رحمه الله - لمصر يكون نبراسا للجيل الحالي من الدبلوماسيين الذين لم ينعموا بالعمل معه وتحت رعايته ولم يسعدهم الحظ ان ينهلوا من فكره وعقله.. ويشربوا من نهر مدرسته العذب، مدرسة الوطنية والتواضع.. رحل الرجل وبقيت ذكراه.. ومدرسته في الادب الرفيع ودماثة الخلق والوطنية والتواضع والقدوة الحسنة وروح الدعابة وخفة الظل والحكمة والذكاء وسعة الصدر والبعد عن الاستعلاء والغرور. رحل احمد ماهر السيد.. سليل عائلة احمد باشا ماهر المصرية العريقة.. رحل ابو الدبلوماسية المصرية بل اميرها بلا منازع.. ورمز الوفاء لكل من يعرفه من معاوني الخدمة في وزارة الخارجية الي حراس الامن البسطاء الذين احبوه بلا مقابل، فضلا عن الدبلوماسيين من تلاميذه ومريديه والاعلاميين.. ومنهم كاتب هذه السطور الذين احبوه قبل ان يعملوا معه.. لتاريخه العريق في خدمة مصر والدفاع عن مصالحها بقوة وعزم في جميع المحافل الدولية والعواصم العالمية التي عمل بها.. استطاع احمد ماهر - رحمه الله - ان يحظي باحترام الاعداء قبل الاصدقاء في عالم الدبلوماسية وعلي المستوي الشخصي والانساني بين الكتاب والمفكرين في مصر والعالم العربي بل وفي العالم العربي بل وفي العالم بكتاباته رفيعة المستوي العلمي والسياسي والاكاديمي والدبلوماسي وبمحاضراته في عواصم المعمورة من الشرق الي الغرب.. خطف احمد ماهر بعبقرية المصري الاصيل وعلي مدي تاريخه قلوب الملايين من المصريين في حياته ونظرا لتاريخه كمدرسة في الدبلوماسية المصرية التي لقنت الخصوم دروسا في فن التفاوض وكسب المواقف لصالح مصر.. وقضية طابا خير شاهد علي عظمة الرجل وتاريخه كرمز من رموز القانون في مصر وأحد أهم المدافعين عن حقوق مصر مع الاشاوس الآخرين من ابناء مصرفي قضية اعادة طابا.. القضية الشهيرة التي كانت بمثابة معركة سياسية لم تقل ابدا من ناحية النتائج عن نتائج حرب اكتوبر بل كانت مكملة لها.. رحل الرجل العملاق الذي كرمه المصريون والتفوا حوله.. عندما حاولت الايدي الخفية الاعتداء عليه وهو يصلي في المسجد الاقصي عندما كان وزيراً للخارجية. رحل احمد ماهر وكان وفاء المصريين عظيما عندما تقدم زعيم مصر وحكيم العرب الرئيس حسني مبارك جنازة الفقيد الراحل العظيم يوم الاثنين الماضي 27 سبتمبر الماضي.. الامر الذي يؤكد ان الفقيد - رحمة الله عليه - وهو خارج السلطة كان يحظي بتقدير واحترام رأس الدولة وقيادتها السياسية.. هذا الانسان احمد ماهر الوقور رائد مدرسة الدبلوماسية الهادئة ومعلم الاجيال.. كان آخر اتصال بيني وبينه في بداية شهر رمضان الماضي.. وكان حديثا تليفونيا دافعا مملوءا بالتواضع والرقي والمحبة من معلم لأحد تلاميذه الذين احبوه وهم كثر.. حتي الذين اختلفوا معه.. ولعله الدرس لصغار الدبلوماسيين الحاليين الذين يملأ الغرور والاستعلاء قلوبهم ولم يتعلموا في مدرسة ماهر الدبلوماسية رفيعة المستوي والتي هي بالأساس مدرسة نموذج ان القلب ليدمي.. وان العين لتدمع علي فراق احد عظماء الدبلوماسية المصرية في العصر الحديث.. احمد ماهر السيد كما كان يحب ان يقرن اسمه وهو وزير لخارجية مصر قبل الوزير الحالي احمد ابوالغيط واحد تلاميذه الذين عملوا معه ونهلوا من علمه وبرحيل الحكيم والدبلوماسي المحنك.. رحلت اشياء كثيرة عزيزة علي كل من اقترب منه وشعر بإنسانيته وحكمته ووفائه.. ولكن ستبقي روحه الجميلة ترفرف حولنا.. هذا الرجل صاحب الايادي البيضاء علي كل من حوله في مواقف كثيرة لاتنسي ويعرفها غيري من المحررين الدبلوماسيين المحترمين الذين عملوا معه سنوات.. ويشفي غليلي انني احد المحظوظين الذين رافقوا الوزير الراحل احمد ماهر في رحلات كثيرة في خدمة مصر ورفع صوتها الدبلوماسي والاعلامي عاليا في الاممالمتحدةوعواصم العالم الاخري في انحاء المعمورة، ولعل ما قدمه احمد ماهر السيد- رحمه الله - لمصر يكون نبراسا للجيل الحالي من الدبلوماسيين الذين لم ينعموا بالعمل معه وتحت رعايته ولم يسعدهم الحظ ان ينهلوا من فكره وعقله.. ويشربوا من نهر مدرسته العذب مدرسة الوطنية والتواضع.. ولكن للإنصاف والحقيقة اقول.. ان مصيبة الجيل الحالي كثير منهم انه لم يتعلم علي ايدي مثل هؤلاء العمالقة ولم يتعلموا في مدرسته.. وفي النهاية اقول ان القدر لم يمهل الراحل ولم يمهلنا نحن في الاستفادة من فكره وموسوعيته في القانون والتاريخ والدبلوماسية من خلال مذكرات يكتبها للأجيال القادمة او تسجيلات نادرة كالتي اجريتها معه للإذاعة المصرية عبر الهاتف عندما كان سفيرا في واشنطن بعد موسكو ثم بعد ذلك لقاءات واحاديث كثيرة اجريتها مع وزير خارجية مصر الراحل احمد ماهر خلال عمله كوزير للخارجية بين عامي 2002 إلي 2004 حيث طلب ماهر من الرئيس مبارك وفي سابقة فريدة لم تحدث في مصر الا قليلا اعفاءه من منصبه كوزير للخارجية لظروف صحية حيث كان قد اجري - رحمه الله - اكثر من عملية في القلب. رحم الله فقيد مصر والدبلوماسية المصرية والعربية الوزير احمد ماهر السيد.. وعزائي لأسرته وحرمه وشقيقه السفير علي ماهر وكل عائلته.. راجيا من الله العلي القدير ان يتغمد الفقيد برحمته ويسكنه فسيح جناته.. ويلهم عائلته الصبر وقوة الايمان.. اللهم آمين.. واخيرا سيدي الوزير الراحل العظيم احمد ماهر السيد.. وانت في مرقدك في دار الحق.. ابعث لك بدعاء العاجز في هذه الحياة التي غمرها النفاق والرياء والتضليل والبغضاء والكذب مستعينا بالمولي عز وجل ان يلهمنا الصبر علي رحيلك ويجمعنا معك يوم القيامة.. اقول لك سيدي الوزير قول العابد لربه: الهي.. نحن في التيه قد مشينا حياري.. والحياري هداهم بلقائك.