كمال حبيب عرفت الدكتور عبد الحليم مندور من الأخ المرحوم الرائد عصام القمري ، ونحن كنا في الأقفاص في قضية الجهاد الكبري وكانت لي علاقة وثيقة جدا وقوية مع عصام يرحمه الله ، بينما كنت غير مقبل بالمرة علي التعرف بشكل واسع علي هيئة الدفاع والصحافة والميديا بشكل عام . اقترب مني عصام رحمه الله وقال لي إن الدكتور مندور الذي يترافع الآن هو أفضل من أي أخ داخل الأقفاص ، وهذا ماجعلني أتابع مرافعته الكبيرة والمهمة وكباحث شعرت بالمتعة في متابعة المرافعة القانونية الرفيعة والراقية للدكتور عبد الحليم مندور عليه رحمة الله أمام القاضي الشهير عبد الغفار محمد . التقيت بعد ذلك الدكتور عبد الحليم مندور في تجمع فكري وجدته يقترب مني ويسألني هل أنت فلان فقلت نعم وسألني عن صحة الأنباء التي سمعها من أننا نريد تدشين حزباً باسم الحركة الإسلامية الجهادية وكنت تناقشت في هذا الأمر مع أحد المحامين القريبيين من الفصيل الجهادي ولكن الظرف لم يكن مهيئاً للإعلان عنه في ذلك الوقت ، ولكني وجدت حرص الرجل علي أن يكون هناك تحول سياسي داخل الفصيل الجهادي . وبعد ذلك وحين بدأت عجلة الأحداث تدور حول حزب الإصلاح وكان وكيله الصديق جمال سلطان لم يتردد إطلاقاً الدكتور مندور أن يكتب توكيلا لجمال سلطان وأن يكون عضوا في الحزب وهنا شعر أخي جمال بالحرج وفكرنا في أن يكون هو رئيس الحزب وعرضنا عليه ذلك وقبله الرجل وهو يري فينا نبتة لأمل عنده في أن يكون للحركة الإسلامية تعبيرها السياسي ، لقد كان حريصاً علي نجاح التجربة السياسية للتيار الجهادي . وكنا نداوم أنا وأخي جمال سلطان علي الذهاب للدكتور الفقيه الكبير وكان مدرسة واسعة في الأخلاق وفي التفاني في العمل العام وفي الانتصار لحقوق المظلومين من كافة الاتجاهات السياسية بلا فرق بين إسلامي ويساري ، تحدث معنا مطولا عن رؤيته لتاريخ مصر الذي كان يعشقها حقا ، كلمنا عن الحركة الوطنية وهو من قدامي الوفديين وعن مقاومة المصريين للإنجليز وعن الوحدة الوطنية ، وكلمنا عن نضاله الوطني وتعرضه للسجن مع الحركة الطلابية وهو صغير ، وكلمنا عن تحليله الثاقب ورؤيته للأوضاع الدولية وعلاقتها بالحالة الإسلامية . كان الرجل عليه رحمة الله يحب الدكتور عمر عبد الرحمن ويقدره تقديراً خاصاً وأذكر أنه أثر فيه بعمق وجعله يتحول من وفديته التي كان يعتز بها إلي الانتماء بالروح والفكرة والأبوة للحركة الإسلامية . دافع في قضايا الإخوان عام 1954 م وفي قضايا الإسلاميين وخاصة قضية مقتل السادات حيث تابع بصبر وأناة القضية وتابع مع أسرة خالد الاسلامبولي عليه رحمة الله كل المشاكل القانونية التي سعي فيها لمنع إعدامه ، كما دافع عن الدكتور عمر عبد الرحمن بعد ذلك عام 1993 وهو عالم دين كبير وكفيف ورمز مهم للمسلمين وكان يتبني قضية ترحيله إلي مصر حتي آخر يوم في حياته ، كان يتمني أن يأتي الدكتور عمر إلي مصر ليدفن فيها كما أراد في وصيته . كان له فضل كبير علي الكثير من المحامين الإسلاميين الذين أخذ بيدهم في مراقي مهنة المحاماة وفي توسيع العلاقات التي فتحت لهم أبواب ما كان يمكنهم أن يصلوها بدونه . وهناك إجماع داخل الحالة الإسلامية والقانونية علي الاعتراف بأبوة وأستاذية الدكتور عبد الحليم مندور عليه رحمة الله . كنت تشعر في الدكتور يرحمه الله بجبل أشم من الأدب ومثال رائع من التواضع ومدرسة راقية في التعامل ، كان فاكهة نادرة أصيلة في زمن سادت فيه الأشياء المصنوعة والمهرمنة والمهندسة وراثيا ، مكتبه في وسط البلد كان قبلة لكل المظلومين والمضطهدين والمعذبين كما كان قبلة لوكالات الأنباء والمحررين والميديا التي تحاول التعرف علي أخبار الحركة الإسلامية الجهادية . أعلن حزب الإصلاح من مكتبه خبر تدشينه وظل الرجل يتابع القضية حتي آخر لحظة قبل رفض لجنة الأحزاب لمشروع الحزب وكان عنده أمل كبير في أن تنفتح للتيار الإسلامي طاقة أمل جديدة في التعبير عن أشواق الشباب وأحلامهم تجاه أوطانهم بشكل سلمي ومشروع . كان تعبيراً عن فخامة الفترة الليبرالية ، وعمق الإحساس الوطني لجيلها ، وكان مدرسة كبيرة في الوفاء وقدوة يقتدي به في التفاني والأدب الجم الرفيع . فوجئت بخير وفاة الدكتور مندور وإحساس بالتقصير تجاهه ، ولكن يجبر مصابنا فيه أننا نحسبه والله حسيبه – مغادرا لنا مقبلا علي حياة هي خير وأبقي ، يرحمك الله يادكتور مندور وعند الله الملتقي . [email protected]