لعل أهم دروس النموذج الاتحادي العربي في دولة الإمارات الشقيقة، هو إثبات أن الاتحاد العربي ممكن، بل هو الممكن الوحيد لاستعادة مكانة هذه الأمة التي تستحقها شعوبها بين الأمم علي الخريطة العالمية، وأن استمرار التجزئة العربية غير مقبول وغير معقول، في ظل كل المتغيرات العالمية، وبعد كل الدروس الدولية التي تؤكد 'ضرورة الاتحاد' بين الأجزاء. من هنا يبدو احتفال الشعب العربي الشقيق في الإمارات العربية المتحدة اليوم بمرور 42عاما علي المسيرة الاتحادية منذ قام الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حاكم أبوظبي، وأخوه الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم دبي رحمهما الله، مع إخوانهما حكام الإمارات برفع علم الدولة الاتحادية الجديدة في الثاني من ديسمبر عام71 احتفالا قوميا بقدر كونه احتفالا وطنيا.. واحتفالا شعبيا مصريا بقدر كونه احتفالا شعبيا إماراتيا. لقد كان الشيخ زايد، طيب الله ثراه، هو الداعي الأول لهذا الاتحاد، انطلاقاً من فكره الوحدوي النابع من القيم الإسلامية الداعية إلي التوحيد، ومن الضرورات الوطنية الدافعة إلي الاتحاد، ومن الأهداف القومية الساعية إلي الوحدة العربية، فلقد كان حلم زايد التوحيدي غير محدود بحدود دولته، بل يمتد بامتداد حدود أمته.. ولهذا جاء مسار حركته لتحقيق تلك الأهداف وتجسيد تلك الطموحات، ذا اتجاهات ثلاثة، وطنية وإقليمية وقومية، وكان من الطبيعي أن يكون الاتجاه الأول علي الصعيد الوطني الإماراتي، ليتبع ذلك الإنجاز التاريخي بسنوات دعوته لتأسيس مجلس التعاون الخليجي العربي، وظل لآخر لحظة في حياته ساعيا وداعيا للاتحاد العربي. وبينما كان تحقيق الاتحاد بين شعب الإمارات في إماراته السبع، حلما راود الأجداد، ثم أصبح احتمالا في جيل الآباء، فلقد أضحي بفضل الله وبجهود مؤسسي الاتحاد زايد وراشد، وبإرادة الشعب الإماراتي الشقيق، حقيقة تجسدت في دولة عربية متحدة ناهضة، تحتل مكانة كبيرة، بدورها العربي وبإنجازاتها الوطنية الكبيرة وقيمها وتوجهاتها الإنسانية. وبينما كانت المبادرة بالدعوة إلي الاتحاد مبادرة رسمية وفردية في بدايتها، فإن الاحتفال كل عام بميلاد الدولة الاتحادية أصبح شعبيا وجماعيا، وبينما كان هذا الإنجاز الاتحادي وطنيا إماراتيا، فإن أكثر ما يؤكد حقيقة الوحدة العربية، هو أن الاحتفال اليوم بهذا الاتحاد أصبح قوميا عربيا.. إن قيمة الاحتفال الشعبي والرسمي الإماراتي والعربي الكبير هذه الأيام بعيد الاتحاد، إنما ينبع من القيم الوطنية والعربية والإسلامية، التي تستقر في وجدان شعبنا وتحفظها ذاكرة الأمة التاريخية عبر الأجيال، والتي تدعو إلي الاتحاد وتؤكد ضرورة الوحدة، وتحفظها مصادر التراث الديني والاجتماعي والشعبي عبر التاريخ. خصوصا أن ضرورة الاتحاد تتأكد من مشاهد تجمعات العالم التي تتوحد لتصنع الاتحادات السياسية الكبري أو التكتلات الاقتصادية الكبري، بينما نحن في وطن العرب وأمة المسلمين وحدنا الذين نتعرض للتقسيم من الخارج ونقتتل فيما بيننا في بعض أوطاننا تحت شعارات خادعة في الطريق إلي واقع التقسيم تحقيقا لأهداف أعداء الوطن والأمة.. وبينما يريد لنا الاستعمار الفرقة فإن الله الواحد يأمرنا بالوحدة. ولهذا فإن احتفال الاتحاد الإماراتي هذا العام تتضاعف أهميته، وتتأكد ضرورته وطنيا وقوميا وشعبيا ورسميا أكثر في ضوء مايواجه الأمة العربية والإسلامية من مشاريع تقسيمية صهيونية وغربية واضحة، ومايواجه الدول العربية والإسلامية من مشاريع تآمرية فتنوية وتحديات إخوانية و إرهابية كأدوات لتنفيذ المشاريع الاستعمارية، تتخذ الدين غطاء لإخفاء أهدافها الظلامية. وهذه المشاريع الاستعمارية الخارجية إنما تهدف تشويه الحقيقة الزاهية للدين الإسلامي وتحويها إلي صورة دامية باسم الجهاد، تريد تذويب الهوية العربية وتفكيك النظام العربي، مما يتطلب من العرب والمسلمين اليقظة والحذر مما يدبر لهذه الأمة، ومما يروج من أكاذيب وأراجيف في فضائيات غربية ناطقة بالعربية، وهذا يلزمنا باستعادة بوصلتنا العربية استقلالا عن البوصلة الغربية، وباستلهاما لصحيح المباديء الإسلامية بعيدا عن كل شهود الزور علي العروبة الحقة و الإسلام العظيم. فيما تبدو الأهمية الواضحة للتمسك بمباديء الاتحاد والوحدة من أن مخططات إعادة التقسيم الجديدة للوطن العربي اتخذت أشكالا جديدة في إطار مايمكن تسميته ' الغزو من الداخل '، وذلك بتحويل التنوع والاختلاف الطائفي والمذهبي والسياسي في أوطاننا إلي مشعل للفتن السياسية والطائفية والمذهبية، بعد أن فشل المستعمرون الجدد في فرض التقسيم علي الخرائط الحالية بالغزو العسكري المباشر من الخارج ! وإذا كانت تلك المشاريع الاستعمارية هي التحدي الأكبر أمام أمتنا وأوطاننا ، فإن تدعيم الوحدة الوطنية ، وإعادة السلام و الوحدة بين أجزائها هي الاستجابة الضروية المطلوبة لهذا التحدي، باعتبارها السد العالي أمام مؤامرات تقسيم المقسم وتجزيء المجزأ.