كانت السيدة فاتن حمامة لا تطمئن لأداء مشهد باللهجة الأبنودية، في غير وجوده بالبلاتوه عفوا سيدي صاحب أشرف الخلق، سيدنا رسول الله، إن استعرت معني لك...(من يطحنهم الحزن علي فراق الخال، فإن الأبنودي قد رحل بجسده عنا، أما كلمته فهي باقية خالدة بيننا خلود الهرم وأبي الهول...صعيد مصر أنجب العشرات من الشعراء، رحم الله من فارقونا، وأطال بالعمروالصحة من ينيرون عقولنا والوجدان... عاصرنا في حياتنا الثقافية مؤرخين كثرا، منهم من أرخ في السياسة ومن أرخ للثورات، ومن أرخ لعصور ما قبل التاريخ وما بعدها، أما الأبنودي فقد أرخ لحياة شعب، أرخ للحفاة والمهمشين والمظلومين.. سجلت أشعاره أحزانهم، أفراحهم، نضالاتهم مكاسبهم الثورية... لو جمعت دواوين الأبنودي لكانت كتاب تاريخ أمة لأكثر من خمسين سنة... خفتت أجمل نبرة صوت صعيدية عشق الناس سماعها.. نبرة كانت توقظ ضمائر المسئولين كلما تناسوا إنسان الصعيد... نبرة الأبنودي كانت ناقوسا مدويا... برلمان وتحت قبته الملايين تذكر الناس بأبناء الصعيد... الأبنودي ابن ثورة يوليو، وإن اختلف معها في بعض الأحايين، كشأننا جميعا في شبابنا... ابن جيل الستينيات، واحد من المسلات الثقافية، صرح من صروح شعر العامية المصرية -بيرم -فؤاد حداد- صلاح جاهين أمل دنقل- فؤاد قاعود... الخال أمير متوج في بلاط صاحبة الجلالة العامية... صديق الستينيات، التقينا في ظلام القاهرة يوم تنحي الزعيم... بعد لحظات صمت بيننا، قلت له وبعدين حنعمل إيه... وكان رده الفوري (حانشتغل). وصلنا مسرح الجمهورية... طلب أوراقا بيضاء وشرع في كتابة مسرحية شعرية، ياسين وبهية عن الحالة التي كنا نعيشها... أذكر منها شطر بيت (أنا مش شيخ..أنا مش قسيس..مش حامشي اسكت كره الناس للناس بالأديان.. أنا بس زيك باستغرب.. إيه جري لقلب الإنسان) عرضنا المسرحية في ظلام القاهرة الدامس وحظر التجوال، والمسرح يمتلئ بالناس يوميا، لم يتقاض عامل أو فنان أي أجر..عرض مسرحي بالمجان لكل الناس، تحت مسمي مسرح المعركة... التقينا فنيا في فيلم أغنية الموت، مع سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، الفيلم للكاتب الكبير توفيق الحكيم، سيناريو وحوار وأشعار الأبنودي، كانت السيدة فاتن حمامة لا تطمئن لأداء مشهد باللهجة الأبنودية، في غير وجوده بالبلاتوه... اتقنت العامية الأبنودية عنه... رفقاء نضال سياسي سافرنا معا كثيرا إلي ندوات، ومؤتمرات في صعيد مصر وخارجها... ظلمته حكومات كثر، عرفته زنازين السجون بتهمة حب مصر، ودفاعا عن قضايا شعبها رغم كل هذه المحن ما ورد بخاطره لحظة، كلمة غضب عليها أو لشعبها...تاجر كثر من المثقفين والأدباء بمعاناتهم السياسية والسجون، إلا الأبنودي قليلا ما سمعته خلال أكثر من نصف قرن، يأتي بذكرها بسوء علي لسانه... نبضات قلبه تسبح باسمها، ويقول لعلها يارب ترضي... كان الإنسان في شعر الخال أمرا من الأهمية بمكان... مشي بين النجوع والكفور والوديان يبحث في تاريخ السيرة الهلالية في مصر والغرب العربي... بكينا معه في قصيدة (الخواجه لامبو مات في أسبانيا) لم نعرف الخواجه لامبو ولا رأيناه... فلم البكاء؟! التجسيد الإنساني، التصويرالنفسي لمأساة الإنسان لامبو مع الحياة وما لمسناه في قصيدة يامنه، ينافس الأبنودي في شعره كبار المصورين التشكيليين... تقف أمام قصيدة الأبنودي وكأنك تستمع وتستمتع بسيمفونيات فيردي أو موتسارت...قبل فوات الأوان هل لوزير الثقافة أن يتفق مع السيدة الإعلامية نهال كمال، وكريمتيه بتحويل بيت الأسماعيلية إلي متحف ومزار ومكتبة عامة، تخليدا لمشوار الأبنودي الشاعر والسياسي والمناضل الشعبي، أسوة بالفرنسي موليير والشاعر الإنجليزي شكسبير في قرية استراتفورأون آفون... رحم الله الخال وعوض مصر عنه وعزاؤنا لأهل الصعيد وللعامية المصرية.