ملف التمويل الاجنبي للجمعيات الاهلية مليء بالجدل والشد والجذب, وكل طرف له مبرراته القوية, فالمؤيدون يرونه ضرورياوالمعارضون يعتبرونه سلاحا لتسييس هذه الجمعيات. البعض طالب بوضع قواعد تنظمه وميثاق شرف أخلاقي يحدد مبادئه, والبعض طالب بتعديل القانون أو نشر الوعي بأهمية مع العدالة في توزيعه... التفاصيل نستعرضها في هذه الاسطر. يقول إبراهيم الطوخي المدير التنفيذي للاتحاد العام للجمعيات والمؤسسات الخاصة لا ننكر أهمية التمويل الاجنبي كمصدر لتمويل الجمعيات الاهلية والقانون حدد آلية للحصول عليه وأشترط موافقة وزارة التضامن الاجتماعي علي هذه المنح, وتشكو كثير من الجمعيات من تأخر إصدار الموافقات, وذلك يرجع في المقام الأول لاستيفاء الأوراق المطلوبة خاصة أن أكثر من95% من المنح يتم قبولها. وللدولة كل الحق أن تعلم من أين تأتي الأموال وماهية الجهات المانحة, ومدي قانونيتها في بلادها والغرض من صرف هذه المنح, وأهدافهاولذلك فهناك عدة إجراءات يتم اتباعها من أجل حصول الجمعيات هلي هذه المنح, حيث تتقدم بطلب للحصول علي المنحة بعد تلقيها وعود من الجهة المانحة بموافقها علي تدعيمها تمويليا, وتقدم الطلب للجهة الإدارية, وقد تكون وزارة التضامن الاجتماعي أو مديرياتها أو المحافظة التابعة لها الجمعية, هذه الجهات تقوم بفحص التقارير عن أحوال هذه الجمعيات, ومدي نشاطها في المجتمع, وإذ كانت لها مخالفات وسابقة أعمالها مع الجهات المانحة والتعرف علي أوجه الصرف, ويبقي رأي الجهة الإدارية من قبول المنحة أو عدمه, وإذا كانت جميع الأوراق مستوفاه فإن الوزارة لا تأخر إصدار موافقتها إلا أن هناك بعض الجهات الإدارية تتخوف من ابداء الرأي. والاشكالية الأساسية في التمويل الأجنبي هي أولويات الجهات المانحة وأولويات الجمعيات لأن هناك قضايا معينة ترغب الجهات المانحة ان تتعامل معها وقد لا تتفق في أولويات الجمعيات ولكن في بعض الأحيان ترضخ الجمعيات لأولويات الجهات المانحة للحصول علي التمويل وهذه الاشكالية تحتاج الي وجود جهة وسيطة لتقرب بين هذه الأولويات وتفادي التعارض ولتكن هذه الجهة الاتحاد العام للجمعيات وبهذا الأسلوب لا يبقي تلقي الأموال قيد موافقة وزارة التضامن. وهناك قضية عدم عدالة توزيع المنح علي الجمعيات فعلي سبيل المثال عام2008 بلغت الجمعيات التي حصلت علي تمويل أجنبي401 جمعية من اجمالي26 ألف جمعية أهلية في مصر وذلك يرجع الي اجادة هذه الجمعيات التعامل مع الجهات المانحة والحل الواقعي لهذه المشكلة ان تحصل الجمعيات علي دورات تدريبية في مهارة الاتصال مع الجهات المانحة وبذلك نضمن توزيع المنح علي أكبر عدد من الجمعيات. ويضيف ابراهيم الطوخي أن هناك اجماع بين جميع الأطراف المعنية علي ضرورة اجراء تعديلات للقانون84 لسنة2002 والمشاركة في لجنة صياغة التعديلات المقترحة. وبالنسبة للدعم الحكومي فالأصل أن تتحرر الجمعيات عن الحكومة ويجب أن توفر احتياجاتها التمويلية لاستمرار انشطتها دون دعم حكومي ولكن لايزال هناك دعم بأوجه مختلفة فهناك17 ألف موظف منتدب للعمل بالجمعيات تتحمل وزارة التضامن رواتبهم الشهرية. والجمعية الناجحة هي التي تستطيع ان تستغني عن الدعم الحكومي وتعتمد علي مواردها الذاتية وبالتالي ننصح من يريد دخول الميدان أو تأسيس جمعية بأن يدرس مجتمعه وكيفية التواصل معه وتدبير احتياجاته وضمان استمرارية المشروعات التي تحقق أهداف الجمعية. وبالنسبة لموضوع التربح فإن الجمعيات التي تحصل علي منح تخضع لاشراف رقابي ومالي وطبقا للقانون84 فأن الجمعيات يجب أن تعمل دون الحصول علي دمج مادي ولكن بعض الجهات المانحة تعطي فرصة للجمعيات للتوسع في مجال الاعلان والاعلام بشكل أو اخر وذلك يفسره البعض تفسيرا خاطئا ولكن بعض الجمعيات تستهلك أموال التمويل فيما لا يعود علي الجمعية أوالمجتمع بالنفع وهذا ما يوصلنا لما نادي به رئيس الاتحاد العام الدكتور عبدالعزيز حجازي في ضرورة ايجاد ميثاق شرف للعمل الأهلي تلتزم به الجمعيات أثناء أدائها لرسالتها. يري أيمن عبدالوهاب رئيس برنامج المجتمع المدني بمركز الدراسات بمؤسسة الأهرام ان اشكالية التمويل مرتبطة بمجموعة مشكلات خاصة بالعمل الأهلي في مصر, وحالة الجدل والشد والجذب حول ملف التمويل خاصة الأجنبي تحتاج الي رؤية أوسع لأن تخوف الجهات الإدارية من استغلال هذا التمويل سلبيا يعتبر تخوف مشروع وكذلك شكوي الجمعيات الحقوقية من عدم حصولها علي منح شكوي مشروعة أيضا لذلك لابد من ايجاد مساحة مشتركة فيما بينهما بحيث تنعكس ايجابيا علي العمل الأهلي بشكل عام. ويضيف ان غياب الثقافة الحقوقية لدي المجتمع اسهم في اثارة الجدل حول تمويل المنظمات الحقوقية من خلال المنح الأجنبية والنظر للملف الحقوقي علي انه ملف سياسي ولقد حدثت عدة متغيرات بعد انتهاء الحرب الباردة فلقد أصبح التدخل في شئون الدول أحدي أدوات النظام الدولي تحت غطاء الحفاظ علي حقوق المواطنين وهذا مايجعل البعض يتخوف من حصول المنظمات علي تمويل أجنبي. ولذلك يجب ان يرتبط التمويل الدولي بالضمير وحسن الإدارة والاعلان عنه بقدر من الشفافية والوضوح ولذلك يجب ان تمتلك الجمعيات الأدوات المحاسبية التي تمكنها من القيام بهذا الدور والثقافة المحاسبية هي السبيل لعدم التشكيك في هذا النمط من التمويل. والحقيقة الواقعة ان الجمعيات إذا لم تحصل علي تمويل سوف تغلق أبوابها ولذلك يجب علي المجلس القومي لحقوق الانسان رعاية هذا النمط من الجمعيات لتقوي وتستمر في تحقيق أهدافها. ويضيف أيمن عبدالوهاب إنه يجب عدم اختزال قضية التمويل الأجنبي علي انه أداة سياسية أو وسيلة لثراء أصحاب الجمعيات فذلك تبسيط وتسطيح للمشكلة ان القانون ينظم هذا الأمر ويحدد الآليات والأدوات المحاسبية لضمان الشفافية ولا يرفضها أحد ولكن يجب الا تستخدم هذه الأدوات بتعسف ضد بعض الجمعيات. يقول الدكتور هشام هلال رئيس مجلس إدارة احدي جمعيات تنمية البيئة والأسرة ان المنح المباشرة للجمعيات الأهلية تمكنها من التحرك بطريقة ميسرة لتحقيق أهدافها التي أشهرت من أجلها ولكي تحصل الجمعيات علي هذه المنح هناك عدة عوامل يجب مراعاتها ومنها ضرورة توافق المنحة مع أحد أهداف الجمعية وموافقة الجهة الإدارية علي قبول الجمعية لهذه المنح, والتأكيد علي أهمية دور المنح المباشرة يأتي من خلال تجربة لجمعيتنا التي تهتم بتنمية البيئة والأسرة علي حد سواء علي أرض الواقع خاصة في محافظات الصعيد فمن خلال هذه المنح تمكنا من رفع الوعي والتأهيل والتدريب أو بشكل مادي كقروض أو مساعدات أو علاج فعلي سبيل المثال لا الحصر تمكنا في مجال الصحة من اجراء59 عملية جراحية وتصنيع1500 جهاز تعويضي وكشف طبي لنحو2164 طفلا ومتابعة2214 من الأمهات الحوامل هذا الي جانب رعاية وتأهيل40 طفلا معاقا ذهنا, كما تم اعداد ندوات لرفع وعي نحو2500 شاب وفتاة بخطورة عديد من الأمراض وسبل الوقاية منها وفي مجال التعليم تم الحاق عدد7512 فتاة بالمرحلة الابتدائية و398 فتاة بالمرحلة الاعدادية وفتح30 فصل محو أمية لعدد600 دارس وفي المجال الاقتصادي بلغ اجمالي القروض المصدرة نحو4883 قرضا الي جانب1253 قرضا لم تجدد لتحويل المستفيدين الي منتجين. حصار وتعرض سعاد الديب نائب رئيس الاتحاد العربي لحماية المستهلك ورئيس مجلس إدارة احدي جمعيات حماية المستهلك مشاكل الجمعيات ذات الطبيعة الخاصة والتي تسعي لنشر الوعي بين الناس وتعريفهم بحقوقهم والتي لا تحصل علي منح أو تمويل خارجي أو داخلي, وذلك يرجع لمشكلة حقيقية وهي تصنيف الجمعيات الي جمعيات أولي بالرعاية وهي المتعلقة أنشطتها بالناحية الانسانية الخيرية والتي بالفعل تجمع تبرعات تثري ميزانيتها وجمعيات حقوقية لا تحظي بأي دعم بل يحظر عليها تلقي تبرعات مثل جمعيات حماية المستهلك طبقا للقانون67 لسنة2006 والذي يمنعها من تحصيل موارد من الموردين أو المعلنين حتي لا يكون هناك تضارب في المصالح وبذلك يتم حصار هذه الجمعيات فلا يوجد دعم أو فرصة للتبرعات مما يضعفها ويعرضها للتوقف ويضاف الي ذلك ان درجة الوعي لدي المستهلك المصري بحقوقه ضعيفة لذلك لا يوجد اقبال علي الاشتراك في جمعيات حماية المستهلك, وفكرة التطوع غير موجودة ولذلك تتحمل هذه الجمعيات معاناة حقيقية عند بذلها لنشاط مجدي وفعال في المجتمع. وتري سعاد الديب ضرورة ان يتم دعم الجمعيات من خلال تمويل بنسب واضحة ومعلنة وتقوم علي عدالة في التوزيع ترتكز علي معايير ثابتة حتي تقوي امكانيات الجمعيات المادية والقوي البشرية لكي تتمكن من تحقيق أهدافها في المجتمع باعتبارها شريكا أساسيا في التنمية.