هناك العديد من منظمات المجتمع المدني وبالتحديد الجمعيات الأهلية الغير هادفة للربح والتي حصلت علي تمويل من الولاياتالمتحدةالأمريكية وتحصل علي تمويل من دول أجنبية أخري لمساعدة المجتمع المدني علي القيام ببعض الأعمال التنموية سواء في الفكر أو الرأي أو السياسة أو العمل والإنتاج .. وتأتي مساحتنا للاختلاف اليوم بين ما تقوم به تلك المنظمات في المجتمع المصري وبين ما تسمح لها به الحكومة من عمل لتلك الجمعيات وما ترفضه، خاصة ونحن علي مشارف انتخابات برلمانية ساخنة تأتي مقدمة للانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها نهاية العام القادم 2001 م ، وهي التي تشغل بال الكثيرين في مصر وخارجها . بين المسموح والممنوع لتلك المنظمات ودورها الفعلي ومصادر تمويلها ودورها الرقابي في المجتمع بل ودورها التنموي والأدوار الأخرى وصدامها بالحكومة تأتي مساحتنا للاختلاف. وبداية من المعروف أن منظمات المجتمع المدني هي مجموعة التنظيمات التطوعية الحرة التي تملأ المجال العام بين الأسرة والدولة، أي بين مؤسسات الرقابة ومؤسسات الدولة التي لا مجال للاختيار في عضويتها ، ومعروف أيضاً أن هذه التنظيمات التطوعية الحرة تنشأ لتحقيق مصالح أفرادها أو لتقديم خدمات للمواطنين ، وتلتزم في نشاطها بقيم ومعايير الاحترام والتراضي والتسامح والمشاركة والإدارة السلمية للتنوع والاختلاف. وللمجتمع المدني بهذا المفهوم أربعة مقومات أساسية هي الفعل التطوعي والحر والتواجد في شكل منظمات أو مجموعات هادفة ثقافيا أو سياسيا ، بالإضافة إلي قبول التنوع والاختلاف بين الذات والآخرين وعدم السعي للوصول إلى السلطة في البلاد ، ويأتي من ضمن مكونات المجتمع المدني " النقابات المهنية ، النقابات العمالية ، الحركات الاجتماعية ، الجمعيات التعاونية ، الجمعيات الأهلية ، نوادي هيئات التدريس بالجامعات ، النوادي الرياضية والاجتماعية ، مراكز الشباب والاتحادات الطلابية ، الغرف التجارية والصناعية وجماعات رجال الأعمال ، الصحافة الحرة وأجهزة الإعلام والنشر التي لا تتبع للدولة ، مراكز البحوث والدراسات ، الجمعيات الثقافية ، بالإضافة إلي المنظمات غير الحكومية الدفاعية والتنموية كمراكز حقوق الإنسان والمرأة والتنمية والبيئة . وفي هذا السياق قالت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير لها أن جماعات المجتمع المدني ترزح تحت ضغط قيود بالغة في ظل القانون المنظم للجمعيات والمؤسسات الأهلية، وأضافت المنظمة المدافعة عن حقوق الإنسان أن أجهزة الأمن المصرية تقوم بالتحري الدقيق عن نشطاء المجتمع المدني ومضايقتهم، رغم أن القانون لا يمنحها أي سلطة من هذا القبيل. وناقشت هيومن رايتس ووتش آثار القانون رقم 84 لسنة 2002 الذي يحكم الجمعيات والمؤسسات الأهلية، والذي دخل حيز التنفيذ في يونيو 2003، ويخلص تقريرها إلى أن أخطر حائل يعوق ممارسة حرية تكوين الجمعيات على نحو مجدٍ في مصر هو الدور الذي تقوم به أجهزة الأمن خارج إطار القانون ، وقد وثقت هيومن رايتس ووتش الكثير من الحالات التي رفضت فيها أجهزة الأمن طلبات تسجيل منظمات غير حكومية، وحددت من يُقبل ترشيحهم في مجالس إدارة هذه المنظمات، وضايقت نشطاء المنظمات غير الحكومية، وحالت دون وصول تبرعات إلى هذه الجماعات. ورغم أن القانون رقم 84 لسنة 2002 أفضل من القانون السابق له، فإن أحكامه والأسلوب الفضفاض والتعسفي الذي يطبق به - تمثل انتهاكاً للالتزامات القانونية الدولية الواقعة على عاتق مصر التي توجب عليها حماية حرية تكوين الجمعيات؛ إذ يحظر القانون الأنشطة السياسية والنقابية، ويسمح للسلطات بحل المنظمات بموجب أمر إداري ، ويبقي القانون على طائفة من الممارسات الإدارية التدخلية التي تعوق الأنشطة التنظيمية لجماعات المجتمع المدني، وتضع في متناول الدولة وسائل وفيرة للتدخل في شؤونها. ودعت هيومن رايتس ووتش الحكومة المصرية إلى تعديل القانون رقم 84 لسنة 2002 لجعل تسجيل المنظمات غير الحكومية طوعياً، وإلغاء العقوبات المفروضة على المشاركة في أنشطة المنظمات غير المسجلة. ويجب على السلطات أيضاً رفع كافة القيود المفروضة على الأنشطة السلمية التي تعد بمثابة ممارسة لحرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات أو الانضمام إليها، وحرية المشاركة في الحياة العامة. وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن الحكومة المصرية ليست لها مصلحة مشروعة في اختيار أعضاء مجالس إدارة المنظمات غير الحكومية، أو الموافقة على من ترسل إليهم الدعوات لحضور المؤتمرات، أو الاطلاع على محاضر الاجتماعات وتحديد كم مرة يجوز للجان التنفيذية عقد اجتماعاتها. وعلي صعيد متصل انتقد الكاتب إسكندر العمراني مشروع القرار الجديد الذي يحكم عمل المنظمات غير الحكومية في مصر، وقال إن المشروع أثار الرعب في أوساط المنظمات، مما جعل العشرات منها تعارضه، بدعوى أنه يحد من قدرتها على إجراء إصلاحات في البلاد. وأضاف أن التغيير في سياسات إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما بشأن تمويل المنظمات غير الحكومية ربما بعث برسالة خاطئة لنظام الرئيس المصري حسني مبارك، داعيا الولاياتالمتحدة لدعم المجتمع المدني العربي، في ظل الظروف التي يعانيها. وقال العمراني في مقال نشرته له مجلة فورين بوليسي الأمريكية إن على المنظمات غير الحكومية الأخرى في مصر مثل التجمع الوطني للتغيير بزعامة محمد البرادعي التحرك إزاء المشروع الذي صاغته وزارة التضامن الاجتماعي، والذي سيصبح قانونا في حال أرسلته الحكومة إلى البرلمان مما سيحد من نشاطات منظمات حقوق الإنسان إن لم يفرض عليها حظرا كاملا عن طريق تجريم كافة منظمات المجتمع المدني غير المسجلة في الوزارة مثل الحركة الوطنية للتغيير " كفاية "، شباب 6 أبريل وغيرهما. وتحذر المنظمات من مشروع القانون الذي سيؤدي إلى فرض سيطرة ورقابة على منظمات المجتمع المدني أسوأ من تلك التي أعقبت ثورة 1952 التي أممت النقابات ومنظمات العمل السياسي والمدني في البلاد. كما يمكن لمشروع القرار الذي نشر نصه في الصحف أن يخضع المنظمات غير الحكومية وكذلك الحكومية لتكون تحت سلطة الدولة الرسمية، مما سيتسبب في معاناة للأحزاب السياسية والنقابات العمالية ويشكل سلاحا ضد الحركات الشعبية. كما يخشى الناشطون من تمرير البرلمان لهذا القانون الذي سيقيد عمل منظمات المجمتع الدولي التي تراقب الانتخابات البرلمانية هذا العام وانتخابات الرئاسة في العام القادم، وإلى قمع الحياة السياسية. وشكلت الحركات ومنظمات المجتمع المدني تحديا للنظام المصري في السنوات الأخيرة فيما يتعلق بالفساد وتزوير الانتخابات علاوة على حرمان منظمات كالإخوان المسلمين من وضع قانوني, وهذه الحركات لم تنبثق عن أحزاب رسمية معارضة التي يؤخذ عليها افتقارها إلى التماسك والديمقراطية الداخلية والتي تواجه المزيد من القيود منذ أن سمح الرئيس المصري السابق أنور السادات بالتعددية الحزبية تحت إشراف لجنة الأحزاب السياسية برئاسة رئيس مجلس الشورى والأمين العام للحزب الوطني الديمقراطي الحاكم صفوة الشريف والتي تقرر السماح للأحزاب بالعمل أو تحرمها منه بحكم القانون وتختار المعارضة وتعاقب السياسيين الذين يتجاوزون الخط الأحمر. وتمكنت العديد من منظمات المجتمع المدني من الإفلات من قبضة الرقابة الحكومية عن طريق تشكيل مؤسسات غير ربحية ومكاتب قانونية وعيادات طبية في حالة المؤسسات التي تتعامل مع التعذيب، مما سمح بانتشار وتعزيز حركات حقوق الإنسان، علاوة على ظهور حركة كفاية ، ويخشى العديد من أن يفرض القانون الجديد قيودا على منظمات المجتمع المدني أسوة بما حصل مع الأحزاب السياسية. كما انتقد الكاتب السياسة الأمريكية إزاء المجتمع المدني العربي، وقال إنها أصبحت أكثر تناقضا وضبابية عما كانت عليه في عهد إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش. وأوضح أنه من الناحية النظرية، فتبدو الولاياتالمتحدة راغبة في دعم المجتمع المدني في مصر وغيرها من الدول العربية، مشيرا إلى بيان الميزانية لعام 2010 الذي جاء فيه إن "للولايات المتحدة برامج ستدعم توسيع الحريات المدنية وإيجاد الشفافية والمحاسبة داخل الحكومات وتعزيز المؤسسات الديمقراطية ". وكانت السفارة الأمريكية في القاهرة قررت في العام الماضي العودة إلى الأسلوب الذي كان سائدا قبل عام 2004 الذي يتم بمقتضاه تقديم الدعم المالي للمنظمات المصرية غير الحكومية. ونسب الكاتب لناشطين مصريين مثل رئيس معهد القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بهاء الدين حسن القول إن واشنطن تبعث برسالة خاطئة، وتبدو وكأنها توافق على الإجراءات الحكومية المصرية بحق منظمات المجتمع المدني .. مشيراً إلى أن المواطنين المصريين دفعوا ثمنا باهظا من أجل الترويج للديمقراطية ومكافحة الفساد، ومطالبة الحكومة بتوخي الشفافية وتحمل المسئولية والمحاسبة في أعمالها. وأشار إلى موافقة الكونجرس والإدارة الأمريكية على منح مبلغ خمسين مليون دولار إلى صندوق مبارك ومبلغ 3.2 مليارات دولار لشراء طائرات ف16، داعيا وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون إلى إعادة النظر في سياستها تجاه القاهرة والتأكد من أن مصر قد تلقت الرسالة والبدء في استئناف الدعم للمنظمات غير الحكومية غير المسجلة وإعلان معارضتها لمشروع القانون المذكور .