سيطر مصطلح حقوق الإنسان علي الخطاب الدولي بدرجة كبيرة في الآونة الأخيرة لكن في حين يعتقد البعض أن اتساع تناول مفهوم حقوق الإنسان ما هو إلا تتويج لجهود استمرت علي مدي قرون، في حين يري صمويل موين، أستاذ التاريخ في جامعة كولومبيا، في كتابه الجديد «اليوتوبيا الأخيرة : تاريخ حقوق الإنسان» أن المفهوم الحديث لحقوق الإنسان يختلف بشكل جذري عن المفهوم المرتبط بالمطالبة بالحقوق الذي اعتنقه القدامي في الثورتين الفرنسية والأمريكية فلا هو يعزي إلي التنوير ولا بسبب دوافع إنسانية كما كان في القرن التاسع عشر بل المفهوم الحديث يعود تاريخه إلي السبعينيات ويجسد جهود الرئيس جيمي كارتر لجعل حقوق الإنسان ركيزة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة. ويقول موين إن حركة حقوق الإنسان الحالية هي مجرد رد فعل عالمي للفشل المحلي في صيانة كرامة الإنسان وأن فكرة الحماية القانونية الدولية بتطبيق القوانين مباشرة علي الأفراد خارج سلطة حكوماتهم هي فكرة حديثة. وعن اختياره لعنوان الكتاب اليوتوبيا الأخيرة يوضح الكاتب أن محاولات وضع قوانين لحقوق الإنسان كانت بمثابة آخر يوتوبيا أو آخر عالم مثالي خالٍ من انتهاكات حقوق الإنسان يبحث عن الناس بعد موت اليوتوبيات الأخري. ويرصد موين تاريخ نشأة وتطور حقوق الإنسان منذ ولادتها كفكرة في المرحلة التنويرية إلي كتابتها بشكل رسمي في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في الأممالمتحدة الذي صدر عام 1948 ففي البداية كان المصطلح يعبر عن الحقوق مثل الحقوق الإنسانية والحقوق الطبيعية والحقوق البشرية وقد أصدر الإنجليز قانون الحقوق عام 1689 الذي استمد تفاصيله من القانون والتاريخ الإنجليزي ولم يعط الحقوق خصائص المساواة والعالمية والطبيعية وبقي الأمر إلي أن أصدر الرئيس الأمريكي توماس جيفرسون والكونجرس الأمريكي عام 1776 أول إعلان مهم لحقوق الإنسان وبعد ذلك جاءت الثورة الفرنسية عام 1789 التي كان لها أكبر الأثر علي الفكر الغربي. ويقول الكاتب إن تطور مفهوم حقوق الإنسان تدرج ولعبت المحرقة دورًا صغيرًا نسبيا في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية حتي صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 ، ويشير موين إلي أنه لا يوجد تعريف ثابت وشامل لمفهوم حقوق الإنسان وذلك لاختلاف الثقافات والشعوب، والأنظمة الاقتصادية والسياسية في تعريفها للإنسان ذاته لكن حقوق الإنسان يجب أن تكون متساوية وعالمية يمكن تطبيقها في أي مكان. ومع رصده لتاريخ تطور حقوق الإنسان يؤكد موين أن الانفراج الحقيقي لحقوق الإنسان كان بسبب كارتر الذي أدخل حقوق الإنسان في السياسة الخارجية واتفاق هلنسكي عام 1975 مع الاتحاد السوفيتي، وبعدها ازدهرت منظمات حقوق الإنسان في التسعينيات كما أصبحت المحاكم الجنائية حقيقة واقعة تخدم برنامجا قابلا للبقاء وليست مجرد أداة دعائية تستخدمها النظم السياسية.