بعض وسائل الاعلام الخاصة من صحف وقنوات تليفزيونية تتباري في نشر ومناقشة قضايا تحت دعوي ممارسة الحرية وحق المواطن في المعرفة. ولكن أي معرفة هذه تفيد المواطن أو تنير عقله وطريقه، فهي دعوة ظاهرها حق وباطنها دعوة ظلامية لتدمير الوطن. المسئولون عن الفضائيات يلهثون وراء الاثارة في المادة الاعلامية كأحد مظاهر الترويج للقناة أو اثبات نجاحها جذبا للاعلانات. وضيوف هذه البرامج ليس هدفهم الاصلاح أو النصح لله ومصلحة الوطن والمواطن. بقدر ما هو السعي وراء الشهرة وجمع المال. نماذج هذه الفوضي الاعلامية كثيرة ومظاهرها متنوعة في قضايا الفتنة الطائفية واحياء النزعة العرقية وتأليب فئات ابناء المجتمع علي بعضهم، وتضخيم بعض التصرفات الفردية السيئة لاحد افراد الشرطة، وتحويلها الي قضية فساد جهاز وانتهاك لحقوق الانسان. وتصبح مدعاة للتدخل في شئون مصر الداخلية واساءة الي سمعتها في الرأي العام الخارجي. وهناك فرق كبير بين من يميلون الي المناقشة الموضوعية ونقد التصرفات السلبية والسلوكيات الخاطئة لبعض افراد المجتمع أو هيئاته. وبين من يجنح الي اثارة البلبلة وتحميل الواقعة اكثر مما تحتمل، ويلصقون بأنفسهم صفات الشجاعة في المعالجة الاعلامية وتبني الاصلاح في المجتمع وهي مغالطة تحتاج منهم الي مراجعة. فكلما كبرت مساحة الحرية، زاد الاحساس بالمسئولية، بما يضر وما ينفع. وما تعرضت له مصر في الآونة الاخيرة من تداعيات سلبية بين رجال الدين المسيحي والاسلامي، كان من الممكن ان يؤدي الي كارثة بالمجتمع. لولا اليقظة لشيخ الأزهر وكرازة البابا والتي اشرت اليها في الاسبوع الماضي. واستكمالا للمعالجة الاعلامية لهذه القضية نتعرض اليوم لحنكة المجلس الاعلي للصحافة وصفوت الشريف رئيس المجلس، وفطنة انس الفقي وزير الاعلام فيما اتخذوه من اجراءات. وذلك بدعوة المجلس الاعلي للصحافة بتناول أي اختلاف في الرأي في اطار الحفاظ علي وحدة الوطن دون الوقوع في خطأ استخدامه بحسن أو سوء نية لاشعال المزيد من النيران، ودعوته للالتزام بميثاق الشرف الصحفي، واتخاذ الاجراءات التي يكفلها القانون للحفاظ علي الوحدة الوطنية. ويبقي في هذا الشأن ضرورة وقوف نقابة الصحفيين وقفة حاسمة وجادة مع هذه الممارسات الخاطئة. ومن منطلق نفس الحرص علي الوطن كان بيان وزير الاعلام بمناشدة المسئولين عن القنوات الفضائية المصرية والعربية الابتعاد عن الاثارة والفتنة في القضايا العقائدية والخلافية علي شاشات الفضائيات واشعال الخلاف بين ابناء الوطن الواحد. ولم يكتف وزير الاعلام بالمناشدة بل بادر باتخاذ قرار بمراجعة القنوات التليفزيونية التي تبث علي القمر المصري نايل سات والتأكد من التزامها بعدم بث مواد ذات طبيعة دينية أو تدعو الي الفتنة والعنف. القرار مهم.. ولكن الأهم يقظة ضمير أي مسئول اعلامي وإعلاء مصلحة الوطن فوق أي اعتبار.