الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ...... وبعد ، إن تقسيم وتصنيف التكفيرين إلى درجات يتوقف على أثر التطرف عندهم وقوته التي تتفاوت عند بعضهم البعض ويمكن أن نحصر هذه الدرجات فيما يلي : الدرجة الأولى : تكفير المجتمع فقط . الدرجة الثانية : تكفير المجتمع والخروج على الحاكم دون قتال . الدرجة الثالثة : إشاعة الرعب والفزع في المجتمع . الدرجة الرابعة : الاعتقال والقتل والتفجير واحتجاز الرهائن والسطو المسلح ونحو ذلك من الأساليب التي استخدمها التكفيريون في عصرنا الحاضر والتي نعايش بعضا منها في هذه الأيام في مصرنا الغالية حفظها الله من كل مكروه وسوء . هذه الدرجات الأربع وضع الإسلام لكل داء منها دواء وعلاجا يتناسب مع قدرها وأثرها على الفرد والمجتمع وقد حصرت ذلك في خمس مراتب : المرتبة الأولى : النصيحة . والنصيحة : توجيه قول إلى آخر فيه صلاحه بدعوته إلى الخير ونهيه عن المنكر أو هما معا، قال صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة ( ثلاثا ) قلنا لمن يا رسول الله ؟ قال :" لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم".حدد النبي صلى الله عليه وسلم مكانة النصيحة في الإسلام في قوله صلى الله عليه وسلم : "الدين النصيحة" مما يدل على أنها واجبة على كل مسلم وتاركها آثم . بل هي أحد حقوق المسلم على أخيه ففي الحديث : "حق المسلم على المسلم ست ، قيل ما هن يا رسول الله ؟ قال : إذا لقيته فسلم عليه ، وإذا دعاك فأجبه ، وإذا استنصحك فانصح له ، وإذا عطس فحمد الله فشمته ، وإذا مرض فعده ، وإذا مات فاتبعه " وقد ذكر ابن رجب الحنبلي رحمه الله أن الأعمال كلها قد ترفع عن العبد في بعض الحالات ولا يرفع عنه النصح لله تعالى ، فالمريض الذي لا يمكنه التعبد بجوارحه لم يسقط عنه النصح لله تعالى بقلبه وهوالندم على الذنب ، واستعمال هذه المرتبة يكون في المرحلة الأولى من ظهور هذا الفكر قبل تعدي أثره وضرره إلى الآخرين فإن تعدى ذلك كأن قتلوا الأنفس حتى ولو كانت ذمية أو أهل كتاب أو استباحوا الحرمات والأموال أو أشاعوا الرعب في البلاد فحينئذ لن تجدي هذه المرتبة معهم خاصة بعد انطباق حد الحرابة أوالبغاة عليهم. المرتبة الثانية : المحاورة والمناظرة . والمناظرة تردد الكلام بين الشخصين يقصد كل منهما تصحيح قوله وإبطال قول صاحبه ليظهر الحق ، وتعتري المحاورة في الإسلام أحكاما ثلاثة : الأول : الوجوب . وذلك في حالة نصرة الحق بإقامة الحجج العلمية والبراهين النافعة وحل المشكلات في الدين خاصة من المغالين والتكفيرين من المسلمين ومع أهل الكتاب إذا ظهرت مصلحة من إسلام من يرجى إسلامه منهم . الثاني : الندب . عند تأكيد الحق وتأييده ومع غير المسلمين الذين يرجى إسلامهم . الثالث : الحرمة . عند إرادة طمس الحق ورفع الباطل وقهر المسلم . ومما تقدم يتضح أن الحوار مع المغالين والخارجين عن منهج الوسطية تكفيرين وغيرهم واجب حتمي على أهل العلم والمفكرين ، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فكل من لم يناظر أهل الإلحاد والبدع مناظرة تقطع دابرهم لم يكن أعطى الإسلام حقه ولا وفى بموجب العلم والإيمان ولا حصل بكلامه شفاء الصدور وطمأنينة النفوس ولا أفاد كلامه العلم واليقين أ . ه . المرتبة الثالثة : التعزير والتعزير : عقوبة غير مقدرة شرعا تجب حقا لله تعالى أو لآدمي في كل معصية ليس فيها حد ولا كفارة غالبا . وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الأصل في التعزير أنه مشروع في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة ، ويختلف حكمه باختلاف حاله وحال فاعله . و التعزير في الإسلام منوط أمر تقديره وتنفيذه إلى رأي القاضي أو الحاكم مع مراعاة حال الجريمة . وفي ذلك يقول الإمام مالك رضي الله عنه فيما ورد في المدونة الكبرى : قلت أرأيت رجلا قال لرجل يا ابن اليهودي أو يا ابن النصراني أو يا ابن المجوسي أو يا ابن عابد وثن ، قال :أرى فيه الحد إلا أن يكون أحد آبائه على ما قيل له فإن كان أحد من آبائه كذلك نكل .. ولقد حصر الفقهاء العقوبات التعزيرية فيما يلي : العقوبة الأولى : القتل ، العقوبة الثانية :الجلد أو الضرب ، العقوبة الثالثة : الحبس أو السجن ، العقوبة الرابعة : التغريب أو الإبعاد ( النفي ) ، العقوبة الخامسة : الصلب ، العقوبة السادسة : العزل ، العقوبة السابعة : التوبيخ ، العقوبة الثامنة : التشهير ، العقوبة التاسعة : الهجر ، العقوبة العاشرة : العقوبات المالية. وإذا نظرنا إلى هذه العقوبات التعزيرية فإنه يمكن تطبيقها على التكفيريين ومن على شاكلتهم من المتطرفين والمغالين عدا العقوبة الأولى وهي القتل إلا إذا كانوا محاربين أو بغاة فتطبق عليهم العقوبة المقررة شرعا. ولذا فإن تقدير العقوبة التعزيرية في حق التكفيريين ومن على شاكلتهم تتوقف على قدر الجرم والاعتقاد الفكري وأثر هذه العقوبة على الجاني فقد ينفع مع بعضهم الوعظ ، وقد ينفع مع البعض الآخر الجلد أو النفي أو الحبس أو المصادرة المالية وغيرها من العقوبات التعزيرية . ويرجع أمر تقدير هذه العقوبة في حق التكفيريين إلى القاضي الذي يحكم وفق ما يراه مناسبا لردع صاحب العقيدة التكفيرية وإصلاحه وعودته إلى جماعة المسلمين والتزام منهج الاعتدال والوسطية. المرتبة الرابعة : قتالهم كبغاة والبغي :الخروج عن طاعة إمام أهل العدل بتأويل غير مقطوع الفساد وهو حرام وكبيرة من الكبائر وفيه وردت نصوص عديدة تحذر من الخروج على الإمام وشق وحدة الأمة ومن ذلك: 1- قوله صلى الله عليه وسلم : " انه ستكون هنات وهنات فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهم جميع فاضربوا رأسه بالسيف كائنا من كان ". 2- قوله صلى الله عليه وسلم : "من أتاكم وأمركم جمع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه" . واشتر ط الفقهاء في البغاة شرطين : الأول: أن يكون لهم تأويل يعتقدون بسببه جواز الخروج على الإمام أو منع الحق المتوجه عليهم. الثاني :أن يكون لهم شوكة وعدد. وقد أوجب الإسلام على المسلمين قتال البغاة الخارجين على الإمام إذا لم يقبلوا الصلح والفيء إلي أمر الله تعالى ولزوم الجماعة , وهذا ثابت بالكتاب والسنة والإجماع . أما الكتاب فقوله تعالى:﴿ وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾. ومن السنة الأحاديث المتقدمة آنفا ونحوها كثير.. وقد أجمع الصحابة رضي الله عنهم على قتال البغاة فقد قاتل أبو بكر رضي الله عنه مانعي الزكاة وقاتل علي بن أبي طالب أهل الجمل وأهل النهروان . المرتبة الخامسة : معاملتهم كمحاربين و الحرابة :البروز لأخذ مال أو لقتل أو لإرهاب على سبيل المجاهرة مكابرة اعتمادا على القوة مع البعد عن الغوث. وقد حرم الإسلام الحرابة واعتبرها من كبائر الذنوب وسمى الله تعالى ومرتكبيها محاربين لله ورسوله وساعين في الأرض بالفساد . ومن أدلة ذلك : قوله تعالي : ﴿إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ .قوله صلى الله عليه وسلم: " من حمل علينا السلاح فليس منا ".قوله صلى الله عليه وسلم: " من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى يدعه وإن كان أخاه لأبيه وأمه ". والكثرة من الفقهاء عبروا عن الحرابة(بقطع الطريق ) واشترط هؤلاء أن تتم الجريمة خارج المصر فإن كانت داخله فلا تسمي حرابة ، وإني لا أرى رأي الكثيرين من الفقهاء من قصر حد الحرابة على قطع الطريق وإنما تعم داخل المصر وخارجه لعموم الآية الكريمة في المحاربين وليس فيها ما يقصرها أو يخصصها على قاطع الطريق ولأن هذه الجرائم تكون أجرم في داخل المصر. وختاما فالإسلام دين الوسطية والسماحة والأمن والسلام ولا بد أن تنتشر هذه الوسطية والسماحة بين أفراد المجتمع وأن تقوم المؤسسات الدعوية بدورها في هذا الأمر لنقاوم هذا الفكر الضال ونصحح المفاهيم أسأل الله أن يجعل مصرنا أمنا وسلاما وسائر بلاد المسلمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .