حذر مدير منطقة الشرق الأوسط في صندوق النقد الدولي، مسعود أحمد، من تباطؤ مصر في إبرام الاتفاق حول القرض الذى تسعى الحكومة للحصول عليه بمبلغ 4.8 مليار دولار. وقال أحمد، إن تزايد الضغوط على الاقتصاد المصري، وتزايد الانخفاض في الاحتياطي الأجنبي، وزيادة العجز في الموازنة، مما يجعل معالجة تلك المشكلات أكثر صعوبة بمرور الوقت.
وتأتي تصريحات مسئول صندوق النقد وسط اتجاه حكومي قوي ومتسارع نحو استئناف مفاوضات الحصول على قرض الصندوق، بعد اعلان عدد من المسئولين عند دعوة وفد من المؤسسة الدولة لزيارة مصر للتباحث حول القرض
وتعتمد حكومة الدكتور هشام قنديل في ترويج حصولها على القرض امام الرأي العام المصري على 3 امور أساسية، يتم التسويق لها بشكل متواصل على لسان أعضاء الوزارة والمسئولين.
ورغم افتقاد هذه الامور الثلاث إلى أي منطق اقتصادي صحيح، الإ أن الحكومة تواصل الترويج لها، وتستخدمهم في الدفع تجاه الحصول على القرض في أسرع وقت ممكن.
سد العجز وحل الازمة
مصر تعاني من أزمة اقتصادية ومالية خانقة، تراجع في ايرادات السياحة والصادرات والاستثمارات الأجنبية المباشرة، مع ارتفاع مطرد في المصروفات، ما رفع من حدة عجز الموازنة ليتجاوز ال 200 مليار جنيه للمرة الأولي في تاريخ مصر الحديث. وهنا ظهرت الأسطورة الأولى التي تتحدث عن أن قرض صندوق النقد لمصر سيحل أزمة العجز ويمكن مصر من الوفاء باحتياجاتها وسينقذ الوضع المالي المتدهور. والواقع أن مبلغ القرض وهو 4.8 مليار دولار أي ما يعادل نحو 33 مليار جنيه، لا يمثل سوى أقل من ربع عجز الموازنة المتوقع أن يتجاوز ال 200 مليار جنيه بنهاية العام المالي الحالي. الامر الثاني أن مصر لن تحصل على قيمة القرض دفعة واحدة، فمن المتوقع أن يتم تقسيم القرض إلى 3 دفعات متباعدة، أي انه لن يساهم في حل أزمة أو سد عجز لأنه سيكون على دفعات متباعدة وبقيم بسيطة.
الشيء الآخر.. أن القرض سيمثل أزمة فيما بعد، حيث سيترتب عليه زيادة مخصصات مصروفات القروض من فوائد أقساط نصف سنوية، ما سيزيد بالتبعية من عجز الأعوام القادمة.
مصروفات إدارية بسيطة تحكي الاسطورة الثانية عن أن قرض صندوق النقد لمصر سيكون بلا أعباء تذكر، فالفائدة المعلنة على القرض لا تتجاوز ل 1.5%، بل وطبقًا لتصريحات حكومية وحزبية فإنها لا تعتبر فائدة وإنما مصروفات إدارية فحسب، وهو ما يجعل الحصول على القرض أفضل من الاقتراض الداخلي بفوائد تتجاوز ال 14%.
وكالعادة.. يشير الواقع إلى أن القرض سيكون بالدولار الأمريكي، والسداد كذلك سيكون بنفس العملة، أي أنه كلما حان وقت سداد أقساط وفوائد القرض سيكون على مصر أن تحول الجنيه إلى دولار ثم ترسله إلى صندوق النقد في المواعيد المحددة. ومع ارتفاع سعر الدولار خلال الفترة الماضية، وتوقعات عدد من بيوت الخبرة والمؤسسات المالية الدولية أن يصل سعر الدولار مقابل الجنيه بنهاية العام الحالي لأكثر من 7 جنيهات وربما يتجاوز ال 7.5 جنيه، فإن مصروفات القرض ستزيد قطعًا عن الفائدة المعلنة.
فمصر ستحصل على 4.8 مليار دولار، ولكن مع ارتفاع سعر صرف العملة الأمريكية خلال الشهور القادمة، سيتعين علينا أن نسدد قيمة اكبر من الفائدة المتفق عليها، لأن ال 6.71 جنيه لن تكون قادرة آنذاك على شراء نفس الدولار الذي تشتريه الآن، وهو ما سيجعل تكلفة سداد أقساط وفوائد القرض في موعدها أكثر مما هي معلنة بكثير.
شهادة ثقة في الاقتصاد
تمثل هذه المقولة الاسطورة المفضلة لكثير من وزراء حكومة الدكتور هشام قنديل، حيث جاءت على لسان وزيرا المالية السابق والحالي، ووزير التخطيط، ووزير الاستثمار، وعلى لسان رئيس الوزراء نفسه في أكثر من موقف.
ورغم غرابة التأكيد المتواصل بان عبارة " مصر اقترضت من صندوق النقد الدولي" كفيلة بمنح القاهرة ثقة المجتمع الدولي، وقدوم الاستثمارات والمنح والقروض إلي مصر، الإ أن تصريحات المسئولين تؤكد أن القرض سيكون بمثابة علامة الثقة لدي كثير من المؤسسات الدولية.
والواقع أن تونس والمغرب والأردن والسنغال وعدد آخر من دول العالم وقعت اتفاقيات للحصول على قروض مؤخرًا من صندوق النقد الدولي، ورغم ذلك لم تحصل على ثقة العالم، كما لم تشهد أي زيادة في الاستثمارات الأجنبية، ولم يتحسن تصنيفها الائتماني أو ظروفها المعيشية فجأة.
وبالرغم من تأكيد عدد من الخبراء الاقتصاديين، وعلى رأسهم الدكتور أحمد النجار الخبير الاقتصادي في تصريحات تليفزيونية مؤخرًا، على أن شروط صندوق النقد لمنح مصر القرض ستكون قاسية على المصريين، وأنها ستتضمن اشتراط تعويم العملة وسحب دعم الطاقة والغذاء، وزيادة الضرائب، الإ أن أساطير القرض الثلاث لا تزال تشهد رواج وتضخيم اعلامي مستمر