أصبح مركز الإبداع بالأوبرا قبلة فعلية للشباب الموهوب الباحث عن فرصة جادة، والرافض دخول عالم التمثيل من باب الكومبارس، أو قبول شروط منتجين لا ينتمون أصلا لمجال الفن. نجح المركز بداية من خلال المنحة المجانية التى تقدمها وزارة الثقافة لمجموعة من الشباب يتم اختيارها وتصفيتها بمنتهى الدقة، وظهرت ثلاث دفعات تألق منها عدد كبير من النجوم، وقدمت عروضا مميزة مثل «هبوط اضطرارى»، و«قهوة سادة»، و«أين أشباحى»، ثم قدم مركز الإبداع فى رمضان الماضى المهرجان الأول للمسرح الجامعى تحت عنوان «عودة الروح»، واليوم يقدم تجربة جديدة هى «ستوديو المواهب» لمنح فرص أكبر للراغبين فى تعلم التمثيل بأجر دون فرض أعباء إضافية على الدولة بحسبها توفير المكان، والتشجيع والمساندة، وخلف هذه المشاريع الثلاثة يقف المخرج المبدع خالد جلال، الذى يقوم بالتدريب ومساندة الطلاب على العصف الذهني، وتخليق المشاهد الدرامية من خلال ورش الإبداع الجماعي، ثم وضع كل موهبة فى دورها المناسب تماما، كما يفعل المدير الفنى فى لعبة كرة القدم، ثم يقف لمشاهدة الأداء فى حماس وتربص، وتصيد الأخطاء من أجل عدم تكرارها، وهو دور أجاده خالد جلال ومارس من خلاله الاحتراف كذلك فى تدريب ورش ممثلين ببعض الدول العربية الشقيقة، ولم يعد مستغربا أن نسمع بانتقاله لتدريب الممثلين فى برشلونة أو ليفربول. والتجربة الجديدة لتخريج الدفعة الأولى من استوديو المواهب حملت عنوان «بعد الليل»، وتضم كأسلوب خالد جلال لوحات عديدة قصيرة يجمعها خيط درامى واحد هو «الوسواس» أو الشيطان الساكن فى عقل وقلب كل واحد منا، يشير إلينا بترك القيم والمبادئ، والجرى وراء المكاسب السريعة، والتناحر من أجل الدنيا، وإيجاد حالة الصراع الدائم.. ويستعرض المخرج قدرته على تحريك ممثليه فى أداء جماعى وفردى، وثنائيات تتحدث بنفس الحوار، ونفس السرعة ليوحى بأن المشكلة النفسية التى يعانيها بطل العرض هى مشكلة كل إنسان تمكن منه الشيطان، أو ترك نفسه ليصل إلى حالة يفقد فيها مقومات إنسانيته، ورغم قتامة بعض المشاهد وميلها إلى الشكل المأساوي، فإن طاقة الكوميديا قد تفجرت من أصحاب المواهب، ونذكر منهم إسلام عبدالله الذى أجاد فى تقليد الشخصيات النسائية، وأيضا فى شخصية الإعلامى العصبى، ومحمود الليثى الذى انتزع الضحكات بحضوره ورشاقته، خاصة فى تقليد حركة الهنود، وأحمد سالم الذى يقلد أسلوب الكابتن مجدى عبدالغنى فى الحديث عن هدفه اليتيم فى كأس العالم، وميرنا جميل التى ساعدتها ملامحها الجذابة فى تقديم أكثر من شخصية ناجحة، ومحمد عز الذى جسد دور المريض النفسى بحرفية عالية، وبالطبع الممثلة التى قدمت دور الشيطانة وصفق لها الجمهور طويلا، وإن كان الماكياج المتقن قد غير ملامحها إلى درجة لم يتضح فيها إن كانت هى نور قدرى أم فتاة أخري؟! والأزياء شديدة التميز من تصميم تغريد عز الدين، وتنفيذ خيرية حسين، أسهمت بشكل كبير فى إنجاح العرض، مع موسيقى كريم شهدي، وتونى ماهر، وديكور ندى عبدالمجيد، وعمر رأفت، والمخرج المنفذ علا فهمى الدينامو المحرك فى مركز الإبداع، ولعل أسماء كثيرة من نجوم العرض لم يتسع المجال لذكرها جميعا تكون فى السنوات المقبلة من أسباب نهوض المسرح المصرى فى مختلف الأقاليم، خاصة أن بعضهم يحضر يوميا من الإسماعيلية والشرقية وأماكن أخرى بعيدة للتعلم والتدريب بإصرار ليضخوا فى جسد الفن المصرى دماء جديدة شابة.