الكرامة.. هي الأولي والمنتهي من المفارقات اللافتة للنظر، أن الذكري الثالثة والستين لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي حلت في العاشر من الشهر الجاري، مرت دون أدني اهتمام يذكر في الدول العربية، مع أن اثنتين من دول الربيع العربي هما تونس ومصر، كان المحرك الرئيسي لثورتيهما، هو الانتهاك الفظ لحقوق الإنسان، سواء في حادثة، التونسي «بوعزيزي» الذي لم تتحمل كرامته، صفعة الشرطية التونسية له، فحرق نفسه احتجاجا علي هدر الكرامة، تماما كما لم تتحمل الضمائر في مصر، ما جري من انتهاكات للحقوق أودي بحياة الشاب خالد سعيد، وليس هناك أي شك أن ما يجري في سوريا واليمن وما جري في ليبيا، وحركة الاحتجاج المتصاعدة في دول المغرب العربي، هو ثمرة من ثمار بزوغ الوعي الشعبي بضرورة احترام الكرامة الإنسانية، ورفض لأساليب القمع التي مارستها أنظمة الاستبداد الوطني في عصر ما بعد الاستقلال في المنطقة العربية، والتي حرمت شعوبها من حقوقها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، التي أقرها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واكتسبت قوة القانون الدولي، فضلا عن أنها شكلت القاعدة القانونية للعهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية وللحقوق الاقتصادية والاجتماعية الصادرين في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين. ولم يكن صدفة أن تكون الكلمة الأولي في ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هي «الكرامة» حين نصت علي أن الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية، وبحقوقهم المتساوية الثابتة، هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم، كما لم تكن صدفة أن تكون «الكرامة» هي مضمون مادته الأولي التي نصت علي أن جميع الناس يولدون احرارا متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلا وضميرا، وعليهم أن يعامل بعضهم بعضا بروح الإخاء. لقد كابدت البشرية من ويلات حربين عالميتين راح ضحيتهما نحو 67 مليون إنسان خلال نحو 31 عاما فقط، وجاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في العاشر من ديسمبر عام 1948، بمثابة الإصغاء لصوت الضمير الإنساني للحفاظ علي كرامة البشر، وحقهم الذي ينبغي أن تحفظه لهم الدول في العيش الكريم، وما يتطلبه ذلك من الحق في السكن والتعلم، والعمل، والصحة، وتقلد الوظائف العامة وتشكيل النقابات، والانضمام الطوعي إلي الجمعيات والجماعات السلمية، والحق في تأمين المعيشة في حالات المرض والبطالة والعجز والترمل والشيخوخة، فضلا عن حق الأطفال في الرعاية الاجتماعية سواء ولدوا بطريق شرعي أو غير شرعي، وتلك الحقوق تتكامل مع ضمان الدولة لحريات الرأي والتفكير والتعبير والاعتقاد الديني، وهي كلها حقوق يضمنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتقود جميعها إلي الحفاظ علي الكرامة الإنسانية. وما أحوجنا نحن في مصر الآن، إلي إحياء نصوص هذا الإعلان، والاحتفاء بها، ومطالبة المجلس الأعلي للقوات المسلحة، ووزارة الداخلية، بإخضاع جنودهما لدورات مكثفة لتعلم المبادئ التي أرساها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وغيره من القيم الحقوقية، لكي تختفي عن أعيننا نهائيا، تلك الصور المخجلة التي يتعامل بها جنود الشرطة العسكرية، وقوات الأمن المواطنين بوحشية ليس هناك ما يبررها أيا كانت الأفعال المخالفة التي يرتكبها المعتصمون والمتظاهرون وهي وحشية دعت الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن يوجه نظر الحكومة المصرية الي ضرورةضبط النفس واحترام حقوق الإنسان. إن ضبط النفس، والتروي في رد الفعل، والالتزام بالقواعد التي تمليها حقوق الإنسان، والاتفاقيات والإعلانات الدولية لحقوق الإنسان التي وقعت عليها الحكومة المصرية، هي الأسس المهنية والحرفية التي ينبغي للقوات النظامية أن تلتزم بها، كقوات للضبط والربط وحفظ الأمن. ذلك هو الإلهام الذي علينا أن نستوحيه من الذكري الثالثة والستين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وثيقة الضمير الإنساني للحفاظ علي الكرامة الإنسانية، التي هي الأولي والمنتهي.