يظل نجاح أى عمل فنى غير مسبوق حتى يظهر عمل جدير بدخول المنافسة، فعرض «قهوة سادة» الذى انطلق 2008 واستمر لعامين أصبح له منافس قوى بانطلاق عرض «بعد الليل» وكلاهما للمخرج خالد جلال الذى يقدم من خلال «بعد الليل» 33 موهبة هى من خريجى أول دفعة من استوديو المواهب التابع للمركز، والذى يلتحق به الطلاب بمصروفات عكس طلاب استوديو مركز الإبداع الذين اعتمدوا على منحة وزارة الثقافة. خلال 7 أشهر، نجح الممثلون الجدد فى تقديم عرض شديد الجاذبية والرقى والعمق فى آن واحد، يجمع بين «بعد الليل» و«قهوة سادة» نفس التكنيك، لكن كل عرض يُنسب إلى التوقيت الذى يخرج فيه إلى الجمهور، هكذا لمس «بعد الليل» المتخم بسلاسل الضحك المتواصل، وصور الشجن غير المنقطع، لمس الكثير من حياتنا المعاصرة عبر 11 لوحة لا يمكن الاختيار بين أفضلها بسهولة، وإن ظلت لوحة التطرف هى الأقرب لى بعدما نجح نجوم العرض فى تلخيص الصراع المقيت الذى يعيشه المصريون، وفى لوحة أخرى رصد «بعد الليل» ظاهرة تجار الدين، وفى الثالثة كيف يضخم الإعلام حوادث يومية تحتاج إلى صوت هادئ وعقل رزين كى نصل إلى حلول، وهى اللوحة التى حظيت بأكبر كمية من الضحكات لبراعة تقليد عمرو أديب، وأحمد المسلمانى، وريهام سعيد، لوحات أخرى عن التحرش والفقر وإدمان السوشيال ميديا وغياب الأمن، نجح أبناء خالد جلال فى صياغتها بعيدًا عن أى مبالغات أو انحيازات سياسية، ليظهر العمل باعتباره توثيقًا ليوميات الشعب المصرى 2014، ويؤكد أن جيلا جديدًا من الفنانين قادر على ملامسة الواقع دون الحاجة إلى الاستعانة بأسلحة البلطجية والألفاظ السوقية، وكأنه بدونهما لن نرى سينما واقعية. الأهم من كل ذلك أن العرض لا ينفصل عن جمهوره، فهو يبدأ وينتهى فى مصحة نفسية مع مرضى تسألهم الطبيبة «إنتو إزاى وصلتوا لكده؟» وهو السؤال الذى يتكرر فى نهاية كل لوحة ليبقى هو المسيطر فى النهاية فى ذهن كل متفرج سيكون مطالبًا بعد مغادرة دار الأوبرا بسؤال من حوله «إحنا إزاى وصلنا لكده» لعل الإجابة تكون الفجر الذى يأتى دائمًا بعد الليل.