اعرف أسعار الفراخ البيضاء في بورصة الدواجن اليوم    الحكومة تنفي انتشار بطيخ مسرطن في الأسواق    قطع المياه عن قريتين في مركز ناصر ببني سويف لأعمال الصيانة غدا    معلومات عن نظام باتريوت.. واشنطن رفضت تزويد أوكرانيا به    شيماء البرديني: نتنياهو يريد استمرار الحرب للأبد ويستخدم شعبه كدروع بشرية    قبل مواجهة الترجي.. ماذا يفعل الأهلي في نهائي أفريقيا أمام الأندية العربية؟    هدف تاريخي ينتظر محمد صلاح في مباراة ليفربول ووست هام يونايتد اليوم    «رياضة القليوبية» تطلق مبادرة «العمل حياة بناء مستقبل» احتفالا بعيد العمال    حالة الطقس اليوم.. انخفاض درجات الحرارة ونشاط الرياح نهارا وبرودة ليلا    ضبط 16 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    فيلم عالماشي بالمركز الثالث في شباك التذاكر    ناهد السباعي عن مشاركتها في مهرجان أسوان: كانت تجربة ممتعة    عمرو دياب يتألق في أضخم حفلات صيف البحرين (صور)    حكم من مات ولم يحج وكان قادرا عليه.. الأزهر يوضح ما يجب على الورثة فعله    أستاذ «اقتصاديات الصحة»: مصر خالية من شلل الأطفال بفضل حملات التطعيمات المستمرة    «صحة كفر الشيخ» تنظم قافلة طبية لمدة يومين ضمن «حياة كريمة»    «الصحة» تعلن جهود الفرق المركزية في متابعة أداء مراكز الرعاية الأولية    الأوراق المطلوبة لاستخراج شهادات فحص المقبلين على الزواج للمصريين والأجانب    «الداخلية»: حملات أمنية لضبط حائزى المخدرات والأسلحة تضبط 56 قضية ب4 محافظات    أفضل دعاء تبدأ وتختم به يومك.. واظب عليه    طارق يحيى: المقارنة مع الأهلي ظالمة للزمالك    كوريا الشمالية تتهم الولايات المتحدة بتسيس قضايا حقوق الإنسان    صوامع الإسكندرية تستقبل 2700 طن قمح محلى منذ بدء موسم التوريد    سينما المكفوفين.. أول تعاون بين مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير ووزارة التضامن    حماس تتسلم رد إسرائيل بشأن الصفقة الجديدة    نظام امتحانات الثانوية العامة في المدارس الثانوية غير المتصلة بالإنترنت    اليوم.. استئناف محاكمة المتهمين بقضية تنظيم القاعدة بكفر الشيخ    تفاصيل جريمة الأعضاء في شبرا الخيمة.. والد الطفل يكشف تفاصيل الواقعة الصادم    إصابة 10 أشخاص إثر انقلاب أتوبيس في الشرقية    وزير الخارجية يتوجه إلى الرياض للمشاركة في أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي    زلزال بقوة 4.1 درجة يضرب شرق تركيا    السبت 27 أبريل 2024.. نشرة أسعار الحديد والأسمنت اليوم    «اللتعبئة والإحصاء»: 192 ألفا و675 "توك توك" مرخص في مصر بنهاية عام 2023    كيف أدَّى حديث عالم أزهري إلى انهيار الإعلامية ميار الببلاوي؟.. القصة كاملة    برج الثور.. نصيحة الفلك لمواليد 27 أبريل 2024    المقاولون العرب" تنتهي من طريق وكوبري ساكا لإنقاذ السكان بأوغندا"    "الشيوخ" يناقش جودة التعليم والتوسع في التصنيع الزراعي، الإثنين المقبل    متى يحق للزوجة الامتناع عن زوجها؟.. أمين الفتوى يوضح    قبل 3 جولات من النهاية.. ماهي فرص "نانت مصطفى محمد" في البقاء بالدوري الفرنسي؟    بعد بقاء تشافي.. نجم برشلونة يطلب الرحيل    بعد رأس الحكمة وقرض الصندوق.. الفجوة التمويلية لمصر 28.5 مليار دولار    حزب الله يعلن استشهاد 2 من مقاتليه في مواجهات مع الاحتلال    سياسيون عن ورقة الدكتور محمد غنيم.. قلاش: خلاصة فكره وحرية الرأي والتعبير هي درة العقد.. النقاش: تحتاج حياة سياسية حقيقية.. وحزب العدل: نتمنى من الحكومة الجديدة تنفيذها في أقرب وقت    علي جمعة: الشكر يوجب على المسلم حسن السلوك مع الله    وزير الري: الاستفادة من الخبرات العالمية فى استثمار الأخوار الطبيعية لنهر النيل    المتهم خان العهد وغدر، تفاصيل مجزرة جلسة الصلح في القوصية بأسيوط والتي راح ضحيتها 4 من أسرة واحدة    إشادة دولية بتجربة مصر في مجال التغطية الصحية الشاملة    بعد ارتفاعها.. أسعار الدواجن اليوم 27 أبريل| كرتونة البيض في مأزق    حكم الشرع في الإسراع أثناء أداء الصلاة.. دار الإفتاء تجيب    "كنت ببعتله تحياتي".. كولر يكشف سر الورقة التي أعطاها ل رامي ربيعة أثناء مباراة مازيمبي    لدورة جديدة.. فوز الدكتور أحمد فاضل نقيبًا لأطباء الأسنان بكفر الشيخ    الأهلي ضد الترجي.. نهائي عربي بالرقم 18 في تاريخ دوري أبطال أفريقيا    يسرا اللوزي تكشف سبب بكائها في آخر حلقة بمسلسل صلة رحم.. فيديو    الدكتور أحمد نبيل نقيبا لأطباء الأسنان ببني سويف    السيسي محتفلا ب"عودة سيناء ناقصة لينا" : تحمي أمننا القومي برفض تهجير الفلسطينيين!!    محمد جبران رئيسا للمجلس المركزي للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب    مقتل 4 عمّال يمنيين بقصف على حقل للغاز في كردستان العراق    تهاني شم النسيم 2024: إبداع في التعبير عن المحبة والفرح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد زوبعة السلفيين إقامة الحدود بين الجهل والشرع
نشر في الأهرام اليومي يوم 31 - 03 - 2011

وسط دعوات صاخبة لأخذ تطبيق القانون بأيدي الناس بحجة تطبيق شرع الله علي الذين فسدوا وهو ماشهدناه في حادثة قنا وأماكن أخري فأن قضية إقامة الحدود‏..‏ لاتزال مسألة تثير الخواطر والهواجس, كما أنها تخلط الأوراق لدرجة يبدو فيها الإسلام للبعض وكأنه دين دموي ما جاء إلا ليقطع الرقاب والأيدي ويشبع الأبدان جلدا ورجما, والناظر إلي الحدود يجد أنها ما فرضت إلا لحماية المجتمع وصيانته, فمن أجل المحافظة علي الأرواح والأبدان كان القصاص ومن أجل المحافظة علي المال كان حد السرقة, ومن أجل المحافظة علي العقول شرعت عقوبة شرب الخمر, ومن أجل المحافظة علي الأعراض والنسل شرعت عقوبة الزنا والقذف.
ولقد وضع الإسلام ضوابط لإقامة الحدود حتي لا تتدخل الأهواء, فالحدود لا تطبق بمجرد الإدعاء ولكن بالبينة والدليل القاطع الذي لا شك فيه, ولم يترك الإسلام تطبيق الحدود لعوام الناس حتي لا تكون ذريعة لارتكاب الجرائم بحجة تطبيق الحد.. وحتي لا تشيع الفوضي وتتحول المجتمعات إلي غابة يأكل فيها القوي الضعيف, وإنما جعلت بيد ولي الأمر.
الحدود وسماحة الإسلام
بداية يقول د.محمد عبد السلام كامل أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة عين شمس:الحدود جمع حد والحد هو عقوبة مقدرة وجبت علي الجاني وهناك فرق بين الحد والتعزير فالحد عقوبة مقدرة بحكم النص الشرعي من كتاب وسنة أما التعزير فهو نوع من التأديب ليمنع وقوع الفعل ثانية وهو عقوبة غير مقدرة وإنما يحددها الحاكم وهي متروكة لتقدير السلطة التشريعية تنفذها السلطة القضائية, والحدود تتنوع بحسب نوع الجريمة فمنها حد الزنا وحد السرقة وحد الحرابة وحد البغاة وأما القصاص فاعتبره كثير من الفقهاء أنه داخل في باب الجناية.
ويوضح د.حامد أبو طالب عميد كلية الشريعة الأسبق أن الناظر للحدود في الإسلام نظرة سطحية بدون فهم ومعرفة قد يظن أن فيها غلظة وقسوة في تنفيذها وهي نظرة قاصرة وسببها عدم فهم الحكمة من الحدود إذ أن تطبيق هذه الحدود له أسس وشروط لابد من توافرها ففي السرقة مثلا قبل قطع يد السارق لابد أن نضمن له حدا أدني من الدخل يعينه علي الحياة وإذا لم يتوافر الحد الأدني من الدخل وأصبح الناس جياعا لا يقام عليهم الحد إذا كان هدفه سد حاجة الجوع وكذلك أن يكون المسروق شيئا ذا قيمة مما ينتفع الناس به وأن يكون محروزا, أي محفوظا في حرز.ولذلك أبطل عمر بن الخطاب القطع في عام الرمادة حينما عمت المجاعة. وعندما جيء بغلمان لحاطب بن أبي بلتعة سرقوا ناقة رجل من مزينة إلي عمر بن الخطاب ليقيم عليهم حد السرقة وهو ما بينه الله سبحانه في سورة المائدةوالسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم38 وأمر عمر بقطع أيديهم لكن حين تبين له أن سيدهم يجيعهم درأ عنهم الحد وغرم سيدهم ضعف ثمن الناقة تأديبا له.
ويضيف: وليس معني ذلك هو تبرير السرقة وإنما أردت أن أبين عظمة الإسلام الذي شرع الحدود وبينها.ولقد سمعنا في الآونة الأخيرة عما فعله بعض رجال الأعمال من سرقات اجتراء وظلما بينا لأقوات الشعوب بعدما خانوا الأمانة وهذا لا يعد سرقة فحسب وإنما يعد نهبا وله عقوبة وهي التعزير وقد تصل العقوبة إلي الإعدام لتكون رادعا لكل من تسول له نفسه فعل ذلك وهناك قاعدة تقول متي كانت العقوبة شديدة كانت رادعة للناس.وهذا يظهر جليا من خلال قراءتنا لسير الخلفاء والحكام الذي طبقوا شرائع الإسلام رغم أنهم كانوا يحكمون ملايين البشر إلا أنه لم تطبق في عهدهم الحدود إلا علي العشرات فقط بسبب خوف الناس وإحجامهم عن ارتكاب الجرائم لردع الحدود لهم.
ويوضح الشيخ عبد الله عبد المجيدعضو لجنة الفتوي بأسيوط: عظمة الإسلام في تشريع هذه الحدود فيقول انظر إلي عظمة البيان القرآني ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقونالبقرة179بالرغم أن القصاص فيه موت للقاتل إلا أن القرآن قال حياة فعند القصاص من القاتل سيمنع ذلك محاولة البعض الأخذ بالثأر إذن هي لهم حياة وكذلك عندما يري الناس القصاص يطبق في القاتل لن يقدم أحد علي القتل إذن فحد القصاص فيه حياة للناس; لما فيه ردع الناس عن قتل النفوس, فلو أهمل حكم القصاص لما ارتدع الناس; لأن أشد ما تخافه نفوس البشر هو الموت, فلو علم القاتل أنه يسلم من الموت لأقدم علي القتل مستخفا بالعقوبات.
الحرابة والبلطجة
يقول د/حسين عبد الحميد بودي مدرس العقيدة والفلسفة في كلية أصول الدين-جامعة الأزهر بأسيوط: الحرابة أو قطع الطريق هي خروج الفرد أو الجماعة بالسلاح علي الناس في بلد إسلامي لأخذ أموالهم وقد يجنحون إلي القتل وهتك العرض وغير ذلك من الأمور التيتخالف الدين والأخلاق والنظام والقانون.وهي كلمة مأخوذة من الحرب لأن هذه الطائفة الخارجة علي النظام تعتبر محاربة للجماعة من جانب ومحاربة للتعاليم الإسلامية التي جاءت لتحقق أمن الجماعة وسلامتها بالحفاظ علي حقوقها من جانب آخر, ولذلك فكل حد ارتبط بعنف عد حرابة فالسرقة مثلا عقوبتها في الإسلام قطع اليد أما إذا اقترنت بعنف وتهديد تخرج من حد السرقة إلي حد الحرابة..
ويضيف د.حسين: والحرابة جريمة كبيرة بل هي من أكبر الكبائر ومن ثم أطلق القرآن الكريم علي المتورطين في ارتكابها أقصي عبارة فجعلهم محاربين لله ورسوله وساعين في الأرض بالفساد وغلظ عقوبتهم تغليظا لم يجعله لجريمة أخري حتي لا تنتشر في المجتمع فتكثر الفوضي والفساد والاضطرابات ولذلك قال الله تعاليإنما جزاء الذينيحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلواأو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرضذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم.ورسول الله صلي الله عليه وسلم يعلن أن من يرتكبهذه الجناية ليس له شرف الانتساب إلي الإسلام بل الإسلام منه بريء فيقول صلي الله عليه وسلم من حمل علينا السلاح فليسمن.
ويشاركه الرأي د.محمد محمد عمارة مدرس الفقه بكلية الشريعة داعيا إلي سرعة الفصل في كل من ينطبق عليه حد الحرابة حتي يستعيد البلد توازنه وأمنه ولذلك ليس غريبا أن نري مطالبات بإعدام كل من تسبب في حالة الفوضي وما تبعها من سلب ونهب في الأيام الماضية.
حد الزنا
فأما عن حد الزنا فيوضح د.محمد محمد المختار أستاذ الفقه بالجامعة الإسلامية بالسعودية إنه من العقوبات والحدود التي أقرت حفظا للأعراض حد الزنا, لما لانتشار هذه الفاحشة من هتك للأعراض واختلاط للأنساب, لذا فقد رتب الله لهذه الجريمة حدا يتناسب مع عظمها وخطورتها. والزنا هو إتيان لحد من حدود الله, وجريمة من الجرائم التي لا يحبها الله, وهي كبيرة من كبائر الذنوب; والزنا علي مراتب, فبعضه أشد جريمة من بعض, وأعظم عند الله عز وجل أثرا:- فالزنا بامرأة المجاهد في سبيل الله عز وجل والمحارب من أعظم الزنا, وأشده إثما وجرما وبعده الزنا في القريبة كابنة العم ونحوها أعظم جريمة من الزنا بغيرها, وكلما كانت ألصق بالقرابة كذي المحرم فهو أشد جريمة, وأعظم انتهاكا لحد الله.ومن الزنا المعظم عند الله: الزنا بحليلة الجار: أن يزني الرجل بزوجة جاره أو أخته أو ابنته والعياذ بالله, فهذا من أكبر الكبائر وأشد الجرائم, وفي الحديث الصحيح عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه لما سأله أحد صحابته:أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك, قال: قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك, قلت: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك.
ويكمل د. المختار كلامه قائلا: لقد عالج الإسلام هذه الجريمة قبل وقوعها, وعالجها أثناء وقوعها, وعالجها بعد وقوعها:- فعالجها قبل الوقوع: حينما منع الأسباب المفضية إلي الزنا, وعالجها أثناء الوقوع: حينما دعا إلي ترك المعصية والبعد عنها, كما في الصحيح عن النبي صلي الله عليه وسلم في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله:ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين فأغلقت الشريعة أبواب الزنا, ولذلك منعت المرأة أن تكثر الخروج لغير ضرورة فقال تعالي:وقرن في بيوتكن الأحزاب:33, وإذا خرجت نهيت عن التعطر حتي لا تسترسل الأنظار إليها, وكذلك نهيت عن الضرب برجليها حتي لا يعلم ما تخفيه من زينتها, ونهيت عن أمور تكون سببا في فتنة الغير بها, فلذلك أغلقت بهذه النواهي باب الفتنة, وأمرت المؤمن أن يغض بصره وأن يحفظ فرجه, وأن لا يختلي بامرأة لا تحل له, وأن لا يسافر بامرأة ليست من محارمه, كل ذلك غلقا لأبواب الفساد وقطعا لدابر أهل الإفساد.
أما إذا وقعت هذه الجريمة فقام سلاح الشرع مؤدبا وزاجرا حتي يمتنع أهل الفساد عن الفساد, فأمر بعقوبة الزاني والزانية علي ملأ من الناس حتي يكون ذلك أبلغ في زجر الغير, وأدعي للبعد عنه.
شروط إقامة الحدود
ويري د.محمد عبد السلام أن الحدود لا تطبق بمجرد ادعاء شخص ولكن البينة علي من ادعي واليمين علي من أنكر وذلك عملا بالقاعدة التي أرساها النبي صلي الله عليه وسلم بقوله:لو يعطي الناس بدعواهم لادعي ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين علي المدعي عليهوالحديث متفق عليه وتلك ضمانات وضعها الإسلام حتي لا تتدخل الأهواء في تطبيق حدود الله بل ومن الثابت في الفقه الجنائي أنه لا يعاقب إنسان إلا بنص.والشريعة الإسلامية يهمها أن تكون كل وسائل الإثبات موجودة قبل أن تطبق العقوبة علي أحد وإن حدث شيء من شك أو عدم اليقين فسر ذلك لصالح المتهم.
وحتي تقام الحدود لابد أن تتوافر جميع الشروط التي حددها الشارع الحكيم من إقامة الشريعة والتي تحاسب المخطئ وتثيب المحسن ففي جريمة الزنا مثلا يقول د. مصطفي العدوي: أن لإقامة حد الزنا بالنسبة للمحصن بالرجم أو الجلد لغير إلمحصن شروط وضوابط: فإذا وجد رجل مع امرأة في فراش تحت لحاف وهو أجنبي عنها, هل يشهد بمجرد رؤيته علي هذا الوضع أنه زني بها؟ الصحيح: أنه لا يشهد بمجرد هذه الرؤية علي الزنا, ولكن إن أقرت المرأة أو اعترفت أنها زنت فيقام الحد علي من اعترف, أما مجرد النوم في فراش مع امرأة, أو خلوة مع امرأة, فهذا وذاك لا يثبت حد الزنا, والحدود تدرأ بالشبهات, كما جاء عن النبي صلي الله عليه وسلم, ولكن للإمام أن يعزر التعزير الذي يراه مناسبا لزجرهما وأمثالهما عن الوقوع في هذه المعصية وللإمام أن يتخذ من التعزير ما يراه موائما لردع أمثال هؤلاء من أهل الفسق.
ويقول الشيخ عبد الله عبد المجيد : من عظمة الإسلام أنه اشترط في إقامة حد الزنا وجود شروط وهذه الشروط من الصعب توافرها قبل إيقاع العقوبة بمرتكبها لأن هذه الجريمة لا تتعلق بالشخص الذي سيقام عليه الحد بمفرده بل قد يترتب عليه عار قد يلحق بكل أسرته ولذلك اختلفت عقوبة المحصن والمتزوج تبعا لاختلاف كل منهما وأثره في المجتمع وهذا حفظ وستر للعورات ولذا لما جاء عمر بن الخطاب وكان وقتها أميرا للمؤمنين إلي علي بن أبي طالب وكان قاضيا فسأله عمر ماذا لو قال أمير المؤمنين إنه رأي إنسانا يفعل الفاحشة أيقام عليه الحد فرد علي بقولهثلاث أو حد في ظهره بمعني أن لم يكن معه شهود ثلاثة يقام عليه حد القذف.. فإن لم تتوافر هذه الشروط مجتمعة لا يقام الحد علي صاحب هذه الفعلة جلدا كان أو رجما وهذه الشروط هي شهادة أربعة شهود عدول يشهدون بأنهم رأوا من الرجل والمرأة ما يكون بين الرجل وزوجته من اتصال مباشر, الأمر الذي لا يكاد يراه أحد من البشر.وهذا ليس معناه أن الإنسان يسكت علي المنكر وإنما معناه إن هذه الشروط لا تتوافر إلا في إنسان تمرس الأمر واستمرأه فستره الله مرات ومرات لعله يرجع ويتوب لكنه لما تمادي فكانت الفضيحة والفضيحة ستكون في عقر داره وعندها لابد من تطبيق الحدود ولا تأخذنا بمنتهك هذا الحد رأفة ولا رحمة لأنه صار عضوا فاسدا لابد من الضرب علي يده بيد من حديد لذلك قال تعاليالزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين2 النور.
ويشير د. حامد أبو طالب إلي أن الحدود لا تطبق إلا إذا ثبتت التهمة بنسبة مائة في المائة ولذلك قال علي بن أبي طالب لئن أخطئ في التبرئة خير من أن أخطئ في التهمة وهذا يظهر جليا في حديث النبي صلي الله عليه وسلم ادرءوا الحدود بالشبهات.
مسئولية ولي الأمر
يقول د.حامد أبو طالب: إن الإسلام لم يترك إقامة الحدود لعوام الناس حتي لا تشيع الفوضي وتتحول المجتمعات إلي غابة يأكل فيها القوي الضعيف وإنما جعل ذلك بيد ولي الأمر والمقصود به الحكام وأن ما علي الناس إلا إن يعاونوا ولي الأمر في ذلك من خلال تقديم المجرم للمحاكمة ولا يتستروا عليه أو يكتموا الشهادة ولذلك لما تكلم القرآن عن جريمة القتل قال تعالي:.. ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا الإسراء33, والولي هنا الحاكم المسئول عن تنفيذ الحكم.. ففي جريمة الزنا مثلا لا يجوز للعامة أن يقيموا حد الزنا حتي لو توافرت شروطه ولكنهم يرفعوا الأمر إلي ولي الأمر ويقدموا مرتكب الجريمة للمحاكمة, ولذلك لو نظرنا إلي الحدود التي طبقت في عصر النبي صلي الله عليه وسلم كانت من خلال النبي أو من ينيبه النبي صلي الله عليه وسلم كما حدث مع ماعز والمرأة الغامدية وكانت بسبب إقرارهما بالأمر ولم يثبت أن حدا أقيم بشهادة الشهود وفي ذلك حرص من الإسلام علي ألا تزهق الأرواح أو تقام الحدود تبعا للميول والأهواء..
ويشير د.أبو طالب إلي خطأ قد يقع فيه البعض بسبب سوء فهمه لحديث النبي صلي الله عليه وسلم ممن رأي منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان فيظن أن إقامة الحد منوط بهم القيام به وأنه نوع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذا فهم خاطئ لشريعة الإسلام وليس من حق من شاهد جريمة أن يقيم الحد بنفسه علي مرتكبها حتي لا نفسد ونحن نريد الإصلاح فإذا تعرض إنسان مثلا لحادث سرقة وأمسك بالسارق فليس من حقه أن يقيم عليه الحد هو بنفسه.
ويؤيده الرأي د. الأحمدي أبو النور وزير الاوقاف الاسبق: قائلا: إن الذي يعطي نفسه الحق في عقاب الآخرين وإقامة الحدود عليهم إنما يتحدي المجتمع ويفتات علي حق ولي الأمر ممثلا في الحكومة وبالتالي فهو يستوجب العقاب في الدنيا وينتظره العقاب في الآخرة فنحن محكومون بشرع وقانون ولذلك فالإسلام لا يعرف للفرد أن يقوم بنفسه بتقدير وتنفيذ العقوبة.
ويثمن هذا الكلام د.محمد عبد السلام بقوله: إنه لا يجوز لأي فرد مهما كان أن يقوم بتطبيق الحدود أو العقوبات بنفسه وإلا يعد هذا خروجا علي النظام العام وخروجا علي الشريعة.
الشفاعة في الحدود
يقول د. الأحمدي أبو النور بداية لابد أن نبين أن الشفاعة نوعان شفاعة حسنة وشفاعة سيئة وهو ما أشارت إليه الآية الكريمة من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله علي كل شيء مقيتا85 النساء,فالشفاعة الحسنة من صورها التوسط للغير لجلب منفعة أو دفع مضرة. كأن تتوسط لشخص عند آخر في أن يساعده في أمر من الأمور كأن يقوم إنسان ذو مركز أدبي واجتماعي يعطيه قبولا ووجاهة لدي ذوي المناصب بالتوسط ليعرض عليهم إنسانا ذا كفاءة في مجال معين فقد لا يستطيع صاحب الكفاءة الوصول إلي هذا المكان فيشفع له صاحب المال والجاه وهذا فيه من النفع علي المجتمع كله وهو يعتبر نوعا من زكاة الجاه بشرط أنه يري الكفاءة فيمن يشفع له وهو نوع من التعاون علي البر والتقوي وسعي في قضاء حوائج الناس ولذلك جاء عن أبي موسي الأشعري رضي الله عنه قال كان النبي صلي الله عليه وسلم إذا أتاه طالب حاجة أقبل علي جلسائه فقال اشفعوا تؤجروا ويقضي الله علي لسان نبيه ما أحبوالحديث متفق عليه.أما الشفاعة السيئة والمنهي عنها فهي الشفاعة في حدود الله بقصد تعطيل هذه الحدود وهو ما نراه الآن من توسط أهل الجاه والسلطان لدي الحكام بقصد العفو عن مجرم معين في جريمة ما ولذلك يقول بعض العلماء إن الرجل الذي عرف بالإجرام كالمسجل خطر لا تجوز الشفاعة له لأنه بذلك سيعيد تكرار الجريمة مرات ومرات ولذلك نري الإسلام حاسما في عدم الشفاعة في حدود الله وكلنا يعلم قصة المرأة المخزومية وبني مخزوم من أشرف قبائل العرب وقد كانت تستعير الشيء من جيرانها ولا ترده ورفع أمرها إلي النبي صلي الله عليه وسلم في شيء أخذته ولم ترده وبعد التأكد من ذلك أمر النبي صلي الله عليه وسلم بقطع يدها وأراد أهلها أن يستشفعوا لها عند رسول, فرأوا أن من أقرب الناس لرسول الله أسامة بن زيد بن حارثة فذهب أسامة إلي النبي صلي الله عليه وسلم يشفع لهذه المرأة ألا تقطع يدها فقال النبي عليه الصلاة والسلامأتشفع في حد من حدود الله قال ذلك النبي صلي الله عليه وسلم لأسامة إنكارا عليه ثم قام فخطب الناس وقال أيها الناس إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وايم الله يعني أقسم بالله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها وحاشا وكلا إن تسرق بنت رسول الله صلي الله عليه وسلم وإنما أراد النبي صلي الله عليه وسلم أن يسد باب الشفاعة والوساطة في الحدود ويرسي مبدأ مهما من أهم مبادئ الإسلام ألا وهو مبدأ المساواة بين الناس فما أصعب علي النفس أن يري إنسان نفسه يحاسب علي أمر ويري في الوقت نفسه غيره يفعله ومع ذلك لا يقترب منه أحد.وقيل إن المرأة المخزومية كان اسمها فاطمة.
وينبه د. أبو النور إلي أمر في غاية الخطورة وهو الشفاعة للمجرم بعدما وصل أمره للحاكم فيقول: من الممكن الشفاعة بترضية من وقع عليه ظلم معين لكن قبل أن يصل ذلك إلي القضاء أو إلي الحاكم لأن تدخل ذوي النفوذ لدي الحاكم مصيبة وتحد للقانون لاسيما إن كان ممن هو في منصب كبير ويحسب له حساب وهذه الشفاعة مخالفة لهدي النبي صلي الله عليه وسلم وهي نوع من التعاون علي الإثم والعدوان لا علي البر والتقوي كما يظن البعض لما فيها من إهدار وتضييع الحقوق. ولذلك ورد عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قالمن حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله في أمره وقال أيضاإذا بلغت الحدود السلطان فلعن الله الشافع والمشفع..وجاء في مسند الإمام أحمد أن صفوان بن أمية نام في المسجد وتوسد رداءه فجاء سارق فأخذ رداء صفوان فأمسك صفوان بالسارق فجاء به إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم فأمر به رسول الله صلي الله عليه وسلم أن تقطع يده فقال له صفوان إني لم أرد هذا يا رسول الله هو عليه صدقة فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم فهلا قبل أن تأتيني به أي كان بإمكانك أن تسامح في حقك لكن قبل أن يعرض الأمر علي النبي باعتباره الفصل والحكم.ويحذر د. الأحمدي بعض المحامين الذين يدافعون عن متهمين وهم يدركون تماما أنهم مذنبون بأنهم بذلك يعطلون حدود الله ويذكرهم بقول الله سبحانه ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا109 النساء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.