تعليم النواب: السنة التمهيدية تحقق حلم الطلاب.. وآليات قانونية تحكمها    خبير اقتصادي: صفقة رأس الحكمة غيرت مسار الاقتصاد المصري    سعر الدينار الكويتي اليوم الأحد في تعاملات البنوك وشركات الصرافة    8 مصادر لتمويل الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات وفقًا للقانون (تعرف عليهم)    انخفاض أسعار الفائدة في البنوك من %27 إلى 23%.. ما حقيقة الأمر؟    زعيمة حزب العمال الجزائري لويزة حنون تعلن ترشحها للانتخابات الرئاسية    ولي العهد يستقبل مستشار الأمن القومي الأمريكي    الأونروا: نصف سكان رفح باتوا في الشوارع الآن    موعد مباراة ليفربول ضد وولفرهامبتون اليوم الأحد 19-5-2024 في الدوري الإنجليزي والقنوات الناقلة    يوم صعب على الصعيد، الأرصاد تحذر من تداعيات موجة حر قياسية اليوم الأحد    إصابة 10 أشخاص في انقلاب ميكروباص بطريق "قنا- سفاجا"    حملات لإلغاء متابعة مشاهير صمتوا عن حرب غزة، أبرزهم تايلور سويفت وبيونسيه وعائلة كارداشيان    رامي جمال يتصدر تريند "يوتيوب" لهذا السبب    غضب عارم داخل حكومة تل أبيب وتهديدات بالانسحاب.. ماذا يحدث في إسرائيل؟    الخارجية الروسية: مستقبل العالم بأسرة تحدده زيارة بوتين للصين    واشنطن تدين إطلاق كوريا الشمالية لصواريخ باليستية    الاحتلال الإسرائيلي يخوض اشتباكات في حي البرازيل برفح الفلسطينية    حظك اليوم برج العقرب الأحد 18-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    سامح يسري يحتفل بزفاف ابنته.. ومصطفى قمر يغني في الفرح (صور)    عاجل.. موجة كورونا صيفية تثير الذعر في العالم.. هل تصمد اللقاحات أمامها؟    القومي للبحوث يوجه 9 نصائح للحماية من الموجة الحارة.. تجنب التدخين    نصائح لمواجهة الرهبة والخوف من الامتحانات في نهاية العام الدراسي    مدرب نهضة بركان: نستطيع التسجيل في القاهرة مثلما فعل الزمالك بالمغرب    بن حمودة: أشجع الأهلي دائما إلا ضد الترجي.. والشحات الأفضل في النادي    خاص- تفاصيل إصابة علي معلول في مباراة الأهلي والترجي    "التنظيم والإدارة" يكشف عدد المتقدمين لمسابقة وظائف معلم مساعد مادة    الحكم الشرعي لتوريث شقق الإيجار القديم.. دار الإفتاء حسمت الأمر    ظهر بعكازين، الخطيب يطمئن على سلامة معلول بعد إصابته ( فيديو)    الداخلية تكشف حقيقة فيديو الاستعراض في زفاف "صحراوي الإسماعيلية"    مع استمرار موجة الحر.. الصحة تنبه من مخاطر الإجهاد الحراري وتحذر هذه الفئات    عيار 21 الآن بالسودان وسعر الذهب اليوم الاحد 19 مايو 2024    نشرة منتصف الليل| الحكومة تسعى لخفض التضخم.. وموعد إعلان نتيجة الصف الخامس الابتدائي    محافظ بني سويف: الرئيس السيسي حول المحافظة لمدينة صناعية كبيرة وطاقة نور    أصل الحكاية.. «مدينة تانيس» مركز الحكم والديانة في مصر القديمة    باسم سمرة يكشف عن صور من كواليس شخصيته في فيلم «اللعب مع العيال»    صاحب متحف مقتنيات الزعيم: بعت سيارتي لجمع أرشيف عادل إمام    باقي كام يوم على الإجازة؟.. موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024    شافها في مقطع إباحي.. تفاصيل اتهام سائق لزوجته بالزنا مع عاطل بكرداسة    تعزيزات عسكرية مصرية تزامنا مع اجتياح الاحتلال لمدينة رفح    رضا حجازي: التعليم قضية أمن قومي وخط الدفاع الأول عن الوطن    "التصنيع الدوائي" تكشف سبب أزمة اختفاء الأدوية في مصر    وظائف خالية ب وزارة المالية (المستندات والشروط)    عماد النحاس: كولر أدار المباراة بشكل متميز.. وغربال كان متوترًا    نقيب الصحفيين: قرار الأوقاف بمنع تصوير الجنازات يعتدي على الدستور والقانون    اليوم السابع يحتفى بفيلم رفعت عينى للسما وصناعه المشارك فى مهرجان كان    أوكرانيا تُسقط طائرة هجومية روسية من طراز "سوخوى - 25"    أخذتُ ابني الصبي معي في الحج فهل يصح حجُّه؟.. الإفتاء تُجيب    رامي ربيعة: البطولة لم تحسم بعد.. ولدينا طموح مختلف للتتويج بدوري الأبطال    دييجو إلياس يتوج ببطولة العالم للاسكواش بعد الفوز على مصطفى عسل    صرف 90 % من المقررات التموينية لأصحاب البطاقات خلال مايو    جريمة في شارع ربيع الجيزي.. شاب بين الحياة والموت ومتهمين هاربين.. ما القصة؟    بذور للأكل للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    حريق بالمحور المركزي في 6 أكتوبر    الأزهر يوضح أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة    تعرف علي حكم وشروط الأضحية 2024.. تفاصيل    هل يعني قرار محكمة النقض براءة «أبوتريكة» من دعم الإرهاب؟ (فيديو)    وزير التعليم: التكنولوجيا يجب أن تساعد وتتكامل مع البرنامج التعليمي    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مناجاة إلي السيد المسيح في يوم مولده
نشر في القاهرة يوم 04 - 01 - 2011

وكان عام 2010 قد شهد العديد من الأحداث المحزنة ( حادثة نجع حمادي في ليلة عيد الميلاد حادث قرية النواهضي حادث العمرانية. حكم المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة بإلزام البابا شنودة بابا الإسكندرية بمنح المطلقين تصريحًا بالزواج الثاني إعلان البابا شنودة أنه لن يخضع إلا لتعاليم الأنجيل غرق 9 فتيات وهن في رحلة نيلية أمام كنيسة مارجرجس بالمعادي حدوتة كاميليا شحاتة زوجة القس تداوس سمعان الكاهن بدير مواس بالمنيا ، وكانت السيدة محل فتنة مؤسفة ، ومازالت أصداؤها تتردد بين الشارع والكنيسة، وهي أزمة إدارة بكل المقاييس وقراءة خاطئة للأمور، وردود فعل غير سليمة من جانب كل الأطراف ، ومازلنا نعيش تبعات الحدث السلبية حتي الآن انسحاب الكنيسة القبطية الأرثوذكسية من مجلس كنائس الشرق الأوسط وذلك عقب هجوم بطريرك الروم الأرثوذكس بالقدس البابا ثيؤفيلوس الثالث علي المجلس ووصفه بأنه أصبح «نادي البابا شنودة» أزمة العوا- بيشوي، وتصريحات سلبية من الطرفين الحادث الإرهابي الدموي بكنيسة النجاة في العراق وإعلان تنظيم القاعدة في العراق مسئوليته وتهديده لأمن الكنائس في المنطقة بشكل عام وفي مصر بشكل خاص)..
عندما تشتد المحن ، ويتعاقب حدوثها يلوذ الناس بخالقهم طلباً للعون ، ومن منا لا يتذكر ما جاء في مقالات شهيرة للكاتب الكبير توفيق الحكيم عندما طلب السماح من الله سبحانه وتعالي أن يقيم حوارا معه، وهو ما اعتبره كبار الشيوخ والمفكرين تجاوزا وخروجا علي تعاليم الدين الإسلامي وتعديا علي الذات الإلهية، ومما قاله الحكيم في مقالاته " لن يقوم إذن بيننا حوار إلا إذا سمحت لي أنت بفضلك وكرمك أن أقيم أنا الحوار بيننا تخيلا وتأليفا، وأنت السميع ولست أنت المجيب، بل أنا في هذا الحوار المجيب عنك افتراضًا، وإن كان مجرد حديثي معك سيغضب بعض المتزمتين لاجترائي في زعمهم علي مقام الله سبحانه وتعالي، وخصوصا أن حديثي معك سيكون بغير كلفة " وأثارت هذه المقالات الغضب علي الحكيم ، بل إنها فتحت عليه أبواب النقد من كل ناحية، كتب الأستاذ عمر التلمساني بجريدة النور في 9 مارس 1983 مقالا تحت عنوان: " أهكذا تختم حياتك أيها الحكيم ؟" قال فيه: هل نسي هذا المتحدث مع الله أن العليم الخبير قد قال بالقول القطعي الثبوت القطعي الدلالة: «وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه عليم حكيم» فإذا كان هذا هو كلام الذات العليا التي يقول الأستاذ إنها ردت عليه فأيهما نصدق كلام الله وقرآنه أم كلام الكاتب الضليع الفيلسوف الحكيم ؟؟!!
وقال فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي : الكلمة عند عباد الله محدودة بكمال المتكلم فجاء توفيق الحكيم ليخضع كمال الله الأزلي إلي كماله المحدود، ويجعل الله سبحانه وتعالي يتكلم بلسان توفيق الحكيم وفكره وعقله، وكأنه في هذه الحالة قد أخضع فكر الخالق وقوله لفكر المخلوق فهل يصح هذا؟ وهل يمكن أن يضع فكر الخالق لفكر مخلوق بحيث يتساوي الفكر بينهما؟ وهل من الممكن أن أخضع أنا المخلوق الضعيف فكرالله لفكري فأتحدث عنه وأتكلم عنه أليس هذا خطأ؟!.
أذكر حكاية الحكيم ليس لتجديد الحوار حول ما ذهب إليه الحكيم وطرحه ، ولكن بغرض عرض مثال لحالة الحوار الفكري المقبولة والمعقولة في غير تشنج ، أو رفع قضايا علي كل صاحب فكرة أو رأي أو طرح جديد ..لاتكفير أوتفريق عن الزوجة .. لقد كانت صياغة الشيخ الشعراوي بديعة في ذكر أسباب اعتراضه ، واستعراض حجته في الدفاع عن الدعوة الإسلامية دون تشنج أو صراخ ولكن الرد برصانة وفكر وثقافة ، والأمر الثاني وإيثاراً للسلامة إعلان رغبتي في الإفصاح فقط عن شكواي أرفعها للسيد المسيح في ذكري ميلاده المجيد .. كلام من طرف مواطن ينشد الخير لوطنه ومواطنيه علي أرض المحروسة ، مذكرا برغبة رفاعة رافع الطهطاوي (1871- 1873م)- رائد التنوير في مصر الحديثة - "ليكن الوطن محلاً للسعادة المشتركة بيننا نبنيه معاً"..
الهدي والحياء
في مناجاتي للسيد المسيح أذكر ما جاء من آيات جاءت في العهدين القديم والجديد التي تتحدث عن تبعات الغضب في الحوار.. في سفر الأمثال 29: 8 اَلنَّاسُ الْمُسْتَهْزِئُونَ يفْتِنُونَ الْمَدِينَةَ، أَمَّا الْحُكَمَاءُ فَيصْرِفُونَ الْغَضَب.. في رسالة بولس الرسول إلي أهل كولوسي 3: 8 وَأَمَّا الآنَ فَاطْرَحُوا عَنْكُمْ أَنْتُمْ أَيضًا الْكُلَّ: الْغَضَبَ، السَّخَطَ، الْخُبْثَ، التَّجْدِيفَ، الْكَلاَمَ الْقَبِيحَ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ ..في رسالة يعقوب 1: 19 إِذًا يا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ، لِيكُنْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُسْرِعًا فِي الاسْتِمَاعِ، مُبْطِئًا فِي التَّكَلُّمِ، مُبْطِئًا فِي الْغَضَبِ، لأَنَّ غَضَبَ الإِنْسَانِ لاَ يصْنَعُ بِرَّ اللهِ ..وأرفع دعواتي أن نعود لحالة الحلم التي كنا ننعم بها .. تعالي معي عزيزي القارئ لنقرأ معاً تلك الأبيات البديعة لأمير الشعراء أحمد شوقي كتبها للاحتفاء بذكري ميلاد السيد المسيح ، ومن شأنها دعم حالة من الحلم والسلام الاجتماعي ..
ولد الرفق يوم مولد عيسي / والمروءات والهدي والحياء
وازدهي الكون بالوليد وضاءت / بسناه من الثري الأرجاء
لا وعيد لا صولة لا انتظام / لا خصام لا غزوة لا دماء
وفي قصيدة أخري يناجي أمير الشعراء السيد المسيح مصدر الإلهام في التعبير عن حال السلام :
عيسي سبيلك رحمة / في العالمين وعصمة وسلام
ما كنت سفاك الدماء ولا إمرءٍ / هان الضعاف عليه الايتام
وعن تبادل التهاني بعيد المسلمين والمسيحيين في عيد الميلاد المجيد، يؤكد أمير الشعراء علي مفهوم الوحدة الإنسانية علي أرض المحروسة ، وكأنه يرد علي من يشيعون بين الناس الآن ، أنه لايجب المشاركة في أعياد الآخر في غضب ، وحالة تشنجية لاتعي تركيبة المواطن المصري .. لقد اعتدنا حمل فوانيس رمضان معاً ، وسعف الأحد سوياً ، نتشارك البهجة والبركة في الموالد الشعبية والدينية ويقول:
أعهدتنا والقبط إلا أمة / للأرض واحدة تروم مراما
نعلي تعاليم المسيح لأجلهم / ويوقرون لأجلنا الإسلاما
الدين للديان جل جلاله / لو شاء ربك وحد الأقواما
وفي مثل طيب من الحوار علي جانبي النهر علي أرض المحروسة كان للكاتب الكبير توفيق الحكيم سؤال يطرحه بكل حسن النية حول معني آية أزعجه فحواها أتت في إنجيل لوقا نصها " لقد جئت لألقي ناراً فماذا أريد إلا أن تكون قد اضطرمت " وقد أجاب المتنيح الأنبا غريغوريوس أسقف الدراسات العليا موضحا أن الإضرام يعني أن أصحاب البدع وأتباع الإله الكاذب والنبي الكاذب والوثنيين وبصورة عامة من هم ضد المسيح يشعلون نار الاضطهاد للمسيحيين وإذلال وتعذيب وقتل المسيحيين .. وأعرض أجزاء من خطاب الأنبا غريغوريوس لتبيان أهمية الحوار الهادئ الرصين ، لما فيه أيضاً من اقتراب لتعاليم صاحب المناسبة التي نحتفي بها، ونناجيه أن يعود الناس لتعاليم الأديان النبيلة ..
الأستاذ الكبير، والأديب الفنان، والكاتب المبدع : توفيق الحكيم
تحية تقدير وحب وإعجاب , ودعاء إلي الله أن يحفظ حياتكم, وسلام الله الذي يفوق كل عقل ...إني أقرأ دائماً مقالاتك كما قرأت بعض كتبك، وأشهد أنني أجد فيها الأدب والعلم والفن والدين، وأجد فيك الرجل صاحب الفكر المعتدل والمنصف، وأنك بحق تؤمن بالتعادلية وتمارسها . وقد استوقفني .. كمسيحي .. مقالك رقم 2 بعنوان " دفتر الجيب " وفيه تشير إلي عبارة من كلام السيد المسيح وسجلتها حتي تسأل فيها حتي يطمئن قلبك .. وهي الواردة في الإنجيل بحسب ما كتبه القديس لوقا أحد رسل المسيح، وإذا سمحت لنفسي بالإجابة والتفسير، فإني أقول إن القديس لوقا لم يقصد وصفاً لرسالة المسيح علي الأرض , بل يقصد رؤية ونبوءة بأن رسالته سوف تحدث انقساماً وحرباً نارية، وهذا ما حدث بالفعل في انقسام المسيحية إلي كاثوليك وبروتستانت وما قامت بينهما من حروب .. حتي يومنا هذا ...علي أنني وإن كنت أقبل تفسيركم وأرحب به علي نوع ما , ومع ذلك أريد أن أضيف من حيث المبدأ أن المسيح له المجد، وإن كانت رسالته رسالة سلام وهو يوصف بأنه " ملك السلام " وهتفت الملائكة يوم ميلاده بالجسد قائلة " المجد لله في الأعالي وعلي الأرض السلام " لكن دعوته وتعاليمه ومبادئه من شأنها أن ينقسم الناس بإزائها إلي فريق يقبلها ، وفريق يرفضها ، ولا بد أن تقوم بين الفريقين حرب فكرية تحتدم بين المؤمنين وبين الرافضين نارا قوية، تؤدي إلي حرب وقتال بالتصفية الجسدية .. وهذا ما حدث بالفعل للشهداء المسيحيين والقديسين الذين أثار عليهم الرافضون لمبادئ المسيح حرباً شرسة ذهب ضحيتها عشرات الألوف من المؤمنين بالمسيح.
وعلي ذلك فإن قول السيد المسيح " لقد جئت لألقي ناراً " مفاده أن دعوة المسيح ومبادئه لا بد أن تحدث بين الناس ثورة نارية، لكنها ثورة الحق علي الباطل ..
الوداعة مفتاح الفؤاد
وفي الزمن الجميل أيضاً كان كتاب الكاتب والمفكر الراحل عباس محمود العقاد عن حياة السيد المسيح ، نذكر بعض ما جاء فيه، يقول.. لقد وصف المسيح نفسه بأنه" وديع متواضع الفؤاد " وقال " إن الوداعة مفتاح السماء فلا يدخلها غير الودعاء ، وتمثلت الوداعة في كثير من أقواله وأفعاله ، ومنها الرحمة بالخاطئين والعاثرين ، وهي الرحمة التي تبلغ الغاية حين تأتي من رسول مبرأ من الخطايا والعثرات .. ولقد كان عليه السلام يأمرهم أن يقدموا علي المخاطر في سبيل الحق والهداية ولكنه كان يقيم لهم حدود المخاطرة حيث يجب الإقدام علي الموت وجوباً لا مثوبة فيه ، فالخطر علي الروح إذا كان موت الروح في الحسبان ، فإن لم يكن خطرا علي الجسد ولا علي الروح فلا خير في المخاطرة .. وكونوا بسطاء كالحمائم وحكماء كالحيات .."
ويذكر العقاد " إن أعمال أصحاب الرسالات لا تفهم علي حقيقتها ما لم نفهم معها هذه القاعدة الأساسية في طبيعة الرسل، وهي أن الشك أخوف ما يخافونه ، وأن استبقاء الإيمان غاية مايبتغونه ، وكثيراً ما يقدمون علي جسام الأمور لأن التسليم أقرب إلي الإيمان ، ولأن الإحجام شك أو انتظار برهان ، والشك وانتظار البرهان يستويان في بعض الأحيان ". ويضيف العقاد " لقد تواترت الروايات علي أن السيد المسيح كان يبتهل إلي الله في أخريات رسالته قائلاً " اللهم جنبني هذه الكأس ، لكن كما تريد أنت لا كما أريد " .. وفي هذا الابتهال مفتاح كل عمل أقدم عليه بعد ذلك ، أو أقدم عليه في مثل هذا الموقف فإنه لم يتجنب الكأس كما يريد بل ترك لله أن يجنبه إياها كما أراد .."
الراهب القس أغاثون وحكاية الميلاد
يقول الراهب القبطي الأرثوذكسي القس أغاثون عن السيد المسيح إنه كان عظيماً وقوياً في تواضعه ويضيف.
ولد المسيح من ام فقيرة يتيمة بسيطة، لم تكن تجد من يعولها من البشر فأعانها وعالها الله بنفسه في الهيكل، ولما كبرت مريم امه عهد بها الكهنة الي يوسف النجار العجوز الذي اضناه السن وانهكته الشيخوخة ليكون حارسا لها فقط ( خطيبا لها ) وحارسا لسر الميلاد البتولي . ..ولد في قرية هي الصغري بين روساء يهوذا (مت 2:6) وسكن في الناصرة التي يعجب الناس ان امكن يخرج منها شيء صالح (يو 1:46) ودعي ناصريا : ولد في مزود للبهائم ولم يولد في قصر ملك ولكنه جعل هذا المزود يأتيه الاباطرة والملوك من مشارق الشمس ومغاربها ليتباركوا منه فالعظمة والمجد لا يأتيان من المكان الذي يجلس فيه الانسان ولكن الانسان هو الذي يمجد المكان والعظمة الحقيقية تنبع من الداخل .
عاش ثلاثين سنة مجهولا .. عاش فيها دون ان يلتفت اليه احد ولا يعرف احد عنه شيئا بينما تلك السنوات الثلاثون هي فتره الشباب والقوه التي يهتم فيها كل واحد بذاته ويرغب فيها كل رجل ان يظهر ذاته ويعمل عملا يمجده الناس، وهو الذي قال يوما مجدا من الناس لست أقبل (يو 5:41).
لم يأت ليخدم بل ليخدم، لم يكن رئيسا ولا سيدا متسلطا علي تلاميذه واتباعه وقال لهم : لا اعود اسميكم عبيدا .. ولكني سميتكم احباء (يو 15:15). كانت تربطه بتلاميذه والناس رابطه حب لا رابطة رئاسة، ان البشر هم الذين يستهويهم حب الرئاسة والسلطة، اما مسيحنا العظيم في تواضعه فكان يطلب قلوب الناس لاخضوعهم وانحناءهم حسب الظاهر، يطلب حبهم لا تذللهم، ولم يقم نفسه رئيسا للناس بل صديقا يتودد للضعفاء والفقراء والذين هم في مرتبه اقل ليرفعهم . في تواضعه العجيب وهو البار وبلا خطيئة تحنن علي الخطاة وجلس بجوارهم وحادثهم ليردهم لحضن الله ابرارا مطهرين لذلك لقبوه بانه محب للخطاة والعشارين (لو 7:34).
البابا شنودة وقصة الميلاد
وعن قصة الميلاد وحياة السيد المسيح يقول قداسة البابا شنودة الثالث "ان ميلاد المسيح كان حدثا تاريخيا مهما، قسم التاريخ الي قسمين أساسيين : ما قبل الميلاد، وما بعد الميلاد ..
وفي احتفالنا بميلاد المسيح له المجد . وفيما نذكر ما احتواه ميلاده وحياته من اعاجيب، اود ان اركز اليوم علي حقيقة مبهرة : وهي انه كان دائما يجول يصنع خيرا (اع 10:38) وكان مصدر رجاء وخلاص للمجتمع الذي عاش فيه، كما كان مصدر بركة لكل من يلاقيه، وللعالم اجمع. ويضيف البابا: لقد ولد المسيح في عصر مظلم، انتشرت فيه الوثنية، كما انتشرت الفلسفة المنحرفة، والفساد الخلقي، والديكتاتورية الحاكمة. عصر خصومة مع الله، انقطع فيه الوحي، وامتنع ظهور الملائكة. ولم يعد الله يرسل فيه انبياء لهداية الناس. حتي قاده الدين في اليهودية في ذلك الزمن ضلوا عن الطريق السليم، وفسروا كتاب الله حسب اهوائهم، وكان علي رأسهم الكتبة والفريسيون والصدوقيون، والشيوخ ورؤساء الكهنة، اولئك الذين تحقق فيهم قول الرب لاسرائيل مرشدوك مضلون (اش 3:12)
وسط هذا الظلام، ظهر السيد المسيح، ليكون نورا للعالم، يهدي ويعلم، ويضع امامهم الامثولة والقدوة لكي يتبعوا خطواته .. وظهرت معه انوار اخري استمدت نورها من نوره، كانت مصابيح مضيئة في ذلك الزمن : منها القديسة العذراء مريم والقديس يوحنا المعمدان واسرته، وسمعان الشيخ، وحنة النبية، وآخرون.
ابن نوح
حقا، ان فساد العصر، لا يمنع ان روح الرب يعمل، ووجود الارض الخربة الخاوية المغمورة بالماء والمغطاة بالظلمة، ما كان يمنع ان روح الله يرف علي وجه المياه (تك 1:2)
وفي كل جيل يستحق طوفانا يغرقه لابد من وجود نوح يشهد للرب فيه فالله لا يترك نفسه بلا شاهد. وهكذا كان العصر الذي ولد فيه المسيح. وكان المسيح ينبوع حب للكل. وقد قيل عنه انه كان يطوف كل الجليل، يعلم في مجامعهم، ويكرز ببشاره الملكوت، ويشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب .. فاحضروا اليه جميع السقماء المصابين بامراض واوجاع متنوعة.. فشفاهم ( مت 4:24,23).
كان يحمل اوجاع الشعب كله. وهو نفسه قال تعالوا الي يا جميع المتعبين والثقيلي الاحمال، وانا اريحكم ( مت 11:28). كان يعصب مفكري القلوب، وينادي للمسبيين بالعتق، وللماسورين بالاطلاق، ويعزي كل النائحين ( اش 61:2,1).
ويضيف البابا .. كان رجاء لمن ليس له رجاء ومعينا لمن ليس له معين احتضن الفئات المنبوذه من الشعب اليهودي وفتح امامهم طاقة من رجاء. ومن امثله هولاء العشارون والخطاة. فقبل اليه زكا رئيس العشارين ودخل الي بيته واقتاده الي التوبة. ولما تذمر عليه اليهود لانه دخل بيت رجل خاطئ , قال لهم اليوم حدث خلاص لهذا البيت .. لان ابن الانسان قد جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك ( لو 19:7 10). ولما تذمروا عليه في قبوله متي العشار والاتكاء في بيته حيث عاشرون آخرون قال لهم لا يحتاج الاصحاء الي طبيب بل المرضي ... لاني لم آت لادعو ابرارا بل خطاة الي التوبة ( مت 9:9 13).
في رسالة بديعة وجه البطريرك صفير الي اللبنانيين رسالة الميلاد، جاء فيها : "ميلاد الرب يسوع بالجسد هو من أعياد المسيحية الكبري، وقد انتظرته البشرية طويلا جدا اليه: ان النجم هو الذي هدي المجوس, فأوصلهم الي المسيح ليسجدوا له، ويقدموا له فعل عبادة، فيما أقربهم اليه لم يأبهوا لولادته، لا بل ان هيرودس خاف منه علي عرشه، فتربص به شرا، عندما "دعا المجوس سرا، وتحقق منهم زمن ظهور النجم". وكان في نيته أن يفتك بالوليد الجديد خوفا منه علي عرشه الزائل. ولكن الله الذي يقرأ في القلوب ويكتشف المخفيات، عرف ما كان يضمره هيرودس، فأوعز في الحلم الي المجوس لكيلا يرجعوا اليه. وكان هيرودس قد طلب اليهم العودة اليه، ليذهب بدوره لتأدية واجب العبادة للمولود الجديد، علي ما قال لهم خدعة.لقد رأي المجوس نجمه في الشرق، فأتوا ليسجدوا له. هذا النجم الذي هدي المجوس الي المسيح، ورافقهم من مقرهم البعيد، وهداهم الي الطريق الموصل الي بيت لحم، لا يزال يهدي الناس الي المسيح. ولكنهم قلائل الذين ينتبهون الي هذا النجم الهادي.
ويضيف : ان هذا النجم هو الضمير الذي يهدي الناس في سبيل الخير والصلاح. وقد وصفه المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني بقوله: "إن الله كمخلص يريد أن يقود كل الناس الي الخلاص ، وأيضا اولئك الذين، دون خطأ منهم يجهلون انجيل المسيح وكنيسته، انما يفتشون عن الله بنية صادقة، ويجتهدون في أن يكملوا بأعمالهم اراداته التي تعرف لديهم، من خلال أوامر ضميرهم، هم أيضا يبلغون الخلاص الأبدي".
أجل تبقي للأعياد بهجتها، وبخاصة الأعياد الدينية التي ترفع العقول والقلوب اليه تعالي لنكتشف ارادته فينا لنعمل بها طائعين. ونكتشف ارادة الله فينا، عندما نفسح له في المجال لإسماع صوته إلينا، وعندما نخنق فينا المطامع الدنيوية لنرهف السمع اليه تعالي، علي ما يقول الكتاب مخاطبا النفس: "هائنذا أتملقها وآتي بها الي البرية وأخاطب قلبها".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.