تعد الكرامة الإنسانية من أهم الأسس التي تقوم عليها حقوق الإنسان لذا حرصت غالبية الدساتير في العالم علي النص عليها باعتباره "المبدأ الرئيسي« الذي تُفهم من خلاله مفاهيم الحرية والعدالة والمساواة، وتأكيدا علي أهمية احترام وصيانة كرامة الإنسان حرص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في ديسمبر 1948م علي النص عليها في مادته الأولي: "يولد جميع الناس أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضا بروح الإخاء." وفي الحقيقة فقد سبق الإسلام هذه النداءات العالمية وحث علي المحافظة علي كرامة الإنسان باعتباره خليفة الله علي الأرض، ويقول المولي عز وجل في الآية 70 من سورة الإسراء "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم علي كثير ممن خلقنا تفضيلا" وهكذا يدعونا الإسلام للتمسك بجوهرة حقوق الإنسان وهي كرامته التي أنعم الله بها عليه ولا يمكن له أن يعيش بدونها. ولا بد ان نسلم ان كرامة الإنسان هي قيمة الإنسان، كونه إنسانا بغض النظر عن أصله وجنسه وعمره وحالته، و الكرامة حق طبيعي" وقيمة مجردة تولد مع الإنسان وتبقي معه حتي موته. وهي "مفهوم لا علاقة له بما يقدمه الإنسان أو بحالة الإنسان، وعلي سبيل المثال كرامة السجين المجرم تعادل كرامة أي إنسان آخر، فهنا تنفصل الكرامة عن الاعتقاد بارتباطها بالأعمال ونوعها, فالكرامة لا تُمنح ولا تصير من خلال الأعمال أو الحالة . لذلك فإن كرامة رئيس جمهورية أو جندي او عالم أو طبيب أو فلاح هي نفسها , وهي قيمتهم كبشر متساوين أمام قانون عادل. ويجدر الإشارة أن أول من أدخل مفهوم الكرامة الإنسانية في دستوره هم "دستور 1937 وعند صياغة دستور جمهورية المانيا الاتحادية بعد الحرب العالمية الثانية وضعت كرامة الانسان كأعلي مبدأ دستوري وكسقف تمر من تحته كل القوانين،. فنصت المادة الأولي من دستور جمهورية المانيا الاتحادية والصادر في 23 مايو 1949 علي ان : "كرامة الإنسان هي أمر لا يمس به. ويجب علي كافة سلطات الدولة احترامها وحمايتها. ويعترف الشعب الالماني بأن صيانة حقوق الإنسان وعدم التعدي عليها هو أساس لأي من المجتمعات الإنسانية وللحرية والمساواة في العالم" ونصت المادة الثالثة علي انه:" لا يجوز لأي شخص بسبب الجنس أو النسب أو العرق أو الوطن أو اللغة أو الأصل أو العقيدة أو الرأي الديني أو السياسي أن يضار أو يفضل عن غيره". ويلاحظ ان هذه النصوص الوارده في الدستور الألماني تتكلم عن الإنسان عامة دون الإشارة تحديدا الي ان المقصود بالحماية واحترام الكرامة هم المواطنون فقط فهي تشمل أي انسان يتواجد علي أرض جمهورية المانيا الاتحادية . وفي تقديري أن الخطوة الأولي في طريق بناء الإنسان وتمكينه وتنمية قدرته علي التفكير والإبداع ورفع مستواه الفكري والمعيشي، هي في جعله يشعر بكرامته وبقيمته، وإلا فسوف لا يولي لنفسه أي اهتمام ولا يبذل لإصلاح وضعه أي نشاط، مهملاً حاضره ومستقبله وحتي ماضيه، وفي هذه الحالة يفقد الثقة في نفسه ويفقد الدافع نحو تحسين أموره وأوضاعه، ويبقي خاملاً جامداً غير قادر علي حل ما يواجهه من مشكلات سواء الشخصية او المجتمعية، مما ينعكس سلبا علي مسيرة التنمية بشكل عام. لذا فإنه من الأهمية ان يتضمن الدستور الجديد نصا واضحا يؤكد علي احترام كرامة كل انسان يوجد علي ارض مصر، حيث ان دستور 71 ودستور 54 قد اكتفيا بالنص علي معاملة من يقبض عليه او يحبس او تقيد حريته بما يحفظ عليه كرامة الانسان وعدم ايذائه بدنيا او معنويا. نحن في حاجة الي نص دستوري عام يلزم كافة سلطات الدولة بمراعاة ألا تمس كرامة الانسان في مصر سواء من خلال تشريعاتها او لوائحها او قراراتها وان تحترم كرامة الانسان في كافة المعاملات والعلاقات المجتمعية. والله ولي التوفيق.