مظاهرة بتركيا دعما لاحتجاجات طلاب الجامعات الأمريكية ضد الحرب بغزة    ماكرون يعرب عن استعداده لمناقشة مسألة الأسلحة النووية للدفاع عن أوروبا    ياسر سليمان: جميعًا نحمل نفس الألم والمعاناة.. وكل الشكر لمركز أبو ظبي لدعمه للرواية العربية    كم حصيلة مبادرة استيراد سيارات المصريين بالخارج؟ وزير المالية يجيب    تباين البورصات الخليجية في ختام التداولات وسط ارتفاع أسعار النفط    كنائس كفر الشيخ تحتفل بأحد السعف | صور    مذكرة لرئيس الوزراء لوقف «المهازل الدرامية» التي تحاك ضد المُعلمين    بوريل: الأوروبيون لن يذهبوا للموت من أجل دونباس لكن عليهم دعم كييف    وزير الخارجية يشارك بمائدة مستديرة حول اضطرابات التجارة وسلاسل الإمداد بالشرق الأوسط    «جورجييفا»: العالم لم ينجح في تشارك منافع النمو مع المناطق الأكثر احتياجاً    انطلاق مباراة المقاولون العرب وسموحة بالدوري    سامسون أكينيولا يضيف الهدف الثاني للزمالك في شباك دريمز الغاني    التشكيل الرسمي للمقاولون العرب وسموحة في مباراة الليلة    المئات يشيعون جثمان ضحية زوجها بكفر الزيات وانهيار أطفالها.. صور    حزب الوفد: نرفض أي عدوان إسرائيلي على رفح الفلسطينية    وزير الصحة: إشادات عالمية بنجاح مصر في القضاء على فيروس سي    "الرعاية الصحية" تشارك بورشة العمل التي أطلقتها منظمة الصحة العالمية    أرخص 40 جنيها عن السوق.. صرف الرنجة على بطاقة التموين بسعر مخفض    أغلى 5 فساتين ارتدتها فنانات على الشاشة.. إطلالة ياسمين عبد العزيز تخطت 125 ألف جنيه    بحضور محافظ مطروح.. قصور الثقافة تختتم ملتقى "أهل مصر" للفتيات    «أبو الهول» شاهد على زواج أثرياء العالم.. 4 حفلات أسطورية في حضن الأهرامات    التشكيل الرسمي ل مباراة نابولي ضد روما في الدوري الإيطالي    «بحوث القوات المسلحة» توقع بروتوكولًا مع «المراكز والمعاهد والهيئات البحثية بالتعليم العالي»    وكيل «صحة الشرقية» يتفقد مستوى الخدمات المقدمة للمرضى بمستشفى أبوكبير    تحرير 78 محضرا في حملة للمرافق لضبط شوارع مدينة الأقصر    إنجاز جديد.. الجودو المصري يفرض سيطرته على أفريقيا    حجازي: مشاركة أصحاب الأعمال والصناعة والبنوك أحد أسباب نجاح التعليم الفني    الرئيس العراقي خلال استقباله وزير الري: تحديات المياه تتشابه في مصر والعراق    عاجل| البيت الأبيض: إسرائيل طمأنت واشنطن بأنها لن تدخل رفح الفلسطينية حتى يتسنى لنا طرح رؤانا ومخاوفنا    نشرة في دقيقة | الرئيس السيسي يتوسط صورة تذكارية عقب افتتاحه مركز الحوسبة السحابية الحكومية    طريقتك مضايقاني.. رد صادم من ميار الببلاوي على تصريحات بسمة وهبة    رضا حجازي: زيادة الإقبال على مدارس التعليم الفني بمجاميع أكبر من العام    الإعدام لعامل قتل شابا من ذوي الاحتياجات الخاصة بواسطة كمبروسر هواء    وزير بريطاني يقدر 450 ألف ضحية روسية في صراع أوكرانيا    مستشفيات جامعة بني سويف تستقبل مرضى ومصابي الحرب من الأشقاء الفلسطنيين    مساعد وزير الصحة: انخفاض نسب اكتشاف الحالات المتأخرة بسرطان الكبد إلى 14%    تأجيل محاكمة المتهمين في عملية استبدال أحد أحراز قضية    رئيس هيئة الدواء يبحث سبل التعاون لتوفير برامج تدريبية في بريطانيا    موعد مباريات اليوم الثالث بطولة إفريقيا للكرة الطائرة للسيدات    سفير روسيا بمصر للقاهرة الإخبارية : علاقات موسكو والقاهرة باتت أكثر تميزا فى عهد الرئيس السيسى    «رجال الأعمال المصريين» تدشن شراكة جديدة مع الشركات الهندية في تكنولوجيا المعلومات    التنظيم والإدارة يعلن عن مسابقة لشغل 18886وظيفة معلم مساعد بوزارة التربية والتعليم    الليلة .. سامى مغاورى مع لميس الحديدى للحديث عن آخر أعماله الفنية فى رمضان    الأرصاد الجوية تعلن حالة الطقس المتوقعة اليوم وحتى الجمعة 3 مايو 2024    أعاني التقطيع في الصلاة ولا أعرف كم عليا لأقضيه فما الحكم؟.. اجبرها بهذا الأمر    أفضل أوقات الصلاة على النبي وصيغتها لتفريج الكرب.. 10 مواطن لا تغفل عنها    اعرف مواعيد قطارات الإسكندرية اليوم الأحد 28 أبريل 2024    قرار جديد من القضاء بشأن 11 متهماً في واقعة "طالبة العريش" نيرة صلاح    جدول امتحانات التيرم الثاني 2024 لصفوف النقل والشهادة الإعدادية (القاهرة)    ما هي شروط الاستطاعة في الحج للرجال؟.. "الإفتاء" تُجيب    ضبط 4.5 طن فسيخ وملوحة مجهولة المصدر بالقليوبية    «فوبيا» تمنع نجيب محفوظ من استلام «نوبل»    خلال افتتاح مؤتمر كلية الشريعة والقانون بالقاهرة.. نائب رئيس جامعة الأزهر: الإسلام حرم قتل الأطفال والنساء والشيوخ    غدًا.. تطوير أسطول النقل البحري وصناعة السفن على مائدة لجان الشيوخ    تقييم صلاح أمام وست هام من الصحف الإنجليزية    سعر الدولار الأحد 28 أبريل 2024 في البنوك    تصفح هذه المواقع آثم.. أول تعليق من الأزهر على جريمة الDark Web    حسام البدري: أنا أفضل من موسيماني وفايلر.. وكيروش فشل مع مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في وداع الخال.. الموت مايخصناش
نشر في التحرير يوم 22 - 04 - 2015


كتب- حمدي عبد الرحيم:
نحن العاديون النثريون لنا حياة واحدة، نعيشها مرة واحدة، ثم نذهب إلى صمت قبورنا، ونظل صامتين إلى يوم الدين المعلوم، المفارق والاستثنائى عبد الرحمن الأبنودى، لا يمتثل لهذه القاعدة، لقد مات عصر أمس لا لكى يصمت ولكن ليبدأ دورة حياة جديدة.
نبكيه الآن، وكل منا يعزى صاحبه، سنتابع أخبار الجنازة، سننشغل بمن حضر وبمن غاب، سترق قلوبنا لابنتيه آية ونور، سنواسى زوجته السيدة نهال كمال، ثم لن نلمحه وهو يخرج لنا لسانه من نعشه ضاحكا من أوهامنا، لن نسمعه وهو ينشدنا: «الموت ما يخصناش/ الأبنودى ما متش/ هل عندكم مانع؟».
لو أصغينا إليه لسمعناه ينشد: «وأنا كنت موصى لا تحملنى إلا كتوف إخوان/ أكلوا على خوان/ وما بينهمش خيانة ولا خوان».
لن ندرك فرحة الأبنودى ونحن نحمل جثمانه إلى قبره، هو يردد: «ما أجمل نومة على كتوف أصحابك/ تنظر صادقك من كدابك/ تبحث عن صاحب أجمل وش فى الزمن الغش».
سيفرح الأبنودى ليس لأنه سيرتاح من عذاب المرض، وليس لأنه سيلتقى أمه «فاطنة قنديل» وليس لأنه أخيرا سيزور عمته «يامنة الأبنودى»، ليس لأنه سيواصل ما قطعته الدنيا من أحاديث وحوارات مع أمل دنقل ويحيى الطاهر عبد الله، ولكن لأنه برحيله سيبدأ دورة حياة جديدة وخالدة نظيفة ولامعة لا يلحقها غبار الدنيا، سيولد ثانية يستقر هناك فى وجدان شعبه، سيزاحم الاستثنائيين من أمثاله، سيفسح له أبو زيد الهلالى مكانا إلى جواره، قد يرضى عنه الزناتى خليفة ويدعوه إلى مجلسه، سيناديه عبد الناصر وعبد المنعم رياض وسليمان خاطر وفؤاد حداد وصلاح جاهين (الذى من المفارقات أن يتزامن رحيلهما فى يوم واحد)، وعبد الحليم وسعاد حسنى، لكنه الخال، خالنا العصى، «قط البرارى النفور»، سينظر إلى الجميع وعلى شفتيه ابتسامة لا يعرفون هل هى ابتسامة شكر أم سخرية، وسيتجه من فوره إلى صاحب عمره ورفيق دربه ومؤسس أسطورته، سيذهب ليجلس بجوار ضمير الشعب وبانى حضارته «حراجى القط»، سيطمئنه على السد العالى ثم سيضحكان وهما يشربان شايا صنعاه من ماء النيل المختلط بخير الطمى ثم سينشدان معا: «الموت ما يخصناش/ الأبنودى ما متش/ هل عندكم مانع؟».
صلاح جاهين يكتب عن الأبنودى
كتب- شعبان يوسف:
لم يكن صلاح جاهين يحلم وحده، ولكنه آثر أن يشرك الشعراء الشباب فى أحلامه، فراح يقدمهم تباعا فى منبر مهم آنذاك، وهو مجلة «صباح الخير»، فقدم الشعراء سيد حجاب وفؤاد قاعود وفريدة إلهامى ورزق هيبة وفؤاد بدوى ومحمود عفيفى وغيرهم، وكان من بين هؤلاء الشاعر عبد الرحمن الأبنودى، وقد نشر له قصيدة «الطريق والأصحاب» فى 16 نوفمبر 1961، وكتب لها مقدمة جميلة، أنشرها كاملة هنا:
(شاعر عامية يعجبنى:
من بين مئات الرسائل.. أترقب رسائله..
تصلنى أحيانا على ورق أبيض، مقطع سلائخ طويلة كأعمدة الصحف، مكتوبة بإتقان شديد على الآلة الكاتبة.. وأحيانا بالحبر على ورق مسطر، مطبوع على رأسه اسم تاجر خضار وفواكه وقومسيونجى، بمدينة قنا.. وأحيان على «فولسكاب» كبيرة ذات هوامش واسعة.
على أنه مهما اختلفت أشكال رسائله، فهى لا تحمل إلا شعرا، ونادرا ما يوجه لى كلاما فى أى من هذه الرسائل.. لذلك لا أكاد أعرف عنه شيئا كثيرا.. حتى عمره لا أعرفه.. ولكنى أرجح أنه ما زال فى عشرينياته الأولى.
كل الذى وصلنى أنه يعمل موظفا كتابيا فى محكمة قنا الابتدائية.
يكفى...
سنتخيل الباقى.. فحياة شاعر رقيق حساس، يكسب دخله المحدود من دوامة محكمة إقليمية متربة، فى مدينة قائظة ملتهبة.. شىء يمكن تخيله بسهولة أن نتخيله.
وعبد الرحمن الأبنودى يغلب على أشعاره طابع الفجيعة.. وربما كان هذا هو الذى جعلنى أخمن أنه ما زال فى عشرينياته الأولى.. تلك السن التى نقف فيها أمام الحياة ببشاعتها.. مصعوقين عاجزين عن تبريرها.. فلا نملك إلا أن نتخبط ونرتعش وننتفض كالطائر الذبيح.
ولكنى واثق أن شاعرنا.. لن يلبث أن يرى من خلال طبقات الظلام المتكاثفة، بصيصا من النور.. برغمه على أن يحب شيئا ما.
وعندما يحب هذا الشىء.. سيكون أقدر على الغناء وعلى الابتسام.. وعلى البكاء أيضا.
أما عن شعر عبد الرحمن الأبنودى فهو على درجة كبيرة من التقدم.. فصوره يختارها من الحياة اليومية.. ولكنه يستطيع أن يشحنها بالعاطفة.. فنكتشف -بفرحة- كم هى موحية وعميقة هذه الصور.
إن اكتشاف الشعر فى زوايا حياتنا التى أهملها الزمن.. وإثراء عاميتنا بالتعبير الأدبى الخصب.. لهو عمل وطنى قد يكون فى أهمية اكتشاف البترول فى قفارنا.. إن لم يكن أهم).
هكذا كان تقديم الشاعر الكبير، للشاعر الشاب، وظل الشاعر الشاب دائما محافظا على مودة وحميمية هذا التقديم، ولا يخلو حوار مع الأبنودى، من الحديث عن عظمة وذكاء ورقة وجدعنة صلاح جاهين، أيا كان الحوار، لصحيفة، أو مع صديق، وكذلك تقدير الشاعر فؤاد حداد له، وإخلاص الأبنودى لعمه فؤاد حداد، وترديده لأشعاره، والكتابة عنه دوما، والحديث عن هذين الشاعرين فى نبل لا تعرفه سوى الأرواح الصافية والنقية.
كان الأبنودى يكتب الشعر كثيرا، وإذا لم يجد ورقا، كان يكتب على ترابيزة المقهى، هو وأمل دنقل، فالشعر كان يطارده أينما كان، وأينما ذهب، وهناك من كتب عنه قبل أن يصدر ديوانه الأول، وهو الكاتب والقاص الراحل فاروق منيب، وذلك كان فى جريدة «المساء»، واعتبره من أهم الشعراء القادمين، وأفرد له صفحة كاملة فى الصحيفة، وهذه كانت سابقة لم تعرفها الصحف، أن يكتب ناقد ومبدع مرموق، هذه المساحة كلها، عن شاعر لم يصدر ديوانا بعد، وربما ذلك كان يثير قدرا من الغيرة عند آخرين، وكان الأبنودى يواجه هذه الغيرة بالمزاح والمرح والدعابات التى تحرج خصومه، ولا أنسى تعليقه على الإشاعات التى كان يطلقها خصومه فى الفترة الأخيرة، ويطلقون إشاعة عن موت كاذب له، فكان يقول لى، إن جماعة بوكو حرام هم المسؤولون عن هذه الإشاعة.
وجاء بعد صلاح جاهين، وفاروق منيب، مجايله ورفيقه وحبيبه الراحل سيد خميس، الذى كان يبذل كل مجهوداته من أجل رفعة الأدب والثقافة، وكان مفتونا بشعر عبد الرحمن، فأنشأ دار ابن عروس، ونشر فيها ديوانه الأول «الأرض والعيال»، وكتب دراسة نقدية، تعتبر من أهم ما كتب عن الأبنودى، وألحقها بالديوان، وظل خميس متابعا للأبنودى، وراعيا نقديا له، ومنتصرا لشعره ولتجربته بشكل مطلق، وكتب عنه مرات ومرات، وكان عبد الرحمن يعتز بخميس إلى حد بعيد، ويعتبره أحد أساتذة نقد شعر العامية فى مصر.
وإذا كانت علاقة الأبنودى بالشعراء مثل حداد وجاهين، والنقاد مثل سيد خميس ويحيى حقى الذى اعتبره «خلاصة الشعراء»، أو أنه مثل «فراكة العجين»، والتى تحمل كل روائح الخبز، فعلاقته بالشعراء العرب كانت قوية ومتينة خصوصا علاقته بمحمود درويش، وعندما جاء درويش إلى القاهرة، كان طلبه الأول أن يرى الأبنودى، ويصاحبه، ويعرف القاهرة بعيونه.
رحم الله شاعرنا العظيم
«الملحمى» أغانيه لها بصمتها.. وأجاد الحوار الملحمى فى «شىء من الخوف»
كتبت- رانيا يوسف:
علاقة الشاعر الكبير الراحل عبد الرحمن الأبنودى بالفن كانت شديدة الصلة، كتب عشرات الأغنيات فى أفلام ومسلسلات عدة، وكتب الحوار لثلاثة أفلام هى «شىء من الخوف» و«الطوق والأسورة» و«أغنية الموت» الذى قامت ببطولته فاتن حمامة.
الناقد الفنى مجدى الطيب قال إن الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودى تفرد فى كتابة الحوار خصوصا أنه كان ملائما لأفلام بعينها، فهو كان يعلم أنه لا يصلح لصياغة الحوار فى الأفلام التى تدور أحداثها فى المدن أو ريف الوجه البحرى مثلا، وبالتالى كان يضع نفسه فى المكان الناسب وبالتالى وضعه السينمائيون أيضا، وهو الحديث عن البيئة الصعيدية.
وأضاف الطيب أن الأبنودى كان صاحب جمل وصياغات تفرد بها ويستطيع الجمهور من خلالها تمييز كتاباته، وإذا لم تكن تعلم وأنت تشاهد أفلامه مثل «شىء من الخوف» أو «الطوق والأسورة» فلا بد أن تدرك من الجمل الحوارية والمصطلحات أن الحوار كتبه عبد الرحمن الأبنودى، وهذا ينطبق أيضا على الأغانى، إذا كنا نميز ألحان بليغ حمدى لا نستطيع أن نتجاهل على الإطلاق كلمات الأبنودى ولا همسات الكورال.
وأضاف أن الأبنودى لم يكن يكتب عن الصعيد أو البيئة الصعيدية من منطلق أنه مستشرق أو قاهرى، رغم أنه عاش ما بين القاهرة والإسماعيلية أكثر مما عاش فى مسقط رأسه فى الصعيد لكنه كان صعيدى معجون فى اللهجة الصعيدية لم يفقد لهجته أو مصطلحاته أو يستبدلها باللهجة القاهرية فى يوم ما، ربما كان تمسكه بهذه اللهجة الصعيدية وهو يعيش فى القاهرة يؤكد تفرد هذه الشخصية الذى اتضح جليا فى حوار الأفلام التى قام بكتابة حوارها، فرفع هذا الحوار من قيمة ومصداقية هذه الأفلام إلى مستوى عال جدا، لا نستطيع تقييم مثلا فيلم «شىء من الخوف» دون أن نربطه بعبد الرحمن الأبنودى، الفيلم يفقد كثيرًا من قيمته إذا استبعدنا منه الأبنودى لصياغة الحوار.
الناقد هشام لاشين قال إن عبد الرحمن الأبنودى لم يكن مجرد شاعر عامية حفر لنفسه اسما ومكانة بجوار أسماء مثل فؤاد حداد وصلاح جاهين وسيد حجاب وفؤاد قاعود على مدار مايقرب من نصف قرن تقريبا، وغنى له عمالقة كبار من أمثال عبد الحليم حافظ وصباح وفايزة أحمد، عشرون ديوانا شعريا ومجموعة من الأفلام والمسلسلات كانت لغة الصورة السينمائية هى الطاغية طول الوقت على ما يكتبه الأبنودى، وأوضح أن الأبنودى شاعر السينما الملحمية، بسبب طغيان الأسلوب الملحمى على الأعمال القليلة جدا التى كتب لها السيناريو والحوار أو تلك التى كتب الأغنيات الدرامية لها مثل فيلم (البرىء) الذى يناقش قضية قمع الحرية باستخدام جهل الأبرياء فى كل زمان ومكان حيث وظف الأبنودى كلمات أغنياته فى الحوار الدرامى المغنى الذى يعد جزءا أصليا من نسيج الفيلم الذى يقترب من الملحمة وهو يستعرض قضية الحرية.
وأضاف لاشين أن فيلم (شىء من الخوف) عمل ملحمى، وواحد من كلاسيكيات السينما المصرية، وأشار إلى أن الأبنودى رفض فى البداية كتابة سيناريو وحوار فيلم «الطوق والأسورة» عن رواية الأديب يحيى الطاهر عبد الله وإخراج خيرى بشارة، بسبب اختلاف لهجة الأقصر عن تلك اللهجة التى كتبها الأبنودى، الفيلم يعتبر ملحمة أضفاها الأبنودى ولم تكن بهذا الشكل فى الرواية الأصلية، ويوضح لاشين أن هناك نسيجا أسطوريا للحكاية الواقعية يختلف عن ذلك النسيج الموجود فى (شىء من الخوف) الأكثر ملحمية وأقل أسطورية ليس لاختلاف أسلوب الإخراج بين مدرستى حسين كمال وخيرى بشارة وحسب، بل واختلاف مدرستى كاتبى الرواية من ثروت أباظة ليحيى الطاهر.
توقع الثورة على السادات وانتقد «دولة العواجيز» فى وداع عصر مبارك
كتب- محمد الشماع:
ربما لم يكتب عبد الرحمن الأبنودى بصدق لمسه المجتمعون فى الشوارع يجابهون ظلم وفساد النظام فى يناير 2011، بقدر ما كتب قصيدته «الميدان». الذين اعتصموا فى ميدان التحرير طوال ال18 يومًا التى سبقت إسقاط مبارك، والذين وجدوا فى الميدان بعدها فى أحداث وفاعليات «إصلاح ما أفسده المفسدون» يدركون جيدًا معنى هذا الكلام، فلا تكد إذاعة كانت منصوبة فى الميدان وقتها من إنهاء إذاعة القصيدة حتى تجد الأخرى، وكأنها موجة وراء موجة.
يقول مطلعها:
أيادى مصرية سمرا ليها فى التمييز
ممددة وسط الزئير بتكسر البراويز
سطوع لصوت الجموع شوف مصر تحت الشمس
آن الآوان ترحلى يا دولة العواجيز
الأبنودى خرج فى معظم لقاءاته المصورة ليمتدح فى شباب الثورة، ويلقى باللائمة على أجيال الهزيمة. كانت الثورة بالنسبة للأبنودى حلمًا قريبًا، تحديدًا منذ عام 1981، عندما كتب قصيدة «الجزر والمد» قبل موت السادات بأشهر.
وهذه القصيدة استلهم فيها الأبنودى أحداث انتفاضة الطلبة والعمال فى 21 فبراير التى فجرها المصريون فى عام 1946 ضد «ظلم وخيانة» الجماعات الحاكمة وقتها، فاستدعى الأبنودى مشهد المد المصرى فى عهد الجزر الانفتاحى الكريه.
فى زنازين السادات كانت للأبنودى تجربة مهمة، يقول عنها «هى تجربة مهمة لأنه لا يمكن لأى إنسان أن يكتشف معنى الحرية وهو طليق، ولذلك أرى أذكى رجل فى العالم هو الذى اخترع القفص، وهذه الفكرة كانت لسجن الحيوانات فى البداية، لكن حين اكتشف فائدتها طبقت على البشر، ففى الزنزانة الانفرادية الزمن لا يتحرك، فيكتشف الإنسان قيمة البشر وقيمة العلاقات الإنسانية، فيخرج بعدها معاف تمامًا، وكتبت هذه التجربة فى قصيدة سميتها (الأحزان العادية)».
وفيها أيضًا تنبأ الأبنودى بالثورة التى تمهلت وتدللت حتى جاءت فى يناير. وبالعودة إلى قصيدة «الميدان»، نجد الأبنودى يجسد حالة الشباب المصرى فى الثورة بقوله:
صحيت جموع الخلق قبضوا على الشمس بأيديهم
وقالوا لا من المستحيل يفرطوا عقد الوطن تانى
والكدب تانى محال يلبس قناع الحق
بكل حب الحياة خوط فى دم أخوك
قول أنت مين للى باعوا حلمنا وباعوك وأهانوك
وذلوك ولعبوا قمار بأحلامك
نيران هتافك تحرر صحبك الممسوك
يرجعلها صوتها مصر تعود ملامحها تاخد مكانها القديم ربما لم يكتب الأبنودى عن ثورة يوليو، لكنه كتب لنظام يوليو عددًا من القصائد، التى غنى بعضها عبد الحليم حافظ، كما كتب مادحًا فى إنجازات مشروعات عبد الناصر. كتب أيضًا بعد النكسة رائعته «عدى النهار»، كما كتب بعد نصر أكتوبر «صباح الخير يا سينا» وغيرها.
آية ونور ورثتا عن أبيهما كتابة الشعر لكن بالإنجليزية.. والاثنتان جمعتهما به علاقة صداقة
كتب- عمر أبو حطب:
«الصداقة والحب والاحترام والتقدير»، ملخَّص العلاقة التى تربط عائلة الأبنودى الصغيرة، المكوَّنة من ابنتَيْه «آية» و«نور» وزوجته نهال كمال.
لم يكن بمقدور الأبنودى، الذى غادر القاهرة مجبرا إلى مزرعته الصغيرة بالإسماعيلية بناءً على تعليمات طبية، أن يترك أسرته تعيش بمعزل عنه برضا تام منه، وكان يكتفى بزيارات أسبوعية منهن، تقديرا منه لظروف مدارس ابنتَيْه، واحتراما لعمل زوجته الإعلامى الذى كان يضطرها إلى العودة فى ساعات متأخرة من الليل، وساعده على ذلك حبه الشديد لها، ليعرف كل مَن هاجموا زواجه من الإعلامية الشابة أن علاقتهما لم تكن نزوة، كما وصفها البعض، والذين راهنوا على أن زواجهما لن يصمد أكثر من عام واحد، وقد صمد.
نهال كمال التى اعترضت منذ 25 عاما على شراء أرض زراعية فى الإسماعيلية لبناء مسكن بها، لم تكن تعرف أنه سيأتى عليها يوم تطلب من وزير الإعلام إعفاءها من منصبها كرئيس للتليفزيون، لكى تتفرَّغ للعيش مع زوجها به، وأصبحت زيارتها للقاهرة أسبوعية للاطمئنان على ابنتَيْها، «آية» التى ما زالت تبحث عن إثبات نفسها فى الإعلام، و«نور» التى قررت التمرد على عائلتها لتدرس العلوم السياسية، لكن سبق هذا كله مشوار طويل من المعاناة بين بيتها فى القاهرة وعملها وسفرها إلى الإسماعيلية، إلى أن ظهرت الأزمة بينها وأنس الفقى، وزير الإعلام فترة ما قبل الثورة، بعدما سرق فكرة برنامج كانت قد تقدَّمت بها، ومنحها إلى مذيعة شابة لتقديمها على التليفزيون المصرى، وغضب الفقى وقتها بسبب اتهامه بالسرقة واضطهاد مذيعة كبيرة بحجم وقامة نهال كمال.
ورغم سعادتها وقتها بوعدها بمنحها برنامجا يليق بتاريخها فإن زوجها لم يكن راضيا عما يجرى لها، وكان يتمنى أن يتم تقديرها فى الوقت الذى كانت تشعر فيه بالتقصير مع أسرتها، خصوصا الأبنودى الذى يحتاج إلى رعاية طبية، ولم يكن يعتمد وقتها سوى على محمود، الطفل الصغير الذى جاء من قنا منذ سنوات طويلة حتى بلغ الآن أكثر من 40 عاما، وأصبح المسؤول عن موعد الدواء وإرسال فاكسات المقالات والمربعات والقصائد التى كان يكتبها الخال إلى مختلف الصحف التى يتعامل معها، إلا أن حرص الأبنودى على عدم الضغط على زوجته أكثر مما كانت تعانى فى عملها لم يمنعه من مطالبتها ترك العمل بالتليفزيون والحصول على إجازة، هربا من التعسف ضدها قبل إظهار رغبته فى وجودها بجواره، لكن الظرف لم يكن مناسبا لترك المعركة، فقد قررت نهال التحدى، وظلت فى موقعها حتى جاءت بها الثورة رئيسا للتليفزيون، وقامت بحلّ مشكلات العاملين، وأعادت الحق إلى المظلومين، ولم تطلب إعفاءها من منصبها إلا عقب الانتهاء من حل كل المشكلات حولها، وقتها شعرت أنها مقصّرة فى حق زوجها وابنتَيْها، وقررت الحصول على استراحة للتفرغ لرعاية زوجها الذى اشتدّ عليه المرض، وأصبح يتنقّل بين المستشفيات وهى ملازمة له كظله، وفى إحدى زياراتى له وقتها وكنا ننتظر معا قدوم زوجته من القاهرة، وبعد الغداء جلسنا نتحدَّث عن حرصه حتى الآن على إعداد «شوربة العدس» لزوجته، وتميّزه فى إعدادها، وكذلك أشجار البرتقال التى كان يزرعها ليتحدّى بها الموت، ويتمسك بالحياة بقوله لها وهو يغرسها فى أرضه: «والله لأعيش وآكل منك يا بنت الكلب»، وكأن حبه لغرس الأشجار فى مزرعته دافع إلى الحياة ومضاد حيوى لأمراض الرئة والجهاز التنفسى.
الخال يعتبر أن تربية ابنته «آية» كانت حقل تجارب له ولنهال، وأن تعليمها كان سيئا رغم إدخالها مدارس لغات وإنهاء تعليمها فى الجامعة الأمريكية، لذلك تم تجاوز تلك الأخطاء فى تعليم وتربية «نور»، وفى المقابل تعتبر «آية» والدها شاعرا كبيرا وصديقا قبل أن يكون والدها، وقصد ذلك الأبنودى فى تربيته لها، وترك الأمر بالكامل لوالدتها، مراعاة لفارق السن الكبير بينه وبينها، والذى يتجاوز ال50 عاما.
عملتُ مع «آية» فى قناة «إم بى سى» لفترة امتدت لأكثر من عام بقليل، وفوجئت بها تنبهر بكتابات والدها وتفاجأ وتخبره بردود أفعال أصدقائها، ورغم تقديرة لظروف عمل ابنته فى الإعلام فإنه كان يأخذ عليها عندما تأتى إلى الإسماعيلية أنها لا تتناول أى منتج من مزرعته أو طعام فى البيت، وكان يقول لها ضاحكا: «زى ما تكون مسمومة من أكل هنا»، واكتفى الأبنودى بالشعور الأبوى الذى يستمده من براءة البنات، كأنه لا يريد من الدنيا إلا أن يرى ابنتَيْه سعيدتين فقط، وابتعد عنهما ولم يتدخل فى عمل أو تعليم أى منهما، بل كان يُشجِّع فيهما موهبة الشعر، وإن كانت جينات الموهبة وصلت إليهما باللغة الإنجليزية.
إعجاب الخال ب«نور»، الابنة الصغرى له، كان نابعا من إصرارها على الخوض فى السياسة برفض دراسة الإعلام وخوض تجربة العلوم السياسية وتعمقها فى الكورسات، مما جعلها بعيدة نسبيا عنهم، وأصبحت زيارتها قليلة، وفكريا صارت تتحدَّث بلهجة أكبر من سنها، واختلفت عن شقيقتها «آية» فى عدم تناول أى شىء من المزرعة، فكان يقول: «آية ممكن تاكل منجاية فى السنة، إنما نور مابتدوقهوش خالص»، كأن بداخله مرارة لأنهما لم يرثتا حُب الأرض والطين، كما ورثتا منه الشعر.
هو.. والرؤساء
كتب- د. ياسر ثابت:
حين سئل عبد الرحمن الأبنودى عن علاقته بالرؤساء، قال إن جميعهم شملوه بخيوط الود، رغم أن الحقيقة تقول إن علاقته مع حكام مصر تباينت وتفاوتت بقدر كبير من الدراما المثيرة.
فى طفولته جاء لقاء الأبنودى الأول مع أحد حكام مصر بلا ترتيب.
ففى أثناء وجوده فى كُتَّاب «الشيخ امبارك»، وكان يوم «التسميع»، دخل رجال يرتدون ملابس أنيقة للغاية، حاملين حقائب فى أيديهم، والطلاب منبهرون بذلك كله، حتى قال أحد الرجال «بمناسبة زيارة مولانا المعظم جلالة الملك فاروق الأول ملك مصر والسودان إلى مدينة قنا لوضع حجر الأساس لمسجد سيدى عبد الرحيم، وبمناسبة ثبوت نسبه إلى الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، وابتهاجا بهذه المناسبة قرر الملك الحبيب أن يهب كلا منكم نفحة وهدية ملكية، لكى تدعو له بالرفاء، وطول البقاء»، ثم فُتحت الحقائب، وإذ بلمعان ذهب ببصر الأولاد لبعض الوقت، فقد كانت الحقائب مليئة بعملات معدنية مضلعة لامعة، يطلق عليها «التُمن» وهى عملة قيمتها قرشان، وأخذوا يوزعون على كل طالب منهم 7 أتمان، فظفر عبد الرحمن بتلك ال14 قرشا من الملك فاروق شخصيا، دون أن يعرف أحدهما الآخر، لكنه كان لقاء بشكلٍ ما.
فى تقدير الأبنودى أنه لم يكن مع الدولة فى كتابته، وأنه سجن ستة أشهر من نوفمبر 1966 حتى أبريل 1967 بدعوى الانتماء إلى تنظيم وحدة الشيوعيين، وأن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حين سمع صوته فى الإذاعة قال: إنه أنضج صوت سمعه بعد النكسة، وأكثر الأصوات شبها به. بما يعنى التوجه وليس الصوت فى حد ذاته، رغم أنه لم يكن ناصريا، ومن ثم فقد دعا إلى برنامج «شريط تسجيل» مع نجيب محفوظ وأحمد بهجت ووزير الداخلية شعراوى جمعة، فقال لشعراوى فى البرنامج إنهم وراء النكسة، لأنهم جعلوا بين كل قلم وصاحبه مخبرا، وقال كلاما كثيرا لا يمكن أن يذيعه تليفزيون الدولة، معتمدا على مقولة عبد الناصر عنه، فاتهمه المثقفون بأنه مخبر، وأنه متفق مع الدولة، فلا يمكن لأحد أن يتحدث بهذه الجرأة أمام شعراوى، وفى تليفزيون الدولة، إلا إذا كان متفقا معهم على هذا الحديث.
على امتداد سنوات عمره التى جاوزت السبعين، ورغم عديد من الأغنيات الخالدة التى كتبها الشاعر الكبير خلال فترة الستينيات، فإنه لم يلتق الرئيس جمال عبد الناصر سوى مرة واحدة، يتذكرها الخال جيدا، لأنه حسبما يقول لم ينس بعد تلك النظرة الآسرة للزعيم عندما صافحه عن قرب، وتحدث معه لدقيقتين.
كان ذلك فى العام 1954 عندما اجتاحت السيول مدينة قنا، فهدمت البيوت وأغرقت الأراضى، حتى إن الناس وقتها كانوا يتحركون على جذوع النخل، ويتخذونها كمطايا لقضاء مصالحهم العاجلة.
يومها حسبما يقول الخال عبد الرحمن: «نزل أعضاء مجلس قيادة الثورة عن بكرة أبيهم، وذهبوا إلى الناس فى مكان الكارثة، يومها كنت أسير أنا وصديق لى يدعى جمال نصار، عندما جذبنى من يدى وأشار إلى ناحية اليمين وهو يقول: (ده جمال عبدالناصر)».
يتذكر الخال عبد الرحمن المشهد، وكأنه حدث بالأمس القريب، ويقول: «كانت عربية جيب صغيرة تقف وقد غرقت حتى فوانيسها فى الماء، بينما رجل طويل مثل نخلة يقف فوقها ولا أحد حوله، ف(خضت) له فى الماء حتى وصلت إليه وسألته:
إنت جمال عبد الناصر!
كان هو يقف شامخا مثل نخلة من الصعيد، وكنت أنا (عيل)، فقلت له: ممكن أسلم عليك؟».
ويقول الخال عبد الرحمن: ابتسم الرجل، وفوجئت بالنخلة دى كلها تميل علىّ ويمد لى يده، ليسلم علىّ بحرارة وخُلق، لأنصرف بعدها، وأتركه فى السيارة الجيب، فقد بدا لى ساعتها، وكأنه كان ينتظرنى، لتظل نظرة عينيه تطاردنى مثلى مثل كل الذين رأوه عن قرب.
يرى الأبنودى، أن عبد الناصر، كان يضع الفقراء نصب عينيه دائما، ووزّع الأراضى عليهم، ومنحهم معاش الضمان الاجتماعى، إضافة إلى معونة الشتاء.
من أقواله إن عبد الناصر له عند الطبقات الفقيرة حب يصل إلى درجة العبادة، وقد عرفت هذه الطبقات أنهم بمجرد موته سوف يرجعون إلى جحورهم مرة أخرى، لقد كانوا يدركون ذلك بحكمة آلاف السنين، لأنهم كانوا يقيسون هذا الحب بلقمة العيش. الفلاح المصرى طوال تاريخه له وجهان، أحدهما حقيقى والآخر يقابل به الأفندية، قد يضحك ويلعب معك، لكنه فى النهاية يعرف جيدا أن «الهم لا يحمله إلا صاحبه».
وقد كانت اللحظة الوحيدة التى خرج فيها الناس لحاكم مصرى عند وفاته فى جنازة عبد الناصر، خرجت إليه الملايين لتودعه لأنها صدقته، ولأنه أعطاهم قبل أن يعطوه كل هذا الحب.
يضيف قائلا: «لقد حضرت هذا الموت الجلل، وشاهدت كيف افترش الناس ميدان التحرير، وكيف كانوا يشعلون النار فى الصحف حتى يتدفؤوا بها، فقد كانت ليلة شديدة البرودة، وفى تلك الليلة عرف الجميع أن عبد الناصر رمز لن يتكرر فى حياة الشعب المصرى.
لا ينسى الأبنودى أن يشير إلى أنه دخل السجن خلال عهد عبد الناصر فى سنوات الشباب «بسبب قلة عقلنا حينها».
وتابع: «عبد الناصر كان محاصرا من الاستعمار، ومن الإخوان، ورغم ذلك كان يشق طريقه، لكى يحقق لهذا الشعب ما يأمل إليه».
فى حوار صحفى له، قال الأبنودى:
لقد كان عبد الناصر فى حقيقته «واحد مننا»، وأنا أعامله اليوم كأنه ابنى، لأنه مات فى الخمسينيات من عمره وأنا فى الثالثة والسبعين.
يكفى «عبد الناصر» ما فعله للفقراء والفلاحين، هؤلاء الذين يملكون تاريخا حافلا لا نقرؤه، لكن أقرؤه جيدا عندما كنت أذهب إلى أبنود فى الماضى، وأجد «الوحدة الصحية المجمعة»، فأقول «حاجة كويسة»، كنت أقول ذلك بينما الفلاح البسيط يصطحب زوجته وعياله ليتلقوا العلاج هناك، بعد أن كان يضطر لأن يأخذهم فى الماضى إلى المدينة ويرجع بهم جثثا على كتفه.
لقد جعل عبد الناصر المستشفى على بُعد عشر خطوات من هذا الفلاح البسيط، قبل أن يتحول الشعب كله إلى متسولين الآن يتصدقون عليهم، ثم يقولون نحن نبنى ألف قرية، طب تعملوا ألف قرية ليه؟ صلحوا القرارات من فوق علشان تنزل للناس صح زى ما كان عبد الناصر بيعمل، رخصوا التقاوى والمبيدات للفلاحين ح يعيشوا فى نعمة ويبقى مش مطلوب منكم صدقات ولا تبرعات.
فى زمن آخر، لم يتوقع الخال عبد الرحمن أن تثير قصيدته «تناتيش للذكرى» كل هذا الصخب والحنين، تماما مثلما لم يتوقع أن يكتب عن عبد الناصر.
كان كل شىء فى منزله الجميل القابع فى أحضان حدائق المانجو بمنطقة «الضبعية» فى الإسماعيلية لا يزال على حاله، قبل أن ينقلب كل شىء فى لحظات، احتفاء بقدوم عبد الناصر شخصيا.
وحده جاء عبد الناصر، ونزل على قلب عبد الرحمن، تماما مثلما يتنزل أبطال السير والملاحم الشعبية على قلوب رواتها، «جاء وكتبته كما أراد.. بطريقة المربعات، مثلما كتب الأوائل السيرة الهلالية».
لم يُخفِ عبد الرحمن الأبنودى فرحه بالقصيدة، لكنه لم يُخفِ دهشته أيضا من تداعياتها، وأن تثير كل هذا الحنين.
على أرض الواقع، مرت علاقة الأبنودى مع عبد الناصر بعديد من المنحنيات، عبّر عنها الشاعر فى كلمات قوّتها فى بساطتها، فقد مرّ الأبنودى بتجربة السجن فى عهد عبد الناصر فكتب عنه، وبعد الإفراج عنه كتب أيضًا، ورثاه بعد وفاته، وظل يذكره ويتحدث عنه فى أى حديث له.
كتب الأبنودى عددا من القصائد عن وإلى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، تمثل رسائل عتاب ومديح وحديث باسم مصر إلى رئيسها السابق.
كان منها «الله يجازيك يا عم عبد الناصر» وكتب فيها:
الليل مليّل.. والألم عاصر
لسه اللى بيبيع أمته كسبان
وكل يوم.. أطلع أنا الخاسر
الله يجازيك يا عم عبد الناصر
وفى قصيدة «البدل» قال عنه:
وتقدروا تخرجوا م الأغلال
اللى كتفكم بيها، اللى علمكم لعبة رأس المال
لو غيرتوا الحال..
أقسم قدام شعبى أغنى لكم من قلبى
وعمرى ما أغنى تانى
ل«جمال».
أيضا «مواويل وتناتيش للذكرى» التى قال فيها:
من يمدحُه يطلع خاسر
ويشبَّروله.. أيامه
يعيش جمال عبد الناصر
يعيش بصوته وأحلامه فى قلوب.. شعوب عبد الناصر
مش ناصرى ولا كنت ف يوم
بالذات فى زمنه وف حينه
لكن العفن وفساد القوم
نسّانى حتى زنازينه.. فى سجون عبد الناصر
إزاى ينسّينا الحاضر..
طعم الأصالة اللى فى صوته؟
يعيش جمال عبد الناصر
يعيش جمال حتى ف موتُه ما هو مات وعاش عبد الناصر!
اسمه جمال وجميل فعلا
ياما شفنا شجعان خوّافه
عظيم.. وكان إنسان طبعا
المجد مش شغل صحافة علشان ده عاش عبد الناصر
و«موال لجمال» بمنزلة رثاء بعبد الناصر، وقال فيه:
وألْف رحمة على اللى لِسَّه «قُلْنا وقال».
اللى مَضَى وذمِّته.. مَثَل جميل.. يتقال.
ما هى نادْرة فى مصر حاكم.. يطلع ابن حلال
حاكم.. يِدادى الجميع.. ويبوسْ رقيق الحال.
وده عِشْقِتُه: فلاحين.. طلَبة.. جنود.. عُمّال.
وخاض معارك جِسام.. مين طلّع الاحتلال..؟
مين اللى صحَّى الشعوب.. تكسَّر الأغلال؟
ويْبُخُّوا أكاذيب فى سيرتُه يسمِّموا الأجيال.
من بعد ما شفنا غيرُه.. فهمنا عهد جمال.
فى يونيو 1975، كان «السادات» يفتتح قناة السويس، ومعه عبد الرحمن الشرقاوى، وأنيس منصور، فنظر إلى الشط ووجد الفلاحين على الشاطئ، فقال: «مش دول بتوع عبد الرحمن الأبنودى بتوع وجوه على الشط، أمال الأبنودى فين؟».
بعدها ورد الأبنودى اتصال من فوزى عبد الحافظ، مدير مكتب «السادات» يقول له: «سعادة الريس منتظرك فى استراحة المعمورة»، فرد عليه: «يا عم أنا ماعرفش استراحة المعمورة ابعتولى عربية»، فقال له عبد الحافظ: «لأ.. اتصرَّف وتعالى.. وكلمنى لما توصل إسكندرية».
وبالفعل اتصل «الأبنودى» من مقهى على الكورنيش لدى وصوله، وتم إرسال سيارة سوداء لتقلّه، ولما وصل انتظر دقائق حتى قابله «السادات»، فقال: «إنت جيت يا عبد الرحمن»، فردّ: «أهلا سيادة الرئيس»، ومد «الأبنودى» يده ليسلم على الرئيس لكن كانت الطاولة بينهما طويلة بحيث يضطر الخال للانحناء فى أثناء المصافحة، وهنا ظهر مصور من العدم، والتقط تلك الصورة فى أثناء مصافحة الخال ل«السادات» وهو منحنى، ويقول «الأبنودى» فى هذا الشأن إنه أحد «ألاعيب السادات».
انضم «الأبنودى» بعد هذا اللقاء إلى حزب التجمع، فغضب «السادات»، وبعث له مع أحد الأشخاص أن «السادات بيعملك وزارة اسمها وزارة التثقيف الشعبى.. مبروك هتبقى وزير»، وانتشرت الأخبار الكاذبة بعدها تباعا عن لقاءات -لم تحدث- بين السادات والأبنودى، فاتصل الخال بفوزى عبد الحافظ وقال له: «يا فوزى بيه أنا راجل شريف، والشارع هو اللى عملنى مش الحكومة، الحكومة اللى قبلكم حبستنى، فلو سمحت أنا مش بتاع حد، أنا من الشارع المصرى، وإذا كان وجوه على الشط أثّر فى الرئيس فده لأنى صادق مع الناس مش مع الرؤساء، وقول للريس إن أنا ما انفعش للشغلة دى»، فرد عبد الحافظ: «كده يا أستاذ!.. حاضر».
انتهت بذلك العلاقة بين «السادات» و«الأبنودى»، وبدأت بعدها سلسلة من التحقيقات مع «الخال»، بعد كل قصيدة تنزل على «السادات» كالقذيفة، وأصبح الخال من روّاد «أمن الدولة» الدائمين.
عندما سئل الأبنودى عن القصيدة، التى مدح فيها قاتل السادات، فقال: إن السادات كان يوده، وهو يقدره ويحبه، وإنه أكثر رئيس سعى ليكون صديقه، لكنه -الأبنودى- كان ضد مفاوضات كامب ديفيد، وأى شخص يمكن أن يمنع مثل هذه الكارثة كان لا بدَّ من مديح ما قام به.
التقى الشاعر الكبير مع الرئيس الأسبق حسنى مبارك 3 مرات، أولاها كانت بعد أن أعجب بأغنية «مصر يا أول نور فى الدنيا»، وعلم أن الأبنودى هو من كتبها، فطلب مقابلته، واتصل مكتب الرئيس به وأخبره أن ميعاد اللقاء فى التاسعة صباحًا، فردّ عليه الأبنودى: «أنا باصحى الساعة 11، يا ريت تأخرولى الميعاد شوية»، فتعجب المتصل، وقال له: «يا أستاذ أبنودى ده ميعاد رئيس جمهورية»، فذهب الأبنودى فى الميعاد لمقابلة مبارك، ورحب به، وقال له: «أنا سمعت الأغنية وسعيد بها»، وبدأ بينهما حوار امتد لساعات، قال مبارك: «أنا أول واحد بيصحى فى البلد دى علشان أضمن أن العيش وصل للناس»، ردّ الأبنودى: «يا ريس مفتاح البلد دى هى الديمقراطية»، ليستمر الحوار على هذا المنوال:
مبارك: «أنا لو ادّيت الديمقراطية بالشكل اللى انت بتقوله مش هاعرف أحكم، وآديك شايف حال البلد».
الأبنودى: «ده رأيى، ولازم دائما تلتقى بالمثقفين وتحاورهم».
مبارك: «إنتو كمان لازم تقفوا معانا».
الأبنودى: «أقف مع الناس نقف معك».
مبارك: «أنا طلعّتهم من السجون».
الأبنودى: «دى حركة سياسية».
اللقاء الثانى كان فى التسعينيات، يومها حاول الأبنودى التهرب من اللقاء بكل السبل لكن باءت محاولاته بالفشل، وكانت الشائعات حول جمال مبارك، فى أوجها، فذهب الخال ل«مبارك» وقال له: «الشعب المصرى عنده جورنال سرّى، ولم يطلق شائعة إلا وتأكد الناس من صحتها فى ما بعد... الناس مش مبسوطة، بناء الكبارى مش كفاية»، فتساءل مبارك: «طيب أعمل إيه؟»، فرد الخال: «لأ من ناحية تعمل تقدر تعمل كتير».
أما الثالثة فكانت فى دعوة لثلاثين فردا من الكتّاب والمثقفين لمقابلة الرئيس فى قصر الرئاسة، وكانت بعد نشر الخال قصيدته «عبد العاطى»، يقول الأبنودى: «لحظة دخول الرئيس كان واقفا بجوارى زكريا عزمى، ورغم ذلك تجاهلنى، ولم يُسلم علىّ كالعادة، فحاولت أرجع إلى الوراء قليلا من جواره فداس على رجلى كى لا أتحرك! ودخل حسنى مبارك، وسلّم على اثنين ثم التفت إلىّ، وقال بلهجة تهديدية: (ازّيك؟.. كويس؟)، قلت له: (آه كويس يا ريس)، وراح مكمل مَشْى. وأتذكر أن كل الكتاب السياسيين ورؤساء تحرير الصحف كانوا فى هذا اللقاء، لكن اللى شال القعدة كان الدكتور محمد السيد سعيد، وقد شن هجوما ضاريا على مبارك ونظامه، وتحدث عن كل شىء فى فساد الدولة وفساد أبنائه».
توترت علاقة «الأبنودى» ب«مبارك» بعد قصيدة «الاسم المشطوب»، فبعد نشر القصيدة بيومين، اتصل الخال بزكريا عزمى، ليخبره بخصوص قرار علاجه على نفقة الدولة، فلم يردّ، وتنصّلت الدولة من علاجه، ومن هنا انقطعت العلاقة بين «الخال والدولة»، كما فى سابقتها.
الرئيس الأسبق حسنى مبارك اتصل بالأبنودى خلال مرضه فى باريس فى عام 2008. ومن ثم قال الأبنودى فى بداية حواراته بعد عودته من العلاج، إن ميزة مبارك أنه لا يسمع للوشاة، ولا أحد يؤثر على موقفه أو قراراته.
وإذا كان الأبنودى قال عن الرئيس الأسبق محمد مرسى: «أنا بالنسبة لى مرسى ميسواش بصلة»، فإن علاقته بدت ممتازة مع الرئيس عبد الفتاح السيسى، الذى التقى به أكثر من مرة منذ إبعاد مرسى عن السلطة، وقال ذات مرة إن السيسى، زعيم طاهر لا يختلف معه إلا الباطل، وإنه يذكره بإخناتون.
وفى أزمته الصحية الأخيرة، أجرى السيسى، اتصالا هاتفيا، مع المذيعة نهال كمال، زوجة الأبنودى، للاطمئنان على صحة الشاعر الكبير، قبل أن يوافيه الأجل المحتوم.
كتب لعبد الحليم بعد النكسة وعقب نصر أكتوبر.. وفتح له باب الغناء الشعبى عبر «على حسب وداد قلبى»
كتب- محمد الشماع:
فى منزله الريفى بالإسماعيلية احتفظ الشاعر الراحل الكبير بلوحة لقصيدة كبيرة كتبها فى ذكرى رحيل عبد الحليم حافظ. وما هو مدون عليها، وما هو وراءها، تاريخ كبير وعظيم.
لم يفترق الاثنان، ولم يختلفا. عندما طلبتهما مصر بعد النكسة وجدتهما، وعندما طلبتهما بعد الانتصار وجدتهما. وعندما طلبتهما السينما أوجدا معًا «مشيت على الأشواك»، وعندما طلبهما الغناء الشعبى أوجدا معا «وأنا كل ما أقول التوبة»، و«على حسب وداد قلبى».
أما عندما طلبتهما مصر، فكان التدفق فى الإنتاج والإحساس معا. «عدى النهار» أو موال النهار، كان التعاون الأبرز والأهم.
كشف الأبنودى فى أحد حواراته، أن أغنية «عدى النهار»، التى قدمها الثلاثى عبد الرحمن، وعبد الحليم، وبليغ، كانت الأقرب إلى قلب حليم، فيقول «حدث لعبد الحليم ما لم يحدث له فى أى أغنية من قبل، حيث ظل يحلم لمدة 3 أيام بأنه يرتدى جلبابا أبيض، ويحمل على الأعناق فى ميدان التحرير ويغنى وسط الشباب هذه الأغنية، التى خرجت فى لحظة مظلمة من تاريخ مصر، لتفتح نافذة على الضوء وتبشر بالنهار». فكانت هذه الأغنية أقرب الأغانى إلى قلب عبد الحليم حافظ، وكثير من الشعب المصرى.
يقول مطلع القصيدة:
عدّى النهار والمغربية جايّة
تتخفّى ورا ضهر الشجر
وعشان نتوه فى السكة
شالِت من ليالينا القمر
وبلدنا ع الترعة بتغسل شعرها
جانا نهار ماقدرش يدفع مهرها
يا هل ترى الليل الحزين
أبو النجوم الدبلانين
أبو الغناوى المجروحين
يقدر ينسّيها الصباح
أبو شمس بترش الحنين؟
أبدا.. بلدنا ليل نهار
بتحب موّال النهار
الأغنية الثانية كانت «ابنك يقولك يا بطل» من ألحان كمال الطويل، وكتبها الأبنودى للجنود المصريين على جبهة الحرب مع إسرائيل بين النكسة والانتصار.
وتقول كلمات الأغنية:
ابنك يقولك يا بطل هاتلى نهار
ابنك يقولك يا بطل هاتلى انتصار
ابنك يقول أنا حواليا الميت مليون العربية
ولا فى مكان للأمريكان بين الديار
كما كتب الأبنودى «أحلف بسماها وبتربها» ولحنها أيضا الطويل، وقدمها عبد الحليم ليؤكد أن الشمس لن تغيب عن مصر والأمة العربية.
وتقول كلماتها:
أحلف بسماها وبترابها
أحلف بدروبها وأبوابها
أحلف بالقمح وبالمصنع
أحلف بالمدنة وبالمدفع
باولادى بأيامى الجاية
ما تغيب الشمس العربية
طول ما أنا عايش فوق الدنيا
فى نهاية الستينيات كان عبد الحليم حافظ حريصا فى بداية حفلاته أن يغنى هذه الأغنية.
بعد نصر أكتوبر 1973 قام عبد الحليم بالاتصال بصديقه الأبنودى، وطلب منه أغنية عن النصر العظيم، فكتب الأبنودى «صباح الخير يا سينا»، ولحنها الموسيقار كمال الطويل، وسجلها عبد الحليم حافظ رغم مرضه الشديد، وبعد التسجيل قال للأبنودى «اعذرنى يا عبد الرحمن فقد غنيتها دون إعادة لأنى متعب جدا».
فى الألفية الجديدة، نشرت مجلة «الكواكب» قصيدة للأبنودى خاطب فيها روح صديقه العندليب عبد الحليم حافظ، وذكرياته معه حيث قال فيها:
فينك يا عبد الحليم؟
فين صوتك اللى كان فرح وهموم
اللى طلع من قلبك الشايف
حالف يعيش ويدوم
فى زمن.. فى غدره كريم؟
فينك يا عبد الحليم؟
فينك يا أحلا من يغنى الفراق
تيجى تغنى زحمة الشهداء
والدم فى فلسطين وفى لبنان
وعلى توب العراق؟
الموت صبح ساهل
وإحنا اللى نستاهل
ألهنا على روسنا الذليلة
كل شيطان رجيم؟
فينك يا عبد الحليم؟
فينك يا زارع الحلم
بعد الحلم.. بعد الحلم..
الحلم شارب سم
الدنيا ليل مكون بريح وغيوم
ولا حد سامع صرخة المظلوم
ولا أنة المهموم
الدنيا منتظرة صوتك
ليه رحلت قوام؟
ضاقت مساحة الكلام
بساتين من الأحزان والشوك..
ما زال يوعد بصحبة ورد
الشوك خسيس..
عمره ما يوفى بعهد
الشوك -كما تعرف-
خبيث.. خوان
كأنه فجر أعمى..
ما شافشى آدان
وكل صبح جديد
بحزن قديم
فينك يا عبد الحليم؟
ولا عاد حبيب ينضم
ولا عبير ينشم
ولا ضحكة ملو الفم
هربت ليه يا عم
مش كنت تنتظر الليالى الهم
ملونه فلسطين بلون الدم
وتقيم بأحلا صوت صلاة الصبح
حتى لو الأمة صلت دون ما واحد أم؟
والضحكة.. أناتنا.. إذا تتلم
قابض على الحلم الشهيد.. باليد
وكل ما نشد الأمل.. ننشد
الكل راحل
والجناح منحول
فى غربة
تقتل قلبنا المقتول
واحل فى صوتك
أحلا ماف صوتى
ورحل بموتك..
أحلا ما فى موتى
هاربة الحدود
وبيطاردها الحد
الاغتصاب
مالوش حدود ولا حد
كله بيرحل
من دموع الخد للشهدا
«الكينج» والأب الروحى.. ملحمة الأغانى الممكنة
حالة الانهيار التى أصيب بها الفنان محمد منير بعد سماع خبر وفاة الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودى تلخص كل شىء.
فقد انتابت منير حالة من البكاء الهستيرى، خصوصا أنه كان قد زار الأبنودى خلال مرضه الأخير بهدف الاطمئنان عليه، قبل أن يرحل «الخال» عن عالمنا.
من المعروف أن علاقة وطيدة تربط الاثنين، حيث يعتبر منير الأبنودى فى منزلة الأب الروحى له.
ورغم مرضه الشديد، ووجوده على سرير المرض، فإن الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودى استكمل فى مارس الماضى كتابة أغنية كى يؤديها صديقه «الكينج» محمد منير فى حفل على هامش المؤتمر الاقتصادى فى شرم الشيخ، الذى عقد فى ذلك الشهر.
لم يكن الأبنودى ليرفض طلب منير، خصوصا أن العلاقة التى جمعت بينهما والمشوار الفنى الذى قطعاه طوال سنوات، جعلاهما متقاربين فى كثير من الأوقات، بل إن الأبنودى كان مهتما قبل رحيله بكتابة عدد من الأغنيات لكى يؤديها منير فى افتتاح قناة السويس الجديدة خلال العام الجارى.
غنى منير من قبل ملحمة «يونس» و«الحب زى الطيور»، و«الليلة دية» و«شيكولاتة»، و«كل الحاجات» وتترات مسلسل «مملكة الجبل» وغير ذلك من أعمال فنية من كلمات الأبنودى، إضافة إلى «السيرة الهلالية»، التى نذر الشاعر الكبير الراحل نفسه لجمعها وتدقيقها.
يدين منير بالوفاء للشاعر الرحل، وهو الذى سبق له أن قال إن الأبنودى كان من أهم الشخصيات التى أثرت فى شخصيته، وكان له دور بارز فى صنع نجوميته
الرئاسة تنعى الخال: لم يتأخر عن نداء الوطن كلما احتاج إليه
كتبت- أميرة إبراهيم:
أصدرت رئاسة الجمهورية بيانًا لنعى الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودى، أشادت فيه بانشغاله بهموم وطنه حتى وسط آلام مرضه الأخير، ولآخر لحظة فى عمره لم يتأخر عن نداء الوطن كلما احتاج إليه. وجاء فى بيان نعى الشاعر الكبير:
(بسم الله الرحمن الرحيم) «يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِى إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِى فِى عِبَادِى وَادْخُلِى جَنَّتِى»
يتقدم المكتب الإعلامى للسيد رئيس الجمهورية بخالص العزاء للشعب المصرى فى وفاة الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودى، الذى رحل عن عالمنا بعد صراع طويل مع المرض، لم يمنعه خلال السنوات الأخيرة أن يظل كما عهدناه مشغولاً مهموما بمشاكل ومستقبل هذا الوطن. رحل الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودى بجسده، ولكنه سيبقى بروحه وكلماته وقصائده ومواقفه الوطنية رمزًا أدبيًّا وفنيًّا ومصريًّا خالصًا، لم يتأخر قط عن نداء الوطن حينما احتاجه، وعاش مدافعًا عن قيمه وتراثه وحضارته، وحفر فى وجدان كل مصرى وكل مواطن عربى صورة عصية على المحو، أو النسيان.
بعدما ظهرت فى مسلسل «العندليب» مجسدا دور الأبنودى، وجدت بعدها مكالمة من رقم أرضى، وعنددما أجبت وجدت من يقول لى (أنا خالك) أسعدتنى كثيرًا تلك المكالمة التى هنأنى فيها الخال عبد الرحمن الأبنودى على الدور والأداء، وقال لى مازحًا: «ناس من أبنود كلمونى، بيقولولى فيه ممثل بيعمل الأبنودى أحسن منك».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.