لماذا تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بأحد الشعانين؟    فوز أحمد فاضل بمقعد نقيب أطباء الأسنان بكفر الشيخ    «صباح الخير يا مصر» يعرض تقريرا عن مشروعات الإسكان في سيناء.. فيديو    رئيس جامعة جنوب الوادي: لا خسائر بالجامعة جراء سوء الأحوال الجوية    جامعة بنسلفانيا تخطر المتظاهرين المتضامنين مع غزة بفض الاعتصام    رفع 550 طن مخلفات قمامة من شوارع ومحاور الطالبية (صور)    خبير بترول دولي: الغاز ليس أهم مصادر الوقود والنفط ما زال يتربع على العرش    الشرطة الأمريكية تفض اعتصام للطلاب وتعتقل أكثر من 100 بجامعة «نورث إيسترن»    برقم العداد.. كيفية الاستعلام عن فاتورة استهلاك كهرباء أبريل 2024    جامعة طيبة التكنولوجية تشارك في ملتقى حوار الحضارات    حزب الله: المبادرات حول قضية جنوب لبنان غير قابلة للحياة    بايدن: لن أرتاح حتى تعيد حماس الرهائن لعائلاتهم    التحالف الوطني للعمل الأهلي.. جهود كبيرة لن ينساها التاريخ من أجل تدفق المساعدات إلى غزة    محلل سياسي: الاحتجاجات الطلابية بالجامعات في أمريكا أدت إلى تغير سياسات واشنطن    الإمارات تستقبل دفعة جديدة من الأطفال الفلسطينيين الجرحى ومرضى السرطان.. صور    الدوري المصري، زد يتقدم على بلدية المحلة بهدف ميسي في الشوط الأول    بيريرا ينفي رفع قضية ضد محمود عاشور في المحكمة الرياضية    الرئيس التنفيذي للجونة: قدمنا بطولة عالمية تليق بمكانة مصر.. وحريصون على الاستمرار    وزارة الرياضة تستقبل الوفود المشاركة بملتقى الشباب الدولي للذكاء الإصطناعي    الأرصاد تحذر من سيطرة السحب الرعدية على خليج العقبة وجنوب سيناء    "اكسترا نيوز" تعرض نصائح للأسرة حول استخدام ابنائهم للانترنت    أمن أسيوط يفرض كرودا أمنيا بقرية منشأة خشبة بالقوصية لضبط متهم قتل 4 أشخاص    احتفاء كبير بعروض سينما المكفوفين بمهرجان الإسكندرية للفيلم القصير    «تربيعة» سلوى محمد على ب«ماستر كلاس» في مهرجان الإسكندرية تُثير الجدل (تفاصيل)    عبارات تهنئة يمكن استخدامها في موسم شم النسيم 2024    تطوان ال29 لسينما البحر المتوسط يفتتح دورته بحضور إيليا سليمان    أصالة تحيي حفلا غنائيًا في أبو ظبي.. الليلة    1670 حالة .. حصاد قافلة جامعة الزقازيق بقرية نبتيت بمشتول السوق    بالأرقام.. طفرات وإنجازات غير مسبوقة بالقطاع الصحي في عهد الرئيس السيسي    النقض: إعدام شخصين والمؤبد ل4 آخرين بقضية «اللجان النوعية في المنوفية»    انطلاق معرض وتريكس للبنية التحتية ومعالجة المياه بمشاركة 400 شركة غدًا    «تملي معاك» أفضل أغنية عربية في القرن ال21 بعد 24 عامًا من طرحها (تفاصيل)    حكم واجبية الحج للمسلمين القادرين ومسألة الحج للمتوفين    الزمالك يفاوض ثنائي جنوب أفريقيا رغم إيقاف القيد    بالصور| "خليه يعفن".. غلق سوق أسماك بورفؤاد ببورسعيد بنسبة 100%    أهمية وفضل حسن الخلق في الإسلام: تعاليم وأنواع    علي الطيب يكشف تفاصيل دوره في مسلسل «مليحة»| فيديو    قائمة باريس سان جيرمان لمباراة لوهافر بالدوري الفرنسي    الصحة: فرق الحوكمة نفذت 346 مرور على مراكز الرعاية الأولية لمتابعة صرف الألبان وتفعيل الملف العائلي    الدلتا للسكر تناشد المزارعين بعدم حصاد البنجر دون إخطارها    «السياحة»: زيادة رحلات الطيران الوافدة ومد برنامج التحفيز حتى 29 أكتوبر    مستشار الرئيس الفلسطيني: عواقب اجتياح رفح الفلسطينية ستكون كارثية    كرة اليد، موعد مباراة الزمالك والترجي في نهائي بطولة أفريقيا    السيسي يتفقد الأكاديمية العسكرية بالعاصمة الإدارية ويجري حوارًا مع الطلبة (صور)    وزير الري يشارك فى فعاليات "مؤتمر بغداد الدولى الرابع للمياه"    أبو الغيط: الإبادة في غزة ألقت عبئًا ثقيلًا على أوضاع العمال هناك    خبيرة: يوم رائع لمواليد الأبراج النارية    محافظة القاهرة تكثف حملات إزالة الإشغالات والتعديات على حرم الطريق    سياحة أسوان: استقرار الملاحة النيلية وبرامج الزيارات بعد العاصفة الحمراء | خاص    «بيت الزكاة» يستقبل تبرعات أردنية ب 12 شاحنة ضمن حملة إغاثة غزة    متصلة تشكو من زوجها بسبب الكتب الخارجية.. وداعية يرد    استمرار حبس عاطلين وسيدة لحيازتهم 6 كيلو من مخدر البودر في بولاق الدكرور    حصيلة تجارة أثار وعُملة.. إحباط محاولة غسل 35 مليون جنيه    8 معلومات عن مجلدات المفاهيم لطلاب الثانوية العامة 2024    هل يوجد تعارض بين تناول التطعيم وارتفاع حرارة الجسم للأطفال؟ هيئة الدواء تجيب    أفضل دعاء تبدأ وتختم به يومك.. واظب عليه    وزير الخارجية يتوجه إلى الرياض للمشاركة في أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي    إشادة دولية بتجربة مصر في مجال التغطية الصحية الشاملة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



: حكايات من دفتر الحب..كيف ضبطت ليلى مراد أنور وجدى مع لوسيت الفرنسية بالملاية اللف؟والسندريلا تجرى من الزمالك إلى هيلتون حافية القدمين بعد أن غنى لها عبدالحليم 5 أغنيات فى سهرة خاصة
نشر في اليوم السابع يوم 07 - 07 - 2014

-ليلى مراد بحثت عن «قيس» فوقعت فى شبكة «التاجر» أنور وجدى
دخلت ليلى مراد إلى الاستديو لتلعب دور البطولة فى فيلم «روميو وجوليت» أمام المطرب «إبراهيم حمودة»، وذات صباح وهى تجلس فى غرفتها جاء من يقول لها: «أنور وجدى فى الاستديو يريد مقابلتك».
لم تكن التقت به من قبل وحين دخل عليها، تحدث عن هدفه مباشرة دون لف ودوران، قال لها: «وضعت كل ما أملك من مال مع مجموعة من الشركاء لإنتاج فيلم ألعب بطولته أمامك ويخرجه كمال سليم، قالت ليلى: «أنا أجرى كبير جدا»، رد: «أنا حطيت كل فلوسى فى الفيلم ده ومش عايز غير ليلى مراد»، قالت: «أنا أجرى 15 ألف جنيه»، رد: «أنا بأبدأ حياتى، وإنتى لازم تساعدينى».
هكذا بدأت مسيرة «أنور وجدى» و«ليلى مراد» بفيلم «ليلى بنت الفقراء» عام 1945، تخلله قصة حب بينهما صارت واحدة من أشهر قصص الحب التى عرفتها مصر فى القرن العشرين، توجت بالزواج لكنها انتهت بالطلاق.
كانت قصة ليلى مع أنور فارقة فى حياتها الشخصية والفنية، قصة تداخلت فيها الغيرة والنميمة والمكيدة، شهدت أحزانا وأفراحا، دموعا، وضحكات، طفولة فى الحب، ونضوجا فى العقل، وأحزانا لفت حياتها منذ أن كانت طفلة صغيرة، وتركت فى عينيها مسحة حزن رغم عشرات الأغانى التى شدت بها، ورقصنا معها فرحا وشجنا.
كانا معا «حياة عاصفة» حسب ما يقول «صالح مرسى» فى كتابه «ليلى مراد» الذى يعد جزءا من سيرتها الذاتية روتها له، حياة احتوت على حقائق أغرب من الخيال، فهى وافقت على إلحاحه بأن تلعب أمامه بطولة فيلم «ليلى بنت الفقراء»، واقترحت عليه أن يقوم بإخراج الفيلم بدلا من كمال سليم الذى داهمه المرض فجأة قبل التصوير بأيام، كان وقتئذ ممثلا يلعب الأدوار الثانية، وكانت هى نجمة ملء السمع والبصر، أثناء التصوير اصطحبها ذات يوم بعد انتهاء العمل فى سيارته، قال لها: «يا سلام يا ليلى لو اتجوزتك وعشت معاكى على طول؟، صعقت ليلى»، علقت ساخرة: «ياه، مرة واحدة كده؟»، رد: «وفيها إيه يعنى، أهو ساعات ربنا يستجيب دعا الواحد»، ثم ترك عجلة القيادة رافعا يديه إلى السماء، صائحا بأعلى صوته: «يا رب.. تتجوزينى يا ليلى».
انفجرت «ليلى» ضاحكة، وفى لذة شديدة بدأت تشعر بهذا «الغريب» الذى يغزو القلب فيهتز، وكأنه يتحرك من مطرحه، جربت هذا الشعور قبل سنوات قليلة حينما دخلت فى تجربة حب عنيفة، لكن الحبيب الذى ألهبها بكلمات الغزل لمدة ثلاث سنوات اشترط عليها أن تعتزل الفن حسب رغبة أسرته، لكنها رفضت وافترقا، ليكون هذا الفراق عنوانا جديدا فى قصتها مع الألم، التى بدأت منذ طفولتها حين كانت تشاهد أمها تبلل مخدتها بدموع الألم من الأب صاحب الغزوات النسائية المتعددة.
جاءها «أنور» بعد فراق الحبيب الأول، وبعد أن كتبت قصتها مع الصعود الفنى والشخصى، فمع الملك توطدت علاقتها، وأصبحت واحدة من المفضلين فى شلته، لكنها لم تقع فى حبه، بدأت علاقتها به حين فوجئت وهى فى الإسكندرية باستدعائها فى سراى رأس التين للغناء، وفى القصر ومع الحاشية غنت الكثير، وشدت بأغنيتها المفضلة عند الملك: «يا ريتنى أنسى الحب يا ريت»، انتهت الليلة، لكنها لم تنته مع «فاروق» صاحب الأطوار الغريبة، عادت إلى الفندق، وفى شرفة غرفتها راحت تسترجع مع صديقتها «نوال» ما حدث مع «الملك»، كان الظلام معتما، والحديث ينساب بين الاثنين، وفجأة أضيئت الأنوار، انتفضت: «مين؟»، رد: «أنا يا لا يلى»، هكذا كان يناديها «فاروق»، دعاها من جديد لتلحق به لتواصل الغناء، فعلت ذلك حتى توطدت العلاقة بينهما، كما توطدت العلاقة مع أحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكى.
من هذه الخلفية حطت «ليلى» على قلب «أنور» وحط هو على قلبها، فبعد أيام من قوله لها: «تتجوزينى يا ليلى» كانت قصتهما معا حديث الوسط الفنى كله، وتزوجا قبل أن ينتهى تصوير «ليلى بنت الفقراء»، كان الزواج فى أكتوبر 1945 وأحدث ضجة كبيرة، رحبت به الصحف ونسجت حوله الحكايات، كان «أنور» فتى وسيما خفيف الظل، وكان محبوبا، أما ليلى فتحولت مع الأيام إلى نموذج لفتاة الأحلام لشباب مصر.
كانت تمثل دور الفتاة الطيبة المرحة التى تغنى دائما، وفى تلك السنوات التى تلت الحرب العالمية الثانية كانت مصر تغلى، كانت أحداث كوبرى عباس تلهب الوجدان الشعبى، والمظاهرات لا تكف والصراع السياسى يأخذ شكلا جادا، كان الإحساس بالقهر عاتيا فى صدور الناس، وعندما عرض فيلم «ليلى بنت الفقراء» لأول مرة فى سينما «استديو مصر» يوم 5 نوفمبر 1945، نجح نجاحا شديدا، كانت قصة الفيلم تحكى حكاية حب بين فتاة فقيرة تسكن فى حى السيدة زينب وضابط غنى أرستقراطى، وتقف العقبات الاجتماعية والطبقية فى طريق حبهما، تلك العقبات التى ينتصر عليها الحب فى النهاية، ومع قصة الحب الحقيقية فى الحياة بين ليلى وأنور وجدى، ازدحمت دور السينما بالناس.
كانت «ليلى» تبلغ من العمر وقتئذ 27 عاما فهى من مواليد 17 فبراير 1918، وكان عمر أنور 41 عاما فهو من مواليد 11 أكتوبر 1904، وكان بينهما اختلاف فى الديانة، فهى «يهودية» وهو «مسلم» غير أن هذا الاختلاف لم يكن له تمدد يذكر فى حياتهما، كانت «ليلى» هى أقرب بنات والدها إلى قلبه، ولهذا سمح لها بحضور جلسات الغناء التى كان يعقدها فى منزله، ومن ضمن حضورها الموسيقار المصرى اليهودى «داود حسنى»، الذى أولاها رعاية خاصة، وفى عام 1932 كان موعدها مع الجمهور لأول مرة، وهى بعد لاتزال فى الرابعة عشرة من عمرها، كان الحفل على مسرح رمسيس، وحضره بمصاحبة صديقه الفنان محمد عبدالوهاب. بعد مسرح الريحانى، وأقام الحفل جدها لوالدتها «إبراهيم روشو»، وأسهم فيه أمير الشعراء أحمد شوقى.
اكتظت قاعة المسرح بالجمهور فخافت ليلى من مواجهته، ارتعشت لعدة دقائق بعد أن فتحت الستارة، مما اضطر الأديب والسياسى فكرى أباظة صديق والدها أن يدفعها بيديه إلى المسرح وهو واقف وراء الستارة، فوجدت نفسها أمام الجمهور مباشرة، غنت ليلى بلا ميكروفون، وكان ذلك بمثابة شهادة الجودة والنجاح لصوتها، ونستكمل غدا.
حكايات من دفتر الحب.. ليلى مراد و أنور وجدى
«ليلى» تسأل «أنور»: «لماذا لم تشترط اعتناقى الإسلام قبل زواجى؟» وحارة اليهود تغضب من إسلامها
فى الميلاد الفنى ل«ليلى مراد»، سنجد مصر بتوحدها فى صنعه، فى حفلها الأول وهى فى الرابعة عشرة من عمرها كان المسلمون والمسيحيون واليهود، فوالدها «يهودى» وهى «يهودية» وداوود حسنى «يهودى»، وأحمد شوقى ومحمد عبد الوهاب وفكرى أباظة، مسلمون، والجمهور الذى استمع إليها كان قوامه مسلمين ومسيحيين، كان الكل متوحدا من أجل ميلاد فنانة جديدة.
زواج ليلى وأنور كان عام 1945، وبعد عام ودون تأثير من أنور أو تدخل منه، ستعتنق «ليلى» الإسلام، أيقظت «أنور» ذات ليلة تسأله: «لماذا لم تشترط على أن أشهر إسلامى عندما تزوجتنى»، رد: «أردت أن أترك لك حرية الإيمان، فلا إكراه فى الدين» قالت: «اسمع يا أنور صوت آذان الفجر النهاردة جميل، أحلى من أى يوم، أحلى من صوت الكروان، أنا عايزة أشهر إسلامى»، رد: «قولى أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتبقى كده أسلمتى».
كان ذلك قبل بدء شهر رمضان بأسبوع، واتفق أنور معها على أن تتم الإجراءات الخاصة بإشهار إسلامها فى أول يوم من الشهر الكريم، وذهب إلى الشيخ محمود أبوالعيون وهو عالم أزهرى جليل خاض معركة إلغاء بيوت الدعارة فى مصر، دعاه إلى تناول الإفطار فى منزلهما، على أساس أن يتفضل مشكورا بزيارة ليلى كلما سمحت ظروفه ليعلمها طقوس الدين الإسلامى.
نحرت «ليلى» الذبائح ابتهاجا بإسلامها، ووزعتها على الفقراء، وقدمت أغنيتها الجميلة «ياريتنى كنت وياكم أروح للهادى وأزوره.. وأمد الإيد لشباكه وقلبى يتملى بنوره.. وأحج وأطوف سبع مرات.. وألبى وأشوف منى وعرفات»، هكذا بدأت ليلى رحلتها مع الإسلام، لكن كيف كان رد فعل اليهود المصريين على ذلك، وهل ربطوا هذا التحول بزواجها من أنور وجدى؟
الإجابة تأتى من الدكتور محمد أبوالغار فى كتابه «يهود مصر من الازدهار إلى الشتات»، ويقول فيه إن اليهودى المصرى «موريس شماس» الذى هاجر من مصر إلى إسرائيل يتذكر قائلا: «فى مقهى لانسيانو الذى كان يقع فى حارة اليهود، اجتمع عدد من يهود الحارة ليناقشوا مشكلة كبيرة تخص مطربتهم المحبوبة ليلى مراد، فهم علموا أنها تحولت من اليهودية إلى الإسلام بعد زواجها من أنور وجدى، كان صاحب المقهى يهوديا مصريا من أصل إيطالى يدعى «لانسيانو» أكثر الغاضبين، وأعلن أنه سيغلق راديو المقهى أثناء إذاعة أغنيات ليلى مراد، وأنزل صورتها المعلقة على الحائط، إلا أن «سعدية» اليهودية الفقيرة ثارت على هذا التصرف، وصاحت: «لماذا هذا الغضب؟ هل هى قريبتكم؟ هل هى أختكم؟ ما علاقتكم بها؟»، وأضافت «سعدية»: «الأمر بسيط لقد أحبت وأرادت الزواج مثل امرأة أخرى».
لم يسفر النقاش عن شىء، واستمر الغضب حتى تبدل الحال فى اليوم التالى بعد أن انتشار خبر فى «الحارة» بأن ليلى زارت سرا معبد ابن ميمون اليهودى فى الحارة، وذلك فى منتصف الليل تماما، وطلبت من القائمين على المعبد عزف الموسيقى على روح أبيها الفنان «زكى مراد»، ثم غادرت فى هدوء، انتشر الخبر فى الحارة فعم الارتياح، وأعاد صاحب المقهى تعليق صورة «ليلى» على الحائط وفتح الراديو للاستماع لأغانيها.
فى عام 2010 سألت رئيسة الطائفة اليهودية الراحلة «كارمن وينشتين»، عما إذا كانت تتذكر شيئا عن هذا الموضوع، قالت كل اليهود فى الحارة الذى عاصروا هذه المرحلة توفوا، وأنا كنت صغيرة فى الخمسينيات ولا تعرف شيئا عن الطائفة، وأضافت: «ليلى مراد كانت بتغنى ومشهورة، ولم يكن يهمنا فى ذلك أنها يهودية أم لا، أنا شخصيا عرفت قصتها بعدها بفترة طويلة، كنا ننظر إليها بوصفها فنانة مصرية رائعة».
يمضى قطار الزواج ب«ليلى» وأنور، وبعد فيلم «ليلى بنت الفقراء»، يقدم «أنور» على إنتاج فيلم آخر بعنوان «ليلى بنت الأغنياء»، بطله «صحفى» فقير، وبطلته «ليلى» الغنية، ونجح الفيلم، لكن إعصار الخلاف كان قد بدأ يدخل من باب حياتهما، كان الخلاف يدور حول المال، حيث يديره «أنور» بلغة التاجر الشاطر، بعد أن عاش الفقر وجرب معاناة الحرمان منذ أن كان طفلا وحتى أصبح ممثلا «كومبارس» يقف على مسرح بديعة مصابنى وعمره 15 عاما.
ترك ذلك أثرا كبيرا على حياته، ففى حوار له مع الصحفى جليل البندارى، تمنى أن يهبه الله ب«مليون جنيه» مقابل أن تأتيه أمراض الدنيا كلها، والمفارقة أنه حين أصيب بمرض نادر فى الكلى توفى على أثره كان لديه ثروة المليون جنيه أو أكثر.
حبه للمال أوقعه فى خلافات كثيرة معها، حتى ظهر «أحمد سالم» فى حياتهما.
كان «أحمد سالم» مديرا ل«استوديو مصر»، لكنه قضى فترة سجن فى اتهامه فى قضية عرفت باسم «الخوذات المزيفة»، وبعد خروجه قرر استثمار خبرته التى اكتسبها من خلال عمله، بوضعها فى إنتاج فيلم «الماضى المجهول»، كان «سالم» وكما يقول «صالح مرسى»: «ابن ذوات، جنتلمان، طموح، مغامر، شاب، أنيق، وسيم»، ولما عرض على «ليلى» بطولة الفيلم قبلت، لكن أنور وجدى كان يضع العراقيل أمامها، حتى تم توقيع العقد فى منزلها، وبعد التوقيع، هاج «أنور» وطير المائدة الصغيرة فى الهواء لترتطم بالحائط، وتطايرت قطع الأثاث، وغادر «أنور» البيت.
صمم هو على ألا تمضى فى طريقها مع «أحمد سالم»، وصممت هى على تنفيذ عقدها التى تقاضت مقدما معه قدره ستة آلاف جنيه، وصمم «سالم» على تنفيذ مشروعه، وبين أخذ ورد ووساطات، انتهت هذه الجولة لصالح «ليلى» حيث صورت الفيلم، رضخ «أنور» للأمر الواقع، وسمح لها أن توقع عقودا لأفلام مع محمد فوزى وحسين صدقى وغيرهما، لكن لم ينف هذا أنه كان يتحول إلى مجنون ثائر الأعصاب حتى تنتهى من تصوير أى فيلم لا ينتجه هو.
بقى الوضع على هذا النحو حتى كان الطلاق الأول بينهما.
حكايات من دفتر الحب
أنور وجدى ل«ليلى مراد»: «البيت مفيهش كمون.. أنت طالق يا هانم»
وقع الطلاق الأول بين ليلى مراد وأنور وجدى، ويروى وقائعه «صالح مرسى» على النحو التالى:
استيقظت ليلى ذات يوم من النوم، واستعدت لمغادرة البيت لتصوير بعض المشاهد لفيلم من أفلامها، وجدت البيت وكأنه مقبل على معركة، كان صوت «أنور» يتصاعد من المطبخ صارخا لاعنا، وكان صوت الأطباق والحلل يتطاير بين الحين والآخر، ووجدت «ليلى» صديقهما «محمد البكار» فى البيت فسألته عن سر الثورة، فأخبرها أنه يطبخ طبخة دمشقية من التى يحبها، وعادت تسأل عن السبب، فجاءها صوت أنور وجدى من خلفها صائحا:
- البيت مفيهوش كمون يا ست هانم.
التفتت ليلى إليه هادئة، وكانت تعلم علم اليقين أن الكمون ليس سبب ثورته، فقالت:
«طيب وفيها إيه يعنى يا أنور نبعت نشترى كمون».
صرخ أنور: «وإيه يعنى، طب إنتى طالق يا ليلى».
خرجت ليلى بهدوء شديد إلى فندق «سميرا ميس» لتقيم فيه وهى حاملة لقب «مطلقة» للمرة الأولى فى حياتها، كان يوما قاسيا تعيسا حزينا، ف«قيس» الذى كانت تبحث عنه لم يكن له وجود، كان وهما، كان أكذوبة، ومما زادها حزنا أنه فى اليوم نفسه أرسل «أنور» إليها ورقة الطلاق، لكن المياه عادت إلى مجاريها بينهما بعد تدخل من شقيقيها «إبراهيم ومنير مراد» وكان أنور يرتبط بعلاقة صداقة بهما بدأت منذ ارتباطه ب«ليلى»، وعاما بعد عام تواصلت الحياة حتى وقع الزلزال الكبير.
سافر «أنور» إلى إيطاليا ثم إلى باريس بعد أن اشتد المرض عليه، ومن باريس أرسل إليه خطابا ملتهبا بالحب وأخبرها أنه مريض على شفا الموت، فسافرت إليه، ومنها اكتشفت خيوط الدراما الكبرى فى حياتها، دراما الخيانة.
فى باريس كانت تصرفاته نحوها منذ أن هبطت فى مطار «أورلى» مثل طفل يمسك بلعبته ولا يفرط فيها، ومثل الحبيب الذى أضناه الشوق فتعذب، حتى وجد من يطفئ ناره، عندما شاهدها فى المطار جرى نحوها، حملها من فوق الأرض وأخذ يلف بها، شعرت بحبه الحقيقى نحوها، والى الفندق الذى حجز لها فيه جناحا خاصا ذهبا سويا، أغرقها فى الكلام المعسول، وعبارات الحب التى كانت تطلع من فمه وهو هائم فى مشاعره نحوها.
هل كان هذا تمثيلا كما يفعل فى أفلامه؟
هل تستطيع المرأة فى عز إغراقها بالحب أن تكتشف أنه يعكس حقيقة أخرى؟
إلى أى مدى يستطيع الرجل أن يخفى خلطته السحرية التى تحتوى على الحب والخيانة فى آن واحد؟
ما هو الحد الذى تستطيع المرأة عنده أن تغفر لمن تحبه؟
هل يحل إفراط الرجل أحيانا فى كرم مفاجئ نحو زوجته، معانى تتناقض مع ظاهر هذا الكرم؟
زاحمت تلك الأسئلة عقل «ليلى» وهى فى باريس، وهى تحت تأثير كل شىء جميل فى ظاهره يفعله أنور وجدى نحوها، كان لهب مشاعره يتطاير نحوها فتمسكه راضية بمشاعر الحبيبة، وظلت على هذا الأمر يومين.. ثلاثة.. أربعة.. المهم أنها استدعت عقلها ليسير جنبا إلى جنب مع قلبها، فتحت طاقة للتفكير، بعد أن منحته إجازة إجبارية لصالح مزيد من رومانسية الحب، الحب الذى قد يعطى أحيانا فسحة من التعطل للعقل بحساباته الجامدة.
هل تستطيع المرأة أن تشم رائحة امرأة أخرى فى حياة زوجها، حتى لو تباعدت المسافات بين المرأتين؟ طرحت «ليلى» ما وراء هذا السؤال على نفسها، فوضعت ل«أنور» مجسا، قالت له أثناء هيامه بها حبا: على فكرة يا أنور: «أنا اتفقت مع الأستاذ محمد عبدالوهاب على فيلم جديد هيلعب بطولته».
تبدل حال «أنور»، أصبحت الجنة جحيما، هل كان السبب أن «عبدالوهاب» كان فى مخيلتها حبيبا فى يوم ما، أثناء تصوير فيلم «يحيا الحب» ترقبت لحظة واحدة يكونان فيها وحدهما ولما جاءت قالت له: «أنا بحبك، بحبك قوى قوى، أنا مش قادرة أخبى خلاص».
وضع عبدالوهاب ساقا فوق الأخرى، وظل يضرب ركبته بيده اليمنى، ثم ضحك، بصوت عال فى بهو فندق «الوندسور» بالإسكندرية، فقالت: «معناها إيه الضحكة دى.. أنا بحبك»، فاختفت ضحكة «عبدالوهاب» قائلاً: «أنا أفهم إن دى قلة أدب، ازاى تتجرئى وتقولى لى كده»، صعدت إلى غرفتها وقلبها ينزف، وانخرطت فى البكاء»، ثم غنت أغنيتها الشجية العذبة: «ياما أرق النسيم».
كانت «ليلى» صغيرة، وعبدالوهاب شابا وسيما تتهافت عليه قلوب البنات، وظل بالنسبة لها «حبها الأول».
هل شعر «أنور» بالغيرة حين أبلغته «ليلى» بخبر قيام «عبدالوهاب» ببطولة فيلم جديد؟ أم أنه يغار من تمثيلها بعيدا عن هيمنته؟
أغلب الظن أن الحالتين تحكمتا فى «أنور» فهاج وماج، لكن حواس «ليلى» انشغلت بشىء آخر، سرحت بنفسها إلى تلك الخطابات الغامضة التى كانت تصله من «روما» أحيانا، ومن «باريس» أحيانا أخرى، قررت أن تفك سر هذا اللغز الغامض، أدركت أن ما فعله معها من لهيب الحب فى باريس ليس أكثر من غطاء لبرميل يدفن فيه سره الغامض، فماذا كان هذا السر؟
عادت «ليلى» إلى مصر، وبدأت رحلة البحث، استمعت إلى شائعات وهمسات عن غرق «أنور» فى غرام «لوسيت» الأوروبية شديدة الجمال، وتعرف عليها فى مدينة «فينسيا» الإيطالية، تحولت الهمسات والشائعات إلى نار واقدة حين دعيت إلى حفل عشاء مع أنور عند أحد كبار الصحفيين، كاد عقلها يطير جنونا حين شاهدت الضحكات، ورأت غمزات ولمزات، رأت أن ما يحدث يتقافز فى وجهها، وبالطبع فإن أقسى ما يمر به الإنسان هو تلك اللحظة التى يشعر فيها أن شيئا يدور عنه من وراء ظهره، ورغم إحساسه به فإنه لا يستطيع الإمساك به، ولهذا قررت «ليلى» أن تصل إلى الحقيقة بنفسها، فماذا فعلت؟
قال لها: «أنتِ فاكرة نفسك مين.. شكسبير؟»
حكايات من دفتر الحب.. «ليلى» تضبط «أنور» مع «لوسيت» بالملاية اللف
بعد أن تأكدت «ليلى مراد» من أن غرام «أنور وجدى» ينصرف إلى غيرها، إلى الفرنسية «لوسيت»، وبعد أن تأكدت من أنها اصطحبته إلى القاهرة وهو عائد إليها من باريس، بعد أن تأكدت من كل ذلك صممت أن تصل إلى الحقيقة بنفسها، أن تقتحم الاثنين معا، فوضعت خطتها لضبطهما معا، وكانت خطة سينمائية فعلا، خطة تؤكد أن «ليلى» التى صعدت بسرعة الصاروخ فنيا، وأصبحت نجمة تتربع على عرش السينما، تواجه الآن أصعب محطاتها، مواجهة استدعت فيها موهبتها التمثيلية، لتلعب من خلالها الدور الذى سيحدد شكل مستقبل حياتها مع الرجل الذى أعطته قلبها ظنا منها أنه هو «قيس» الذى بحثت عنه.
سألت نفسها، كيف أنفذ خطتى لضبط «أنور» و«لوسيت»؟.
أطلقت خيالها حتى اهتدت إلى فكرتها، اشترت «منديل بأوية وملاية لف» لتنفيذها، وحددت ساعة الصفر.
كانت الساعة العاشرة مساء فى أحد أيام شهر يناير، ورغم برودة الجو، وانهمار المطر، إلا أن السيارة كانت تخترق شوارع القاهرة من مسكنها ب«عمارة الإيموبيليا» وسط القاهرة، إلى حيث توجد «لوسيت» و«أنور».
كان معها فى السيارة صديقتها «مارسيل» زوجة عازف الكمان المشهور «يعقوب تاتيوس»، وقفت السيارة عند باب العمارة، ونزلت امرأة منها ترتدى «الملاية» و«المنديل»، مثلت «ليلى» أهم أدوراها فى الحياة، دون أن يظهر فى فيلم سينمائى، طلبت من صديقتها «مارسيل» البقاء فى السيارة ومعها السائق «خضر»، دخلت العمارة، كانت تريد أن تعرف فى أى شقة ودور يوجد العاشقان، فتوجهت إلى «البواب» المختبئ فى حجرته من برد الشتاء، دقت عليها فخرج، سألته عن أى دور يسكن «سى أنور الممثل»، رد: «عاوزة منه إيه يا ست»، قالت «أنا الغسالة الجديدة، ودايخة على العمارة من ساعتين»، سألها البواب: «هو فيه حد ييجى يغسل فى وقت زى ده؟»، فردت: «أنا جايه أتفق معاه على ميعاد» نظر إليها البواب طويلا ثم أشاح عنها قائلاً: «الأستاذ أنور ساكن فى الدور السادس».
صعدت ليلى، سمعت من على الباب صوتهما وهما يتحدثان بالفرنسية، وقبل أن تضغط على الجرس، قررت فجأة تغيير خطتها، فعادت إلى سيارتها وطلبت من صديقتها «مارسيل» الانصراف، ودخلت إلى الجراج الذى كان خاليا من السياس، وفيه سيارة أنور «الكاديلاك» وكانت مفتوحة، فدخلت إليها وجلست فى المقعد الأمامى مقررة انتظار نزول «أنور» الذى كان لا يبيت خارج بيته مع ليلى.
فى الساعة الثالثة صباحا نزل «أنور» وهو يتضاحك مع «لوسيت»، وما إن اقتربا من السيارة حتى زلزلته المفاجأة.
هبطت ليلى من السيارة، تحدثت مع ل«لوسيت» بالفرنسية: «أنا آسفة يا مدام أو مودموزيل، لكن أنا زوجته».
يصف «صالح مرسى» هذا المشهد ب«المروع»، حيث وقف «أنور» مذهولا لا يعرف ماذا يقول، وراحت الفتاة الفرنسية تتلفت يمينا وشمالا، تنظر إلى «أنور» تارة، و«ليلى» تارة أخرى، وابتسمت ليلى قائلة: «حانفضل واقفين كده ما تتفضلوا بالركوب»، وركب الجميع، وانطلقت السيارة وفيها الثلاثة، «ليلى» و«أنور» و«لوسيت».
المرأة التى تتصرف على هذا النحو، هى فولاذية الأعصاب، وتمتلك حدا فاصلا بين العقل والقلب، تؤجل عواطفها، تقهر ضعفها وتستدعى قوتها، تبحث عن هذا السر الذى يجعلها تقف عند الخط الفاصل بين العيش بكرامة، أو البقاء بدونها، «ليلى» وعت كل هذا، قررت أن تحول هزيمتها فى حبها إلى قوة لم يتوقعها الحبيب الذى غدر بها، وكى تفعل ذلك وضعت مخططا متكاملا تعرف بدايته ونهايته.
قبل أن تنطلق السيارة ب«الثلاثة» تخترق شوارع القاهرة، نادت على سائق سيارتها طالبة منه بأن يلحق بهم، وكما يقول صالح مرسى فى كتابه «ليلى مراد»: فى داخل السيارة كانت ليلى تتحدث بلا توقف، تحدثت مع «لوسيت» عن باريس، وعن فينسيا، وعن كان، والكازينو العالمى الشهير، ثم التفتت إلى «لوسيت» قائلة لها: «أرجو أن يكون بلدنا عجبك»، ولما وصل الجميع إلى عمارة «الإيموبليا»، صافحت «ليلى» «لوسيت» بحرارة، ثم أمرت السائق أن يعود بها إلى الشقة التى أتت منها.
صعد «أنور وليلى» إلى شقتهما، ترقب أنور ماذا ستقول له؟، لكنه فوجئ بها لا تفتح فمها، بل كانت المفاجأة الكبرى أنها دخلت إلى غرفة النوم، قائلة: «تصبح على الخير».
كانت الساعة الرابعة صباحا، هى تجمع مع وصيفتها محتوياتها الخاصة، وهو يجلس فى فوق مقعد بحجرة المكتب، يفكر ثم يفكر، هى انتهت من جمع كل ما يخصها، وهو لا يعرف متى ستنطلق، نامت ساعتين أو ثلاثة بعد أن أنهت مهمتها بجمع كل متعلقاتها، كانت اتخذت قرارها النهائى بالانفصال، لكنها كانت تتفنن فى كيفية إخراجه، بالطريقة التى تحفظ لها كرامتها، وترد لها اعتبارها، وتعوضها كل لحظة رومانسية عاشتها معه، ولم يحسن هو استقبالها.
استيقظت فى السابعة صباحا، ارتدت ملابسها وجهزت حقائبها، ويقول صالح مرسى: عندما فتحت باب غرفتها كان «أنور» لا يزال جالسا كما هو فوق مقعده منذ عودتهما سويا دون نوم، وقالت: «أنا ماشية يا أنور».
التفت إليها زاهلا وعادت تقول له: «على فكرة أنا مش زعلانة منك، بالعكس، أنا فرحانة جدا».
- رد: «عاوزة تقولى إيه؟، فيه واحدة تفرح لما تضبط جوزها مع واحدة تانية؟».
- ردت: «أصل الناس كانوا دايما يقولوا لى أنى اتجوزت واحد مالوش قلب، ما يعرفشى يحب غير الفلوس، لكن أنا كنت باقول إن لك قلب، وطلعت أنا صح».
- رد: إنت فاكرة نفسك مين؟ شكسبير؟ .
- ردت: ولا شكسبير ولا حاجة ، أنا بقول لك اللى أنا حاسة بيه، أشوف وشك بخير.
خرجت ليلى وهى تودع قصتها الغرامية مع أنور رغم أنها لم تنسها أبدا.
ليلى مراد بعد شائعة تبرعها لإسرائيل: «الله يجازيك يا أنور»
مرت الأيام، و«ليلى» و«أنور»، أصبحا كلا فى طريق، كان طلاقهما حديث الجميع، كانت قصة خيانة «أنور» لها مع «لوسيت» الفرنسية هى مشهدها الختامى فى حياتهما الزوجية، مضت «ليلى» بعدها إلى حال سبيلها تحمل جراحها، ف«قيس» الذى بحثت عنه لم يكن هو الذى نسجت خيالها حوله.
ومضى «أنور» إلى حال سبيله مع رحلة جمع المال الذى عشقه، وتمنى أن يكون معه منه الكثير حتى لو كان الثمن مرضه، غير أنه وبعد فترة هبت عاصفة على حياة ليلى لم تتوقعها ولم تعمل حسابا لها أبدا، كانت عاصفة مختلفة ليس فيها غرام، وإنما فيها «انتقام»، وجاءتها من باب «الديانة» و«السياسة» وأطل فيها من جديد اسم «أنور وجدى».
فى يوم 12 سبتمبر 1952، أى بعد قيام ثورة 23 يوليو بأقل من شهرين، نشرت جريدة الأهرام خبرا فى مكان بارز بالصفحة الرابعة قالت فيه على لسان مراسلها فى دمشق، إن الحكومة السورية قررت منع أغانى ليلى مراد وأفلامها فى سوريا لأنها تبرعت لإسرائيل بمبلغ 50 ألف جنيه.
كان الخبر مثيرا ومفزعا ليس على «ليلى» فقط، وإنما على الحالة السياسية كلها خاصة أن «ليلى» فنانة كبيرة، وكان محيط الفن وقتئذ فيه من اليهود أسماء مثل «كاميليا» التى عرفت ب«فاتنة السينما المصرية» وعرفت أيضا بأنها إحدى عشيقات الملك فاروق وتوفيت فى حادث طائرة عام 1950، و«نجوى سالم» ممثلة المسرح وتلميذة نجيب الريحانى والتى تزوجت من الناقد الفنى عبدالفتاح البارودى، و«راقية إبراهيم» التى مثلت مع محمد عبدالوهاب دور البطولة فى فيلم «رصاصة فى القلب»، وهاجرت إلى نيويورك حيث عملت مع الوفد الإسرائيلى مترجمة فى الأمم المتحدة، و«نجمة إبراهيم» ممثلة المسرح وصاحبة دور «ريا» فى الفيلم الشهير «ريا وسكينة»، وكان هناك المخرج «توجو مزراحى» الذى كان من أوائل المخرجين المصريين، وأنتج وأخرج فيلم «سلامة» ل«أم كلثوم» لكنه فشل تجاريا فأصيب بانهيار عصبى.
كل هذه الأسماء كانت يهودية، لكنهم عاشوا فى مصر دون مضايقات، غير أن تأسيس دولة إسرائيل وحرب 1948 خلق معادلة مختلفة عما قبلها بالنسبة لهؤلاء، ومن قلب هذا «الاختلاف» جاءت قصة تبرع «ليلى» ل«إسرائيل».
وحتى تكون حبكة مسألة التبرع كاملة، جاء الخبر على نحو أن «ليلى» تبرعت عبر بنك فى فرنسا أثناء زيارتها لها، كما أنه لعب على وتيرة «الديانة»، وأعاد إلى الأذهان مسألة أن ليلى مراد كانت فى الأصل يهودية، مما قد يحمل تشكيكا فى إسلامها، والأهم أنه يأتى فى توقيت يختلف سياسيا عما قبل، حيث قام ضباط من الجيش بالانقلاب على الملك فاروق، كما أن العداء مع إسرائيل كان يتواصل منذ حرب 1948، بما يعنى أن توقيت إثارة القصة كان ماهرا وقاتلا، وينصب الشباك حول الفنانة الكبيرة بالطعن ليس فى ديانتها وفقط، وإنما فى وطنيتها.
والقصة على هذا النحو أثارت الفضول فيما يتعلق بمن هو صاحب المصلحة فى نسجها؟، من هو الشخص الذى يملك الجرأة بأن يرميها بهذا الاتهام القاسى وينقله إلى الصحافة؟، والمثير أنها بدأت من الصحافة السورية، حيث نشرت صحيفة «الكفاح» السورية خبر «التبرع المزعوم»، ونقلته الصحافة اللبنانية كما نقلته صحيفة الأهرام.
أطل اسم أنور وجدى من جديد، وتحدث البعض عن أنه هو صاحب هذه الوشاية، هو الذى قال إن ليلى تبرعت لإسرائيل ب«50 ألف جنيه»، وأقدم على هذا الفعل من أجل تدمير تسويق فيلمها «سيدة القطار» الذى كان سيتم عرضه فى سوريا، وامتد هذا إلى الأردن، ولم يقتصر المنع على فيلم «سيدة القطار» بل شمل كل أفلامها، وسارعت الحكومة السورية بوضع اسمها فى القائمة السوداء للمقاطعة، وتبعتها كل الدول العربية، وتلك كانت صدمة ل«أنور وجدى»، فحسب ما ذكرته الكاتبة الصحفية «سناء البيسى» فى مقالها «ليلى» بمجلة «نصف الدنيا» فى العدد التذكارى «ليلى مراد» إعداد «حنان مفيد»: «الطعنة ارتدت إلى أنور وجدى»، لأنه عندما صدر القرار بإيقاف أفلامها كانت هى أفلامه أيضا التى قام بانتاجها فخسر الكثير فى السوق العربية، وعندما سمعت «ليلى» الوشاية لم تنطق سوى ب«الله يجازيك يا أنور».
المثير أن هذه الشائعة جاءت بالرغم من أن دعوات سابقة من إسرائيل وجهت لها بالهجرة إليها، والعودة إلى رشدها، لكنها كانت تحتقر كل هذه العروض مؤكدة أنها مصرية مسلمة، ورفضت الهجرة مع عدد من أفراد أسرتها فى 24 أكتوبر 1949، بل قامت بالتمثيل فى فيلم «شادية الوادى» الذى يستعرض القضية الفلسطينية، حشدت «ليلى» كل طاقتها لإثبات خطأ هذا الكلام، فنشرت فى اليوم التالى تكذيبا فى صحيفة الأهرام وبدأت فى رحلة جمع الوثائق التى تؤكد زيف تلك القصة كلها، فحصلت على مستند عن حساباتها فى البنوك وضمان أنها ليس لها حساب فى أى بنك آخر، سوى البنك العربى والعثمانى، ووثيقة من الأمن العام الفرنسى تثبت أنها لم تغادر فرنسا منذ أن وصلتها قادمة من مصر وليس صحيحا أنها اختفت فى زيارة سرية قامت على أثرها بزيارة مواقع فى تل أبيب.
بالإضافة إلى ذلك كان موقف اتحاد النقابات الفنية برئاسة الفنان سراج منير محترما وقويا، حيث أرسل خطابا إلى إدارة الشؤون العامة بالجيش، وهى تعادل الآن سلاح الشؤون المعنوية، ينفى فيه هذا الكلام عن «ليلى»، وأرسلت غرفة صناعة السينما خطابا إليها تستفسر فيه عن الموضوع وحقيقته، فكان ردها نصا: «بعد تحريات جهات الاختصاص فى هذا الموضوع، تبين لنا أن السيدة ليلى مراد لم تسافر إلى إسرائيل ولم تتبرع لها، ولا صحة لما نشر عن تبرعها لحكومة إسرائيل بأى مبلغ من المبالغ»، كما سافر سراج منير إلى سوريا وقابل الرئيس السورى «أديب الشيشكلى» وأكد له أن «ليلى» بريئة من كل هذه الاتهامات.
فى جملة هذه المستندات كان هناك الخطاب الذى حصلت عليه ليلى من أنور وجدى، وينص على: «أقر أنا الموقع أدناه أنور وجدى، بالاعتراف بأن طلاقى من السيدة ليلى مراد لم يكن بسبب خلاف دينى، لأن السيدة ليلى مسلمة وموحدة بالله سبحانه وتعالى منذ حوالى سبعة أعوام، وكذلك لم يكن سبب الطلاق خلافا سياسيا أو ميولا وطنية من أى نوع، وإنما هى عربية مسلمة صميمة يحبها العرب جميعا وهى تبادلهم الحب، وإنما الأسباب التى أوصلتنا إلى هذا الطلاق الذى نأسف له بشدة كانت أسباب عاطفية خاصة يحدث مثلها كل يوم بين جميع الناس، وهذا إقرار منى بذلك كتبته بخط يدى وتحت مسؤوليتى».
كان الخطاب بمثابة رد على كلام قيل بأن طلاق ليلى من أنور تم بسبب خلافات دينية، وإشارات إلى التشكيك فى إسلامها، ولهذا كان ما جاء فيه حسما لهذا النوع من الجدل العقيم، ووثيقة تتوجه بها إلى أى جهة.. ونستكمل غدا.
ليلى مراد تستغيث بالرئيس محمد نجيب.. وأنور وجدى يتزوج من ليلى فوزى
بعد أن ثبتت براءة ليلى مراد من اتهامها بالتبرع لإسرائيل ب 50 ألف جنيه، وبعد أن حملت خطابًا من أنور وجدى يؤكد فيه أن طلاقهما لم يكن لأسباب دينية أو طنية، فإن العاصفة فيما يبدو استمر تأثيرها لعدة شهور، فبينما تصورت ليلى أن هذا الملف تم إغلاقه بكل ما حمله من آلام وعذاب، لكنها فوجئت بمن يفتحه ويصر على البحث فيه من جديد، مما اضطرها إلى التوجه لرئيس الجمهورية مباشرة لشرح الأمر له، وتوضيحه فى خطاب كتبته بخط يدها.. كان طلاقها من أنور وجدى مستمرًا، فى الوقت الذى حاول فيه وسطاء إعادة الحياة بينهما، لكنها فشلت جميعًا.
خطاب ليلى مراد إلى الرئيس محمد نجيب كان بتاريخ 12 مارس عام 1953، ونشره الكاتب والناقد سمير غريب كوثيقة فى سلسلة «قبس من روح مصر»، فى عدد الأهرام «24 إبريل 2009» وعنى فيها بنشر وثائق لأول مرة، وتكشف «ليلى» فى الخطاب المحاولات التى فعلتها معها إسرائيل من أجل أن تنتقل إليها، وكيف رفضت هى بكل وطنية وشموخ حجم الإغراءات التى تم عرضها عليها.. تقول ليلى فى خطابها ل«نجيب»:
«أدعو الله أن يديم عليكم الصحة والنصر وتكون عونًا دائمًا للمظلومين من الشعب المصرى كله، فنحن أول من بارك الثورة ورجالها، وكانت لنا فرحة عظيمة ونصرًا للحق ودحرًا للباطل، وإنى أبدأ رسالتى التى هى عبارة عن تظلم لما حدث من الاتهامات الباطلة التى لا تمس الحقيقة بأى شىء قريب أو بعيد.. سيدى أرجو أن يتسع لى صدرك، وتتحملنى حتى تتطلع على رسالتى كاملة لأنى قد ساءت نفسى، وأشعر بظلم لما وجه لى باطلًا، سيدى لقد حكيت للسيد عبداللطيف البغدادى «عضو مجلس قيادة ثورة 23 يوليو» كل ما حدث، وها أنا أكتب لسيادتكم حتى أبين لكم كل ما حدث».
تواصل ليلى: «أثناء زيارتى إلى اليونان دعانى السفير السويدى إلى زيارة أحد الاستديوهات، والتعرف على أحدث ما يوجد عندهم، فإذا بى أقابل أحد الأشخاص، وكان يعمل مديرًا لهذا الاستديو، وعندما عرفت أنه من أصل يهودى، التزمت الصمت، ولم أتحدث معه فى أى شىء حتى أتم الزيارة وأنصرف، فإذا به يوجه كلامه لى مباشرة، ويقول لى: لماذا كل هذا الحرص نحن أبناء ديانة واحدة ووطن واحد، فكان ردى سريعًا جدًا وقلت له: إن دينى هو الإسلام، وإن وطنى هو مصر أعظم بلاد الدنيا، ولو كنت أعلم أنه سيحدث ما حدث لكنت رفضت هذه الزيارة، فقال لى: إن كنت حريصة على الرجوع إلى مصر من أجل الشهرة والأموال والأملاك الخاصة بك، فإننا سوف نعوضك عنها أضعافًا مضاعفة، وأما من ناحية الفن فنحن على علاقة بأكبر المخرجين والمنتجين فى العالم وهوليوود، قلت له إنى على استعداد أن أعيش فى بلدى مصر أبدًا دون طعام أو شراب حتى الموت، ولا أترك تراب بلدى مصر أبدًا، وتركت المكان على الفور، وكان موعد رجوعى فى الصباح الباكر».
تضيف «ليلى» فى خطابها أنها فور عودتها إلى مصر من اليونان، اتصلت بالموسيقار محمد عبدالوهاب وأطلعته على ما حدث، فقال لها إن هذا الموضوع خطير، واتصل بمجلس قيادة الثورة، وتحدد موعد فى اليوم التالى، وذهبت «ليلى» بصحبة محمد عبدالوهاب والفنان محمد فوزى، وقابلوا جميعًا عضوى مجلس قيادة الثورة عبداللطيف البغدادى، وصلاح سالم. وتتحدث عن هذه المقابلة فى خطابها ل«محمد نجيب» قائلة: «عندما بدأت كلامى قلت أقسم بالله أن أقول الحق، فضحك الجميع، وقالوا ياست ليه إنت مكبرة الموضوع أكثر من اللازم، وإحنا عارفين كويس مين هى ليلى مراد، ومش موضوع تافه زى كده ممكن يخلينا نشك فيكى، وشكرا على صارحتك، وتناولن الشاى وغادرنا المكان وأنا فى غاية السعادة، وشعرت بأن كابوسًا وذهب».
لم ينته الأمر عند هذا الحد، وهو ما توضحه «ليلى» فى خطابها قائلة: «بعد مرور شهر تم استدعائى فى ساعة متأخرة من الليل، وكنت أعانى من بعض الصداع، فقلت للضابط سوف أذهب غدًا إن شاء الله، فقال لى: سيدتى لابد من الذهاب فورًا، فقلت له طيب ممكن أكلم بعض الأصدقاء، فقال لى دول خمس دقائق فقط، فشعرت بالخوف وذهبت إلى مجلس قيادة الثورة، وجلست فى غرفة لوحدى دون أن يكلمنى أحد حتى مرت ساعة، ثم دخل بعض الضباط وقالوا: إزيك يا ست ليلى إحنا أعضاء مجلس قيادة الثورة، وكنا عايزين نعرف إيه الحكاية من أول وجديد لأن الموضوع زاد عما ذكرتيه».
تواصل «ليلى» سرد القصة فى خطابها إلى محمد نجيب، مشيرة إلى أنها قالت للضابط إنها حكت من قبل كل ما حدث معها، فرد الضابط عليها قائلا إنه تم القبض على عدة أشخاص أعداء للوطن وهم يشكلون جماعة تتعاون مع اليهود، وإن أحد أفراد هذه الجماعة اسمها «بولاند ليفس» قالت إنها التقت بك، وأنك أعطيت لها بعض الأموال، وتكرر هذا الموضوع أكثر من خمس مرات».
تضيف «ليلى»: «أشهد الله أنى بريئة من هذا الكلام وقلت كل ما أعرفه ولكن السيد محمد التابعى «الصحفى المعروف»، والسيد عبدالمحسن أبوالنور «عضو تنظيم الضباط الأحرار»، كانت لهما نظرات محيرة وسمحا لى بالانصراف، وقد تم استدعائى إلى مجلس قيادة الثورة فى الجزيرة عدة مرات فى أوقات مختلفة، وقد ساءت حالتى النفسية جدًا، وأنا لا أغادر منزلى، فكتبت لك يا سيدى رسالتى هذه، فإن كنت مذنبة فى أى شىء، فأنا على استعداد للمحاكمة أو الإعدام محبة فى تراب مصر».
انتهى هذا الخطاب من ليلى مراد إلى الرئيس محمد نجيب، وهو يكشف حقيقة مهمة، تتمثل فى أن محاولات إسرائيل معها كانت مبكرة، وقدمت من أجل إقناعها بالهجرة إليها كل الإغراءات، من مال، وفتح مجال للنجومية العالمية فى هوليوود أمامها عوضًا عما ستخسره فى مصر فى حالة خضوعها لهم، لكنها كانت مصرية وطنية مسلمة خالصة، فلم تستجب.
ولأنها وطنية مخلصة لمصريتها، حمل جمال عبدالناصر معه قضية مقاطعة سوريا لإنتاجها الفنى، وتدخل لإلغائها بعد الوحدة بين مصر وسوريا عام 1958.
كان هذا الفصل من حياتها بكل مرارته هو آخر توابع قصتها مع أنور وجدى الذى بحث عما يعوضه عنها، فكان طريقه إلى الفنانة ليلى فوزى التى كانت متزوجة من الفنان عزيز عثمان، رغم أن فارق السن بينهما 30 عامًا، وأقنعها بالطلاق منه، وقدم لها كل مساعدة، ومنها تحمله نفقات الطلاق الذى وقع، ليعلن خطبته لها فى اليوم التالى، وحسب قول ليلى فوزى سافر «أنور» إلى باريس للعلاج، ولحقته هى وهناك توجه إلى السفارة المصرية وعقد قرانه عليها، وحضر فريد الأطرش وسليمان نجيب، لكنه مات فيها يوم 14 مايو 1955، وعاد جثة فى صندوق خشبى ومعه «ليلى فوزى»، أما ليلى مراد فقررت اعتزال السينما وهى لاتزال فى عمر ال37 عامًا.
حكايات من دفتر الحب.. «السندريلا والعندليب»
عبدالحليم حافظ بحث عن سعاد حسنى فى كل امرأة عرفها فلم يجدها
كنت أتردد على المطرب الراحل الكبير محمد رشدى فى منزله «فيلا أدهم» ب«الدقى» فى مطلع التسعينيات من القرن الماضى لتسجيل قصة حياته «مازالت شرائطها بحوزتى»، استمر ذلك شهورا، وتحولت المسألة إلى علاقة صداقة وطيدة ربطتنى به حتى رحيله فى مايو 2005، سمحت علاقتى به أن يحكى لى كل شىء، حكايات للنشر، وأخرى لغير النشر، وكان عبدالحليم حافظ هو الحاضر الغائب فى سرده لتاريخ طويل جمعهما سويا: «عبدالحليم ربنا أعطاه المجد، وحرمه من نعمة الصحة، عاش لنفسه ولغيره، لكنه كان نفسه يبقى زوج، وأب، عنده عيال»، هكذا قال محمد رشدى عن «عبدالحليم»، ملخصا بهجة ومأساة المطرب الذى مازال يتربع على عرش الغناء العربى رغم رحيله، ويسكن القلوب رغم غيابه.
رشدى يتذكر قائلاً: «دعانى بليغ حمدى ذات مرة إلى سهرة فى بيت الفنانة سعاد حسنى، قال تعالى هتبقى سهرة ظريفة، لم أكن أعرفها عن قرب، جهزت نفسى، ذهبت، استقبلتنى سعاد، كانت سهرة جميلة، هى غنت، أنا غنيت، بليغ غنى، كلنا غنينا، كان فيه ناس تانية، لكن تقدر تقول كنت أنا محور الاهتمام، تناقشنا فى كل شىء طول السهرة فى الفن والغناء والسياسة وكل شىء، كل شىء».
رشدى يسأل: هل كانت السهرة بريئة؟، لماذا دعوتى؟، أنا لا أعرف، علاقتى ب«سعاد حسنى» علاقة عامة، هو لم تشغله هذه الأسئلة، وإنما وجد نفسه مضطرا لطرحها بعد أن حدثت مكالمة تليفونية فى اليوم التالى للسهرة بينه وبين صديقه الروائى والصحفى محمد جلال، كان جلال ناصحا أمينا لرشدى، وكان رشدى يثق فيه:
«آلو.. أيوه يا محمد.. إزيك يا حبيبى.. امبارح كنا فى سهرة جملية.. فين يا محمد؟.. عند سعاد حسنى.. أنت ومين؟.. أنا وبليغ حمدى.. ليه كده.. إيه اللى انت عملته ده؟.. إيه فيه حاجة غلط؟، أيوه فيه أكبر غلط.. انت كده رايح لأصعب منطقة عند عبدالحليم.. انت رايح لقلبه.. خلى بالك ده ممكن يكون مقلب من بليغ يقصد به عبدالحليم».
كان محمد رشدى رحمه الله يذكر لى بالتفصيل قصة الصراع الغنائى بينه وبين عبدالحليم فى ستينيات القرن الماضى، حيث تفرد وقتها بلونه الشعبى الذى صعد به إلى القمة بموال «أدهم الشرقاوى»، ثم قنبلة «تحت السجر يا وهيبة ياما كلنا برتقان.. كحلة عينك يا وهيبة جارحه قلوب الجدعان».
كان هذا اللون من الغناء يلبى الحالة السياسية التى كانت عليها مصر وقتئذ، حيث يسير مشروع النهضة الذى يقوده جمال عبدالناصر، وكانت أهم نتائجه فى ولادة طبقة وسطى ساهم فيها التعليم المجانى، والتصنيع والإصلاح الزراعى، وكان صوت عبدالحليم يعبر عن ذلك، ودخل رشدى إلى المنافسة بقوة عبر لونه الغنائى الشعبى، وانفتحت المعارك بينه وبين عبدالحليم، وفى الحالة كانت هناك أسماء بين الاثنين تقف فى قلب هذه المعارك، منها صحفيون وسياسيون، وبليغ حمدى وعبدالرحمن الأبنودى حيث رأى عبدالحليم أنهما سر نجاح رشدى فرسم خطة اختطافهما إليه، وإذا كان كل هذا طبيعيا، فإن الغريب أن تكون سهرة لمحمد رشدى فى بيت سعاد حسنى سببا فى تعنيف «محمد جلال» لأنها ربما تكون ضمن الأسلحة التى يستخدمها عبدالحليم حافظ ضده، أو ربما تكون نوعا من المكيدة ل«عبدالحليم» تصنعها «سعاد» نفسها أو «بليغ»، لسبب ما يجهله «رشدى».
«قلب عبدالحليم»، هكذا كانت سعاد حسنى بالنسبة لعبدالحليم، حالة يلخصها الدكتور هشام عيسى طبيبه الخاص فى كتابه «حليم وأنا» بقوله: «كانت سعاد هى الحب الحقيقى فى حياته، كانت له عشرات التجارب فى الحب، وتميزت هذه القصص بتناقض عجيب، لم يكن حليم كاذبا وهو يعيش كل قصة منها، بل يستغرق فيها بكل ذاته ويعبر عنها فى أغنية يتفق غناؤها مع التجربة، وفى قرارة نفسه كان يعلم أن شيئا لن يتم فى النهاية، فلن يكون هناك زواج أو دوام للعلاقة، تنقل حليم كثيرا، وأكاد أقول إنه كان يبحث فى كل مرة عن سعاد حسنى أخرى، وأجزم أيضا بأن كلا منهن كانت تحمل فى داخلها شيئا من سعاد حسنى».
هذا الجزم من «هشام عيسى» يستكمله بجزم آخر عن أن الذين كتبوا عن تجربة السيدة المتزوجة التى عشقها عبدالحليم، وادعوا أن الزواج منها لم يتم بسبب موتها، هى قصة بها من الخيال ما يفوق الواقع بكثير، ويقول «عيسى»: «طافت هذه التجربة بحياته، فالسيدة حقيقية ونعلم جميعا اسمها، ونعلم أنها كانت على درجة كبيرة من الجمال، وكانت متزوجة لهذا كان زواجه منها مستحيلا طوال الوقت»، وعندما ماتت بمرض فى المخ وهى بعد شابة حزن عليها، وعاش الدراما لدرجة التصديق، وقال إنه غنى لها «بتلومونى ليه»، «واقتصر الأمر على ذلك رغم كل ما أحاط بالقصة وما بالغ فيه خيال المؤلفين».
هكذا كانت «سعاد» هى قصة الحب الحقيقية فى حياة عبدالحليم، قصة ولدت من تشابه معاناة الاثنان، وأن اختلفت بعض التفاصيل، عبدالحليم هو ابن قرية «الحلوات» بمحافظة الشرقية مولود يوم 21 يونيو 1929، كان يتميا فى طفولته، تربى فى ملجأ للأيتام، وكان فى نفس الملجأ الشاعر أحمد فؤاد نجم ويتذكر فى سيرته الذاتية: «كان بيقشعر جسمى وأنا باسمعه وكان دايما بيغنى» حياتى أنت «بتاعة محمد عبدالوهاب»، ظلت المعاناة تطارد عبدالحليم حتى أصبح أكبر مطرب فى الوطن العربى، وفى نفس الوقت أشهر مريض يحمل مرض البلهارسيا، وهو مرض فقراء المصريين.
أما معاناة سعاد حسنى المولودة يوم 26 يناير عام 1942، فنعرفها من كلام مكتشفها الأديب والفنان «عبدالرحمن الخميسى» ويأتى فى كتاب «القديس الصعلوك» للكاتب الصحفى يوسف الشريف، فهى ابنة لأب قاسٍ «لم يكن يراعى ذمة ولا ضميرا»، سقى لشقيقتها الفنانة «نجاة» كأس العذاب، فكان يقتر عليها وعلى أمها فى الطعام «كان يسقى (نجاة) الخل عنوة حتى يمنع نموها وتظل دوما نحيفة، وبذلك تظل أمام جمهورها المعجب بصوتها الغض الرقيق المطربة الصغيرة، والطفلة المعجزة التى تقلد أم كلثوم فى غنائها ووقفتها وحركاتها وسكناتها، إذ كان يعتقد أنها لو بدت كبيرة السن وممتلئة فربما فقد الذهب الذى تبيضه الدجاجة بعد كل حفلة تغنيها».
حكايات من دفتر الحب.. السندريلا والعندليب
عبدالحليم حافظ يفشل فى إقناع صديقه «إحسان عبدالقدوس» ب«سعاد حسنى»
طلق الأب زوجته «أم سعاد حسنى»، وتزوجت من آخر، عاشت مع أمها وزوج الأب، كان لهذا الزوج «المثقف» «عبدالمنعم حافظ» علاقة ب«عبدالرحمن الخميسى» منذ سنوات ثم تباعدا، والتقيا مرة ثانية ودعا الزوج الخميسى لزيارته فى بيته ب«شبرا».
يتذكر «الخميسى» هذه اللحظات قائلا: «كانت سعاد حسنى حين دخلت البيت واقفة لصق حوض مياه فى الممر، تغسل بعض ملابسها، وتدعكها دعكا بيديها، وخصلات شعرها تغطى جبينها، وأجزاء من وجهها، ولم أكن أدرى لحظتها أن جدائل شعرها المنسكبة، تختزن وراءها تلك اللؤلؤة النادرة المثال، والتى أصبحت تخلب بالفن قلوب الملايين».
رق قلب «الخميسى» ل«سعاد»، حدث نفسه أنه لابد أن تكون هذه المسكينة شربت من نفس كأس العذاب الذى شربت منه شقيقتها «نجاة»، وما إن فرغت من غسل ملابسها حتى جلس الخميسى إليها يحادثها، فلاحظ أنها تجهل العربية الفصحى وكتابتها، وعرف أنها انقطعت عن الدراسة امتثالا لقسوة والدها.
رآها «الخميسى» بعين المكتشف، فبدأت رحلته معها والتى كتبها بخط يده ونشرتها صحيفة «العربى» فى عام 2001، ويشرح فيها كيف أنه أسند أمر تعليمها القراءة والكتابة للفنان «إبراهيم سعفان» دارس اللغة العربية، وإشراكها فى فرقة مسرحية كان قد شرع فى تكوينها.
استمرت «سعاد» فى متابعة الدرس، فقطعت مرحلة طويلة فى زمن قصير، واقترح «الخميسى» عليها بعد المرحلة الأولى من التعليم، أن تبدأ بقراءة القصص ذلك لأنها من خلال مطالعتها ستختصر مسافات طويلة، وسيتاح لها تطبيق النحو والصرف على موضوع أدبى شيق، وستغنم المتعة الذهنية والفائدة، يعلق «الخميسى»: «هكذا حسبت أن تعليم الكبار اللغة من خلال القصص، يكون أقدر على اجتذابهم، وأيسر لهم وأكثر مناسبة لعقولهم».
لم تنتظر سعاد حتى يشترى لها أحد كتابا قصصيا، بل أنها بنفسها اتجهت إلى إحدى المكتبات واشترت عددا من الكتب، كان عقلها يريد أن يلتهم كل شىء، وكانت أسئلتها تنهمر كالمطر على الخميسى كلما رآها: «لماذا هذا؟ ما السر وراء تلك الظاهرة؟، ماذا تعنى هذه الكلمة، ما عدد اللغات فى العالم؟، كم شعب على سطح الكرة الأرضية، كيف اخترعوا الكهرباء؟».
كان نهمها على المعرفة يتزايد، وكان وجهها الصبوح يتألق جمالا، ويصفها الخميسى: «كنت ألحظ وجهها يتورد وعيناها يزيد صفاؤهما، وحركتها تصبح أكثر خفة، ولاح لى أنها أخذت تتغير، لم تعد ذلك الطائر الذى بلله المطر، فتكوم مستجمعا جسمه تحت جناحيه على كرسى فى البيت، لقد رفعت رأسها، وجعلت تمشى باحثة فى الليل عن وجه الصباح بشغف كبير، كانت أكبر من أن يتناولها أو يلم بها الوصف، تلك السعادة الغامرة التى ملأت قلبى، وأنا أشاهد سعاد حسنى تنمو أمامى يوما بعد يوم، وتتفتح قدرتها، ويشرق حبها لأن تعرف، ويزداد نهمها لأن تتعلم وتتعلم».
بينما كان «الخميسى» يولى اهتمامه الكبير ب«سعاد»، كان هو يكتب مسلسل «حسن ونعيمة» للإذاعة، كان يسلم الحلقة للإذاعة فى نفس يوم إذاعتها، ونجح المسلسل، وجاءت فكرة تحوله إلى فيلم سينمائى، وصمم «الخميسى» على أن تكون لؤلؤته «سعاد» هى بطلة فيلمه مع «محرم فؤاد» وكان وجها طازجا لم يمثل من قبل، كما أن موهبته الغنائية كانت لا تزال حديثة.
نجح الفيلم، ومنه دخلت «سعاد» عالم السينما، وبعدها عالم الحب، كان عبدالحليم فى هذا التوقيت يقود الغناء تجديدا، ويقود شعبا بصوته كما يقول الشاعر نزار قبانى، ويتفاخر بأصوله الاجتماعية الفقيرة، يقول إنه يحمل فى جسده مرض البلهارسيا الذى يحمله الفقراء، كان الفخر بالأصول الفقيرة يتباهى به رئيس الجمهورية جمال عبدالناصر، فلا يترك مناسبة إلا ويتحدث فيها عن أصوله الاجتماعية، مؤكدا على أنه ابن موظف بريد فقير من بنى مر، وأن باب الفقراء أصبح مفتوحا ليكون من بينهم رئيس جمهورية.
هكذا كان أيضا «عبدالحليم حافظ»، وكانت «سعاد حسنى»، من نفس الطبقة الاجتماعية، صحيح أنهما من بيئة اجتماعية مختلفة، ف«عبدالحليم» هو ابن قرية «الحلوات محافظة الشرقية» بما كانت تحمله من طقوس وأوضاع اجتماعية يحكمها ثلاثية «الجهل والفقر والمرض»، كانت الترعة مثلا بمثابة «المصيف» له ولأقرانه، أما سعاد فهى بنت «مدينة» ومن الطبيعى أن واقع المدينة يفرض عليها وعيا مختلفا، غير أن الملاحظ أنه لم تكن هناك مسافة بين هذين العالمين فى حالة «عبدالحليم» و«سعاد»، بل كان هناك ما يجمعهما فى الأصول الاجتماعية، «فالاثنان ذاقا الحرمان وقسوته».
فتح عالم السينما قلبه ل«سعاد حسنى» بعد نجاحها فى «حسن ونعيمة» وكان رصيد «عبدالحليم» السينمائى وقتئذ 13 فيلما سينمائيا آخرها «شارع الحب» مع صباح وحسين رياض وعبد السلام النابلسى وزينات صدقى وحسن فؤاد، وفى فيلمه «البنات والصيف» عام 1960، صارع من أجل أن تقوم «سعاد حسنى» بدور حبيبته، لكن هذا الاقتراح لم يلق قبولا من القائمين على الفيلم، ومنهم المؤلف إحسان عبدالقدوس الذى كان يحظى بمنزلة كبيرة عند «عبدالحليم».
كان «إحسان» واحد من كتيبة ساهمت فى تكوين « عبدالحليم» سياسيا وثقافيا وشخصيا، يقول رفيق عمره ورحلته «مجدى العمروسى» فى كتابه «أعز الناس»: كنا نذهب إلى دار روز اليوسف، ونسهر مع إحسان عبدالقدوس وفتحى غانم وجمال كامل، وباقى العاملين فى الدار حتى يغادروا مكاتبهم، ونحن نتنقل من مكتب إلى آخر، ونتواجد داخل الأحداث الصحفية والأخبار الجديدة، وكيف تتعامل الصحافة مع السياسية، والسياسة مع الصحافة، وكنا نعيش المجلة وهمومها، وتعلم عبدالحليم أن يكون واعيا بالأحداث حوله، وأن يكون دقيقا متيقظا فى معاملاته، ولا شك أن عبدالحليم تعلم خطواته الاجتماعية الأولى من إحسان عبدالقدوس، وتفتحت عيناه على الدنيا الخارجية عن طريقه، وكانت أولى سفرياته لخارج مصر مع إحسان وكمال الطويل إلى السويد، والذى حدث فى روز اليوسف حدث فى مدرسة أخبار اليوم، وبدأت صداقة عبدالحليم مع مصطفى أمين، وكامل الشناوى ومحمد حسنين هيكل وأنيس منصور وصانع النجوم جليل البندارى وفوميل لبيب، وموسى صبرى، ومصطفى حسين، وأحمد رجب الذى ارتبط برباط شديد مع عبدالحليم، كانت هذه المجموعة تسهر كل أربعاء فى بيت مصطفى أمين، وأطلق عليها كامل الشناوى «صالون الأربعاء»، وكان يحضرها كمال الطويل، وفى بعض الأحيان، أم كلثوم، وزوجها الدكتور حسن الحفناوى ومحمد عبدالوهاب وزوجته نهلة القدسى، وكانت أحاديثها عن الفن والسياسة والثقافة والأدب، ويجلس فيها عبدالحليم مستمعا ومنصتا.
فى مقابل هذه الكتيبة التى ساهمت فى تكوين وعى «عبدالحليم حافظ» كانت الكتيبة التى تصنع وعى «سعاد حسنى» شخص واحد هو عبدالرحمن الخميسى بكل مواهبه، كان، مؤلفا، ممثلا، مخرجا، موسيقيا، كاتبا، شاعرا، سياسيا، ناصريا، يساريا، قديسا، صعلوكا، أى كتيبة مواهب، من بينها أيضا وهو الأهم أنه كان محبا للحياة، يعيشها بالطول والعرض، ذات مرة، سأل الكاتب الصحفى يوسف الشريف، الشاعر كامل الشناوى: «هل تمنيت يوما أن تكون غيرك؟»، أجاب فيما يشبه الحسرة أو الحسد: «تمنيت أن أكون على شاكلة الخميسى، ألوى ذراع الحياة كلما عاندتنى، الخميسى فى الحقيقة هو التجسيد الحى لواقع أحلامى التى لم تتحقق أبدا».
حكايات من دفتر الحب.. السندريلا والعندليب
- سعاد تجرى من الزمالك إلى هيلتون حافية القدمين بعد أن غنى لها عبدالحليم 5 أغنيات فى سهرة خاصة
لم يوافق «إحسان عبدالقدوس» على اقتراح عبدالحليم بأن تكون سعاد حبيبته لا أخته فى فيلم «البنات والصيف»، وذهب دور الحبيبة إلى الفنانة «زيزى البدراوى»، واحتفظت سعاد بدور «الأخت».
هكذا كان دور سعاد حسنى «فى البنات والصيف» دورا ثانويا، بالرغم من أنها بدأت بطلة فى فيلم «حسن ونعيمة»، غير أن هذا «الثانوى» كان هو مفتتح قصة الحب مع «عبدالحليم»، يقول طبيبه الخاص «هشام عيسى»: «أحس حليم بقلبه يخفق لأخت القمر البنت الجميلة الشقية التى لا تخلو ملامحها من أنوثة طاغية».
هل كانت تلك الأنوثة الطاغية ل«سعاد» هى التى خطفت قلب «عبدالحليم»، وهل رأى فيها ما لم يره فى غيرها؟.
هو نجم يدغدغ مشاعر السيدات، وكم من امرأة بطول الوطن العربى وعرضه وقعت فى هواه، والى سعاد حسنى دخل بقلبه الذى كان يبحث عن أرض آمنة، لم يجدها فى قصة السيدة التى ماتت بمرض فى المخ، ووفقا لطبيبه الخاص الدكتور هشام عيسى فإن ما أشيع حول حب عبدالحليم لسيدة متزوجة وتوفيت بمرض فى المخ، هى قصة فيها خيال أكثر من الواقع، ولأنها كانت متزوجة فلا يمكن أن يكون عبدالحليم سيتزوجها، وحزن عبدالحليم لوفاتها وهى شابة، وعاش دراما هذه القصة لدرجة التصديق، غير أن «مجدى العمروسى» يؤكد أن هذه القصة حقيقية فى حياة عبدالحليم، ويقسم «مراحلها إلى ثلاث، الأولى، ويقول عنها، إنها لم تكن نارا مشتعلة بين الحبيبين، ولكنها كانت نارا مباركة فنيا، فأخرجت لنا أجمل الأغنيات وأروعها فنيا، وبدأت ثمار القصة فى مراحلها الأولى وعبر عنها بأغنيات: «بتلومونى ليه» و«بحلم بيك أنا بحلم بيك» و«نعم يا حبيبى نعم» و«أول مرة تحب يا قلبى»، كانت تلك الأغانى إبداع أول الحب.
أما المرحلة الثانية فعبر عنها عندما ظهرت المشاكل والعراقيل الكثيرة، عندما بدأ يتألم ويسهر ويفكر فى الحلول، وغنى فى هذه المرحلة: «كان فيه زمان قلبين» فى إشارة إلى قرب نهاية الحب، و«فوق الشوق مشانى زمانى»، وقصد بها المشقة التى جلبها له هذا الحب، و«ظلموه».
أما المرحلة الثالثة، فيؤكد العمروسى أنها أعجب من قصة عبدالحليم نفسها فبعد أن ذللت العقبات وأصبحت قصة الحب قريبة من النجاح والهناء، فاجأ المرض الخبيث الحبيبة الغالية، وتعذبت كثيرا، وتعذب عبدالحليم أكثر وأكثر، واختطفها الموت، وبكى عبدالحليم، فكانت أغنياته: «راح، راح خد قلبى وراح»، و«بعد إيه، بعد إيه»، و«يا حبيبى عشت أجمل عمر فى عينيك الجميلة عشت أجمل عمر» وأخيرا «فى يوم فى شهر فى سنة، تهدى الجراح وتنام، وعمر جرحى أنا أطول من الأيام».
أحب «عبدالحليم» أغنية «فى يوم فى شهر فى سنة» وكرهها فى نفس الوقت: «كان عندما يغنيها يتعب تعبا شديدا، ويضيق نفسه ويكاد يختنق، وينتهى من غنائها وكأنه خرج من بئر عميقة»، هكذا يؤكد «العمروسى».
بين ما يحكيه «العمروسى»، وما يحيكه «عيسى»، اختلاف فى طبيعة وتضاريس هذا الحب الذى غزا قلب عبدالحليم، ف«العمروسى» يؤكدها دراما حقيقة فى حياة عبدالحليم، أما عيسى فيراها «دراما أحب عبدالحليم أن يعيشها»، وبالطبع هناك فرق بين الاثنين، وعلى كل الأحوال فإن قلب عبدالحليم اهتز لسعاد، تسبقه دراما الحبيبة ضحية «مرض المخ»، وفى نفس الوقت كان المجتمع المصرى يسير فى طريقه الذى تفتح فيه حب عبدالحليم وسعاد.
كان التغيرات الاجتماعية تمضى على قدم وساق بفضل ثورة 23 يوليو، وإذا كان عبدالحليم صعد معها بارتباطه الفنى بمعاركها منذ بدايتها، فإن «سعاد» صعدت مع الثورة بعد سنوات من بدايتها، صعدت كالصاروخ بعد فيلمها الأول «حسن ونعيمة»، وبموهبتها المتفجرة بدت وكأنها نموذج للبنت المصرية التى تجسد نجاحات المرحلة، كانت «شقاوة الشباب» سر هذه النجاحات ومظهرها الدال فى نفس الوقت، كان مثلا عمر جمال عبدالناصر 41 عاما وقت أن مثلت سعاد حسنى أول أفلامها ( 1959)، وكان معظم الوزراء والمسؤولين فى مثل سنه وأصغر، حتى المبدعين من أول صلاح عبدالصبور فى الشعر وصلاح جاهين وفؤاد حداد، إلى يوسف إدريس فى الأدب، إلى أحمد بهاء الدين فى الصحافة وغيرهم، لعلعت عشرات الأسماء من كل المجالات فى السماء مع الثورة، وهم فى العشرينيات من العمر.
هكذا يمكن فهم شقاوة «سعاد حسنى»، ليست «شقاوة» مرادفة ل«الفهلوة»، وإنما شقاوة الروح التى تعطى بناء وإيجابية وصعود، سألت ذات مرة الموسيقار الكبير كمال الطويل عن هذه الحالة، فقال: «ابحث عنها فى مشروع عبدالناصر، هو مشروع شباب على طول، تصدق أنت فكرتنى أن الواحد منا كان بيدخل الإذاعة، ولابس القميص بنص كم مثلا وهو يدوب عنده كم وعشرين سنة، لكن عنده طاقة إبداع تمد لمائة سنة، كان الجماعة الكبار فى السن بيحاولوا يلحقونا، وكإن احنا اللى سبقينهم».
كان هذا هو المناخ العام الذى نبتت فيه قصة حب السندريلا والعندليب، يقول يوسف الشريف فى كتابه «مما جرى فى بر مصر»، إنه فى شتاء عام 1961، كان ضمن المدعوين مع بعض الزملاء المقربين فى مجلة روزاليوسف إلى شقتها ب«الزمالك» وكان من بين المدعوين عبدالحليم حافظ وشقيقتها المطربة نجاة، وإحسان عبدالقدوس، وعبدالرحمن الخميسى، والشاعر صلاح عبدالصبور والموسيقار بليغ حمدى، ثم اكتمل العقد الفريد للسهرة بوصول الشاعر كامل الشناوى مصطحبا معه «سليم اللوزى» رئيس تحرير مجلة الحوادث اللبنانية وسعيد فريحة رئيس تحرير صحيفة الأنوار اللبنانية، ومضى الوقت بهيجا بين الطعام والشراب والشعر والدعابة وأمنيات السعادة لسعاد حسنى، حتى طلبت من عبدالحليم وليس من نجاة أن يغنى، ودون أن يدرى تعلقت عيناه وجدا ب«سعاد»، بل إنه كان يشيح بوجهه عنها عامدا، لكن سرعان ما ترتد عيناه إليها، وعندئذ كان من الصعب استبعاد بيت الشعر القائل: «الصب تفضحه العيون»، وإنما كانت حيرتنا لأن سعاد ظلت كعادتها لا تؤثر ببشاشتها أحدا، فلم نعرف إن كان الإرسال العاطفى من جانب عبدالحليم قد صادف استقبالها آنذاك لشرارات الحب من جانبه.
غنى عبدالحليم فى هذه الليلة خمس أغنيات من دون أن تصاحبه فرقة موسيقية أو عود، وانصرف كامل الشناوى وسليم اللوزى وسعيد فريحة فى الثالثة صباحا، واستبقت سعاد مجموعة أصدقاء «روزاليوسف»، طالبتهم بمصاحبتهم إلى كافتيريا النيل هيلتون لاستكمال باقى السهرة.
وهم إلى جانبها يوسف الشريف، عدلى فهيم ومحمود ذهنى وجمال حمدى وزوجته نرمين القويسنى، وبينما هم يقفون فى الشارع انتظارا لتاكسى، فاجأتهم سعاد: «ولا تاكسى ولا دياولو ورايا جرى على الهيلتون» وخلعت حذاءها وأمسكته فى يدها، وجرى الجميع حتى وصلوا إلى الفندق، وفى الفندق تناولوا طعام الإفطار، وهى تقول لهم: «فيكم من يكتم السر؟»، وتسابق الجميع فى التأكيد: «سرك فى بير»، وعادت لتقول: «أنا فرحانة قوى اللهم اجعله خير»، لكنها لم تبح بالسر.
حكاية دفتر الحب.. سعاد وحليم يعيشان أسعد أيامهما فى «الرباط» ويتفقان على الزواج
ذهبت سعاد حسنى إلى فندق هيلتون جريا على قدميها من شقتها ب«الزمالك» ومعها شلة «روز اليوسف»، عدلى فهيم ومحمود ذهنى ويوسف الشريف وجمال حمدى وزوجته نرمين القويسنى، وكانت فى قمة سعادتها، وقالت: فيكم من يكتم السر، فردت «الشلة» سرك فى بير، وأضافت: «أنا فرحانة قوى اللهم اجعله خير»، لكنها لم تبح بالسر أمامهم، لكنها أباحت به لأحدهم.
حسب رواية «يوسف الشريف» الذى كان من ضمن الشلة التى جرت مع سعاد: بعد الانتهاء من «هيلتون» قررت أن تخلع حذاءها لتعود إلى بيتها بالزمالك بنفس الطريقة التى جاءت بها، لكن عدلى فهيم منعها قائلاً: «الشمس طلعت والناس رايحة لشغلها، حا يقولوا إيه لما يشوفوا سعاد حسنى حافية وبتجرى وإحنا بنجرى وراها، يمكن يفتكرونا حرامية وعايزين نختطف شنطتك».
وفى حزم شدها «عدلى فهيم» من يدها إلى تاكسى وركب معها إلى الزمالك، وبعد عشرين عاما كتب عدلى فهيم هذه القصة بتفاصيلها فى «روزا ليوسف»، وأنها بكت فى التاكسى وباحت له فى شقتها بحبها لعبدالحليم، وأن شرارة التواصل العاطفى، بينهما اندلعت خلال غنائه فى السهرة.
ولد الحب هكذا قويا عنيفا، وشهد تجليات أخرى، فى بلاد أخرى هى المغرب، وكان فى حدث كبير بالمغرب شارك فيه الفن المصرى بقوة، كانت مدينة أجادير المغربية قد شهدت زلزالا عنيفا يوم 29 فبراير 1960، أوقع آلاف القتلى، وقررت إذاعة صوت العرب تنظيم رحلة إلى المغرب لإقامة الحفلات الغنائية يخصص دخلها لصالح ضحايا الزلزال المدمر.
كان الفن المصرى جاهزا فى مثل هذه الأحوال، يندفع نحو عروبته، لأن قيادته السياسية مندفعة إليها، لم يتصنع الفن والفنانون فى مصر الوقوف بجانب بلد فى المغرب، كان الحديث وقتها عن أمن مصر بأنه يبدأ وينتهى من المحيط إلى الخليج، وكانت إذاعة صوت العرب بقيادة الإعلامى «أحمد سعيد» بمثابة القاطرة الإعلامية لمعارك التحرر العربى التى يقودها جمال عبدالناصر.
فى هذا السياق سافر وفد الفنانين إلى المغرب برئاسة كمال إسماعيل نائب مدير إذاعة صوت العرب، وكان معه وجدى الحكيم، أما الوفد الفنى فكان كتيبة من النجوم وهم: يوسف وهبى، وعمر الحريرى، وآمال فهمى ومحمد عبدالمطلب ومحمد قنديل، وهدى سلطان، وشريفة فاضل، والمونولوجست محمود شكوكو، وعبدالحليم حافظ، وسعاد حسنى، وكان هشام عيسى الطبيب المرافق لعبدالحليم متواجدا، ويتذكر أن الفنانين جابوا معظم أرجاء المغرب، وقدموا حفلات غنائية على المسرح الوطنى فى الرباط، ثم على مسارح البلدية فى الدار البيضاء وطنجة وتطوان وفاس.
فى قلب هذه المشاركة الفنية ذات الطابع السياسى كان حب عبدالحليم وسعاد يتصاعد ويزدهر.
يقول هشام عيسى: «خلال الرحلة وصلت قصة الحب بين الاثنين إلى ذروتها، عاش العاشقان أسعد أيامهما، ارتشفا رحيق الحب كاملا، كانا لا يفترقان أبدا، ولم يكتما شيئا، ولمس كل من بالرحلة مدى التطور فى حبهما، فقد اتفقا على الزواج، كان حليم يحلم بالأسرة العادية، زوج وزوجة وأبناء، تلك الأسرة التى افتقد صورتها فى طفولته الحزينة، وكانت سعاد تحلم بدفء واستقرار المنزل، الذى لم تنعم به بين أب وأم مطلقين يتنازعان عليها بين المحاكم، وحين اقتربت الرحلة من نهايتها كان حليم وسعاد قد بحثا فى تفاصيل الزواج المقبل».
فى المغرب التهبت المشاعر بين عبدالحليم حافظ وسعاد حسنى عام 1961، أى بعد ثلاثة أعوام من اكتشاف سعاد حسنى، واتفق الاثنان على الزواج الذى لم يتم حسب آراء كل أصدقاء عبدالحليم، باستثناء رواية واحدة فقط قالها الإعلامى مفيد فوزى نقلا عن سعاد حسنى.
قبل الخوض فى أسباب عدم إتمام الزواج، أو إتمامه حسب رواية «مفيد فوزى»، يؤكد الدكتور هشام عيسى الطبيب الخاص ل«عبدالحليم» على أن الاتفاق كان على أن تنتقل «سعاد» بعد عقد القران فى القاهرة إلى منزل حليم فى الزمالك، ويحدد «عيسى» جغرافية المنزل على نحو أنه ينقسم إلى جناحين منفصلين يقيم حليم فى الجناح الذى يطل على حديقة الأسماك، وبه غرفة نومه الكبيرة، وغرفة نوم مجاورة ثم مكتب، وبعد ذلك يمتد المكان ليكون ثلاثة صالونات منفصلة ومفتوحة وبه أثاث فاخر.
أما الجزء الآخر من المنزل فخصص لابن خالته شحاتة وزوجته اللذين يتوليان العناية بكل شؤون المنزل، ويضم إلى جانب غرف نومهم المطبخ وغرفا للعاملين بالمنزل، وكان هذا الجزء يطلق عليه «جناح الزقازيق»، وهكذا لم يكن مطلوبا عند زواج حليم إلا إعادة تأسيس غرفة نومه، وأعجب الثنائى خلال جولتهما بالمغرب بسرير من النحاس كان آية فى جمال الصنعة، فاتفقا على شرائه، وقام حليم بدفع ثمنه وإبقائه عند البائع لحين شحنه إلى القاهرة.
يستكمل الدكتور هشام عيسى قائلاً: إن البعثة غادرت المغرب، وتوجهت سعاد وعبدالحليم ويوسف وهبى ووجدى الحكيم ومحمد أبو نار أحد الصف الثانى من الضباط الأحرار، جميعا إلى جبل طارق، حيث قضوا ثلاثة أيام فى السياحة والنزهة، بعدها قام الفنان يوسف وهبى بدعوتهم لقضاء عطلة قصيرة فى منزل كان يملكه فى جنيف بسويسرا، ثم حدثت مشكلة إدارية للبعثة، حيث قررت جمعية «حق الأداء العلنى» فى فرنسا أن تصادر إيراد كل الحفلات التى أقامتها إذاعة صوت العرب، وذلك حتى تستطيع الجمعية أن تخصم حقوق المؤلفين والملحنين، وكان لابد من إرسال مندوب يعود إلى المغرب لحل المشكلة، حتى يمكن إرسال الإيراد إلى الجهة المستحقة وهم ضحايا الزلزال، فذهب وجدى الحكيم لإنهاء هذه المشكلة، وفى الوقت نفسه عاد الباقون إلى القاهرة، وطلب حليم من وجدى أن يشحن له السرير، وبعض القطع الأخرى من المغرب حال وصول حليم إلى القاهرة، لم يكن يعنى ذلك إلا معنى واحد وهو زواج الاثنين.
هكذا كانت قصة عبدالحليم مع سعاد تصل إلى محطتها الأكبر، محطة الزواج، كانت القصة من بدايتها تلفت نظر كل من له علاقة بين الاثنين، فلقاؤهما لم ينقطع خلال عامين، منذ أن نجاحها فى فيلمها الأول حسن ونعمية، وحسب هشام عيسى: «كان حليم يقوم بدور المحب والأب والراعى ل«سعاد» كما كان يقدم لها المشورة دائما».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.