اللفظ ليس مبالغا فيه، ما سيحدث في انتخابات مجلس الشعب المقبلة حول مقاعد كوتة المرأة وبسبب نفوذ العائلات وصفقات المستقلين أشبه كثيرا بحرب مكتملة الأركان، يتم التخطيط لها بدقة، ويسقط فيها ضحايا، وينتشي فيها منتصرون، وترفرف فيها رايات أحزاب وعائلات وصور وأسماء، ويتراجع فيها إلي الخلف - ربما لخمس سنوات فقط- من خسروا المعركة بشرف أو دونه. هناك مناطق في الصعيد وسيناء، مغلقة علي عائلات بعينها، ومن الصعب - إن لم يكن من المستحيل - أن يخرج مقعد البرلمان عن هذه الدائرة أو تلك، وإلا كان ثمن ذلك هو الدم فعلا، وهناك الكافرون بالأحزاب الرسمية، أو المنشقون عنها، ويتطلعون لأن يكونوا مستقلين، حتي لو كان هذا الاستقلال جزئيا ومرحليا طوال أيام الانتخابات فقط قبل أن «ينكشف كل شيء ويبان»، ثم هناك مقاعد المرأة التي يكفي للمرء أن يسترجع بعضا من مشاهد «الصراع النسائي» في الأحياء الشعبية أو الراقية، ليتخيل أن وصف «حرب» يليق تماما بما سيحدث، كل الأمل ألا يزيد عدد الضحايا علي الأعداد المعقولة، وألا تكون «البلد» علي رأس قائمة «القتلي». العائلات والقبائل.. كلمة السر في الصعيد وسيناء و«الشفرة الغامضة» علي الوطني عبد المجيد عبد العزيز لا صوت يعلو فوق صوت العائلة والقبيلة، هذا هو مختصر القوة المحركة للانتخابات في بعض المناطق التي يرتبط سكانها بوشائج النسب، مما يجعل من هذه العائلات أو القبائل، قوة لا يستهان بها في معارك الانتخابات البرلمانية خاصة مجلس الشعب، فهي رمانة الميزان التي ترجح كفة النائب التي تؤيده أو تسانده، وتنهي المستقبل السياسي للمرشح المنافس. ويعتبر الصعايدة وبدو سيناء، من أكثر الفئات التي تلتزم بروابط عصبية وقبلية، لذلك تعتبر الدوائر التي تقع في محيط سكنهم محسومة بناء علي رغبات رؤساء هذه القبائل. وكانت هذه العصبيات في الماضي، تسعي لتأييد المرشح الذي يمكن أن يقدم لها أكبر قدر من الخدمات، وعندما بدأت هذه العائلات والقبائل تعي مدي قوتها وتأثيرها في العملية الانتخابية، اتجه أغلبها للاكتفاء الذاتي والسعي بأن يكون مرشحهم من داخل العائلة. وكانت واقعة تكتل أهالي قرية يوسف الصديق بالفيوم، الذين ينحدرون من عائلة واحدة، ضد يوسف والي، وزير الزراعة الأسبق، وتمكنهم من إسقاطه في انتخابات مجلس الشعب 2005 لصالح النائب الإخواني حسن يوسف، من أكبر مظاهر هذه القوة، ولم تفلح معهم كل محاولات التزوير التي قامت بها الجهات الأمنية للتصدي لإرادتهم الصلبة. وظهرت بعض المقاعد بمجلس الشعب محجوزة مسبقا باسم عائلة معينة يتوارث أفرادها المقعد، دون أن يجرؤ أي مرشح من خارج إطارها العصبي علي اقتناصه منهم، فعائلتا القراشية والكيلانية بمحافظة أسيوط، يقتسمان مقعدي دائرة ديروط بينهما منذ سنوات طويلة، ويتوارثان المقعدين بين أجيالهما، وتعتبر الانتخابات الحقيقية هي التي تتم داخل العائلة لاختيار مرشحها، والأمر نفسه يحدث في المنيا مع عائلة (ثابت) بمطاي وعائلة (شكل)، حيث لا يذهب المقعد لأي مرشح خارج العائلة. ومع زيادة هذه التكتلات، وزيادة وعي هذه العائلات والعصبيات بقوتها وقيمة أصواتها المحشودة، تزداد الدوائر التي من المتوقع أن تحسم مبكرا بهذا الشكل في انتخابات الشعب المقبلة. لذلك، يتجنب الوطني الصدام مع مثل هذه العصبيات، لعلمه بمدي قوتها وقدرتها علي التحكم في نتائج دوائرها، ويسعي لاستقطابها، ونادرا ما يقصيها المجمع الانتخابي مهما كانت مرفوضة. إلا أن هذا لا يعني، أن العلاقة بين الوطني والعصبيات دائما عاطفية، فإصرار الوطني علي اختيار نماذج تفتقد الشعبية، يدفع بعض العائلات للخروج عليه والالتفاف حول مرشح من بينهم يحظي بسمعة طيبة، وهو ما لا يراعيه الوطني، مما يضطر مرشح العصبيات للنزول مستقلا، ليسعي الوطني لضمه بعد نجاحه، وهو ما تحاول عائلة (البياضية) أكبر عائلات الإسماعيلية، تفاديه باشتراطها من البداية علي الوطني بضم مرشحها محمد رحيل، مع التهديد بنزوله مستقلا في حال تجاهل الوطني له. ويعتبر خطر الانشقاق الداخلي والتناحر بين أبناء القبيلة أو العائلة الواحدة، هو أكثر ما يهدد هذه العصبيات، وينذر بتفتت أصواتها لصالح المنافسين، ففي دائرة (المحمودية) بالبحيرة، تبادل النائب محمد حميدة البنا، وكيل لجنة الثقافة بمجلس الشعب، المحاضر والاتهامات مع ابن عمه محمود علي البنا، بسبب رغبة الأخير في منافسته علي مقعد الفئات بالدائرة، مما دفع أفراد عائلة البنا للانشقاق والتحزب، ووقعت بينهما مشادات ومصادمات بسبب الخلاف حول من يمثل العائلة في المجلس. يقول عمرو هاشم ربيع - الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية - إن قوة صراع العائلات والقبائل في الانتخابات المقبلة ستعتمد علي النظام الانتخابي الذي ستجري به الانتخابات، حيث إن النظام الفردي سيعزز تأثير هذه العصبيات وستكون الدوائر في ظله محددة وضعيفة وسيسهل السيطرة عليها، وإن الحل الوحيد لتفادي هذه الإشكالية هو نظام القائمة النسبية الذي ستصبح في ظله الدوائر كبيرة الحجم وقوية وستذوب داخله فكرة القبيلة والتعصب للأفراد وليس للمبادئ والأفكار. ويضيف هاشم، أن الوطني أميل لاستقطاب هذه التكتلات العائلية، مع الاختلاف من منطقة لأخري، حيث يراعي الوطني في سيناء والصعيد اختيارات مثل هذه العائلات والقبائل ويخطب ودها. وأكد خبير الشئون البرلمانية، أن التعصب القبلي والعائلي في الانتخابات يعتبر ظاهرة سلبية، حيث إن النظم الديمقراطية تذوب فيها مثل هذه الانقسامات والنعرات، وفي أسوأ الأحوال يحدث نوع من المزاوجة بين الفكرة والشخص، لا أن يكون المحرك للناخب هو شخص المرشح فقط. وأشار هاشم، إلي أنه رغم كل هذه العيوب، فإن التكتلات العصبية تلك، لها جانب إيجابي يتعلق بدفع أعداد كبيرة من أبناء العائلة الواحدة للالتزام بنداء رئيس العائلة والقبيلة علي مختلف فئاتهم، وإن كان هذا من حيث الشكل فقط، أما من حيث الموضوع فهو يسبب مشكلة حقيقية، لأن أغلب هؤلاء الناخبين الذين يتم حشدهم باسم القبيلة يعانون جهلاً بطبيعة العملية الانتخابية وتأثير اختياراتهم عليهم. كوتة المرأة.. الإخوان ينافسون ب 25 من «الأخوات» ..والوفد يتطلع إلي الربع .. والوطني يستعد لابتلاع ال64 مقعدًا! رحمة ضياء بالرغم من كم التحفظ والخلافات التي أبدتها القوي السياسية ( أحزابًا وإخوان ) اعتراضاً علي نظام «الكوتة» باعتباره مخالفاً لأحكام الدستور ومخلاً بالمواطنة، فضلاً عن فتحه الطريق أمام فئات أقلية أخري للمطالبة بكوتة مماثلة إلا أن هذه الاعتراضات جميعاً طرحت جانباً ويجري كل حزب استعداداته الآن علي قدم وساق لاستغلال ورقة الكوتة لصالحه بعد أن أصبحت أمرًا واقعا وكأنها «شر لابد منه» وذلك لدورتين قادمتين. أما جماعة الإخوان فتضرب بكل قوتها لاستغلال ورقة الكوتة والفوز بأكبرعدد من مقاعد المرأة ال 64 عن طريق الدفع ببعض السيدات ذات الثقل السياسي من أصحاب التجارب الانتخابية السابقة اللاتي شمرن عن سواعدهن وقررن الدخول إلي معركة الانتخابات كالدكتورة مكارم الديري التي خاضت الانتخابات السابقة في دائرة مدينة نصر في مواجهة مرشح الحزب الوطني القوي والمدعوم ماليا وسياسيا «مصطفي السلاب». حسين إبراهيم - نائب رئيس الكتلة البرلمانية لجماعة الإخوان المسلمين - أكد أن نساء الجماعة جاهزة للمشاركة بقوة في المعركة الانتخابية القادمة ،وبخاصة في محافظة الإسكندرية . يضيف: الإخوان اتجاه له وجود في الشارع كله في كثير من الدوائر ولدينا الكثير من الأخوات المؤهلات لخوض الانتخابات وهن أفضل بكثير من نواب وصلوا إلي المقعد وأعلنت جماعة الإخوان - في وقت سابق - علي لسان الدكتور عصام العريان - عضو مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين مؤخراً أن الإخوان سيخوضون انتخابات مجلس الشعب المقبلة بقرابة 200 مرشح بينهم 20-25 سيدة. ومن الإخوان إلي حزب الوفد حيث يجري الاستعداد علي قدم وساق لدفع السيدات للمشاركة علي قوائم الحزب، حيث يزخر الحزب بالعديد من الوجوه النسائية التي تحظي بالقبول السياسي، كمني قرشي عضو الهيئة العليا بالوفد، والدكتورة إجلال رأفت مسئولة ملف السودان بالوفد. الأمر الذي أكده طارق سباق- نائب عضو مجلس الشعب عن حزب الوفد - قائلاً: «من الصعب أن نرشح سيدة كممثلة وحيدة للحزب عن محافظة كاملة بمفردها ولذلك سيكون هناك مرشح رجل في كل دائرة، وسيشارك حزب الوفد بحوالي 25% من أصل 64 مقعدًا مخصصًا للسيدات وهو ما يعادل 12 مقعدًا، وستشارك السيدات في لجان الترشيح بالمحافظات علي مستوي الدوائر التي يحظي فيها الوفد بشعبية كبيرة بنسبة 75-80% والدوائر التي تقل فيها عن هذه النسبة لن تنزل بها مرشحات، ولا نستطيع أن نحدد أسماء بعينها حتي تقرر الهيئة العليا اعتماد المرشحات فاللجنة لم تقر حتي الآن غير 5 مرشحات، في الوقت نفسه توقع فيه سباق أن يحصل الحزب الوطني علي 95% من المقاعد المخصصة للسيدات فهو يشارك بجميع المقاعد علي مستوي الدولة من فئات وعمال وفلاحين فضلاً عن أن الدولة تقف إلي جوار مرشح الحزب الوطني عادة بكل ما تملكه من إمكانيات. وعلي صعيد مواز يقول عبد الغفار شكر - رئيس اللجنة المركزية بحزب التجمع -: نخطط للاستفادة من كوتة المرأة بترشيح عدد من عضوات الحزب في انتخابات مجلس الشعب القادمة ومن المحتمل أن يكون عددهن 10 مرشحات ومن أبرز الأسماء التي ستطرح نفسها بقوة علي الساحة الانتخابية الصحفية أمينة شفيق -نائب رئيس الحزب وعضو المجلس القومي للمرأة - والكاتبة فتحية العسال - القيادية بالاتحاد النسائي ومرشحة الحزب السابقة بدائرة قصر النيل - وهناك العديد من القيادات النسائية بمختلف المحافظات وبالنسبة لمحافظات الصعيد فسيكون هناك مرشحتان لحزب التجمع علي الأقل في محافظتي قناوأسيوط. ويختلف الأمر كلياً في الحزب الوطني حيث تعكف الأمانة العامة للحزب علي عقد اجتماعات متتالية لتحديد أسماء مرشحاته لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، وبالبرغم من عدم تحديد أسماء بعينها إلا أن قيادات الحزب مهتمون بترشيح نسبة من السيدات علي قوائمه الانتخابية، إيمان بيبرس مثلا تسعي للحصول علي ترشيح الحزب في دائرة مصر القديمة، بعد استقالة النائبة شاهيناز النجار، وتم إقناعها بالتنازل لصالح الدكتور مجدي علام في الانتخابات التكميلية للدائرة. وفي مدينة نصر تطمح النائبة السابقة ثريا لبنة في الوصول للمقعد، بعد إقالتها من نقابة الاجتماعيين، وهزيمتها أمام النائب الإخواني عصام مختار في انتخابات 2005. المستقلون.. أسماء لن تدخل البرلمان ثانية.. وأخري تنتظر «إتمام الصفقة» منة شرف الدين يظل وصف «المرشح المستقل» هو الأكثر جذبًا ولفتًا للنظر علي لافتات وملصقات الدعاية للانتخابات وهو وصف ينطبق علي كل من المرشحين المعارضين للحزب الوطني غير المنتمين إلي حزب كما ينطبق علي المنتمين لأحزاب مجمدة أو تحت التأسيس مثل: الكرامة كما يتم اعتبار أعضاء جماعة الإخوان المسلمين مستقلين «قانونًا» رغم خوضهم الانتخابات تحت اسم الجماعة وشعارها. ولأن المستقل غالبا معارض للحزب الحاكم ولأن المستقلين شكلوا خطرًَا علي الحزب الوطني عندما انشق أكثر من 160 عضوًا في الانتخابات الأخيرة عن الحزب وتغلبوا علي مرشحيه كمستقلين سعي الحزب لاسترجاعهم وكان لهذه العودة الدور الحاسم لحصول الوطني علي أغلبية المقاعد بالمجلس لكل هذا يتوقع الخبراء اشتعال حرب المستقلين في انتخابات مجلس الشعب المقبلة. يقول النائب المستقل مصطفي بكري: وضع المستقلين أصبح الآن أكثر صعوبة عن ذي قبل خاصة مع فرض الحزب الوطني حصارا عليهم لأنه يعيد ترتيب البيت الداخلي وفق أجندته ولأنه سيكون أكثر حرصا في هذه الانتخابات علي أن تكون المعارضة داخل المجلس متفاهمة مع النظام وليست مستقلة وصاحبة موقف. ويضيف بكري: بدأت الحرب ضد المستقلين بالفعل عن طريق تفتيت الدوائر مثلما حدث مع دائرتي بعد إصدار قانون الدوائر الانتخابية الجديد إلا أنني سأترشح عن دائرة حلوان وسأخوض المعركة ضد وزير الإنتاج الحربي سيد مشعل و في ظل ما يتردد عن اتفاقات وصفقات بين الحزب الحاكم وعدد من الأحزاب فبالتالي أتوقع توجيه الحزب الوطني ضربات لعدد من المستقلين أصحاب المواقف خاصة أن عددًا منهم مطلوب اجتثاثه من داخل المجلس تماما بأمر من أحمد عز - أمين التنظيم بالحزب - إلا أنني أتوقع نجاح عدد آخر من المستقلين المنتمين بالأساس للحزب الوطني . ولأن الانتخابات المقبلة هي أول انتخابات مجلس شعب بعد إلغاء الإشراف القضائي وهي الأخيرة قبل انتخابات الرئاسة في 2011 فإن أهميتها وخطورتها تتضح بشدة خاصة مع وجود تيارات معارضة تطالب بتعديلات دستورية وطرح بدائل رئاسية لذلك فهي لا تحتمل بالنسبة للحزب الوطني انفلات بعض خيوط اللعبة من يديه وبدأ بمحاصرة المستقلين المعارضين بينما يحاول تجنب «النيران الصديقة» من جانب المستقلين المنشقين عنه وربما الاحتفاظ بهم كورقة «جوكر» أخيرة يلعب بها في معركة الانتخابات. أما الدكتور جمال زهران النائب المستقل بمجلس الشعب فيري أن حرب المستقلين في انتخابات الشعب المقبلة مرتبطة بالأساس بمدي توفر ضمانات النزاهة مضيفا: في حالة توافر ضمانات لنزاهة الانتخابات ستزيد نسبة المرشحين المستقلين ونسبة الفائزين منهم أيضا وذلك يشمل مستقلي المعارضة بالإضافة إلي مستقلي الحزب الوطني المنشقين عنه حيث تزداد نسبة المستقلين عن الحزبيين وذلك يرجع إلي أن الأحزاب السياسية المصرية مازالت عاجزة عن استيعاب المرشحين وعاجزة أيضا عن جذب المواطنين كما أنها فشلت في التواصل مع النخبة.