بينما كانت إيران تدق ابواب النادي النووي العالمي بكل قوة, وفي الوقت الذي دخلت فيه إسرائيل هذا النادي منذ زمن كان العالم العربي يدق ابواب نواد اخري, لعل ابرزها نوادي الفساد والديكتاتورية والتخلف الاقتصادي والاجتماعية والثقافي. وقصة العرب مع الشأن النووي هي قصة التخلف عن ركب التقدم في كل المجالات فكان هذا التخلف مجسدا لحالة من العجز العام تارة ومعبرا عن درجة من درجات المنع والمؤامرة التي ربما رسمتها القوي الكبري لحرمان العرب من دخول هذه المنطقة المحظورة لصالح إسرائيل بطبيعة الحال. وحكاية مصر علي سبيل المثال مع الملف النووي تجسد الحالتين معا.. المنع اولا والعجز لاحقا اما المستقبل فإنه يظل رهنا بطبيعة مصر الجديدة بعد ثورة25 يناير. في نهاية عام2004 تحدثت صحيفة واشنطن بوست الامريكية عن برنامج نووي مصري سري لإنتاج الاسلحة النووية, وقالت ان علماء مصريين اجروا تجارب نووية داخل مصر وخارجها اعتبارا من عام2000 وذكرت ان مفتشي الوكالة الدولية للطاقة نقلوا عينات من مواقع مصرية لتحليلها معمليا, لتحديد توقيت اجراء هذه التجارب وطبيعة المواد المستخدمة فيها. الذرة من أجل السلام كانت مصر من اولي دول العالم التي استجابت لمبادرة اطلقها الرئيس الأمريكي ايزنهاور عام1955 تحت عنوان الذرة من أجل السلام لاستغلال الامكانات الكامنة في الذرة لتوفير الطاقة والمياه وحل مشكلات التنمية بالعالم, وبالفعل ترأس الرئيس جمال عبدالناصر عام1955 لجنة الطاقة الذرية لوضع الملامح الاساسية للاستخدامات السلمية للطاقة الذرية بمصر, وفي يوليو من العام التالي تم توقيع عقد الاتفاق الثنائي بين مصر والاتحاد السوفيتي بشأن التعاون في شئون الطاقة الذرية وتطبيقاتها في النواحي السلمية, وفي سبتمبر من عام1956 وقعت مصر عقد المفاعل النووي البحثي الأول بقدرة2 ميجاوات مع الاتحاد السوفيتي, وتقرر في العام التالي انشاء مؤسسة الطاقة الذرية. ودخلت مصر عام1957 كعضو مؤسس في الوكالة الدولية للطاقة الذرية, وبفضل ثقة العالم في النوايا السلمية للبرنامج النووي المصري حصلت مصر علي معمل للنظائر المشعة من الدنمارك في العام نفسه, وبدأ تشغيل المفاعل النووي البحثي الأول عام.1961 وشهد عام1976 توقيع اتفاقية تعاون نووي مع الولاياتالمتحدة, التي سعت بعد ذلك لإضافة شروط جديدة علي الاتفاقية لتشمل التفتيش الأمريكي علي المنشآت النووية المصرية وهو ما اعتبرته مصر ماسا بالسيادة. وانضمت مصر عام1981 لمعاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية ووقعت عدة اتفاقيات للتعاون النووي مع كل من فرنسا, والولاياتالمتحدة, والمانيا الغربية, وانجلترا والسويد, وقررت الحكومة تخصيص جزء من عائدات النفط لتغطية انشاء أول محطة نووية, محطة الضبعة بالساحل الشمالي كما وقعت في العام التالي1982 اتفاقية للتعاون النووي مع كندا, واخري لنقل التقنية النووية مع استراليا. وفي عام1983, طرحت مصر مواصفات مناقصة لانشاء محطة نووية لتوليد الكهرباء قدرتها900 ميجاوات, إلا انها توقفت عام1986 وكان التفسير الرسمي لذلك هو المراجعة للتأكد من امان المفاعلات بعد حادث محطة تشيرنوبل, رغم ان المحطة التي كانت ستنشأ في مصر من نوع يختلف تماما عن النوع المستخدم في تشيرنوبل, مما يوحي بأن التبرير الرسمي لإيقاف البرنامج لم يكن مقنعا. وهنا تجب الاشارة إلي ان بنك التصدير والاستيراد الأمريكي اوصي بعدم تمويل المحطة النووية المصرية, كما امتنع صندوق النقد والبنك الدولي عن مساندة المشروع, ثم جاءت حادثة تشرنوبل والحملات الدعائية الغربية لتخويف دول العالم الثالث, الأمر الذي ادي لتجميد المشروع النووي المصري. وفي عام1992 تم توقيع عقد انشاء مفاعل مصر البحثي الثاني مع الارجنتين, ثم توالت في السنوات95 و96 و1998 بعض المشروعات المتعلقة باليورانيوم ومعادن الرمال السوداء وصولا إلي افتتاح مصنع وقود المفاعل البحثي الثاني. وفي خطوة مثيرة بعد تردد اكثر من16 عاما اعلنت مصر في مايو2002 عن انشاء محطة للطاقة النووية السلمية في غضون8 اعوام بالتعاون مع كوريا الجنوبية, والصين. اللافت في كل هذه المراحل ان الرئيس السابق حسني مبارك كان يكرر دائما رفضه بناء مفاعلات نووية لإنتاج الطاقة بسبب مخاطرها فضلا عن وجود بدائل اخري للطاقة في مصر, علي حد قوله في أكثر من مناسبة, وبقي مشروع الضبعة حبرا علي ورق نتيجة لذلك. إسرائيل النووية في مقابل ذلك كانت إسرائيل عضوة في الوكالة الدولية للطاقة الذرية لكنها لم توقع علي معاهدة منع انتشار الاسلحة النووية وترفض الكشف عن برنامجها ولاتسمح للمفتشين الدوليين التابعين لوكالة الطاقة بزيارة مواقعها النووية. ولقيت سياسة إسرائيل علي هذا الصعيد دعما دوليا في كثير من الاحيان وصمتا في احيان اخري, منذ ان بدأت اولي الخطوات عام1947, حين اسس الزعيم الصهيوني ديفيد بن جوريون اول قسم للابحاث العلمية ضمن منظمة الهاجاناة بحجة الاستعمال السلمي للطاقة. وكانت صحراء النقب ساحة مناسبة استغلتها وزارة الدفاع الإسرائيلية وبدأت فيها عام1948 أعمال التنقيب عن اليورانيوم. وكانت فرنسا من اولي الدول التي دعمت البرنامج النووي الإسرائيلي حيث تم بالفعل عام1953 توقيع اتفاق للتعاون في استخراج اليورانيوم وانتاج الماء الثقيل. وفي عام1955 دخلت الولاياتالمتحدة علي الخط ووقعت اتفاقا مع إسرائيل التي حصلت نتيجة لذلك علي مفاعل نووي اقيم فيما بعد في معهد سوريك ناحال الواقع غربي بئر السبع. اما ديمونا مفاعل إسرائيل الاشهر فقد بنته فرنسا في صحراء النقب عام1957 وهو نفس العام الذي كشف فيه النقاب عن تعاون إسرائيلي الماني في المجال النووي, وقد بدأ التشغيل الفعلي عام1963 لتتمكن إسرائيل سنويا من انتاج32 كيلو جراما من البلواتونيوم اللازم لصنع قنبلة نووية. واستفادت إسرائيل بشكل لافت من اسراب المهاجرين ففي عام1992 كشف النقاب عن وصول40 عالما نوويا روسيا إلي إسرائيل ضمن افواج المهاجرين اليهود, ونظرا لخطورة المواقع النووية فقد اختارت إسرائيل ان تكون قرب تجمعات سكنية عربية. وطبقا لتقديرات الاستخبارات الأمريكية عام1974 فإن عدد الرءوس النووية الإسرائيلية تراوح وقتها ين10 و20 رأسا نوويا. وحسب معلومات الخبير النووي الإسرائيلي مردخاي فعنونو والتي نشرتها صحيفة صنداي تايمز عام1986 فإن مخزون إسرائيل النووي يتراوح بين100 و200 رأس نووي.. ولايتوقف الخطر عند هذا الحد وانما يتعاظم مع امتلاك إسرائيل الصواريخ الحاملة للرءوس النووية. موقف المتفرج والآن يقف العرب موقف المتفرج الخائف الذي ينتظر المواجهة بين إسرائيل والغرب من جهة وإيران من جهة اخري, ويتخوف العرب أكثر لان ارض هذه المنطقة ستكون أول مايحترق اذا حانت ساعة الصفر وقررت إسرائيل او الولاياتالمتحدة التحرك عسكريا للتخلص من النووي الايراني. اذن العرب بين فكي كماشة حتي اشعار آخر ربما لاحت بوادره بهبوب رياح التغيير وثورات الربيع الديمقراطي كما في مصر وتونس اذا صارت الأمور طبقا لما هو مأمول من الشعوب التي خرجت للشارع لوضع حد لحالتي المنع الخارجي والعجز الداخلي واللحاق بقطار العصر الذي يمضي بأقصي سرعة.