"راجعين للميدان" عبارة أصبحت تتردد كثيرا هذه الأيام، وفي ظني أنها كالعادة ستثير "هريا" عظيما حول أسباب تردادها مجددا على ألسنة الشباب، ليتخذها البعض طوق نجاة بعد قفزه من سفينة النظام المرشحة بقوة للغرق، سيحدثنا البعض عن إحباط الشباب وعن فشل الدولة، لإعادة تقديم نفسه كمعارض، محاولا تناسي تاريخ نفاقه طوال العامين الماضيين .. الحقيقة أن هذه العبارة لم تفارق أصحابها لحظة على مدار ال 5 سنوات الماضية ، كانت حاضرة في أذهان وقلوب هؤلاء، الذين لا أعتبر نفسي أحدهم، فهو شرف لا أدعيه، ووسام أتمنى الحصول عليه.. هم يعرفون أنفسهم جيدا ولا يعرفهم كثيرون، وكل ما أتمناه أن يكونوا قد أصبحوا قادرين على التمييز بين الغث والثمين وبين "الفشنك" والحقيقي .. نقترب من ذكرى محمد محمود في هذه الأيام، وأتصور أنه يجب على كل شخص مخلص للثورة، أن يتأمل أحداثها من جديد، فكما قلت من قبل وأعود لأؤكد أن محمد محمود هي المفتاح الحقيقي لفهم كل ما حدث ويحدث منذ 2011 وحتى اليوم، وهي كلمة السر التي يعرف بها أصحاب الحق بعضهم بعضا، وهي من كتبت بالدم ميثاق الثورة ومبادئها .. لم يختلف اي شخص في هذا الوطن حول ما نادت به ثورة يناير من شعارات ومطالب، ومبكرا جدا بعد 28 يناير ادعى البعض ممن لم يكن له سابقة في المعارضة تاريخا نضاليا لم يكن له، ووقف مدافعا عن العيش والحرية والعدالة والكرامة .. هؤلاء المدعون عرفوا كيف يستغلون هذه الشعارات ويحرفون معانيها، ليبذلوا جهودا مضنية في إقناع أنصارهم بمعان مختلفة للعيش والحرية والعدالة والكرامة، فلووا عنق الشعار لتصبح المطالبة بلقمة العيش مؤامرة على الوطن، والمطالبون بها متآمرون عليه، وربط آخرين الشعار بكراسي السلطة والبرلمان، ولو على الدم وبالدم، لتصبح الحرية هي العبودية للحاكم، أو لتُحمل بمعاني الفساد والإباحية والمثلية التي علينا أن نتصدى لها ب "شرع الله"! .. في وسط هذا جاءت معركة الحرية في محمد محمود لتعلن بقوة ووضوح شديدين المعاني الحقيقية لمفاهيم العيش والحرية والعدالة والكرامة، هذا الوضوح كشف عن الوجوه الحقيقية لمدعي الثورية، فأظهروا سخطهم ورفضهم، وبدى عليهم الخوف والقلق، لأن "القلة المندسة" مازالت مصرة على تعريف الناس بالحقيقة! في هذه الأيام علينا أن نتذكر أن محمد محمود هي من وضعت الدستور الحقيقي لحلم هذا الوطن، ومهما طال الزمن لن يكف شعار "راجعين للميدان" عن الظهور، طالما لم يخرج هذا الدستور للنور، ولن يتحول الميدان لنصب تذكاري حقيقي ومكان للإحتفال بالنصر إلا في اللحظة التي تكون قواعد محمد محمود هي الحاكمة وإلا فنحن "راجعين للميدان" .. أصحاب الميدان هم من وقفوا وحدهم يستقبلون الموت في محمد محمود بينما انشغل الجميع بتوزيع الغنائم لم يكن لهم مشروع مؤدلج، ولم يشغلهم كثيرا تلك التصنيفات التي كان الإعلام وقتها يرسخها في أذهان الناس، كان منهم المتدين والملحد وكان فيهم الغني والفقير ومات منهم العامل والموظف… كانوا يريدون وطنا حرا. وهذا ما اجتمعوا من أجله .. وطن حر لا يخضع لأي سلطة خارجية ولا يأخذ توجيهاته من اي قوة في العالم مهما كانت، وطن حر يدعم الأحرار في العالم أجمع. لم يكن يريد أحدهم أن يشعر المصري في بلاده بالخوف أو الذل أبدا، أرادوا أن يتحركوا بحرية في الميادين، ويؤخذ برأيهم في إدارة شئون بلادهم، ولا يُنظر لهم كأطفال في حاجة لرعاية من أب حاكم، أرادوا أن يكون الشباب في دوائر القرار لا في المعتقلات والسجون، أرادوا إعلاما حرا لا إعلاما مهينا منحلا، يسبهم ويشتمهم ويدمر أحلامهم، صرخوا للكرامة وماتوا من أجلها. أرادوا العزة والتقدير والاحترام، لا الضرب وسب الملة وشتم الأم والأب ودفع الرشاوي في المصالح الحكومية، نادوا بأن يعيش الفقير مرتاح البال، وأن يؤخذ من الغني ليعطى للفقير، لا ان يرفع الدعم ويزيد الغنى غنىً والفقير فقرا.. رفضوا برلمانا منتخبا بطريقة نزيهة وقتها لأنه بني على الدم، فكيف الحال ببرلمان كراسيه يجلس عليها الصوص وقطاع الطرق والمنافقين؟!، رفضوا وجود سفارة الصهاينة من الأصل على أرضهم، فكيف والنظام يصوت لهم وينسق معهم أمنيا وعسكريا، هم رفضوا الوصاية على الإعلام وكبت الحريات العامة والتمييز الديني والمذهبي فكيف والإعلام يهدد على الملأ والكتب تصادر والافلام تمنع والتجييش الطائفي والديني تدعمه الدولة؟!.. لهذا كله أقول أن مفتاح فهم الثورة هو غرباء محمد محمود، وأن صاحب المفتاح هم من سيستطيعون فتح الباب شعارات الثورة لتنفذ إلى الواقع، و ستظل محمد محمود فاضحة للوجوه المسودة، لكنها أيضا ستظل فاتحة ذراعيها تستقبل التائبين والنادمين لتكون نقطة ارتكاز الميدان وخيمة قيادته المعنوية ومحور فرز الناس وتمييزهم ..