كثيرا فيما مضي من خلال تمريرها عقوبات غير موجعة علي إيران لحملها علي اتباع سياسة مسئولة تفضي إلي طمأنة المجتمع الدولي بشأن طموحاتها النووية، بما يؤدي إلي تحقيق هدفين مهمين: أولهما، الإبقاء علي الحد الأدني من التفاهم والثقة المتبادلة بين روسيا والدول الكبري علي نحو يحفظ لموسكو حقها في قسط من المناورة وتوظيف الورقة الإيرانية. وثانيهما، تهدئة مخاوف الدول الكبري، وكبح جماح نزوعها تجاه اتخاذ إجراءات تصعيدية أشد صرامة ضد إيران.
التحدي الصيني
بدت الصين خلال الآونة الأخيرة كرقم صعب
في الموقف الدولي حيال الأزمة النووية الإيرانية بإرباكها الجهود الأمريكية الرامية إلي حشد الإجماع والتأييد الدوليين من أجل تشديد العقوبات علي طهران وزيادة عزلتها. فبرغم رفضها المعلن لامتلاك إيران السلاح النووي، تميل الصين للتمسك بالنهج التفاوضي مع نظام طهران رافضة أي تصعيد عسكري وغير محبذة أية عقوبات مرتفعة السقف ضد الجمهورية الإسلامية. ويستند هذا الموقف الصيني علي حزمة من الاعتبارات، تتصدرها بالطبع المصالح المشتركة مع إيران، والتي يأتي في القلب منها أمن الطاقة والأمن الاقتصادي للتنين الصيني الصاعد، فلقد قفزت واردات بكين من النفط الإيراني إلي نسبة 14% وهي مرشحة للزيادة خاصة بعد ارتفاع استهلاك الصين للنفط بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة ليبلغ حاليا 8 ملايين برميل من النفط الخام يوميا لمواكبة التطور الصناعي الصيني، تسهم إيران بنحو 450 ألفا منها، هذا فضلا عن الاستثمارات الصينية الضخمة في قطاع الطاقة الإيراني.
علاوة علي ذلك، تحاول بكين توظيف الورقة الإيرانية لتقوية الموقف التفاوضي الصيني في مواجهة الولايات المتحدة ومساومتها حول حزمة القضايا الخلافية العالقة بين الجانبين. وتخشي بكين من أن تضع نوايا الغرب التصعيدية حيال طموحات إيران النووية في حسبانها مشاريع الغرب وحسابات إسرائيل مع تجاهل المصالح الصينية مع إيران، التي تتخوف بكين من أن يفضي تشديد العقوبات عليها إلي الإضرار بأمن الطاقة الصيني أو انسداد الأسواق الإيرانية أمام المنتجات العسكرية والمدنية الصينية.
وفي حين تحرص بكين علي عدم افتعال أزمة أو صدام مع واشنطن من أجل إيران، فإنها ستسعي لكبح جماح الاندفاع الأمريكي والغربي التصعيدي تجاهها عبر سبيلين: أولهما، العمل علي إقناع واشنطن بتبني إستراتيجية الطمأنة حيال طهران كأن تتعهد لها بعدم مهاجمتها أو السعي لتغيير نظامها، كما تسمح لها بامتلاك تكنولوجيا نووية سلمية، بما يساعد علي تهدئة مخاوفها وترويض نظامها وتحفيزه علي إبداء مزيد من المرونة والتخلي عن طموحاته النووية غير السلمية. أما السبيل الآخر، فتسعي من خلاله بكين إلي تقليص حدة النوايا التصعيدية الغربية إزاء طهران مستندة علي امتلاكها حق الفيتو لتقويض الإجماع الدولي حول تشديد العقوبات عليها .
وإذا كانت هناك تحديات عديدة أمام نجاح المسعي الأول يتصل أبرزها باشتداد وطأة الضغوط الإسرائيلية والمحلية علي إدارة الرئيس أوباما لكبح جماح الطموح النووي الإيراني، فإن ذلك الأخير يصطدم بصعوبة التعويل علي إمكانية إجهاض الصين لأي مشروع قرار داخل مجلس الأمن الدولي بتصعيد العقوبات ضد إيران خلال المرحلة المقبل استنادا إلي خبرة السلوك التصويتي الصيني هناك طيلة العقود الأربعة المنقضية، لم تستخدم بكين حق الفيتو خلالها سوي ست مرات فقط، لم تسع في أي منها لتعطيل ثلاث جولات سابقة من العقوبات فرضها مجلس الأمن علي إيران منذ عام 2006، سواء بالرفض أو حتي بالامتناع عن التصويت.
وبدورها، لم تدخر واشنطن وسعا لاحتواء تلك المساعي الصينية وحمل بكين علي تغيير موقفها عبر تبني استراتيجية مزدوجة، شقها الأول تصعيدي ترهيبي ينطوي علي التلويح بممارسة الضغوط علي بكين ومساومتها في ملفات أخري مزعجة لها كقضايا التبت وتايوان، فضلا عن التجارة الحرة والعلاقات الاقتصادية، وتنامي نفوذ الصين السياسي والعسكري علي الساحة الدولية والانتقادات الأميركية لها علي خلفية وضع حقوق الإنسان. وفي هذا السياق، لم تتورع واشنطن عن تنفيذ صفقة أسلحة جديدة مع تايوان قبل أسابيع قلائل. كذلك، أصر الرئيس الأمريكي باراك أوباما علي استقبال الزعيم الروحي للتبت الدلاي لاما في واشنطن، متجاهلا مطالبات نظيره الصيني خلال لقائهما ببكين في نوفمبر الماضي بعدم استقباله خصوصا بعد الاضطرابات العنيفة التي اجتاحت مناطق التبت في مارس 2008 أما الشق الآخر من الإستراتيجية الأمريكية ، فتفاوضي ترغيبي حيث حذرت بكين من تضرر مصالحها حالة فشل الجهود الدبلوماسية لتسوية الأزمة النووية الإيرانية وإقدام إسرائيل منفردة علي مهاجمة إيران. وخلال جولتها بدول الخليج العربية، منتصف الشهر الجاري سعت وزيرة الخارجية الأمريكية لإقناع قادتها بتوظيف علاقاتهم الإقتصادية القوية مع بكين لإقناعها بتغيير موقفها من إيران عبر طمأنتها بتزويدها باحتياجاتها من الطاقة حالة موافقتها علي حزمة العقوبات الجديدة ضدها.
ويبدو أن بكين، التي تؤثر تلافي الإصطدام بالقوي الكبري، في المرحلة الحالية، لا تميل إلي إجهاض الإجماع الدولي سواء تعلق الأمر بإيران أو سواها، وقد بدا ذلك واضحاً من قبل في حالة العراق، التي لم تشفع العلاقات الاقتصادية القوية لنظامه السابق مع بكين بحيث تسعي الأخيرة لعرقلة أي قرار تصعيدي ضده في المنظمة الدولية. ومن ثم ستظل بكين حريصة علي ثوابت علاقاتها مع واشنطن التي تنأي عن المواجهة أو الصدام، وإن أفسحت المجال لمساحة من الاختلاف المرحلي والتساومي بشأن إيران.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.