كان أستاذنا جمال الجمل هو أول من نشر تفاصيل فضيحة التجسس في مؤسسة الرئاسة، والتي جرى "لم الدور" فيها، فلم نسمع عن تداعياتها شيئا بعد نشر الأستاذ ما تيسر له من معلومات عن الفضيحة، خاصة أن الإعلام هو الآخر قفز فوق الواقعة، وجنحت غالبية وسائله إلى تجاهل القضية، ولم يبق لنا من معلومات غير ما ساقه الأستاذ حينها، وهو يتعارض بعض الشيء مع ما أعلنه الرئيس في آخر لقاءاته، عندما أشار إلى الواقعة، وأوضح أنه رفض رفضا قاطعا "لم الدور" وأصر على محاكمة الموظف الرئاسي؛ إذ رواية الأستاذ تقول أن المسئولين المصريين اقتنعوا بحسن نية السفير الكويتي المتهم وقتها بتجنيد الموظف، والحصول منه على معلومات لصالح قطر، وأن ما قدمه للموظف من "رز" كان على سبيل المساعدة لا الرشوة، وإذا كان الأمر كذلك (وهو كذلك لأنه لم تعلن أي جهة رسمية عن طرد أو ترحيل السفير إلى بلده كما جرت العادة في مثل هذه الحوادث)، فلماذا يحاكم الموظف الرئاسي بخاصة وأنه لم يقدم للسفير الكويتي غير بعض المعلومات، التي مهما بلغت أهميتها فلن تكون بقيمة الأرض مثلا! القيم لا تتجزأ، والشرف والقانون لا يكيلان ب"الرز" فإن كال لنا أحدهم به ثقلت موازينه فسامحناه أو بعنا له ما أراد، وإن خفت الموازين أو خلت من الرز أخرجنا الشرف والقانون من جيبنا – على طريقة زكي رستم – وتوجهنا متضرعين للجماهير أنه "أغلى من الشرف مفيش"! أتمنى أن يكون تصوري عن الواقعة – وبعض التصور استهبال – غير صحيح، وأن يكشف لنا الرئيس عن تفاصيل الموضوع بأكمله، وكيف جرت محاسبة المتورطين فيه كما زعم؟ وأتمنى كذلك أن تمتد يد المحاسبة إلى أطراف ارتكبت هي الأخرى جرائم في حق الوطن ومواطنيه أكثر خطورة من حادثة التجسس، كالنصب على الشعب في موضوع "اختراع الكفتة"، وكإهدار موارد الدولة في مشروعات لم تحظ بالدراسات الكافية، كتفريعة قناة السويس الجديدة (على سبيل المثال لا الحصر)، فما لاح لنا في الأفق أي غيض من فيض ال 100 مليار دولار سنويا، بل انخفضت أرباح القناة، خلافا لما صرح به الرئيس مؤخرا، وذلك بحسب الأرقام الرسمية! و"بجملة المحاسبة" أطالب بأن يعاقب الرئيس من ورطه في هذه الكذبة الفجة. إذا حقق الرئيس السيسي أمانيَّ فأعاهده أمام القراء أن أسير معه سيرة أحمد موسى ومصطفى بكري وعبد الرحيم علي، وإن لم يفعل فأتمنى عليه أن فقط أن "يلم الدور". شكرا لأستاذنا الجليل جمال الجمل تبصيره إيانا بالحقيقة في هذا الموضوع وفي غيره، فلم يؤثر "لم الدور" كما آثر كثيرون، رافضا على الدوام أن "يبعد عن الشر ويغنيله" مع أن قلمه الرخيم يطربنا في كل الأحوال، لكنه فضل أن يطلقه صرخة حق في وجه سلطان جائر، فتحية إكبار وإجلال. مقال الأستاذ المنشور بتاريخ 17 فبراير الماضي عن واقعة التجسس: http://elbadil.com/2016/05/14/فضيحة-تجسس-في-جهة-سيادية-2/ [email protected]