(1) لدي مفكرة الكترونية أحتفظ بها على سطح المكتب لتسجيل الملاحظات المهمة وموضوعات المقالات التي أفكر في كتابتها، ومن بين هذه العناوين والمقتطفات، اخترت أمس ملاحظة عجيبة عن لقاءات السيسي الملفتة بوزراء خارجية الدول، حتى وصل به الحال للقاء 3 وزراء خارجية ونصف، في 24 ساعة..!! وهذا رقم نادر الحدوث إلا على هامش مؤتمر لوزراء الخارجية أو اجتماع سياسي له وضع خاص، فقد التقى الرئيس الوزير المغربي صلاح الدين مزوار، والإريتري عثمان صالح، والكويتي صباح خالد الصباح، أما "النصف" فهي وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة الشمطاء "مادلين أولبرايت" (2) سألت نفسي عن طبيعة الملفات غير الاعتيادية التي تجعل الرئيس يضحي بوقته ويقوم بهذه اللقاءات بنفسه، في ظل ووجود وزير خارجيتنا الذي حضر لقاء وزير الخارجية، وعقد مؤتمرا صحفيا، وبالغ الطرفين في المديح والمجاملات، وهو مادفعني لتخمين درجة خطورة القضايا المطروحة على هذا المستوى الرفيع، والتخمين هو أبو الضرورات في مجتمعات تقييد المعلومات، وكان من السهل الحديث بنمطية: أريتريا يعني القرن الأفريقي واثيوبيا واليمن وباب المندب والنيل، والمغرب يعني رسائل استخباراتية، والوضع في ليبيا وشمال أفريقيا، وبالمرة شوية ترتيبات غير مباشرة تريد السعودية تمريرها وجس النبض فيها، أما الكويت، فقد بدا واضحا أن هناك "بطحة"، وأن الطرفين يتحسسان موقعها، كما يتحسسان أشياء أخرى، ونظرا لحالتي الصحية التي تؤثر على تركيزي هذه الأيام، فقد أرجأت الكتابة عن هذه الملاحظة، لكن أنباء محدودة تسربت عن أزمة تجسس تورط فيها السفير الكويتي لدى مصر، من خلال تجنيده لموظف في جهة سيادية، وحصوله على معلومات عن القرارت التي تتخذها هذه الجهة السيادية، والنقاشات التي تدور فيها، خاصة فيما يتعلق ب"بلاد الرز"! (3) تقول التسريبات أن أجهزة الأمن رصدت علاقة الموظف بالسفير الكويتي، وارتابت في طبيعتها، لأنها تجاوزت حدود "العلاقة رسمية" بين سفير وموظف مهم يعمل في جهة سيادية حساسة جداً، وبعد فترة من الرقابة المشددة تبين أن الموظف يقدم معلومات سرية للسفير مقابل أموال، وهدايا عينية، فتم القبض عليه، والتحقيق معه على أعلى مستوى أمني، وأنكر الموظف في البداية اي تعاون مع السفير، وبعد مواجهته بمعلومات قال إنه تصرف في حدود "الصفة الرسمية"، ولم يقدم للسفير الكويتي أكثر من مواقف عامة وتحليلات سياسية، فواجهه المحقق بوثائق مسجلة بالصوت والصورة، فاعترف بالتعاون مع السفير .. "المعلومات مقابل الرز"! سافر مسؤول مصري إلى الكويت لبحث الأزمة، وجاء مسؤولين كويتيين إلى القاهرة تحت ستار اللجنة المصرية الكويتية المشتركة التي انعقدت قبل ايام، وتم استدعاء السفير في بلاده ومواجهته بالمعلومات، فأقر أنه تصرف بحسن نية للتعرف على حقيقة الموقف المصري من بلاده، وهو أمر معروف في العمل الدبلوماسي، لكن قيل له "ما يصحش كده.. مافعلته مخالف، وكان عليك أن تتصرف بشكل معلن من خلال لقاءات المسؤولين ومتابعة الأخبار والندوات، وليس بشراء المعلومات، لأن هذا من أعمال التجسس وليس التعاون الدبلوماسي، فأجاب السفير: كنت أعتبر الأموال الهدايا "مساعدات" وليست "رشوة" أو مقابل للتجسس!. (4) المضحك أن المسؤولين المصريين اقتنعوا بحسن نية السفير، برغم أنه عندما سُئل عن الجهة التي أرسل إليها المعلومات هل هي الخارجية أم الحكومة؟ قال: أرسلت معلومات بسيطة للكويت، والباقي لقطر!!.. ولما سُئل لماذا؟، قال: لم يكن فيها ما يستحق أن أرسله للخارجية الكويتية، لكن القطريين يحتاجون إلى كل كبيرة وصغيرة! (5) المضحك أكثر، أننا لا نعرف شيئا عن هذا كله في "جمهورية التسريبات العظمى" التي يبيع فيها الكبار أسرار الدولة مقابل حفنة دولارات، و"آي فون سكس بلس"، وكام كرافتة فخمة.؟!، لكن وزارة الخارجية الكويتية حاولت إطفاء شرارة التسريبات، فأصدرت بيانا نشرته وكالة الأنباء الرسمية (كونا) عن نجاح نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية الشيخ محمد الخالد في احتواء أزمة ديبلوماسية كادت تنشب مع "دولة عربية كبرى" بسبب شكوى من تجنيد السفير لموظف في جهة سيادية؛ لإعطائه معلومات مقابل أموال وهدايا، وقد تم احتواء الأزمة في إطار العلاقات الأخوية الراسخة مع الدولة الشقيقة!. (6) الكويت اهتمت بالرد على التسريبات التي ألمحت إليها صحيفة محلية واحدة، أما مصر "بلد المليون تسريب" فكأن شيئا لم يحدث، أو كأنها تتعامل معنا بسياسة "مصباح أبو النور" (الذي قام بدوره عبد المنعم مدبولي في مسرحية "مطار الحب"): انتي كَلِّمتي كَلِّمتي وانا مش يأبرك، أي: "انت تتكلم تتكلم وأنا مش هعبرك". إنها فعلا أشلاء دولة.! [email protected]