برلماني: الدولة تسعى لتحسين التجربة السياحية وترسيخ مكانتها بالخريطة العالمية    إزالة 17 حالة تعد جديدة على نهر النيل بدمياط    «إجيماك» تتفاوض مع بنوك محلية للحصول على قرض بقيمة 700 مليون جنيه    واشنطن «غير أكيدة» من وضع قوات كييف...رئيسة ليتوانيا: هذه هي مساعدات أمريكا الأخيرة    غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة بجنوب لبنان    مدرب يد الزمالك يعقد جلسة فنية مع اللاعبين قبل لقاء الترجي    حملات تموينية على الأسواق في الإسكندرية    مفاجأة إسعاد يونس.. ياسمين عبد العزيز ضيفة «صاحبة السعادة» في شم النسيم    الطلاق 3 مرات وليس 11..ميار الببلاوي ترد على اتهامات شيخ أزهري    رامي جمال يتخطى 600 ألف مشاهد ويتصدر المركز الثاني في قائمة تريند "يوتيوب" بأغنية "بيكلموني"    أحمد حسام ميدو يكشف أسماء الداعمين للزمالك لحل أزمة إيقاف القيد    مصر ترفع رصيدها إلى 6 ميداليات بالبطولة الإفريقية للجودو بنهاية اليوم الثالث    ختام امتحانات النقل للمرحلتين الابتدائية والإعدادية بمنطقة الإسماعيلية الأزهرية (صور)    غدا انطلاق معرض وتريكس للبنية التحتية ومعالجة المياه بمشاركة 400 شركة بالتجمع    رئيس الوزراء الفرنسي: أقلية نشطة وراء حصار معهد العلوم السياسية في باريس    مجرم في كهرباء الجيزة!    السر وراء احتفال شم النسيم في مصر عام 2024: اعرف الآن    إنجازات الصحة| 402 مشروع قومي بالصعيد.. و8 مشروعات بشمال سيناء    «صباح الخير يا مصر» يعرض تقريرا عن مشروعات الإسكان في سيناء.. فيديو    رئيس جامعة جنوب الوادي: لا خسائر بالجامعة جراء سوء الأحوال الجوية    الشرطة الأمريكية تفض اعتصام للطلاب وتعتقل أكثر من 100 بجامعة «نورث إيسترن»    وزير الرياضة يشهد مراسم قرعة نهائيات دوري مراكز الشباب النسخة العاشرة    بيريرا ينفي رفع قضية ضد محمود عاشور في المحكمة الرياضية    الرئيس التنفيذي للجونة: قدمنا بطولة عالمية تليق بمكانة مصر.. وحريصون على الاستمرار    بالتعاون مع فرقة مشروع ميم.. جسور يعرض مسرحية ارتجالية بعنوان "نُص نَص"    "اكسترا نيوز" تعرض نصائح للأسرة حول استخدام ابنائهم للانترنت    أمن أسيوط يفرض كرودا أمنيا بقرية منشأة خشبة بالقوصية لضبط متهم قتل 4 أشخاص    خطة لحوكمة منظومة التصالح على مخالفات البناء لمنع التلاعب    فوز أحمد فاضل بمقعد نقيب أطباء الأسنان بكفر الشيخ    بايدن: لن أرتاح حتى تعيد حماس الرهائن لعائلاتهم    التحالف الوطني للعمل الأهلي.. جهود كبيرة لن ينساها التاريخ من أجل تدفق المساعدات إلى غزة    "بيت الزكاة والصدقات" يستقبل تبرعات أردنية ب 12 شاحنة عملاقة ل "أغيثوا غزة"    الإمارات تستقبل دفعة جديدة من الأطفال الفلسطينيين الجرحى ومرضى السرطان.. صور    الكشف على 1670 حالة ضمن قافلة طبية لجامعة الزقازيق بقرية نبتيت    «تملي معاك» أفضل أغنية عربية في القرن ال21 بعد 24 عامًا من طرحها (تفاصيل)    الصين: مبيعات الأسلحة من بعض الدول لتايوان تتناقض مع دعواتها للسلام والاستقرار    حكم واجبية الحج للمسلمين القادرين ومسألة الحج للمتوفين    النقض: إعدام شخصين والمؤبد ل4 آخرين بقضية «اللجان النوعية في المنوفية»    بالصور| "خليه يعفن".. غلق سوق أسماك بورفؤاد ببورسعيد بنسبة 100%    قائمة باريس سان جيرمان لمباراة لوهافر بالدوري الفرنسي    أهمية وفضل حسن الخلق في الإسلام: تعاليم وأنواع    علي الطيب يكشف تفاصيل دوره في مسلسل «مليحة»| فيديو    وزير التعليم ومحافظ الغربية يفتتحان معرضًا لمنتجات طلاب المدارس الفنية    الصحة: فرق الحوكمة نفذت 346 مرور على مراكز الرعاية الأولية لمتابعة صرف الألبان وتفعيل الملف العائلي    السيسي يتفقد الأكاديمية العسكرية بالعاصمة الإدارية ويجري حوارًا مع الطلبة (صور)    سياحة أسوان: استقرار الملاحة النيلية وبرامج الزيارات بعد العاصفة الحمراء | خاص    وزيرة التضامن توجه تحية لمهرجان الإسكندرية للفيلم القصير بسبب برنامج المكفوفين    خبيرة: يوم رائع لمواليد الأبراج النارية    استمرار حبس عاطلين وسيدة لحيازتهم 6 كيلو من مخدر البودر في بولاق الدكرور    حصيلة تجارة أثار وعُملة.. إحباط محاولة غسل 35 مليون جنيه    الدلتا للسكر تناشد المزارعين بعدم حصاد البنجر دون إخطارها    متصلة تشكو من زوجها بسبب الكتب الخارجية.. وداعية يرد    مستشار الرئيس الفلسطيني: عواقب اجتياح رفح الفلسطينية ستكون كارثية    «السياحة»: زيادة رحلات الطيران الوافدة ومد برنامج التحفيز حتى 29 أكتوبر    أبو الغيط: الإبادة في غزة ألقت عبئًا ثقيلًا على أوضاع العمال هناك    هل يوجد تعارض بين تناول التطعيم وارتفاع حرارة الجسم للأطفال؟ هيئة الدواء تجيب    أفضل دعاء تبدأ وتختم به يومك.. واظب عليه    إشادة دولية بتجربة مصر في مجال التغطية الصحية الشاملة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحلم النووى مشروع مصر القومى (الحلقة الأولى)
نشر في الشعب يوم 03 - 05 - 2013

الحلم النووى.. بدأه عبد الناصر وجمده السادات ووأده المخلوع
المشروع بدأ بالتزامن مع إسرائيل.. واكتفينا بالمفاعلات التجريبية فيما صنعت تل أبيب مئات القنابل الذرية
النكسة أجبرت عبد الناصر على إيقاف المشروع.. وضغوط أمريكا وإسرائيل أوعزت إلى السادات بإبطائه.. وداعب مبارك مشاعر الملايين بالتصريحات الجوفاء عن دراسات المحطة النووية الأولى
مصالح جمال مبارك وزمرته أوقفت خطوات المفاعل النووى الأول
صلاحية الضبعة للمحطة الكهربائية النووية تثير الخلاف بين العلماء
الوقود النووى موجود بوفرة ودرجة نقاوة عالية فى الصحراء الشرقية
الحلم النووى أو دخول مصر مجال الطاقة الذرية، مشروع قومى طال انتظاره لخمسة عقود، وبدأته مصر فى خمسينيات القرن الماضى، وتباطأ فى عصر السادات، وجُمد بالكلية وُوئد الحلم تماما فى عهد المخلوع حسنى مبارك بأوامر أمريكا وإسرائيل فى الباطن، وخدع المخلوع الشعب بذكر أسباب واهية لتوقف المشروع العملاق، مستغلا حادث تشرنوبل لتخويف عامة الشعب من مخاطر امتلاك منشآت نووية، مدعيا أن هذه الحوادث يمكن أن تقع كل يوم.
والآن وبعد مرور عامين على ثورة يناير المجيدة، وفى النظام الحالى، يعود الأمل إلى الشعب المصرى من جديد لتحقيق الحلم الذى لا بد من تحقيقه لأسباب عدة؛ من أهمها تحقيق الاكتفاء الذاتى من الطاقة الكهربائية، ودخول عصر النهضة العلمية فى مختلف المجالات الهندسية والطبية والزراعية والتعدينية والصناعية.
ورغم أن بداية الحلم النووى المصرى كانت مع الكيان الصهيونى، اكتفينا بالمفاعلات التجريبية، فيما تمتلك تل أبيب مئات القنابل الذرية. ورغم ذلك ساهم الدكتور محمد البرادعى أثناء رئاسته الهيئة الدولية للطاقة الذرية فى التشهير بمصر والترويج لفكرة وجود يورانيوم مخصب، ملمحا إلى سعى مصر لتصنيع قنبلة نووية بالخلاف للحقيقة، وتغاضى عن امتلاك إسرائيل مئات القنابل الذرية، وهو ما رد عليه يسرى أبو شادى كبير مفتشى الوكالة الدولية السابق بوصفه بخيانة مصر والولاء المطلق إلى الولايات المتحدة ومن يدور فى فلكها.
وفى هذه الحلقة من مشروع مصر القومى، نتناول الحلم النووى منذ أن بدأ التفكير فيه والحديث عنه فى عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر فى خمسينيات القرن الماضى، وبالتحديد عام 1953؛ عندما وقّعت مصر على معاهدة الذرة من أجل السلام، وبعده بعامين (عام 1955) شُكلت لجنة الطاقة الذرية برئاسة الرئيس جمال عبد الناصر، وتوالت بعدها الخطوات التى اتخذها النظام الحاكم وقتها للدخول فى مجال الطاقة الذرية؛ إذ وقعت مصر 1956 عقد الاتفاق الثنائى مع الاتحاد السوفييتى بشأن التعاون فى شئون الطاقة الذرية وتطبيقاتها فى النواحى السلمية، كما وقعت عام 1956 عقد المفاعل النووى البحثى الأول بقدرة 2 ميجاوات مع بولندا، ومن الباطن من الاتحاد السوفييتى، وتقرر فى العام التالى إنشاء مؤسسة الطاقة الذرية،كما أصبحت مصر فى العام ذاته عضوا مؤسسا فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وحصلت أيضا على معمل للنظائر المشعة من الدنمارك فى العام نفسه، وفى عام 1961، بدأ تشغيل المفاعل النووى البحثى الأول ووُقّع اتفاق تعاون نووى مع المعهد النرويجى للطاقة الذرية.
ومع دخول عام 1964، طرحت مصر مناقصة لتوريد محطة نووية لتوليد الكهرباء قدرتها 150 ميجاوات وتحلية المياه بمعدل 20 ألف متر مكعب فى اليوم. وبلغت التكلفة المقدرة 30 مليون دولار، إلا أن حرب يونيو 1967 أوقفت هذه الجهود، فتوقف المشروع بالكلية تحت ضغط قوى الاستكبار العالمى بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
أول مناقصة
وبعد حرب العاشر من رمضان، طرحت مصر عام 1974مناقصة لإنشاء محطة نووية لتوليد الكهرباء قدرتها 600 ميجاوات، ووُقع عقد لتخصيب اليورانيوم مع الولايات المتحدة، فى خطوة غريبة من نظام السادات الذى اختار أمريكا رغم معاداتها حصول مصر على التكنولوجيا النووية، وتبع ذلك توقيع اتفاقية تعاون نووى مع واشنطن.
وشهد عام 1976 إصدار خطاب نوايا لشركة وستنجهاوس. وفى عام 1979 طلب السادات دراسات مصرية واستعان بدراسات وخبرات خارجية من أجل إتمام بناء محطات الطاقة النووية لتوفير ثلثى احتياجات مصر من الكهرباء تقريبا فى غضون 20 عاما، أى بحلول نهاية القرن الماضى. وكان ذلك يتطلب وضوح رؤية سياسية، وإتمام اتفاقيات بين مصر وعدد من الدول لإتمام المشروع على أنجح وجه.
وبالفعل، تم توقيع 4 اتفاقيات مع فرنسا وأمريكا وكندا وألمانيا
وتسمح الاتفاقيات بالحصول على محطتين للمفاعلات بصورة مبدئية، على أن تصل إلى 8 محطات فى عام 2000.
وكأى بلد محترم، بحث السادات عن أفضل الطرق لتنفيذ المشروع، ووُضعت ثلاثة بنود هى: التكلفة والوقت والجودة، بجانب وضع المساهمة الوطنية فى الاعتبار؛ حتى لا يتم الاعتماد على خبرات أجنبية فى إدارة المشروع.
إلا أن تلك الجهود سرعان ما توقفت بسبب عراقيل وضعتها الإدارة الأمريكية بطلبها إضافة شروط جديدة تشمل التفتيش الأمريكى على المنشآت النووية المصرية شرطا لتنفيذ المشروع. وقد اعتبرت الحكومة المصرية هذا الأمر ماسا بالسيادة ورفضته؛ ما أوقف المشروع، وكان خطأ نظام السادات فى هذه المرحلة عدم اختيار بديل حقيقى لأمريكا من دول الكتلة الشرقية أو الغربية التى لا تتفق تماما مع توجهات واشنطن رغم توقيع اتفاقيات مع الدول الأربع السابق ذكرها. وتأخرت هذه الخطوة خمسة أعوام؛ إذ وقعت فى العام التالى (1982) اتفاقية للتعاون النووى مع كندا، وأخرى لنقل التقنية النووية مع أستراليا. وبالطبع أضاع ذلك خمس سنوات كانت كفيلة ببدء المشروع.
وقررت الحكومة تخصيص جزء من عائدات البترول لتوفير دعم لإنشاء أول محطة نووية (محطة الضبعة الساحل الشمالى). وكان قد سبق ذلك انضمام مصر عام 1981 إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وتوقيعها عدة اتفاقيات للتعاون النووى مع كل من فرنسا، والولايات المتحدة، وألمانيا الغربية، وإنجلترا، والسويد.
وأعلن وقتها عن التخطيط لبدء العمل فى أول محطة للطاقة النووية فى أبريل عام 1982، إلا أن اغتيال السادات فى 6 أكتوبر 1981 -أى قبل ستة أشهر من بدء العمل فى المحطة- أوقف المشروع بالكلية.
المواصفات
وبعد تولى مبارك الحكم، توقف الحديث عن المشروع لعامين، حتى طرحت مصر عام 1983 مواصفات مناقصة لإنشاء محطة نووية لتوليد الكهرباء قدرتها 900 ميجاوات، إلا أنها توقفت عام 1986. وكان التفسير الذى خدع به الشعب المصرى هو المراجعة للتأكد من أمان المفاعلات بعد حادث محطة تشرنوبل الذى وقع فى أوكرانيا «إحدى دول الاتحاد السوفييتى السابق»، ومكمن خداع نظام مبارك، أن المحطة التى كانت ستنشأ فى مصر من نوع يختلف تماما عن النوع المستخدم تشرنوبل، فلا مجال لمخاوف تكرار حادثة انفجار نووى؛ ما يوحى بأن التبرير الرسمى لإيقاف البرنامج كان خديعة لإخفاء وجود تعليمات من أمريكا وإسرائيل بوقف أى خطوة تجاه امتلاك مصر التكنولوجيا النووية؛ فقد كشف الدكتور على الصعيدى رئيس هيئة المحطات النووية المصرية الأسبق ووزير الكهرباء السابق، أن بنك التصدير والاستيراد الأمريكى أوصى بعدم تمويل المحطة النووية المصرية، كما امتنع صندوق النقد والبنك الدولى عن مساندة المشروع فى خطوة شبيهة بضغوط أمريكية على البنك الدولى لوقف تمويل السد العالى.
وفى عام 1992 وُقع عقد إنشاء مفاعل مصر البحثى الثانى مع الأرجنتين، ثم توالت فى السنوات 95 و96 و1998 بعض المشروعات المتعلقة باليورانيوم ومعادن الرمال السوداء، وصولا إلى افتتاح مصنع وقود المفاعل البحثى الثانى، وهكذا أضاع نظام مبارك أحد عشر عاما من حكمه دون اتخاذ خطوة فى هذا المجال الحيوى، ولم تَجْنِ مصر سوى مفاعل بحثى ثان بعد الذى حصلنا عليه فى الستينيات من الاتحاد السوفييتى.
وتحت ضغوط هائلة ومطالب متتابعة من العلماء والباحثين الوطنيين بضرورة اقتحام المجال النووى والإسراع بإنشاء محطات للطاقة الذرية لإنتاج الكهرباء لتغطية الطلب المتزايد على الطاقة الكهربائية وعدم وجود بدائل تكفى لسد العجز المتزايد للطاقة اللازمة لتشغيل المصانع والشركات والإنارة المنزلية وكذلك الاحتياج الشديد للتطبيقات النووية والنظائر المشعة فى مختلف المجالات العلمية البحثية والتطبيقية، استمرت هذه الضغوط والمطالب التى أيدها عموم الشعب المصرى ستة عشر عاما. وبعد هذه الفترة الطويلة أعلن نظام مبارك عام 2002 الاتجاه إلى إنشاء محطة للطاقة النووية السلمية خلال 8 أعوام بالتعاون مع كوريا الجنوبية والصين، وهو ما رحب به الخبراء ووصفوه بالخطوة المهمة والنقلة النوعية فى مجال دخول مجال الطاقة النووية، لكن هذا الإعلان لم تتبعه خطوة فعلية على الأرض لتسعة أعوام أخرى وسط تسريبات بوجود مطامع لجمال مبارك نجل المخلوع فى بيع أراضى الضبعة للمستثمرين والتربح من العملات الرهيبة التى سيحصل عليها من بيع الأرض التى قدرت قيمتها وقتها بستين مليار جنيه.
وفى الوقت ذاته، رجح خبراء تأخير البدء فى المشروع النووى حتى توريث الحكم لجمال حتى يظهر فى صورة البطل القومى الذى يحقق لمصر حلما انتظرته عقودا؛ ما يكسبه شعبية وتعاطفا من عموم الشعب. واستمرت الأوضاع مجمدة؛ لا يزيد الأمر عن تصريحات متناقضة تخرج بين الحين والآخر من مسئول لينفيها مسئول آخر، دون تحرك أو خطوة حقيقية على الأرض، حتى خلعت ثورة يناير المباركة مبارك ونظامه وأجلتهم عن حكم مصر.
قطع العشرات من أهالى مدينة الضبعة الطريق الدولى الإسكندرية-مطروح-ليبيا، وهددوا بتفجير خط مياه الشرب المغذى لمحافظة مطروح، ومنعوا رئيس مجلس إدارة شركة مياه الشرب والصرف الصحى بمطروح من المرور أثناء عودته إلى مرسى مطروح من جولة تفقدية بمدينة الحمام، وأشعلوا النيران فى إطارات السيارات على الطريق ومنعوا مرور السيارات اعتراضا على إقامة محطة نووية بالضبعة.
جناية المخلوع على الحلم النووى
جناية مبارك على المشروع النووى لم تتوقف بخلعه وإجلائه عن الحكم، بل امتدت إلى ما بعد ذلك؛ إذ أدى عدم تحمسه للمشروع أو توعية الشعب بأهميته وخلق شعور وطنى عام بحتمية دخول المجال النووى للأسباب العملية والتطبيقية السابقة ولتحقيق الردع للعدو الصهيونى الذى يمتلك مئات القنابل الذرية؛ إلى رفض أصحاب أرض الضبعة والمنطقة المحيطة بها إقامة المفاعلات النووية فى الموقع. وساعد فى تضليل الناس اتجاه نظام مبارك إلى المشاريع الاستهلاكية والرفاهية، مثل الشواطئ والمنتجعات والمشروعات السياحية، وتصوير أن هذه المشروعات كفيلة بالنهوض بمصر؛ وذلك بالطبع بخلاف الحقيقة، وإنشاء المصايف والمنتجعات بطول الساحل الشمالى بدءا بحدود الإسكندرية الغربية، مرورا بالعلمين ومطروح والسلوم؛ ما أدى إلى تنامى شعور برفض أهالى المنطقة إقامة المشروع فى الضبعة. وعقب الثورة بأشهر اعتصم العشرات من أهالى مدينة الضبعة أمام أرض محطة الطاقة النووية، لمدة شهر، وصعدوا احتجاجاتهم بطرد موظفى مصالح حكومية ومنعهم من أداء وظائفهم وإغلاقها من أجل لفت الأنظار إليهم بعد تجاهل المسئولين اعتصامهم لأكثر من شهر داخل خيام أمام أرض المحطة، للمطالبة بإلغاء المشروع أو نقله من الضبعة؛ لتخوفهم من أضراره ولإعادة أرض المشروع إلى أصحابها التى نزعت منهم منذ 30 عاما.
كما طرد المعتصمون موظفى مجلس مدينة الضبعة ومكتب البريد وأغلقوهما، كما ترك عدد من موظفى المصالح الأخرى عملهم وأغلقوا مقار العمل منعا لحدوث خلافات أو صدامات مع معتصمى المحطة النووية، مثل إدارة تأمينات الضبعة وغيرها.
وبعد انتخاب الرئيس مرسى، زار بعد تسلمه مقاليد الحكم بأشهر محافظة مرسى مطروح وتصريحه فى مؤتمر جماهيرى بإقامة المحطة النووية فى الضبعة، ووعده بتعويض أهالى المنطقة عن الأرض التى لم يحصلوا على مقابل عادل عن هذه الأرض، لكن ذلك لم يقنع الأهالى، فنظموا عدة تظاهرات تطالب برفض المشروع. وعلى إثر ذلك ومنذ هذا التاريخ لم يتحدث مسئول بخصوص مشروع الضبعة الذى ذهب مع الريح، وأصبحت أرض المشروع مزارع وحدائق من الصعب إزالتها أو التفكير فى إقامة المشروع بالمنطقة، بناء على طلب الأهالى وإصرارهم على العودة إلى أراضيهم وزراعتها.
صلاحية الضبعة
ويلزم أن نعرض رأى العلماء والمتخصصين فى صلاحية موضع الضبعة أو تغييره إذا لزم الأمر، وكذلك مخاطر بناء المفاعلات النووية فى هذا المكان من ناحية وكيفية تجنب مخاطر حدوث انفجار نووى أو تسرب إشعاعى مثلما حدث فى مفاعلى تشرنوبل وفوكوشيما؛ إذ يؤكد أكثر العلماء والمتخصصين صلاحية موقع الضبعة لإقامة المحطة؛ فأكد الدكتور على إسلام الرئيس الأسبق لهيئة المحطات النووية الضبعة أن موقع الضبعة مناسب تماما لإقامة المفاعل النووى الأول وتم اختياره بعد دراسات مستفيضة من المركز القومى للأمان النووى والرقابة على الإشعاع ( NCNSRC)، ويتوافر فيها كل الشروط المطلوبة لإقامة محطة نووية لإنتاج الطاقة الكهربائية، وأجريت دراسات مؤخرا عليها من جديد، وأكدت صلاحيتها التامة لإقامة أول محطة نووية سلمية عليها.
وقلل الدكتور إسلام من مخاوف وجود منتجعات سياحية وشواطئ للسباحة والاصطياف قائلا: «أى مكان آخر يتم ترشيحه لإقامة محطات نووية به، لا بد أن يوجد به مصدر كبير للمياه سواء فى الضبعة أو فى البحر الأحمر أو فى السلوم، فالجدل حول استغلال الشواطئ مواقع لمحطات نووية سيلازمنا عند اختيار أى موقع آخر؛ لأنه سيكون به شواطئ ومصايف بالفعل، أو تزحف الشواطئ إليه نتيجة الزحف العمرانى، ومن ثم فإن ذلك الجدل عقيم ولا فائدة منه، ويجب على جميع الأطراف تغليب الصالح العام والتعجيل بدخولنا المجال النووى، ولا يجب أو يكون العالم كله يتجه إليه ونتخلف نحن».
وأضاف: «اختيار مكان لإقامة محطة يستغرق وقتا وجهدا وأموالا كثيرة؛ إذ يجب توافر عدة شروط؛ أهمها مصدر لمياه البحر للتبريد، والثانى أن تكون طبوغرافية أو تضاريس المكان مناسبة، وأن يكون النشاط الزلزالى ضعيفا أو منعدما بها، وأن تكون بعيدة عن الكثافة السكانية؛ أى لا تكون قريبة بدرجة كبيرة من المدن الكبرى؛ وذلك لتقليل عوامل الخطر إذا حدث تسرب إشعاعى. ويشترط أيضا ألا تكون بعيدة بدرجة كبيرة عن تلك المدن؛ حتى لا تكون تكاليف نقل الكهرباء منها كبيرة، ويجب أن تنشأ عدة محطات لا محطة واحدة؛ لعدة أسباب؛ منها أن يوزع الجهد على عدة أماكن، ولأن إقامة محطة واحدة تكلف كثيرا فى عمليات إنشاء البنية الأساسية لمستلزمات المحطات النووية؛ فلو أنفقت تلك التكاليف على عدة محطات يكون نصيب كل محطة أقل بكثير من تحميلها لمحطة واحدة».
وأكد د. على أنه فى ظل الاحتياطات المأخوذ بها حاليا، لا تمثل تلك المنتجعات أى عائق، وفى كثير من دول العالم توجد شواطئ ومنتجعات الاصطياف على سور المحطات النووية، فلا خوف من المحطة على الشواطئ أو حركة السياحة، ولا خوف من الشواطئ على المحطة؛ لأنه -كما قلت- أى مكان آخر سيرشح لإقامة محطات به، سيكون قريبا من الشواطئ وأماكن الاصطياف؛ لاحتياج المحطة إلى مصدر مياه للتبريد».
ويتفق معه الدكتور على يحيى الليثى الأستاذ بكلية العلوم، مؤكدا أن الضبعة من الأماكن المثالية لإنشاء المفاعل النووى؛ لأنها قريبة من البحر وبعيدة عن السكان. ويشاركهما الرأى الدكتور محمد منير مجاهد نائب رئيس هيئة الطاقة النووية السابق، الذى أكد أن كل المحطات النووية فى العالم بجانبها شواطئ سياحية، ووصف ما فعله البدو من تدمير للهجوم على موقع الضبعة بالعمل الإجرامى.
وقال إن المناطق التى تصلح لإنشاء محطات نووية فى مصر محدودة؛ لأنها تتطلب اشتراطات أمان معينة، مضيفا أن موقع الضبعة هو الموقع الوحيد المتاح والمؤهل لإنشاء محطة نووية.
ويؤيدهم أيضا الدكتور إبراهيم العسيرى مستشار هيئة الطاقة النووية (كبير مفتشين بالوكالة الدولية للطاقة الذرية سابقا) والمستشار النووى، الذى كشف عن أن نقل المشروع النووى من موقعه الحالى بالضبعة إلى أى موقع بديل سيكلف مصر خسائر باهظة تصل إلى نحو 50 مليار دولار.
وقال العسيرى إن موقع الضبعة يسع من 4 إلى 8 محطات نووية بقدرات من 900 إلى 1650 ميجاوات للمفاعل الواحد. ولإيجاد موقع بديل لإقامة هذا العدد من المفاعلات فإن التكلفة تتضمن مليارى دولار تكلفة البنية الأساسية، كما أن دراسة الموقع البديل تستغرق 4 سنوات. وبفرض تصاعد تكاليف بناء المحطة الواحدة مليار دولار فى 4 سنوات فإن تكلفة الأسعار للمفاعلات المستهدفة فى هذا البند تصل إلى من 8 إلى 16 مليار دولار.
ويضيف الدكتور يسرى أبو شادى كبير مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية سابقا؛ أن موقع الضبعة ليس الموقع الوحيد الذى يصلح لإنشاء المحطة النووية؛ فهناك مواقع كثيرة بمصر تصلح لإنشاء المحطة، لكن هذا الموقع درس على مدار ثلاثين عاما، وتم اختياره لمواصفات عديدة، مؤكدا أن تربة موقع الضبعة ملائمة جدا لإنشاء المحطة.
رأى مخالف
وعلى النقيض من هذه الآراء، الدكتور خالد عبد القادر عودة الخبير الجيولوجى الشهير وعضو مجلس الشورى، والأستاذ الدكتور السيد حسن القلا أستاذ الطبيعة الإشعاعية بجامعة الأزهر وخبير الوقاية من الإشعاعات ونظم الجودة والاختبارات غير الإتلافية ومستشار الوقاية من الإشعاعات للعديد من كبرى المؤسسات والشركات الدولية والمحلية والجامعات المصرية.
وأكد الدكتور خالد عودة أن موقع الضبعة أو أى موقع آخر فى الساحل الشمالى لا يصلح بتاتا لإنشاء المحطة النووية، وشكك فى كل التقارير التى كتبت بشأن التربة فى موقع الضبعة، مؤكدا أن كلها أجرتها شركات أجنبية، وقال إن تربة الضبعة تتكون من الحجر الجيرى الطفيلى على السطح، ثم الحجر الجيرى المرمريكى الذى يتميز بالشقوق والفراغات التى تحفظ فيها المياه الجوفية، وهى تربة لا تصلح لبناء مشروع المحطة النووية عليها؛ لأنها تعتبر تربة هشة لا تتحمل إقامة منشآت نووية حسب اشتراطات الوكالة الدولة للطاقة الذرية التى ترفض إقامة منشآت نووية على أرض جيرية أو طفلية.
وأضاف أن زاوية رياح الضبعة تتجه إلى القاهرة والجيزة والفيوم، إضافة إلى أن التيارات البحرية تشكل دوامات فى هذه المنطقة؛ ما يعرض تلك المدن المكتظة بالسكان للغبار الذرى حال مهاجمة المحطة النووية فى أى حرب مستقبلا مع العدو الصهيونى أو حلفائه.
وقال عودة إن مستقبل مصر فى الصحراء الغربية، سواء فى الزراعة أو إنشاء مدن سكنية كبيرة تستوعب الزيادات المتتالية فى عدد السكان، ولو دُفنت النفايات النووية فى الضبعة على بعد 1000 متر، كما تقرر الوكالة الدولية، فإن المكان الذى ستدفن فيه هو مكان خزان المياه الجوفية الرئيسى الذى يكفى لزراعة ملايين الأفدنة فى محافظات مرسى مطروح والوادى الجديد وقنا وأسوان؛ ما سيلوث هذه المياه ويؤدى إلى عدم الاستفادة منها وضياع فرصة استصلاح ملايين الأفدنة؛ لسد الفجوة الغذائية التى تعانى منها مصر، مضيفا أن الطرق الأخرى للتخلص من النفايات النووية مخاطرها كبيرة، وتهدد بكارثة رهيبة إذا هاجمتها أى دولة معادية.
وأضاف الخبير الجيولوجى الكبير عدم صلاحية موقع الضبعة من حيث المعايير والمواصفات الفنية الدقيقة التى اتفق عليها العالم لإنشاء المفاعلات؛ لأن موقع الضبعة الحالى المقترح تعوزه إضافة منطقة شاسعة خالية من التجمعات السكانية تمتد إلى مسافة 16,4 كيلومترا غرب الطريق السريع الموصل إلى مطروح، لمتطلبات خطة الطوارئ، وهذه المساحة POPULATION CENTER DISTANCE لا يجب أن يزيد عدد الأفراد بها عن 25 ألفا بحيث إنه عند حدوث أى حادث نووى ينتج منه تسرب إشعاعى يتم إخلاؤهم جميعا ومنهم المرضى بالمستشفيات والأطفال وغير القادرين، وفقا لخطة طوارئ معتمدة من الجهة المختصة ومعدة سلفا. أما مدينة الضبعة المواجهة تماما للموقع المقترح لإقامة المحطة على الجانب الآخر من الطريق السريع المتجه من الإسكندرية إلى مطروح؛ فتبعد مسافة أقل من كيلومترين، وهى مدينة مكتظة الآن بالسكان والمبانى، ويصعب إخلاؤها؛ إذ يبلغ عدد سكان الضبعة الحالى نحو 80 ألف نسمة.
وأشار إلى أن الصحراء الشرقية ومنطقة حلايب وشلاتين جنوب البحر الأحمر، هى الأصلح لإقامة المشروع، مؤكدا إمكانية اختصار الوقت اللازم لإجراء الدراسات والتحاليل اللازمة للموقع الجديد.
وطالب د. عودة بعرض أرض الضبعة للبيع للمستثمرين، علما بأن ثمن الأرض يصل حاليا إلى نحو 100 مليار جنيه مصرى (نحو 55 مليون متر مربع بمتوسط 300 دولار المتر). وهذا الثمن سوف يساهم فى شراء أربعة مفاعلات من الماء الخفيف المضغوط دون أن تكلف الحكومة أعباء مالية أو ديونا مستقبلية، كما يعوض الوزارة عن الأموال التى أُنفقت على الموقع والدراسات السابقة؛ هذا مع العلم بأن ممثلى سكان الضبعة قد أعلنوا أمام لجنة الشئون الخارجية والأمن القومى بمجلس الشورى، موافقتهم الكاملة على التنازل عن أى حقوق لهم فى هذه الأرض نظير نقل المفاعل من الموقع واستغلال الأرض فى مشروعات أخرى يستفيد منها السكان، وقد أرسلوا إلى رئيس الجمهورية ما يفيد بهذا الشأن.
وما سبق كان خلافا بين العلماء حول صلاحية المكان. ويوضح هذا الخلاف وجود أمكان أخرى صالحة ويتفق عليها المتخصصون.
الأمان النووى
ويلزم أيضا أن نعرض رأى العلماء فى مخاطر المفاعلات النووية وحتمية اقتحام مصر المجال النووى؛ إذ يؤكد الدكتور على إسلام فى قضية الأمان النووى أن المفاعلات الحديثة آمنة تماما، وتنتمى إلى الجيل الثالث. أما مفاعلا تشرنوبل وفوكوشيما فكانا ينتميان إلى الجيلين الأولى والثانى. أما الآن فتوجد أنظمة غير خطيرة.
وأضاف: «وُضعت اشتراطات واحتياطات أمان إضافية، مثل وضع حيز إضافى كاحتياطى لوقوع انفجار أو تسريب نووى، وتم أيضا تقليل أو إلغاء عنصر الخطأ البشرى؛ إذ كان من أبرز الأخطاء التى يمكن أن تحدث أن تنقطع الكهرباء عن المحطة أو المفاعل، وتم التغلب على ذلك العامل بوضع عدة مولدات كهربائية؛ يعمل الأول على تشغيل المحطة أو المفاعل؛ فإذا تعطل المولد الأول عمل الثانى، وإذا كان به عطل عمل الثالث.. وهكذا»، مضيفا أن أعلى درجات الأمان تتحقق بإيجاد مولد يعمل ببطارية موصل بمفتاح أوتوماتيكى يفصل التيار الكهربائى ويوقف المفاعل عند توقف التبريد أو انقطاع المياه أو أى خطر يهدد بحدوث انفجار نووى، ويضمن إبقاء الأوضاع تحت السيطرة وعدم انفجار جسد المفاعل.
مخاوف غير حقيقية
ويضيف د. يسرى أبو شادى: «ما حدث فى اليابان وقع فى محطة واحدة من ستين محطة موجودة فى اليابان وحدها, كما أن ما حدث لمحطة فوكوشيما هو لجيل قديم من المفاعلات. ونحن نتحدث عن تكنولوجيا الجيل الثالث, كما أننا فى مشروع الضبعة نتحدث عن عنصر الأمان الذاتى بحيث تتوقف المحطة ذاتيا إذا حدث خلل فى الوقود أو فى أى مرحلة من مراحل المفاعل, كما أن المحطة تعتمد على تحويل المياه إلى بخار يشغل توربينات. وبالنظر إلى الزلزال الذى حدث فى اليابان ففوكوشيما رغم أنها مجهزة لتحمل الزلازل لدرجة 9, فإن التسونامى حينما حدث كسر كل الأشياء وقطع الكهرباء وأوقف نظام التبريد، وليس لخطأ فى المفاعل نفسه. والضبعة مهما حصل، فلن تصل إلى درجة الزلزال الذى حدث فى اليابان, ومع ذلك فإن المحطة مصممة لتحمل درجة 9 فأكثر إضافة إلى وجود كود يوقف المحطة تلقائيا إذا حدث زلزال وشبكات رصد عالية المستوى.
وأضاف: «لا يصح أن نخضع لعمليات التخويف والترهيب التى تمارسها الدول الأوروبية حاليا؛ لعدم إقدام الدول العربية على اكتساب التكنولوجيا النووية. لقد تأخرنا كثيرا، وآن الأوان أن نراجع أنفسنا من حيث مواصفات السلامة والأمان قبل الندم مستقبلا؛ حينما نفاجأ بأزمة حقيقية فى المياه والكهرباء».
واختتم الدكتور يسرى كلامه مؤكدا أنه لا بديل للطاقة النووية لتغطية الاحتياج المتزايد للكهرباء، مؤكدا أن أى مجال آخر للطاقة الجديدة والمتجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية والأمواج، لن تسد عُشر الاحتياج المتزايد للطاقة.
ومن ناحيته يؤكد الدكتور كريم الأدهم أستاذ الأمان النووى أن «ما حدث فى مفاعل فوكوشيما يجب ألا يدفعنا إلى التراجع مرة أخرى, بل نتقدم وبخطى ثابتة, خاصة أن موقع الضبعة يعد من أكثر المواقع فى العالم التى خضعت لاختبارات ودراسات وتقييم لأكثر من عشرين سنة, و هى من نوع مختلف عن مفاعل فوكوشيما وعن تشرنوبل؛ ففوكوشيما هى من نوع الماء الخفيف المغلى وبه دائرة واحدة للمبرد.
أما مفاعل الضبعة فسيكون من نوع الماء المضغوط وبه دائرتان, وبه أيضا النمط الجديد من نظم الأمان النووى الحديث, وهو نظام متعدد الأنساق، ويعتمد على نظرية الدفاع فى العمق».
ويضيف: «الظروف المناخية لموقع الضبعة أخذ بها فى التصميم مع معامل الأمان, وعوامل السلامة المأخوذة فى المشروع كافية وزيادة, كما أن أى حدث يجرى فى العالم لا بد من إخضاعه للدراسات واستخلاص الدروس المستفادة منه؛ فما حدث فى تشرنوبل مثلا، رغم أنه غير قابل للتكرار حتى فى روسيا نفسها؛ لم يكن عيبا فى المفاعل نفسه، وهو مفاعل قديم جدا وغير شائع, كما أن القائمين على تشغيله كانوا يريدون إحداث تجربة حادث نووى، ومن أجل إنجاحها أوقفوا أجهزة الأمان. أيضا فإن ما حدث فى مفاعل فوكوشيما لم يؤثر خارج منطقة الطوارئ التى أقرتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية».
الاستخدامات النووية السلمية
أما عن حتمية دخول مصر المجال النووى والفوائد العلمية غير المتناهية لاستخدامات الطاقة النووية، فيقول الدكتور على إسلام: «هناك استخدامات كثيرة جدا للطاقة النووية السلمية أو للنظائر المشعة فى جميع المجالات؛ ما يحدث نهضة علمية أو طفرة تكنولوجية عند اقتحامها؛ إذ تنقسم الاستخدامات النووية السلمية إلى قسمين رئيسين؛ أولهما الطاقة النووية السلمية، أهمها كما قلنا هو الذى يستحوذ على الاهتمام الأكبر عند الحديث عن الطاقة النووية السلمية، وهو توليد الكهرباء؛ وذلك بلا شك يغطى الطلب المتزايد على الكهرباء فى ظل زيادة السكان وإنشاء المصانع التى تستخدم الطاقة الكهربائية، كما يوجد استخدام الطاقة النووية قوة دفع؛ إذ تستخدم لأغراض الدفع للمركبات التى لا يمكن تزويدها المستمر بالوقود أو تحتاج إلى قوة دفع جبارة، فيمكن تزويدها بمفاعلات نووية صغيرة الحجم، ويتم ذلك فى الغواصات وحاملات الطائرات التى تظل فى المياه عدة شهور أو سنوات، وأيضا كاسحات الجليد والسفن التجارية العملاقة ومركبات الفضاء والأقمار الصناعية. وهناك استفادة مهمة جدا هى تحلية مياه البحار المالحة، وهناك دراسات فى هذا وبحوث متقدمة فى هذا الفرع من التكنولوجيا النووية فى دول الخليج العربى، وأهميتها تزيد فى ظل مخاوف الفقر المائى ونضوب المياه؛ إذ يمكن تحلية كميات هائلة من مياه البحار والمحيطات والتغلب على تلك المشكلة التى تؤرق كل مهتم بمستقبل بلده».
وثانيا إنتاج النظائر المشعة التى تدخل تطبيقاتها فى مجالات عدة؛ منها الزراعة مثل التخلص من الحشرات الضارة؛ وذلك بدلا من تلويث البيئة بالمبيدات وتوفير بلايين الجنيهات، وزيادة سرعة نمو النباتات؛ إذ أظهرت الدراسات أن تعريض بذور النباتات لجرعات محددة من الإشعاع يؤدى إلى سرعة نمو النبات، وسرعة التزهير والنضج؛ ليس هذا فقط، بل تم إنتاج نباتات تتميز بكثرة الإنتاج، وزيادة حجم الثمار، وترشيد استخدام الأسمدة؛ وذلك باستخدام الفسفور 32 المشع الذى استطاع العلماء من خلاله تقدير كمية السماد التى يحتاجها النبات وكمية السماد المفقودة، ودراسة الطرق الغذائية للنبات؛ فبتوافر النظائر المشعة أمكن ذلك.
وفى حفظ الأغذية توصلت الدراسات إلى إمكان معالجة المنتجات الغذائية باستخدام أشعة جاما الصادرة عن الكوبالت 60. وتعتبر هذه التقنية رخيصة وسهلة الاستخدام. وتمتاز هذه الطريقة بطول فترة التخزين. ولم ترصد الدراسات مخلفات إشعاعية فى المواد الغذائية.
وأضاف: «ومن أهم استخدامات الطاقة النووية السلمية فى مجال زراعة، الكشف عن المياه الجوفية؛ إذ أمكن استخدام النظائر فى الكشف عن أماكن المياه الجوفية وسرعة تدفق أنهارها وحركة الرسوبيات وتقدير أعمار المياه وعمق وسمك خزانات المياه الجوفية، ويتم ذلك باستخدام النظائر المشعة الطبيعية الموجودة داخل المياه، مثل الأكسجين 18، والهيدروجين والكربون 14 والتريتيوم، وأيضا فى معالجة مياه الصرف الصحى والزراعى. وذلك يتم بعد فصل السوائل بالتطهير بالإشعاع؛ إذ يتم فصل الرواسب الصلبة من مياه الصرف الصحى، ثم تعرض لجرعات إشعاعية جاما صادرة عن الكوبالت 60 للقضاء على الطفيليات الميكروبية التى تلوث الصرف الصحى. وتصبح هذه الرواسب المعالجة أسمدة غنية بالمواد العضوية التى تفيد التربة.
وتابع د. على: «فى الصناعات البترولية، تستخدم النظائر المشعة فى قياس سرعة تدفق البترول فى خطوط الأنابيب؛ وذلك بحقن النظير فى إحدى الأنابيب، ثم مرور النظير داخل الأنبوب، كما يمكن تعيين مستوى سطح نواتج تكرير البترول داخل الخزانات المغلقة وتمييز الفواصل بين المنتجات البترولية داخل الأنابيب وتحديد أماكن التلف فى أنابيب البترول، والكشف عن عيوب عملية اللحام فى خطوط الأنابيب وعيوب تصنيع المسبوكات، خاصة المستخدمة فى صناعة الصواريخ وفى الطائرات والغواصات وسفن الفضاء، وأيضا إزالة الكبريت من الغاز الطبيعى والفحم لمنع تآكل خطوط الأنابيب، ومعالجة الأخشاب البلاستيكية؛ إذ أمكن تحسين الخواص الفيزيائية والكيميائية للأخشاب المعالجة بالبلاستيك؛ فأصبح أكثر مقاومة للخدش والحرق. وتتضمن عملية المعالجة تغطية سطح الخشب بطبقة رقيقة من البلاستيك، ثم تعريض السطح لأشعة جاما، فيتغير التركيب الجزيئى للبلاستيك، معطيا خواص أفضل رغم عدم تغير مظهره الخشبى، وتحسين خصائص المواد البلاستيكية؛ وذلك بتعريضها لأشعة فتصبح المادة الناتجة بعد التشعيع أكثر عزلا للحرارة وأكثر مقاومة للتيار الكهربى؛ ما يجعلها أكثر ملاءمة للاستخدام فى عزل الأسلاك الكهربائية. وفى مجال القياس والمعايرة، يمكن استخدام النظائر المشعة فى كثير من القياسات فى خطوط الإنتاج. وفى صناعة السيارات يمكن استخدام النظائر المشعة لمعرفة مدى تآكل جدران أسطوانات محرك».
ولفت د. على إلى نشاط جديد قائلا: «يوجد أيضا إنتاج البطاريات النووية التى تتميز بعمرها الطويل وحسن أدائها لمدة تصل إلى 80 عاما. ويرجع هذا إلى طول فترة عمر النصف للنظير المشع.
وأضاف: «كما أنه بتسليط أشعة جاما على نوع معين من الرمال يسمى (كوارتز) فإنه يتحول إلى رقائق السليكون الذى يستخدم فى تركيب الترانزستور الذى يدخل فى تركيب جميع الأجهزة الإلكترونية، مثل الكمبيوتر والتلفزيون وغيرهما. وفى الطب تستخدم النظائر فى التشخيص وفى العلاج أيضا. ويوجد فى المستشفيات قسم خاص بالطب النووى يستخدم لعلاج الأمراض، كما تستخدم المواد المشعة لتصوير الأعضاء الداخلية لجسم الإنسان، وأنواع أخرى تستخدم للعلاج وللمعالجة الإشعاعية للمطاط التى تكسب المنتج مرونة وشفافية عالية، بالإضافة إلى خلوه من مادة النيتروزوامين المسرطنة وأكاسيد الكبريت والزنك وانخفاض نسبة السمية فيه. وتعتبر هذه الخواص مهمة جدا للاستخدامات الطبية، كما يوجد التعقيم الإشعاعى للمنتجات الطبية مثل المحاقن وملابس الجراحين والخيوط وأنابيب القسطرة والمشارط وغيرها؛ ليس هذا وفقط بل يمتد التعقيم الإشعاعى إلى المنتجات الغذائية المعلبة ومنتجات الألبان، وفى تطهير النفايات الطبية الحيوية التى يكون مصدرها المستشفيات وعيادات الأطباء ومعامل الأبحاث، بالإضافة إلى نفايات المطارات والموانئ. وتمثل هذه النفايات مخاطر جسيمة للصحة العامة؛ إذ تحتوى على نفايات التشريح، مثل الأنسجة الآدمية وبقايا الأطعمة والمواد البلاستيكية والمعدنية والزجاجية، ومن ثم فإن حرق مثل هذه النفايات يؤدى إلى أضرار بيئية جسيمة؛ لذا كان تطهيرها إشعاعيا الحل الأمثل للقضاء على التلوث الميكروبيولوجى الذى تسببه بعد إلقائها فى أماكن تخزينها. وفى الكشف عن الثروات الطبيعية، يستخدم الكاليفورنيوم 252 فى البحوث الجيولوجية للكشف عن المعادن مثل الذهب والحديد والنحاس».
و تابع د. على: «وأيضا يمكن بالنظائر معرفة التأريخ الزمنى لتحديد عمر الحفريات والمومياوات التى ماتت منذ آلاف السنين، والكشف عن الجرائم؛ إذ تعد الطرق النووية المستخدمة فى الكشف عن الجريمة من أقوى الأدلة القضائية وأكثرها حسما، ويسمى هذا الدليل بالبصمة الذرية، وعن طريقها اكتشف وجود كميات غير عادية من الزرنيخ فى شعر نابليون بونابرت؛ ما يدل على موته مسموما».
واختتم الدكتور على إسلام حديثه قائلا: «لدينا العلماء الأكفاء الذين درسوا وتدربوا على جميع المدارس الغربية والشرقية للعمل فى البرنامج النووى المصرى والعربى، بل ونمد أى دولة العربية بما تحتاجه من الكوادر أو المتخصصين عندما تطلب منا ذلك»، لافتا إلى دخول الإمارات المجال النووى بقوة بالتوقيع على اتفاقية مع تحالف كورى غربى لتوريد وبناء 4 محطات نووية.
ويبقى الأمل فى نظام الدكتور مرسى فى البداية الفعلية للمشروع النووى والإسراع بإنشاء أول محطة نووية للطاقة النووية، خاصة بعد تسريبات عن قيام مجموعة من الباحثين المصريين بالعمل فريقا لوضع تصميم للمفاعل النووى المصرى الأول. ويزيد تفاؤل العلماء الوطنيين وجود اليورانيوم فى الأراضى المصرية، حسبما تؤكد المؤشرات والشواهد، وبالتحديد فى الصحراء الشرقية، فى الجبل «العرضية» أو «مسكات الجوخ»، الذى يفصل بينه وبين الطريق الأسفلتى «قنا-سفاجا» مدق ترابى طوله يصل إلى نصف كيلومتر؛ حيث تختفى كل مظاهر الحياة البرية، فلا أشجار حوله ولا حيوانات لشدة الإشعاع المنبعث من اليورانيوم، كما أكد خبراء جيولوجيون.
كما أكد متخصصون وجود مادة التيتانيوم الذى مكن استخراج الوقود النووى منه، بدلا من اليورانيوم فى منطقة «أبو غصون» جنوب مرسى علم؛ حيث تقع مناجم «الإلمنيت»، وهو الخام الذى تُستخرج منه مادة التيتانيوم المستخدم فى الوقود النووى بديلا لليورانيوم. ويستخدم التيتانيوم أيضا فى صناعة هياكل الطائرات ومكوك الفضاء، بالإضافة إلى وضعها فى فوهات مدافع الدبابات وهياكل الصواريخ؛ لشدة صلابتها. وتشير تقديرات لعاملين فى هذا المنجم إلى وجود احتياطى يفوق 40 مليون طن، لكن نظام مبارك سمح بتصدير كميات كبيرة لخارج بسعر 30 دولارا للطن، وهو ما عدته أجهزة رقابية وبرلمانيون إهدارا للمال العام؛ لأن سعر الطن يتراوح بين 40 ألف دولار و240 ألف دولار حسب النقاء ودرجة التركيز.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.