سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
«النووى» بين التأييد الحماسى و تحذيرات أجراس الخطر .. المنطقة لم يصدر لها قرار نهائى بالموافقة من هيئة الأمان النووى لكن الهيئة أصدرت قرارها بعدم الممانعة لإقامة المشروع
بين التأييد الحماسى، والمعارضة المتشنجة، والضغوط الغربية الهادفة لعرقلة المشروع، والوعود المعسولة من المعسكر الشرقى، يتأرجح المشروع النووى المصرى. «الحلم النووى».. هكذا يسميه المؤيدون، منذ أن أطلقه الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، مايزال فى خانة الأحلام التى لا تخرج إلى النور، فمن ضغوط دولية، لا تبعد كثيرًا عن إسرائيل، وصولًا إلى أعوام الفساد فى عهد الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، حتى المعزول محمد مرسى، تراق الملايين هباءً، وتتكدس الدراسات أوراقًا فوق أوراق، فيما الأمر «محلك سر». المعارضون يتذرعون بأن دول العالم المتقدم أخذت تتراجع عن استخدام الطاقة النووية، خوفًا من التأثيرات السلبية للمفاعلات، فيما يؤكد المؤيدون أن التهويل من حجم المخاوف لن يؤدى إلا إلى التأخر فى سباق خاضه العالم من قبلنا بعقود، ومن ثم لابد من خوض التحدى، خاصة أن مصر فى حاجة ماسة للطاقة الكهربائية التى لا تكفى لسد الحاجة من الاستهلاك المحلى. ويقول الدكتور يسرى أبوشادى، أستاذ الطاقة النووية، كبير المفتشين بالوكالة الدولية للطاقة الذرية سابقاً إن مصر فى حاجة ماسة وحتمية للطاقة النووية، نتيجة للانقطاع المتكرر للكهرباء، ونقص احتياطيات النقد التى تصعب من فرص الاستيراد، مشيرًا إلى ضرورة دخول مصر عصر الطاقة النووية للحصول على عشرات الآلاف من الميجاوات، مؤكدًا أن المفاعل حل حتمى لمشكلات الطاقة المتوقعة فى المستقبل، والأمر لا يحتمل أى تأخير. ويضيف «أبوشادى» أن مصادر الطاقة فى مصر تم استغلالها بالكامل مثل المساقط المائية، ولا تكفى لإنشاء محطات كهرباء، ونستورد الغاز الطبيعى والبترول، فلا مفر من الطاقة النووية، خاصة أن مصر تحتاج إلى 3000 ميجاوات زيادة سنويا، نظرًا لزيادة السكان، ولا يمكن أن تغطيها الطاقة الشمسية وحدها، وبالتالى البديل الوحيد لإنتاج الكهرباء، وتحلية مياه البحر هو الطاقة النووية، فضلًا على أن وجودها سيدخل صناعات جديدة فى مصر. ويرى أن التحذير من المخاطر البيئية الناجمة عن الاعتماد على الطاقة النووية أمر مبالغ فيه، لأن المتعارف عليه أن الطاقة النووية تعد من أنظف أنواع الطاقة بيئيًا، ولا يتفوق عليها فى هذا الصدد إلا استخراج الطاقة عبر المساقط المائية. ويرجع «أبوشادى» عدم اتخاذ خطوات فعلية لدخول مصر مجال الطاقة النووية سلميًا إلى عدم وجود جدية ورغبة حقيقية لدى الحكومة، بالإضافة إلى المشكلات التى حدثت فى «الضبعة» التى اختيرت مقرًا لتنفيذ المشروع بين الأهالى المتخوفين من التأثير الإشعاعى الذى قد ينتج عن المفاعل، والمخلفات المشعة له، أو حوادث التسرب الإشعاعى التى تحدث بين الحين والآخر فى عدد من دول العالم. ويضيف: ما حدث خلال الفترة الأخيرة أن الأراضى تم تسليمها للقوات المسلحة، وليس لهيئة الطاقة النووية، وتم تسليمها بشروط معينة، منها تحديد صلاحية المنطقة لإنشاء مفاعل آمن. ويتميز موقع «الضبعة» حسبما يؤكد «أبوشادى» بقربه من مصدر مياه متدفق، فوجود مصدر مائى قريب ذى أهمية قصوى من أجل عمليات التبريد، كما يعد وجود مصدر المياه مهمًا فى عمليات تسريب المياه المستخدمة، وتوفير الكهرباء اللازمة للمضخات. ويعدد «أبوشادى» مميزات «الضبعة» قائلا: إن المنطقة فضلًا عما سبق بعيدة عن حزام الزلازل، كما تتميز أرضها بخواص فيزيائية ملائمة، مثل الصلابة والتماسك، وملاءمة اتجاهات وقوة الريح والمطر والأعاصير، كما تتوافق مع متطلبات الكثافة السكانية، وغيرها من المواصفات المطلوبة لموقع محطة نووية. ويشير إلى أن المنطقة لم يصدر لها قرار نهائى بالموافقة من هيئة الأمان النووى، لكن الهيئة أصدرت قرارها بعدم الممانعة لإقامة المشروع، وأظهرت الدراسات التى أجريت على الموقع أنه لا تأثير ضارًا من المفاعل على أهالى «الضبعة»، لأن الأشعة الكونية أكبر من الأشعة الناتجة عن المفاعل، وحال بناء المفاعل سيحدث نوع من التهجير المحدود لأهالى المنطقة. ويضيف «أبوشادى» أن المساحة المتاحة الآن لموقع الضبعة وتصل إلى 56 كيلومترًا مربعًا هى مساحة كبيرة، فنحن نحتاج إلى نحو ثلثها، أى ما لا يزيد على 20 كيلومترًا لإقامة المشروع. ونجح فريق بحثى من طلبة جامعة الإسكندرية مكون من 10 متميزين فى تصنيع نموذج لأول مفاعل نووى مصرى حقيقى بنسبة %100، مما يقلل من ميزانية الإنشاء فى المستقبل. وحول فكرة وجود شركات أجنبية تشارك فى صناعة المفاعل، يشير «أبوشادى» إلى أنه لا توجد دولة نامية أرادت الدخول إلى العصر النووى وبدأت دون الاستعانة بالخبرات الأجنبية، فالمفاعل الإيرانى «ألمانى روسى»، وفى الإمارات الشركات الأجنبية شركاء بنسبة %100، ولكن فى مصر الوضع مختلف، لأننا سنبدأ بنسبة مشاركة أجنبية لن تزيد على %50، وفى المفاعل الثانى ستكون نسبة المشاركة المصرية أعلى، ثم عندما يتم البدء فى المفاعل الثالث يكون مصريًا خالصًا. أما الدكتور إبراهيم العسيرى، مستشار الشؤون النووية لهيئة المحطات، فيقول إن المشروع النووى يمثل لمصر أهمية قصوى، خاصة فى ظل عدم كفاية المخزون المصرى من الغاز الطبيعى والبترول للاحتياجات اليومية، بالإضافة إلى عدم وجود فحم، وكذلك استنفاد طاقة المساقط المائية فى توليد الكهرباء بمشروع السد العالى، مشيرًا إلى أن الطاقة النووية أرخص 5 مرات من الوقود، و3 مرات من الفحم، بالإضافة إلى أنها طاقة نظيفة غير ملوثة للبيئة. ويضيف أن الشركة الفرنسية «سفراتون» وهى الشركة الأولى على مستوى العالم أثبتت أن موقع الضبعة هو أفضل المواقع من بين 23 موقعًا مصريًا لإقامة المشروع، موضحًا أن هيئة الزلازل والفوالق أكدت أنه أفضل المواقع، وتم عمل الدراسات اللازمة للموقع، ثم تمت مراجعة الدراسات عن طريق بيت خبرة سويسرى، ومؤخرًا تم تحديث هذه الدراسات بواسطة بيت خبرة أمريكى أسترالى ممثلًا فى شركة «ووارلى بارسونز»، وتمت مراجعة تعديل هذه الدراسات على ضوء حادثة اليابان من قبل خبراء من وكالة الطاقة الذرية راجعوا الدراسات والمواصفات، وتشكلت لجنة من 25 من كبار خبراء الجيولوجيا فى مصر، ورؤساء مراكز الأبحاث بمراجعة الدراسات، وتم اتخاذ القرار بصلاحية الموقع بالكامل. ويضيف أن الموقع قادر على استقبال 8 مفاعلات لإنتاج الطاقة الكهربائية بإجمالى إنتاج كهرباء من 900 إلى 1650 ميجاوات للمحطة للواحدة، بما يعنى 13 ألف ميجاوات، مؤكدًا أن التأخير الذى تم فى المشروع على مدار 30 عامًا ماضية هى عمر بقاء الرئيس المعزول حسنى مبارك فى السلطة تسبب فى خسائر تصل إلى 200 مليار دولار. ويوضح أن مصر كانت تخسر سنويًا جراء توقف المشروع نحو 8 مليارات دولار، أى ما يعادل ثمن أربع محطات نووية كالتى تعاقدت عليها الإماراتالمتحدة، وذلك فقط من فرق تكلفة الوقود النووى عن الغاز الطبيعى أو البترول. ويقول إنه إذا أوفت الحكومة بتعهداتها، وسارت الأمور بشكل طبيعى، فإن تدشين أول محطة نووية لمصر سيكون بعد خمس سنوات من الآن، يعنى بداية عام 2019، موضحا أن الإجراءات الحكومية، وطرح المشروع للمناقصة تستغرق فى حدود العام تقريبًا، وأن إنشاء المحطة الواحدة يستغرق أربع سنوات منذ بدء وضع حجر أساسها. ويشير إلى أن المواصفات المنصوص عليها فى العطاءات تتضمن تحميل الشركة الموردة للمحطة %85 من المكون الأجنبى، و%15 من المكون المحلى، وهناك فترة سماح للمحطة الأولى، ويتم التسديد من وفر الوقود، والمشروع ستغطى تكلفته بالكامل خلال أربع أو خمس سنوات، مؤكدًا أن المحطة النووية ستوفر الوقود بنحو المليار دولار فى السنة. ويشدد على ضرورة أن تتجاوز مصر الضغوط، سواء الدولية الخارجية أو الداخلية، لكى تنجح فى تحقيق الحلم، موضحًا أن نظام مبارك فى بدايته أوقف مشروع الضبعة الذى اختاره السادات وحدد له ميزانية، وخصص الأرض لإقامة المشروع بالأمر المباشر مع الشركة الفرنسية، لكن مبارك أصر على تحويله إلى مناقصة ومزايدة عالمية، مما أدى إلى توقف المشروع، ثم عاد مرة أخرى كنوع من الدعاية الانتخابية حتى توقف مرة أخرى. ويشير إلى أن الضغوط الدولية جاءت خلال عهدى الرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك، ومثيله المعزول الدكتور محمد مرسى، لعدم إقامة المشروع خوفًا من أن تلجأ مصر إلى استخدامات غير سلمية للطاقة النووية، مشيرًا إلى أن إسرائيل تطلق بين الحين والآخر شائعات لتعطيل المشروع، بزعم أن المحطات النووية تمثل مخاطر على البيئة المحيطة بها بسبب التسريبات الإشعاعية، أو حدوث انفجارات داخل المفاعل، كما حدث فى تشرنوبل، المفاعل النووى الروسى، موضحًا أن المشروع سلمى %100. وعلى الجانب المعارض، أصدرت ثلاث منظمات حقوقية، هى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وشبكة حقوق الإنسان للأرض والسكن، والمركز المصرى للإصلاح المدنى والتشريعى، دراسة مشتركة رفضت المشروع النووى لعدد من الأسباب، أهمها التكلفة الباهظة لإنشاء المحطة النووية، والتى قد تصل وفقا للدراسات الأمريكية إلى 9 مليارات دولار لكل محطة ذات قدرة 100 ألف وات، وذلك بخلاف تكلفة التشغيل. كما لم تقم الحكومة حتى الآن بتقديم تقييم واضح لتكلفة نهاية التشغيل، والتخلص الدورى من المعدات والمواد المشعة، علمًا بأن متوسط إنتاج المحطة النووية من النفايات العالية الإشعاع سنويًا يصل إلى 30 طنًا، بتكلفة تخزين أمن تبلغ 35 ألف دولار أمريكى للطن، ولم يتم الإفصاح عن التكلفة المتوقعة لتوليد الكهرباء لكل ميجاوات، أو تقديم أى معلومات عن الجدوى الاقتصادية لهذا المشروع. وأضافت الدراسة أن مصادر التمويل للمشروع، سواء للإنشاء أو التشغيل، وشروط تسديدها، مبهمة لم يتم الإفصاح عنها، ولم تتضح حصة المشروع النووى من الموازنة العامة، الأمر نفسه بالنسبة لمصدر الوقود النووى، والأكثر ترجيحًا هو مصدر خارجى بترتيبات طويلة الأمد، بما يلغى خاصية التأمين الاستراتيجى للطاقة عن المشروع النووى، وينزع عنه أى شرعية قومية. كما أن الاتجاه العالمى من الدول الكبرى والإدارة الأمريكية يقضى بمنع الدول الراغبة فى تطوير طاقتها النووية من الحصول على أى قدرات محلية للتخصيب المشع، أو إعادة معالجة الوقود النووى عن طريق المعاهدات والاتفاقيات، وهو الأمر الذى يعرض مصر للتدخل الخارجى فى مشروعها النووى، فى حالة التوقيع على تلك الاتفاقيات الدولية.