كل المجد لشهداء الوطن ضحايا الإرهاب ... مفيش ليل إلا وبعده نهار. تقرأ يوميا علي صفحات الصحف وتسمع صريرا علي شاشات التليفزيون عن عنوان واحد مضمونه "كيف تواجه مصر التطرف الفكري و الديني" وكأن الجميع يتحدث من مجلدات بالية الورق ، ليس بها من جديد ليتوافق مع مصر الجديدة التي نطمح أن يشتد عودها بجيل جديد خال من أمراض العصر ، ومع كافة الأحاديث تلك لا يوجد صوت واحد يتحدث عاقلا عن حل منطقي قابل للتطبيق ومؤثر في نفس الوقت علي الشباب الذي هو المستقبل بعينه.
أيها السادة ، لقد وجدت الحل ، لا تتعجب ، فعندما انطفأت الأنوار داخل القاعة ، هناك في مسرح مركز الإبداع الفني ، في حرم دار الأوبرا المصرية ، شاهدت المستقبل بعين كاملة وليس "بنص عين" كما اعتدت كتابة مقالاتي الخاصة بالفن ، هم فريق كامل من الشباب ، أبهرتني طلتهم من الوهلة الأولي ، ليس لديهم من الإمكانيات ما يملكه القطاع الخاص ، لكن لديهم من الحماس والروح والإبداع ما يكفي لصناعة المستقبل ، بل صناعة التاريخ لو رغبوا ، كبير وصغير بينهم ، يعرف المعني الحقيقي للإبداع ، هؤلاء يملكون الحل.
"بعد الليل" ، عمل فني راقي ، خاص بتخرج الدفعة الأولي من قسم التمثيل باستوديو المواهب التابع لصندوق التنمية الثقافية ، فريق من الشباب بقيادة الرائع خالد جلال ، صياغة وإخراج كما هو مكتوب علي دعوة المسرحية ، كتيبة تتحرك في نشاط وحيوية غير مسبوقة ، وجوه مشرقة تبعث الأمل من شدة إيمانهم بقدرتهم علي التمثيل ، يقين كامل مكلل بالنجاح ، ثقة بالنفس ، عقول مستنيرة، بعضهم معلوم الوجه بالنسبة لي، ومنهم من لم أشرف بهم سابقا ، وعلي رأس هذه الكتيبة قائد يعرف ماذا يفعل بحق ليقدم هذا الإبداع.
"وزع فقر" الجملة التي استفزتني في محتوي العرض المسرحي ،هي المحور الرئيسي ليقدم لنا مجموعة من اللوحات التي تتعامل مع مشكلات المجتمع اليومية والتي يتسبب فيها الفقر ويضخمها ، قدمها الشباب بين ضحك وسخرية وألم ، متمكنين من أدواتهم ، فاستطاعوا أن ينتزعوا الضحكات بينما تتلقي الضربة الموجعة من بؤس الدراما، مزيج طازج من القدرات الشابة متمثلة في 33 ممثلا وممثلة لا يجوز ذكر أحدهم دون الآخر ، فهو المعني الحرفي للعمل الجماعي بكل أركانه ، جميعهم تفوقوا علي أنفسهم وتحدوها فكانوا.
"التفاصيل" التمعن في تنظيم الحركة من دخول وخروج علي المسرح، إضافات الإكسسوار علي الملابس التي ميزت العمل وعبرت عنه ، اختيار الموسيقي والديكور والماكياج ، الإضاءة وخدمتها للدراما ، تنسيق الفواصل والكلمات المشتركة ، والأروع علي الإطلاق ، لغة الجسد التي استغلها المخرج أقصي استغلال ، لا يفوتك النظر إلي أصابع اليد وأصابع القدم للممثلين في مشاهد مميزة، لا يفوتك أن تتمعن في عيونهم التي تحدق فيك وكأنها لا تراك، التدقيق في الصورة كاملة لتخرج برؤية واضحة عن مجتمع مكتظ بصور مكررة من مواطن واحد حولته الظروف إلى مريض نفسي فيسألوه "إيه اللي وصلك لكده".
نعود للبداية ، نعم هؤلاء الحل الوحيد لعلاج التطرف والإرهاب في مصر ، مطلوب من تلك الكتيبة جيش ، نعم فلتكلفوا خالد جلال وأمثاله من المبدعين المشاركين معه في هذا العمل ، أن يصنعوا جيشا من الموهوبين ، طاقات من الإبداع تضيء الطريق وسط ظلام الفكر والخبث الذي نعاني منه نتيجة العقول الخربة ، الطريق ليس بصعب أبدا ، والحل مثالي ، اطرحوا لهم الإمكانيات لينطلقوا ، فيتفشي الإبداع في كل مكان ، وتختفي الخفافيش من حولنا ، فأمثال هؤلاء المبدعين يحملون الضوء معهم أينما ذهبوا ، فيطرحون الأمل .
كل التحية وكل الشكر لكتيبة الأستاذ المبدع خالد جلال واستوديو المواهب محمد عز ، نور قدري ، إسلام عبد الله ، ميرنا جميل ، محمود الليثي ، سارة إبراهيم ، توني ماهر ، جيهان الرازي ، باسنت هشام ، أحمد سالم ، إسراء الصابوني ، أحمد هاشم ، وفاء الشرقاوي، محمد مجدي ، سعاد الهواري، مو مجدي، باهر الشافعي ، نهلة كمال ، ماجد الشريف ، دينا هريدي ، عصام زيدان ، نهي طاهر ، ايليا نادر ، رنا هريدي ، جاسر مصطفي ، نوري الحافظ ، محمود خالد ، اسما عبد الله ، أحمد ممتاز، بيشوي عادل ، فرح محمد ، عصام متولي ، أدعوكم لمشاهدة هذا العرض لتعرفوا أن بعد الليل نهار آت لا محالة.