تعيش مصر الآن حالة من الظلام الدامس، وبات انقطاع التيار الكهربائي لمرات عدة عادة يومية, على الرغم من وجود مشروع قومى لتوليد الكهرباء, وهو مُفاعل الضبعة النووى. 53 عاماً هو عمر الحلم النووى المصرى من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وحتى الرئيس عبدالفتاح السيسي، مشروع بناء أول محطة نووية مصرية، الذى يعادل فى الأهمية مشروع بناء السد العالى فى وقته. بداية الفكرة تبدأ الحلقة الأولى من مسلسل عَقَبات مُفاعل الضبعة حينما بدأ الحديث عنه فى عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر, عندما وقّعت مصر على معاهدة الذرة من أجل السلام عام 1953، وتوالت بعدها الخطوات التى اتخذها النظام الحاكم وقتها للدخول فى مجال الطاقة الذرية، إذ وقعت مصر عام 1956 عقد الاتفاق الثنائى مع روسيا بشأن التعاون فى شئون الطاقة الذرية وتطبيقاتها فى النواحى السلمية، وغيرها من الاتفاقيات والعقود التى تتيح لمصر الدخول إلى العالم النووي. حلم عبدالناصر ذهب فى أدراج الرياح مع حلول عام 1964 طرحت مصر مناقصة لتوريد محطة نووية لتوليد الكهرباء قدرتها 150 ميجاوات وتحلية المياه بمعدل 20 ألف متر مكعب فى اليوم، وبلغت التكلفة المقدرة للمشروع 30 مليون دولار، إلا أن نكسة 1967 أوقفت كل هذه المشاريع, وذهبت أدراج الرياح, وتوقف المشروع تماماً وتوقف معه حلم جمال عبدالناصر. السادات يقتدى بعبدالناصر تبدأ الحلقة الثانية مع دخول عام 1974عندما طرحت مصر مناقصة لإنشاء محطة نووية لتوليد الكهرباء قدرتها 600 ميجاوات، ووُقع عقد لتخصيب اليورانيوم مع الولاياتالمتحدة، فى خطوة غريبة من نظام السادات الذى اختار أمريكا، على رغم رفضها حصول مصر على التكنولوجيا النووية، وتبع ذلك توقيع إتفاقية تعاون نووى مع واشنطن. تتصاعد الأحداث عندما طلب الرئيس أنورالسادات دراسات مصرية واستعان بدراسات وخبرات خارجية لبناء محطات الطاقة النووية لتوفير ثلثى احتياجات مصر من الكهرباء، وكان ذلك يتطلب وضوح رؤية سياسية وتوقيع اتفاقيات قانونية، وبالفعل تم توقيع 4 اتفاقيات مع فرنساوأمريكا وكندا وألمانيا، لتسمح هذه الاتفاقيات بالحصول على محطتين للمفاعلات بصورة مبدئية، على أن تصل إلى 8 محطات فى عام 2000. لكن الولاياتالمتحدةالأمريكية عادت للتدخل فى شئون البلاد الداخلية وطلبت إضافة شروط جديدة تشمل التفتيش الأمريكى على المنشآت النووية المصرية, كشرط لتنفيذ المشروع, الأمر الذى اعتبره السادات مساساً بكرامة مصر, ورفض الشروط الأمريكية, ليتوقف المشروع تماماً بعدما أنعش نفوس المصريين بالأمل. خداع مبارك عقب تولى حسنى مبارك رئاسة البلاد قام بخداع الشعب المصرى عندما طرحت مصرعام 1983 مناقصة لإنشاء محطة نووية لتوليد الكهرباء، وكان تبريره الوحيد لتوقف المشروع هو خوفه من حدوث انفجار بالمفاعل مثلما حدث بمحطة "تشرنوبل", الذى وقعت فى أوكرانيا، فقال حينها إن المفاعل لابد من الكشف الأمنى عليه مرة أخرى وإجراء بعض الاختبارات حتى يطمئن الجميع من عدم تسريب أى إشعاع يضر بمصلحة المواطنين. كانت ذروة الخديعة لإخفاء وجود تعليمات من أمريكا وإسرائيل بوقف أى خطوة تجاه امتلاك مصر التكنولوجيا النووية، فكشف آنذاك أن بنك التصدير والاستيراد الأمريكي أوصى بعدم تمويل المحطة النووية المصرية، كما امتنع صندوق النقد والبنك الدوليين عن مساندة المشروع فى خطوة حملت ضغوطاً أمريكية على البنك الدولى لوقف تمويل السد العالى. تتوالى الأحداث فى خداع مبارك للشعب المصري، حينما أعلن عام 2002 نيته فى إنشاء محطة للطاقة النووية السلمية خلال 8 أعوام بالتعاون مع كوريا الجنوبية والصين، لكن هذا الإعلان لم تتبعه خطوة فعلية على الأرض لتسعة أعوام أخرى وسط تسريبات بوجود مطامع لجمال مبارك نجل المخلوع فى بيع أراضى الضبعة للمستثمرين والتربح من العائد الرهيب الذي سيحصل عليه من بيع الأرض التى قدرت قيمتها وقتها بستين مليار جنيه. وفى شهر أكتوبر عام 2004 قام زهير جرانة، وزير السياحة، برفقة محافظ مطروح ووفد أجنبى بزيارة مدينة الضبعة، وقد صرح بعد تلك الزيارة بأنه سيتم تحويل المدينة إلى قرى سياحية، وقد قضى ذلك التصريح على كل الآمال المتعلقة بالمشروع النووى فى مصر. وجدد بعدها سليمان عودة، المتحدث الرسمى باسم الرئاسة، الآمال فى نفوس المصريين حينما أعلن بأنه تقرر أن تكون منطقة الضبعة مقراً لأول مفاعل نووى مصرى لتوليد الكهرباء، وأكد أن الضبعة هى المكان الأمثل لإقامة مفاعل نووى بعد أن ثار جدل واسع حول تحديد مكان إقامة المفاعل، متأثرين بكارثة المفاعل تشيرنوبل الذى أحدث كارثة بأوكرانيا عند انفجاره مما أدى الى إعلان أوكرانيا بأن منطقة تشيرنوبل هى منطقة منكوبة لا تصلح للحياة الآدمية. وفى 9 فبراير 2010، صرح زهير جرانة، وزير السياحة آنذاك أن مفاعل الضبعة يعد مشروعاً قومياً ولا يوجد له أى آثار تضر بالسياحة المصرية، واستشهد حينذاك بفرنسا التى تقوم ببناء المحطات النووية بمحيط منتجعاتها السياحية على الرغم من أنها تعد من أكبر المناطق السياحية على المستوى العالمي. ثورة يناير تكشف أحقاد الطامعين تأتى ثورة يناير العظيمة التى تكشف أطماع جمال مبارك فى توريثه لحكم جمهورية مصر العربية، ومحاولته هو وبعض من رجال الأعمال المتورطين وبعض الوزراء فى بيع مصر قطعة بعد الأخرى وتزيح الستار عن مخربى الوطن، حيث كشفت مصادر وقتها أن هؤلاء المخربين عرضوا على حسن يونس وزير الكهرباء والطاقة السابق اختيار أى موقع آخر لبناء المشروع النووى، مقابل إلغاء مديونية هيئة المحطات النووية بما يعادل 800 مليون جنيه. وفى موقف يحسب لصالحه احتج المشير حسين طنطاوى وزير الدفاع، والقائد العام للقوات المسلحة، مع جهاز المخابرات العامة، على هذا العرض، وتصديا لهجوم مجموعة جمال مبارك على موقع الضبعة، ومارسا ضغوطا لإقناع الرئيس المخلوع بحماية الضبعة والبرنامج النووى المصرى. مرسى ووعوده الخيالية بعدما تقلد المعزول محمد مرسى منصبه كرئيس للجمهورية بأشهر قليلة، زار محافظة مرسى مطروح وأمر وقتها بإقامة المحطة النووية فى الضبعة، ووعد بتعويض أهالى المنطقة عن الأرض التى لم يحصلوا على مقابل عادل عنها، لكن ذلك لم يقنع الأهالى، فنظموا تظاهرات عدة تطالب برفض المشروع، مما أدى إلى توقف المشروع مرة أخرى، وأصبحت أرض المشروع مزارع وحدائق من الصعب إزالتها أو التفكير فى إقامة المشروع بالمنطقة، بناء على طلب الأهالى وإصرارهم على العودة إلى أراضيهم وزراعتها. بعد عزل مرسى شهدت منطقة الضبعة نشاطاً كبيراً بعد أن تدخلت الدعوة السلفية فى تهدئة الأوضاع بين الجيش وأهالى المنطقة الذين رفضوا تسليم الضبعة للجيش المصرى لإقامة المفاعل النووي، وإقناع أهالى الضبعة بتسليم الأرض لبداية المشروع، وإنشاء مشروع سياحى لخدمتهم. السيسى يُعيد أمجاد مفاعل الضبعة تأتى الحلقة ما قبل الأخيرة بوعد الرئيس عبدالفتاح السيسى من أول يوم خلال تنصيبه رئيسا للجمهورية, بتحقيق الحلم المصرى وتنفيذه على أرض الواقع، وإعلانه رسمياً أن منطقة الضبعة هى المكان الأنسب لإقامة مثل هذا المشروع العملاق. وتسعى مصر من بداية العام الجاري، للحصول على ما يسمى ''الأمان النووي''، الذى ستحصل عليه من خلال الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهى إحدى أهم مراحل التراخيص لإنشاء المحطات النووية. مخاوف غير مجزية بعد انفجار مفاعل تشرنوبل بأوكرانيا وتسرب مياه مشعة من مفاعل فوكوشيما بكوريا، أدى هذا إلى إثارة مخاوف المواطنين من إنشاء مفاعل آخر فى مصر يمكنه الانفجار أو يتسرب منه مواد إشعاعية مسممة، فضلاً عن توهم البعض فى أن منطقة الضبعة هى مكان غير مناسب لإقامة مفاعل نووى، ويمكن اختيار مكان آخر. يأتى الجواب أن من يثيرون تلك المخاوف حول أضرار الطاقة النووية هم بعض المنتفعين من عدم إنشاء المشروع، غير أن أميركا بها 108 مفاعلات نووية، فلماذا لا يوجد بها أي أضرار كما أنها دولة كبيرة وبها الكثير من الصناعات. لنصل هنا إلى نهاية مفتوحة لمشروع الضبعة الذى مر بعصور كثيرة ولم ينفذ منه حتى بدايته, ويبقى السؤال هل سينجح الرئيس عبدالفتاح السيسى في إنهاء مشروع "مفاعل الضبعة", مثلما نجح فى إقامة مشروع قناة السويس الجديدة، أم سنشهد حلقة جديدة من حلقات تأجيل تنفيذ المشروع؟!