من نحو شهر، تحت عنوان «على بابا والأربعين حرامى - مشهد ما بعد النهاية»، نشرت على صفحات «التحرير»، الجزء الأول من إحدى حكايات الراوى، ولكن من ألسنة متواترة وأعين مغايرة، متتبعا مشهد ما بعد النهاية التقليدية. فبعد أن قامت ثورة الشباب ووصلوا إلى مغارة الأربعين حرامى، تمتم على بابا بأن دخول المغارة يحتاج إلى شفرة خاصة، أشبه بالفوازير، لكن لكل فزورة حل، والسمسم هو الحل - فى هذه الحالة. الله أكبر ولله الحمد، افتح يا سمسم، وتنفتح المغارة ويدخل على بابا الكهف محمولاً على الأعناق وسط تهليل إخوانه، ويزعق الإخوان المندسون وسط جموع الشباب بأن على بابا وهو ولى من أولياء الله وشيخ طريقة، له الطاعة على أتباعه، وهو الأحق بولاية البلد بعد ما خلصهم بربانيته من شرور عصابة الأربعين حرامى، ولكن على بابا يظهر الزهد والورع، ويترفع عن المنصب، ويرشح لهم كبديل «عتريس» أحد أتباعه المتفقهين الذى اصطفاه ورباه منذ الصغر، وأنه كشيخه يحله من عهد الطاعة له، ويقبل الشباب بعتريس بعد أن دارت أكواب شراب الليمون عليهم فى احتفال عظيم، ويذهل عتريس وتغرورق عيناه بدموع العرفان، ويجلس على مقعد الوالى فى تواضع ويفتح صدره للشباب، ويعدهم بإصلاح الأحوال، وأنه لن ينفرد برأى أو قرار، بل سيضعون معا كتابا يكون بمثابة دستور للحكم وللبلد، يحدد الحقوق والواجبات، والوزارة والقضاء، وتدابير بيت المال والمحتسبة الرقباء. وبعد الاحتفال صرف أعوان على بابا الشباب بلطف، ووعدوهم بأن الأمور سوف تنصلح فى خلال 100 يوم، وليس عليهم سوى الانتظار والصبر الجميل. وما إن أغلقت عليه أبواب المغارة، حتى حفر على بابا أرضها بسرعة واستخرج صناديق الذهب والمجوهرات المدفونة، حيث أخذ إخوانه يشاركون كل تاجر أو صانع أو قهوجى، تماما كما كان الوضع من قبل، وبدؤوا فى إنشاء سلاسل لدكاكين البقالة والثياب ومستلزمات الحرائر والجوارى، وجلابيب وسراويل الرجال والخصيان، ثم بدأ يضع أعوانه فى كل مناصب البلد، ويمسك بمفاتيح أسوارها، وعين أحد أتباعه كبيرا للرواة حتى يسيطر على الحكايات، وأمر أن تُطفأ أنوار المدينة بعد العشاء، ونشر المخابيل والمتطرفين يهاجمون الشباب وكل صاحب رأى أو نقد بالعصى والسيوف والنبال والبلى، بحجة أنهم يسيئون الأدب فى حق ولاة الأمر أو يخرجون عن تقاليد السلف الصالح. واطمأن على بابا وطمأن عتريس وإخوانهما، بأن البلد قد دانت لهم، متناسيا ما حدث للوالى المخلوع حينما سقط وسط أعوانه وجنوده. وبدأ عتريس فى ممارسة عمله كوال للبلد، ويهمس له الناصحون أن يقدر حجم المسؤولية الجديدة، وأن يشكر الله بأن يتقيه فيها، وأن يوجه اهتمامه لمصالح أهل البلد، ويسهر على خدمتهم، وينشئ ديوانا للمظالم، يستمع فيه لكل صاحب شكوى أو مظلمة، ويهتم بأمر الشباب الذين مكنوه من كرسيه، ويسمع للحكماء والعلماء ويأخذهم كمستشارين، يسألهم فى كل كبيرة وصغيرة، حتى لا يثور الشباب مرة أخرى إن وجدوه مثلاً يحابى إخوانه ويضعهم فى أماكن ليسوا أهلا لها. والحق أن عتريس أعجب لوهلة بالفكرة، وفى ليلة صفاء، أكثر من الدعاء، ونام بعد أن صلى العشاء، طالبا البشارة. وجاءته فى المنام رؤيا عظيمة، حيث تمثل له فى المنام يوسف الصديق عليه السلام، وذكره بصور من حياته كلها، منذ نشأته البسيطة، وأهله الطيبين فى محلة صغيرة خارج أسوار المدينة، إلى اليوم الذى عطف فيه على بابا عليه وهو بعد صبى طرى العظام، فاتخذه عتريس أبا ومرشدا روحيا له، وكان على بابا له تفاهمات وصفقات مع الوالى المخلوع لا يعلم بأمرها إلا المقربون، فتوسط له حتى ابتُعث ليأخذ العلم عن الخوارزمى فى بيت الحكمة ببغداد، وبعد ذلك كيف عاد، وأصبح صاحب عمود، ثم كيف طالته وشايا الكياد، حتى ألقى به فى غياهب السجن، ثم كيف أفرج عنه فى فورة حماس الشباب، ليصبح واليا على البلاد. وأخبره الصديق أن الله قد منّ عليه بهذه النعم كابتلاء واختبار، فهل يقدر النعمة، ويرعى البلاد والعباد، أم يخضع لمطالب على بابا وجماعته وجشعهم الذى لا سقف له ولا يشبعون، بعد ما علم من قبائحهم ودخائلهم وصُدم فيهم حين شب عن الطوق وبدأ يعرف حقيقتهم الإجرامية؟ استيقظ عتريس من النوم سعيدا راضى القلب، فقد أنعم الله عليه برؤيا ظهر فيها الحق ناصعا أبلج، والباطل مظلما لجلج. فكر عتريس فى حل يجعله يتبع ما رأى، دون أن يغامر بإغضاب على بابا وجماعته، بما يعنيه ذلك من مخاطر، أبسطها أن يؤلبوا عليه الناس إن هم رأوا منه تقاعسا عن تحقيق مطامعهم. وهداه تفكيره لأن يبدأ بتوازنات بين مصالح على بابا وعصابته ليتقى شرهم، وبين مصالح باقى أهل البلد، ووضع بالفعل الحكماء والعلماء فى معيته، كمستشارين له، وقلل من لقاءاته بعلى بابا وإخوانه، متعللا بأن ذلك كفيل بذر الرماد فى العيون، حتى لا يتنبه أهل البلد فيثورون، عليهم جميعا. وطالبه الشباب بأن يفى بوعده فى كتاب يسجل الحقوق لكل ذى حق، فجلس معهم واستمع لهم وطلب منهم ومن مستشاريه أن يقترحوا عليه ما يرون. اقترح الشباب أن يشكل عتريس مجلسًا يمثل فيها أهل البلد وطوائفها وصناعها وروابطها وكل محلة قريبة أو بعيدة، ليسطر هؤلاء هذا الكتاب، فأعجبته الفكرة ووعدهم بالقيام على تنفيذها. واجتهد ومستشاروه فى اختيار أعضاء المجلس المنشود، ولكن يوم اجتماع المجلس فوجئ عتريس والشباب بتبديل الأسماء، وبأن كل أعضاء المجلس من إخوان على بابا، باستثناءات شكلية غير مؤثرة، لدرجة أن سأل سائل، ولكن أين تمثيل الشيعة فى مجلس البلد؟ فقام أحد الموالين لعلى بابا وهو سنى المذهب وقال: أنا أمثل الشيعة فى المجلس! وفوجئ الشباب بأن رئيس المجلس لديه نص أعده على بابا سلفا، قام الرئيس بتمريره على أعضاء المجلس بعد منتصف الليل وأهل البلد نيام، حتى لا يشعر أحد بالجريمة، وهو نص يضع كل الصلاحيات فى أيدى على بابا، حيث عهد إليه بتفسير الأحكام الشرعية، هو ولجنة يختارها، مع تهميش دور قاضى القضاة والمحتسبة، ليصبحوا ألعوبة بين أصابع على بابا، الذى أصبح له سلطة تعيينهم وصرفهم، مع تشكيل عدة مجالس صورية يسيطر على بابا عليها جميعا من خلال أعوانه. وجد الشباب على بابا وقد أصبح الحاكم الفعلى للبلد، وأن كلمته أضحت دستورا وسيفا فوق الرقاب، فغضبوا وذكروا عتريس باتفاقهم الذى لم تمض عليه شهور، فحاول عتريس ملاطفتهم بكلام مؤثر عن الأخلاق والدين والحب، الذى يجعل المجتمع كله يحتضن بعضه البعض دون قانون مكتوب، ولكن الشباب رفضوا حديثه وأمهلوه للغد كإنذار أخير. تخفّى عتريس فى ملابس سوداء، ووضع لثاما على وجهه، وخرج من الباب الخلفى للقصر مع أخلص حراسه، متوجها لمغارة على بابا فى جبل المقطم. استقبله على بابا بترحاب وهدوء، ووضع أمامه صحن فاكهة ضخما، واستحلفه أن يأكل قبل أى كلام، فهو قلق على صحته، وربت على خده كأب محب، وبعد أن أكل سأله عما يشغله. أجابه عتريس بمخاوفه وتهديدات الشباب بمحاصرة قصره إن هو أخلف وعده وحنث بقسمه معهم، فتظاهر على بابا بالاهتمام وجاراه فى الحديث، سائلاً عتريس ما الذى ينصح بعمله فى هذا المأزق الصعب. أجاب عتريس بما رآه، ويتلخص فى أن يبدؤوا جميعا بداية جديدة، بعد أن أغدق الله عليهم من عطاياه ونعمائه، ويتخذوا الشرف والأمانة والعدل طريقا لهم، وينبذوا أساليب الماضى بما فيها من تعاملات سرية مشبوهة وخطايا وآثام سترها الله بفضله. ضحك على بابا وقرص أذنه بحب قائلا، لا عجب أننى اخترتك لهذا المنصب بدلا من أبى لهب «الكشر»، إنك فعلا لمخلص، وهذا ما جعل الشباب يصدقونك، لكن كيف يا ولدى ننبذ الماضى، أليس هذا الماضى الذى تراه الآن شائنا لجلج، هو ما صنع منك رجلا وعالما ثم واليا على البلاد، ألم تعلم أن تجارتنا وأساليبنا السرية التى تخجلك الآن، هى التى أوصلتك لما أنت فيه، وأن جماعتنا المسلحة والمتطرفين المخابيل الذين اليوم تتحرج من أفعالهم، هم من يحمون كرسيك ويصدون معارضيك، فإن كنت ترغب صادقا فى التوبة، فاخلع عنك ثياب الأبهة واترك القصر والسلطة، وتعال نبدأ معا من جديد. ما رأيك؟ صمت عتريس يفكر. وما زال يفكر ويفكر. لكن ما رأيك أنت؟ وبماذا تشير على عتريس أن يفعل؟