في مطالع هذا القرن زرت سوريا. حرصت في مدي الأيام القليلة أن أزور القنيطرة. خط مواجهة مباشر مع الاحتلال الإسرائيلي. شاهدت بالفعل إحاطة جبل الشيخ ليس بالقنيطرة وحدها. وإنما بكل الأراضي السورية. ارتفاعه يتيح رصد حركة الحياة في الأراضي السورية. أضاف إليه الكيان الصهيوني معدات الكترونية هائلة. تتيح كما أبلغني العسكريون السوريون الرؤية والتنصت إلي مئات الكيلو مترات. إلي ما بعد الحدود السورية مع العراق. عدت من الزيارة الحزينة بتعجب لظروف انسحاب القوات السورية من مرتفعات الجولان. وبيقين أن استقلال سوريا سيظل موضع شك في ظل سيطرة الاحتلال الإسرائيلي علي الموقع الأهم الذي يرصد دبة النملة داخل الأراضي السورية. ويضع كل المدن والقري تحت سيطرة مدافعه وصواريخه. استعدت تلك الزيارة وأنا استمع إلي تصريحات وزير التعليم العالي الإسرائيلي. يدعو المجتمع الدولي إلي امتلاك بلده للجولان. بدعوي غيبة الاستقرار عن سوريا. هذا هو العذر الذي برر به الوزير الإسرائيلي عزم حكومته علي أبدية احتلالها للجولان. بصرف النظر عن أن إسرائيل فاعل رئيس في كل المؤامرات التي تستهدف أمن الوطن العربي واستقراره. فإن أمن سوريا شأن داخلي. قد يتدخل فيه الأشقاء العرب. أو حتي المجتمع الدولي بمحاولات الصلح ورأب الصدع. لكن الدعوة إلي اقتطاع جزء محتل من دولة مستقلة بزعم غياب الاستقرار. تعكس المنطق الهمجي الذي استلب من خلاله الكيان الصهيوني أراضي عربية. ويحاول أن يجعل من المنطقة غابة. يمارس فيها ما كان العالم قد نبذه نهايات الاستعمار. يرفض وضع خريطة لحدود بلاده. ويصر علي الشعار الغريب علي واجهة الكنيست : من النيل إلي الفرات. ويستولي علي المدن والقري. ويغتال ويبيد ويدمر. ويتباهي بيده الطولي التي تصل إلي أي مكان في الدنيا. ويختزن بصورة معلنة أسلحة نووية وفيروسية وكيماوية. ويضع المنطقة بتوالي المؤامرات والحروب أحياناً علي فوهة بركان. لو أن العالم سكت عن هذه الدعوة الغريبة من الوزير الإسرائيلي. فلن يكون بعيدا ذلك اليوم الذي تضم دولة ما دولة أخري إليها إنقاذاً لها من صراعات أبنائها. يستغني العالم عن مؤسساته. وقواعد القانون الدولي. ويترك الأمر لمن يتصور في نفسه أقوي وحوش الغابة. للمجرم تبريراته التي يحاول إقناع الآخرين بها. ولعل رفض المجتمع الدولي قرار الكنيست الإسرائيلي منذ سنوات بتبعية الجولان للأراضي الإسرائيلية. محاولة لتجاوز ذلك الرفض بعذر أقبح من الذنب. المتمثل في احتلال أرض تابعة لبلد مستقل!