منذ حوالى الشهرين وأنا عاجزة عن الكتابة. لم أعد أفهم كيف أشعر أو أٌعبر. صارت الكلمة عبئاً ثقيلا فى تكوينه واخراجه وتبعاته وأنا لا أكتب إلا حين أكون حٌبلى بالأفكار ولايسعنى سوى المخاض. صرت عقيماً بلا دواء. ِشهران وأنا أنظر للعالم من حولى وكأننى أشاهد فيلماً مملاً فى طائرة محلقة لقطع الوقت، لا استطيع النزول من الطائرة ولا يسعنى غلق الشاشة. حالة من الاضطرار الكئيب كمن يتجرع دواءً فى محلول يصيبه بالغثيان ولا يقدر على وقفه. شٌخصت الحالة على أنها نوبة قلق مصحوبة بإكتئاب. بٌحثت الأسباب، تبلورت بالتحديد حول مستقبل مصر، المنطقة، المؤامرة الخارجية، والعدو الداخلى، قلة الفهم وقلة الثقة وتعدد الأراء حول كل فكرة وشخص وحدث. كان بداخلى حنين لأيام بعيدة لم يكن فيها سوى نشرة التاسعة بعد المسلسل العربى وشاى التموين ونستند على ظهر أبى حتى وهو نائم فى فراشه!! وتعدد الدواء! وتعددت النصائح! قالوا لى فيم قالوا: " تداوى بالكتابة!" رددت داخل نفسى: " صارت الكتابة داءً!" قالوا أيضاَ: "لا تكتبى الضعف والارتباك، تنقلينه لمن حولك!" همست باكيةً: " لا اكتب إلا الصدق!" قالوا بملء الفم: " الكلمة مسئولية تحاسبين عليها!" إحمر وجهى وانا أقول بلا صوت: " من قالى اننى أقل من مسئوليتى؟" قالوا أيضاً :" إمش بجانب الجدار، إنت مش وش بهدلة!" " بالفعل! لكن لماذا أصبح عٌرضة لهذا؟ هل يٌعقل؟" صرخت فى صمت قالوا لى: " أين وطنيتك؟ إدعمى الرئيس وجيش بلادك! أتريدين أن نصبح مثل سوريا وليبيا؟" أنا بالفعل ادعم الرئيس بأن أقول رأيى بأمانة، وأبجل جيش بلادى ولا أريد ان نصبح مثل سوريا وليبيا!" قالوا لى : " لا تكتبى إلا نفسك وما تؤمنين به!" قلت "لا اعرف أن أكتب غير ذلك" ثم صمتت طويلاً باحثة عن البدايات. كنت قد نسيت تماماً لماذا أكتب حين أكتب؟ صار الفعل تلقائياً بلا مراجعات. كان من المفيد أن أقف وأتذكر.لماذا اكتب؟ وكيف بدأت؟ نعم! البداية الثانية كانت فى التاسعة والثلاثين، كنت اقترب من سن النضج بلا أى نضج وبلا صوت إنسانى يخصنى. كان علىّ ان أجرب الأصوات المختلفة فى صمت حتى لا أزعج المجتمع الذكورى من حولى، أن تجرب أصواتاً فى صمت أى أن تكتبها، فكانت الكتابة! فعل إرادى فى محاولة إيجاد الهوية، ثم تطور الأمر إلى محاولة ترك الآثار على الطريق. تخيل أنك فى طريق جليدى وكلما مشيت تركت أثراً يستطيع من يأتى بعدك ان يلحظه ، خيط ضئيل من آثار الأقدام مثل تاريخ متواضع لحركة إنسان ما على الطريق، هنا مرت فلانة الفلانية! أما البداية الأولى للكتابة فهى حين تعلمت الكتابة، وصارت الكلمة تملأ فراغا على الورقة البيضاء مثل خريطة تذهب بك إلى كنز. قالوا لى : وماذا فى خط سيرك من أهمية؟ ما الذى يميزه؟ قلت بصوت واضح: لايميزه أى شيء، سوى انه تأريخ شخصى بتفاصيل انسانية مألوفة، تاريخ موازِ لتواريخ السلطات والأنظمة فى كل زمان ومكان، تاريخ إمرأة عادية فى وقت عصيب! المشهد .. لاسقف للحرية المشهد .. لاسقف للحرية