أطلق حلم 'اتحاد الإمارات' منذ 42 عاما وكان يقول 'الأصل هو الوحدة والتجزئة هي الاستثناء'!! كان يرفض استخدام القوة في تحقيق الحلم الوحدوي ويؤمن بالحوار وسيلة.. أوصي أبناءه بمصر قبل الرحيل فكانوا خير الأوفياء لمصر ولوصية والدهم كان رجل الأفعال.. قال فصدق.. وأطلق مقولة 'النفط العربي ليس أغلي من الدم العربي' كان قائدا وحدويا، لم يتردد في تحقيق الحلم، أدرك حقيقة الواقع، وحذر من خطورة الفرقة، كان واسع الآفاق، سعي إلي الحوار بين أشقائه، واستطاع في فترة سنوات معدودة، أن يضع إطارًا وحدويا، أطلق عليه اسم 'الاتحاد' لتنطلق الدولة الفتية وتصبح الآن ملء السمع والبصر، فتحقق أعلي المعدلات وتقدم نماذج تحتذي، وتفوز دونًا عن غيرها باستضافة 'أكسبو' الدولي لعام 2020، فتهزم الجميع بالضربة القاضية، ويختار العالم مدينة دبي، لتكون بذلك أو مدينة في المنطقة تحتضن هذه التظاهرة التجارية الدولية، بعد حصولها علي 116 صوتا من أصوات 168 دولة شاركت في التصويت، ولتتغلب بذلك علي روسيا وتركيا والبرازيل. بدأ الحلم عام 1968 عندما قررت الحكومة البريطانية إنهاء كافة المعاهدات الخاصة بحماية الامارات الخليجية وتوعدت بالانسحاب منها مع نهاية عام 1971، قرر الشيخ زايد أن يتوجه إلي الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم دبي، التقيا في 'السمحة' علي الحدود بين أبو ظبي ودبي، ووافقا في 18 فبراير 1968 علي دمج إمارتيهما في اتحاد واحد والتواصل مع بقية الإمارات لإعلان الاتحاد فيما بينهم في أعقاب الانسحاب البريطاني من كافة الامارات. كان الاتفاق منذ البداية يقضي بالمشاركة معا في إدارة الشئون الخارجية والدفاع والأمن والخدمات الاجتماعية وأيضا الاتفاق علي تبني سياسة مشتركة لشئون الهجرة في البلاد، أما المسائل المحلية فقد تم تركها إلي السلطات المحلية في الامارات. تواصلت الاجتماعات منذ هذا الوقت، واتفق حكام الامارات علي ضرورات الوحدة، وبدأوا علي الفور في اتخاذ الخطوات الإجرائية التي قدروا لها الانتهاء في نحو ثلاث سنوات قادمة. كان الشيخ زايد يقول لرفاقه من حكام الامارات 'إن الاتحاد هو طريق القوة وطريق العزة وطريق المتعة والخير المشترك، وإن الفرقة لا ينتج عنها إلا الضعف وإن الكيانات الهزيلة لا مكان لها في عالم اليوم'. في الثامن عشر من يوليو 1971 قرر حكام ست إمارات، وهي أبو ظبي ودبي والشارقة وعجمان وأم القوين والفجيرة تكوين الاتحاد، بينما طلبت 'رأس الخيمة' تأجيل انضمامها إلي وقت لاحق، بدأت الصياغات النهائية لمشروع الاتحاد، كان الشيخ زايد يسعي إلي ضم كل من البحرينوقطر اللتين حصلتا علي استقلالهما في أغسطس وسبتمبر من عام 1971، إلا أنه لم يستطع في هذا الوقت. في الثاني من ديسمبر 1971، كان الاجتماع الحاسم، لقد تم انجاز المهمة، ولم يبق سوي الاعلان، اجتمع حكام الامارات، وأعلنوا رسميا عن تأسيس دولة مستقلة ذات سيادة، ثم سرعان ما انضمت إليهم رأس الخيمة في 10 فبراير 1972، جري الاتفاق علي مؤسسات الدولة المختلفة التي تضمنها الدستور المؤقت الذي تحول في 20 مايو 1996 إلي دستور دائم، وأصبح المجلس الأعلي المكون من الحكام السبعة هو المؤسسة الرئيسة التي تمتلك القوة الشرعية والتنفيذية. لقد استطاع الشيخ زايد بن سلطان أن يقود السفينة في هذا الوقت بعد أن انتخبه حكام الامارات رئيسا للدولة مدة خمس سنوات، كان يجري تجديدها باعادة انتخابه حتي رحيله رحمة الله عليه. لم يكن الشيخ زايد من هؤلاء الحكام الذين يسعون إلي اثارة الفتن والنعرات، أو الديكتاتورية في إصدار القرار، كان حكيما، عروبيا، لديه إيمان عميق بالوحدة، وكانت مواقفه تعكس ذلك، حتي اطلق عليه 'حكيم العرب' لدوره البارز في رأب الصدع الذي كان يطرأ علي العلاقات العربية. لم يكن من هؤلاء الذين يؤمنون باستخدام القوة في تحقيق الحلم الوحدوي، وعندما أعرب عن رغبته في ضم قطروالبحرين إلي مشروع الاتحاد قال يومها 'إنني لا أفرض الوحدة علي أحد قط، هذا استبداد، كل منا له رأي مختلف ومغاير لرأي الآخر، نتبادل هذه الآراء ونصهرها في بوتقة واحدة ونستخلص منها الجوهر، هذه هي ديمقراطيتنا وديمقراطية الوحدة. كان الشيخ زايد 'رحمة الله عليه' يري أن الاتحاد هو جزء من دولة الوحدة القومية التي يأمل في تحقيقها بين كافة البلدان العربية، لقد كان يقول دوما في خطبه 'الأصل هو الوحدة، أما التجزئة فهي الاستثناء المؤقت وغير الدائم'. وكان الشيخ زايد يدرك تمامًا أن الهدف من الوحدة ليس فقط القضاء علي التجزئة التي لم يستفد منها سوي المعاين للأمة، وإنما كان يدرك أن الوحدة هي هدف للقضاء علي مشكلات الفقر وتراجع التنمية واختلال التكامل، استطاع أن يوظف الثروة النفطية لتحقيق التطور التنموي وتحقيق أعلي معدلات للدخل في المنطقة ثم في العالم. كان يقول دومًا: 'لا نفع للمال إذا لم يسخر لخدمة الشعب، وفي الذكري الخامسة والعشرين للاتحاد قال 'رحمة الله عليه': 'إن كل ما تم إنجازه قد فاق توقعاتنا وإن ذلك قد تم بمساعدة من الله سبحانه وتعالي أولاً، ثم بعزم وقوة وإرادة صادقة، وإنه ليس هناك شيء لا يمكن تحقيقه لخدمة الشعب مادام العزم ثابتًا وقويًا، ومادامت النوايا صادقة'. واستطاع الشيخ زايد بن سلطان وبالتعاون مع أشقائه خاصة حاكم دبي أن يبني مؤسسات لدولة حديثة ورثها الأبناء وقاموا بتطويرها، واستخدموا كل أساليب التقدم التكنولوجي لتحقيقها، فكانت مدينة دبي، جنبًا إلي جنب مع أبو ظبي، تقدم نموذجًا أبهر العالم بفعل الرؤية التي طرحها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في عصرنة المدينة وجعلها قبلة للتجارة والتقدم في العالم العربي. وكان الشيخ زايد صادقًا مع نفسه ومع شعاراته، كان يري أن مصر حجر الزاوية، وأن نهوضها هو نهوض للأمة، لقد وقف بكل جسارة في حرب أكتوبر 73، ذهب إلي لندن ليقترض من البنوك البريطانية لصالح هذه الحرب، كان جريئًا في مواقفه العروبية، قال مقولته الشهيرة عندما أصدر قراره مع شقيقه الملك فيصل وحكام الأمة الآخرين بقطع النفط عن أمريكا والغرب' إن النفط العربي ليس أغلي من الدم العربي'. كان يقدم المساعدات الاقتصادية إلي مصر، فانتشرت مشروعاته التنموية والمدن التي حملت اسمه والمشروعات الخيرية في كافة أنحاء البلاد، لقد قال: 'إن نهضة مصر هي نهضة للعرب كلهم، وقد أوصيت أبنائي بأن يكونوا دومًا إلي جانب مصر'. كان يقول: 'لا يمكن أن يكون للأمة العربية وجود بدون مصر، كما أن مصر لا يمكنها بأي حال أن تستغني عن الأمة العربية'. أخلص أبناؤه للرسالة، كانت الإمارات قيادة وشعبًا تتابع التطورات التي شهدتها ولا تزال تشهدها مصر وكأنها في قلب الحدث المصري، كان لهم موقفهم من جماعة الإخوان منذ البداية، لقد عرفهم الشيخ زايد جيدًا، فتح لهم الأبواب فتآمروا عليه، منحهم المشروعية فانقلبوا عليه، كانوا يقولون كلامًا في مجلسه، ثم ينقضونه في الخفاء ولذلك ازداد قلق الاماراتيين مع وصول الإخوان للسلطة في مصر، كان لهم موقفهم الواضح دون مزايدة، لكن الأبناء كانوا يدركون أن الإخوان إلي زوال، ولذلك حرصوا علي العمالة المصرية لديهم، وانتظروا اللحظة. عندما سقط الإخوان تجسدت كلمات الشيخ زايد في أبنائه وفي حكام وشعب الإمارات جميعًا، لقد أعطي الشيخ خليفة بن زايد رئيس الدولة التعليمات لكافة أجهزة الدولة بالوقوف إلي جانب مصر بكل ما تملك الإمارات من إمكانات، وكان للشيخ محمد بن راشد وقفاته، وللشيخ الدكتور سلطان القاسمي حاكم الشارقة دعمه المستمر، وكانت كلمة الشيخ محمد بن زايد التي أطلقها في مصر تجسيدًا لكل هذه المعاني، عندما قال: 'سوف نقتسم رغيف العيش مع مصر'. اليوم ودولة الإمارات تحتفل بالذكري الثانية والأربعين لتأسيس 'الاتحاد' يتجسد حلم الشيخ زايد والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم في أبهي صورة، تبدو الإمارات كعروس في منطقة تموج بالمشكلات والأزمات، يتجسد الحلم الوحدوي ويتدعم في وقت تتفكك فيه الأوطان، إنها حكمة الوحدوي المؤمن بعروبته، الإنسان الذي ظل يعطي الوطن والأمة حتي اللحظة الأخيرة من حياته. التحية لروح رجل أخلص للإمارات والأمة، فخلد اسمه في صفحات التاريخ، وأعطي نموذجًا يحتذي في الوفاء والصدق والإخلاص.