باتت جميع الأوساط السياسية في سورية اليوم تطرح وبإصرار كبير عودة الجولان السوري المحتل، وسط حراك دبلوماسي واسع أوروبي وأمريكي للتوسط بين سوريا و»إسرائيل» من أجل استئناف مفاوضات السلام.. وفي غمرة هذه الأحداث والرسائل والإشارات المتبادلة، أعلن الرئيس السوري في آخر خطاب له إلى الشعب السوري شروطاً غير قابلة للتفاوض من أجل استئناف المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي وهي عودة الجولان كاملاً ووجود وسيط دولي نزيه، في حين كان الرد الإسرائيلي سريعاً يرفض شروط الأسد ويحاول البحث عن مخرج من ورطة «السلام» الإسرائيلي الذي تدعيه حكومة الاحتلال.. ولإضاءة أكثر للموقف السوري والخيارات المطروحة شعبياً ورسمياً ودولياً أمام سوريا، التقت «المدينة» ممثل الجولان في مجلس الشعب السوري السيد اسماعيل مرعي وحاورته حول آخر المستجدات، سيما مدى صحة حرب الصيف السورية التي يترقبها الإعلام الإسرائيلي.. * بداية أين الجولان من مجلس الشعب السوري؟ وما الجهود التي بذلتموها من أجله في هذا المجلس؟ الجولان العربي السوري هو جزء متميز وغال من سورية، يقع في الزاوية الجنوبيةالغربية من سوريا محاذيا الحدود اللبنانية والفلسطينية والأردنية، ويتميز بمساحته البالغة 1860 كم مربع، وما زال تحت الاحتلال 1250 كم مربع، كما يمتاز بموقعه الاستراتيجي الهام، إذ يمتد على عرض 70 كم وفتحة على البحر الأبيض المتوسط، ويعتبر خط المطر الأول لغزارة أمطاره _أكثر من 100 مم سنوياً_، ويمتد من ثلوج جبل الشيخ إلى سهول الحمى والبطيحة 214م تحت مستوى البحر. هذا التدرج يعطي الجولان مناخاً خصباً للزراعة كون أرضه بركانية، ولذا كان محط أطماع الكيان الصهيوني، وفي عدوان 5 حزيران 1967 احتل الكيان الجولان، وكان يسعى بسياسته للاستيلاء على الأرض بلا سكان، فحاول تهجير معظم سكان الجولان، ودمر 160 قرية، وبدأ في خططه الاستيطانية فجلب المستوطنين، ومارس على من بقي من سكان الجولان القمع والاضطهاد والعنصرية، واتبع معهم سياسة الترغيب والترهيب، ولكن أهلنا في الجولان مازالوا صامدين ومقاومين، محافظين على هويتهم وانتمائهم القومي والعربي، حيث حاول الكيان فرض الجنسية الإسرائيلية عليهم لكنهم رفضوها وما زالت الأعلام السورية ترفع في الجولان، وما زالوا يترقبون التحرير والعودة لأحضان الوطن، رغم كل ما مورس عليهم من استغلال وسرقة مياه وفرض ضرائب وحجز مزروعات..الخ، وما زالوا مقاومين.. * وجود ممثل عن أهل الجولان في مجلس الشعب خطوة جيدة .. (مرعي مقاطعاً) هذه الخطوة تمثل ربطاً بالسلطة التشريعية، وتأكيداً على الانتماء والارتباط الوطني مع الوطن الأم سوريا. وليس مجلس الشعب هو المسؤول الوحيد في سوريا عن أهلنا في الجولان، بل هنالك أيضاً كافة الأجهزة القيادية والسياسية والإدارية كلها معنية بأمر الجولان ، والجولان غال على كل مواطن عربي سوري، ففي تربته دماء الشهداء، ومنذ القديم نتعامل مع الجولان كأي محافظة وأي جزء من سورية، ولكن الاحتلال يحاول دوماً عزل الجولان عن وطنه الأم، حيث أصدر قرار الضم في 14/12/1981، ولكنه رُفض من قِبل أهلنا في الجولان ومن قِبلِ الوطن الأم سوريا ومن قبلِ المجتمع الدولي، ونظراً لقرار مجلس الأمن 497 الذي اعتبر هذه القرار باطلاً، ومع هذا تحاول « إسرائيل » أن تفرض هذا القرار بطرق ملتوية، لكن الوطن الأم وأهلنا في الجولان كلهم يد واحدة في رفض هذا القرار الباطل وغير المقبول. أما بالنسبة للتمثيل في مجلس الشعب فهو عبارة عن متابعة أمور أهلنا في الجولان، واستيراد تفاح الجولان إلى سورية لفك الحصار الاقتصادي ما أمكن عن الأهل في الجولان، كذلك لدينا عدد كبير من طلبة الجولان في جامعة دمشق، وتخرج العديد منهم منذ 1976م وحتى الآن، وهنالك الكثير من الأطباء والصيادلة عادوا للجولان يحملون شهادات عربية سورية، لخدمة أهلنا في الجولان، والآن يوجد 460 طالباً من الجولان يدرسون في دمشق. الاحتلال لا يسمح لأحد بالتواصل بين الجولان وبين الوطن الأم، لذا فتعاملنا مع الأهل في الجولان عبر المنظمات الدولية وعبر منظمة الصليب الأحمر، لأننا لا نتواصل بالمباشر مع سلطات الاحتلال، لذا نتمنى أن تأخذ المنظمات الدولية دورها في إيصال خدمة الوطن الأم لأهلنا في الجولان، وكنا نتمنى أن تكون المناهج التعليمية السورية موجودة في الجولان، ولكن سلطات الاحتلال تمنعها وتدرس عوضاً عنها مناهج خاصة بسلطات الاحتلال.. كنا نتمنى أن تكون هنالك رعاية صحية بإشراف منظمات دولية ولكن سلطات الاحتلال تمنع، وهذا ليس غريبا على الكيان الصهيوني، وهو كيان عنصري استيطاني يحاول المراهنة على الوقت.. * الرئيس السوري وضع شروطاً لاستئناف هذه المفاوضات، والرد الإسرائيلي جاء رافضاً لها، في ظل المماطلة الإسرائيلية ما هي الحلول المطروحة برأيك؟ السيد الرئيس تكلم بضمير الشعب السوري، ونطق باسم كل مواطن عربي سوري، وقال إن عودة الجولان حتمية أكيدة ومطلقة، ولا مجال للتفاوض على ارض الجولان، فالأرض أرضنا والجولان لنا، لا تفاوض ولا شروط على عودة الجولان، وفي نفس الوقت نحن خيارنا السلام ووفي مبادئنا الوطنية والروحية نؤمن بالسلام العادل والشامل الذي يعيد الحقوق لأصحابها، ولا يوجد تفاوض على الجولان، فهي أرض عربية سورية حتى حدود الرابع من حزيران 1967، ولا يوجد أي مواطن يفرط بذرة من تراب الجولان وهي حتمية مؤكدة.. والرئيس اقترح مفاوضات على أن يكون هناك طرف ثالث، فالكيان الصهيوني لا يعترف بشرعية دولية ولا بقرار دولي وليس لديه أي ضمان، لذا فالضمان المطلوب هو الضمان الدولي..ولا بد من راعٍ نزيه، كطرف ثالث يكون راعيًا نزيهًا حتى يضمن مستحقات السلام. * إذاً ما هي الخيارات المطروحة الآن أمام سوريا..؟ إسرائيل تحاول اغتصاب الحقوق ، مدعومة من أمريكا والمجتمع الغربي والعتاد العسكري الذي تملكه، لكنها تتناسى إرادة الشعوب وأن صاحب الحق لا ينسى حقه، وأهلنا في الجولان مثل كبير على ذلك، فمنذ أربعة عقود تحت الاحتلال ما زالوا عرباً سوريين محافظين على عروبة الأرض، ويرفعون العلم السوري ويشاركون في أفراح الوطن وأتراحه، حتى أنهم شاركوا في الاستفتاء الرئاسي الأخير وأقاموا الاحتفالات مثل أي محافظة سورية.. «إسرائيل» تماطل ومع هذا فمستوطنوها يؤمنون أن الأرض ليست لهم، من جهة ثانية انتشرت لدينا الآن ثقافة المقاومة، مثالها انتفاضة شعبنا في فلسطين، وحرب تموز العام الفائت التي قضت على مقولة الجيش الذي لا يقهر، والمستوطنون في الكيان يعرفون أن الحق لا بد أن يعود لأصحابه.. * لكن الرئيس الأسد قال إن الأشهر القليلة المتبقية في العام 2007 قد تغيّر أشياء كثيرة في المنطقة، فهل في هذا إشارة لحرب قادمة قد تخوضها سوريا ضد الكيان الصهيوني؟ السيد الرئيس لما يشير إشارات مثل هذه فهو يقيّم الظروف الإقليمية بشكل عام والوضع في العراق والهجمة الأمريكية على إيران، كما يقيّم ما يجري في فلسطين وفي مجتمع الكيان الصهيوني ومحاولته المخاطرة بالنسبة للهروب إلى الأمام.. الآن كافة الاحتمالات واردة ونحن في موقع دفاع عن أرضنا لاستعادة حقوقنا.. * أقصد هل حان الوقت لحراك شعبي أو عسكري سوري لاستعادة الجولان؟ إذا كان الخيار المطروح هو المعركة العسكرية فنحن نختار الزمان والمكان، وإن فُرضت علينا ونحن لسنا هواة حرب كذلك نكون مدافعين بشرف وبقوة عن حقنا. من حقنا المقاومة، ومن حقنا استعادة أرضنا والتضحية لاستعادتها، وهذا حقنا الطبيعي والشرعية الدولية تسمح لنا بهذا الحق، ونحن لسنا إرهابيين كما يقيّموننا.. أنا كابن المنطقة والقضية أريد حقي، فحتمية التاريخ تؤكد أن الجولان عربي سوري وسيعود لأحضان وطنه الأم حتى حدود الرابع من حزيران بشكل كامل. نحن مع المبادرة العربية التي تعيد الحقوق لأصحابها ولكن الكيان لا يعترف بالشرعية ولا بالقرارات.. لذا فالسؤال الكبير إلى متى..!! مضت أربعة أجيال وماذا حصل..!! لا بد من التفكير بأصحاب الحقوق .. * مصادر لبنانية طالبت مجلس الأمن بعدم ربط عودة الجولان بعودة مزارع شبعا.. ما أثر ذلك على قضية الجولان وحلها ؟ مزارع شبعا أراضٍ لبنانية، هم يحاولون ربطها بالجولان.. لكنها أرض لبنانية محتلة ينطبق عليها القرار 425 لاستعادة الأراضي اللبنانية، لكن حاولوا ربطها بهذا الأمر، أما عملية ترسيم الحدود، فلن يتم ترسيم حدود تحت احتلال، والجولان أراض سورية حدودها معروفة.. * يعني فصل المسارين عن بعضهما هل يؤخر عملية التفاوض لاستعادة الجولان ؟ لا يوجد عملية فصل مسارات، فنحن لم ندخل مفاوضات ولنصل إلى المسارات، الأراضي اللبنانية محتلة ولا بد من عودتها، والجولان أراض عربية محتلة لا بد من عودتها أيضاً، أما وضع القضية الفلسطينية فدهاليز أوسلو لا زالت موجودة.. القضية عبارة عن كيان معتدٍ ما زال يحتل أرضا عربية، إذا أراد تحقيق السلام ومؤمن فيه _ ونحن نشك بهذا الأمر _ يجب أن يكون السلام مقابل الأرض، ثم تبقى مستحقات السلام أمراً قابلاً للتفاوض، إنما «عودة الجولان» فلا تفاوض عليها، وهذا أمر مؤكد وقطعي.. لكن لا يوجد من يضمن مستحقات السلام، ولم يطبق أي قرار دولي خاص به، ولم تتحقق عودة اللاجئين، وحتى المبادرة العربية يحاولون المفاوضة على القرار 194، و«إسرائيل» ومن يدعمها يحاولون عدم تطبيق هذه القرارات.. * تحدثت الصحف الإسرائيلية مؤخراً عما سمته «حرباً سورية لاستعادة الجولان هذا الصيف» .. ما مدى صحة ذلك وما أبعاده؟ هناك نار تحت الرماد، وهناك استغلال إعلامي واسع وإطلاق بالونات أمل للآخرين، كما أن هنالك احتلالا لأرضٍ عربية ولا بد من استعادتها، والاعتراف بالحدود لابدّ منه، ولكن هذا الأمر لن يستمر إلى ما لا نهاية.. الخيارات كثيرة، فإن وقعت معارك فرضها العدو الصهيوني فنحن لسنا متنازلين عن الدفاع عن أرضنا وحقنا ونمتلك القوة وجبهتنا الداخلية قوية، كما أن حقنا واضح وساطع، وإرادة شعبنا قوية، والأحرار في العالم يساندوننا، والخيارات مفتوحة.. وخط المقاومة موجود، وهذا الأمر عادي وطبيعي وسيتم.. * هزيمة «إسرائيل» الصيف الماضي في جنوب لبنان، والزيارات المستمرة بين سورية وإيران.. هل تشكل عامل ضغط على «إسرائيل» لاستئناف مفاوضات السلام مع سوريا؟ هم يحاولون ربط الأمور ببعضها، صداقتنا مع إيران منذ الثورة الإيرانية وليست وليدة الآن، وهي دولة صديقة تناصر القضية العربية والإسلامية، تمارس عليها ضغوط أمريكية ونعتبر عدونا مشتركا والمصالح مشتركة.. كما أننا مع المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق وهذا موقفنا القومي، وبالمقابل كل أحرار العالم والجماهير العربية معنا بهذا الأمر.. هذه العلاقة لا تشكل ضغطاً، فالوضع الراهن والوقت ليسا في مصلحة المعتدي. * هل الظروف الحالية لمصلحة سورية برأيك؟ لا ننظر لظرف آني في مصلحتنا، نحن لنا حق ونسعى جاهدين وبكافة الوسائل لاستعادة هذا الحق، ولا ننتظر ظرفا ما ليساعدنا وننتهز فرصة مناسبة.. نحن موجودون ومستعدون لاستعادة حقنا في أي وقت.. المفاوضات تعتبر الطريق للسلام، لكن إن أغلق هذا الطريق فنؤكد أن الخيارات مفتوحة، وهذا ليس سراً، نؤكد على المقاومة من أجل استعادة حقنا، فقد أصبح العدو الصهيوني لا يفهم إلا لغة القوة والمقاومة، والأحداث الكثيرة تثبت هذا.. طبعا المقاومة بكل معانيها، إعلامية واقتصادية وبكل المعاني والأبعاد، ويدخل ضمنها المقاومة العسكرية أيضاً، مع ضرورة التأكيد على التمييز بين المقاومة والإرهاب.