فشلت كل محاولاتها في إدخال الخيط في سن المخيط. بالرغم من نظارتها السميكة. نادت حفيدتها لتعينها. أتت الصغيرة بعينيها العسليتين ورموشها الطويلة. نجحت من أول مرة. دق الباب. ركضت نحوه صارخة "حاضر يا بابا". دخل. وضع أحماله جانبا. ناوله الصبي كوب الماء قائلا: "أكيد عطشان يا بابا". يشبهه كثيرا وذات نظرة عينيه. جلس بجوار والدته ونظر إلي جلبابها الذي تخيطه. همس: "اشتريت لك جلبابا جديدا يا أمي". مصمصت شفتيها بحنق وقالت "لا استريح إلا بما أختاره لنفسي". تنهد ومضي نحو شقته. لاحقه الصغيران. بدل ثيابه. دخل المطبخ لتجهيز الغداء. اقترب الصبي بكتابه مستفسرا. وضح له ما غمض عنه. طلب من ابنته إغلاق التليفزيون والمذاكرة. قالت إنها جائعة ولن تركز. عيناها المراوغتان تربكانه رموشها حبال تسحبه للماضي. ماضي تجهله ويقتله. ساعدته في وضع الأطباق علي المائدة. لم يدندن كعادته أو يداعبهما لا يعرف ما أصابه فتر صموده؟ أم الحنين؟ تأتيه زوجته في الحلم كما يشتهيها دوما كأنها لم تغب خمس سنوات. بذات النضرة والرونق. شعرها الذي يغازل عينيها. وضحكتها التي تحييه. عارضت أمه زواجه منها. ابنة الأجنبية التي لا تشبهنا. لكنه تبع قلبه. وما هدأ إلا بين أحضانها. معها رأي الجنة وانجبت له حورية مثلها وملاكا. جلس علي المائدة. ابنه يصدر صوتا في تناول الطعام. عنفه. لوث ثيابه. ارتفع صوته. ارتبكت الفتاة. سقط كوب الماء تحطم. تناثر الزجاج. فبعينيها ذعر وخوف. تمني رؤيته بعيني زوجته. لكنها كانت متمردة طلبت منه الهجرة لموطنها حتي تري أهل والدتها بعد وفاتها. لم تعبأ لأمر طفليها. توصلت إليهم عن طريق الإنترنت. رفض. ألحت. خوفا من عدم عودتها معه بعد أن تلتقيهم رفض. أصرت. استيقظ صباح أحد الأيام لم يجدها رحلت دون وداع أو قبلة. دون رفة رمش لفراق صغارها. رحلت أخبرته أنها سئمت الحياة هنا ولم ترث طباع أمها التي عملت بمصر وأحبت الحياة الروتينية. قالت إنها تشتاق لأهلها وموطنها إن كان أبوها مصريا فروحها أجنبية. لم يكترث بإلحاحها بكثرة طلبها في السفر. قال لنفسه ستعتاد كل شيء ككل النساء لكنها لم تعتد. صرخ بوجه صغيرته وضربها علي كفها. بكت. زعق ليختفي ماضيه. ليقتل ضعفه. خطي سريعا متجاوز شذرات الكوب المكسور كأحلامه. هبط السلم وجد أمه مبتسمة في شماتة. وصل لسمعه بعض سخريتها. لم يجب. أشعل سيجاره واتجه نحو المقهي.